مهمة تحقيق الإيمان والاتصاف بصفة أهله واغتنام الليالي والأيام
خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع الإيمان، بحارة الإيمان، عيديد، مدينة تريم، 11 ذو القعدة 1446هـ بعنوان:
مهمة تحقيق الإيمان والاتصاف بصفة أهله واغتنام الليالي والأيام
يذكر الحبيب عمر بن حفيظ في خطبته صفات المؤمنين وعلاماتهم كما وردت في القرآن الكريم وخصوصاً في الآية "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"، وشدّد على أهمية تحقيق هذه الصفات في القلوب والسعي للارتقاء بمراتب الإيمان، محذراً من الغفلة وتضييع العمر دون العمل على تزكية النفس.
كما أوضح علاقة المؤمن بالقرآن الكريم وكيف تزداد قوة إيمانه عند تلاوة الآيات، منبهاً من خطورة هجر القرآن والانشغال بأمور الدنيا. وأكد حفظه الله على أهمية إقامة الصلاة والإنفاق مما رزق الله، وضرورة تربية الأبناء على الصلاة وحفظ القرآن منذ الصغر.

نص الخطبة مكتوب:
الحمد لله، الحمد لله مولانا الذي بيده ملكوت كل شيء، ومنه المُبتدأ وإليه يرجع كل شيء.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الواحد الأحد القدير الحي.
وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرة عيننا ونور قلوبنا محمدًا عبده ورسوله، أصفى الخلائق سريرةً وأنوَرهم بصيرة.
اللهم أدِم صلواتك على الهادي إلى أقوم طريقة وسيرة، سيدنا محمد، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار ذوي المناقب الكبيرة، وعلى من تبِعهم بإحسان بكمال الإيمان والإيقان والعبادة لك على بصيرة، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، سادات أهل الصدق معك، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين الخاضعين لك، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
طلب الزيادة من الإيمان وعلامته:
أما بعد،،
عباد الله، فإني أوصيكم وإياي بتقوى الله. فاتّقوا الله عباد الله وأحسِنوا يرحمكم الله، (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ).
-
اتقوا الله في تحقيقكم للإيمان به وتحقُقكم بصفات أهله.
-
اتقوا الله أن تمر بكم الليالي والأيام غير مجتهدين في تحقيق الإيمان والارتقاء في مراقيه والدخول في خاصة أهليه.
-
اتقوا الله أن يُبعَد عن هممكم ووجهاتكم طلب الزيادة في الإيمان واليقين، وتفقّدِ الأحوال والصفات التي بها ميزة المؤمنين عن المنافقين والكافرين.
-
اتقوا الله أن تغفَلوا عن واجبكم الكبير في تطهير الضمير، والبحث عن الارتقاء في مراقي الإيمان بالحق جل جلاله آناء الليل وأطراف النهار.
وظهورُ العلامات على ذكورنا وإناثنا وصغارنا وكبارنا، في مثل ما بيَّن الرحمن لنا: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ)، لا أخوَفَ عندهم أشدُّ من الله، ولا شيء أخطر في قلوبهم من أن يغضب الله، ولا شيء أشد عليهم من أن يفوتهم رضاه أو يؤولون إلى سخطه يوم لقاه، ولا شيء أعظمَ عندهم من الله.
فإذا ذُكِرَ الله وجلت القلوب، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُم).
نصيبك من وجل القلوب:
أولئك الذين حازوا من حقيقة الإيمان ما أيقنوا به عظمة الرحمن، ورجَوا القرب منه والظفر بالرضوان، وخافوا غضبه وسخطه، وتوقَّوا الوقوع في العذاب والنيران.
(إذا ذُكِرَ الله وجلت قلوبهم)، من أول علاماتهم التي تُنبئُ عمّا تكنُّه قلوبهم وسرائرهم وبواطنهم؛ إذا ذُكِرَ الله وجِلت قلوبهم.
فما حظك من هذا الوصف؟
ما نصيبك من هذا النعت الذي نعت الله به المؤمنين؟
وما نصيب أهلك؟
وما نصيب أولادك؟
أينالون هذه الأوصاف الشريفة الرفيعة بلا انتباه ولا اهتمام ولا حسن طلب؟!
أتُنال وتُدرك بإهمال أو باسترسال في غفلات، أو بقضاء الليالي والأيام في الترهات؟!
أتُنال هذه الصفات!
ممَّن لم يعرف قدر عمره وعظمة عالم سره وجهره، فلم يبحث عن درجات القرب منه والتحقق بحقائق الإيمان به؟
هو المُضَيِّع لعمره، بل المُضَيِّع لآخرته، المُضَيِّع لنهايته، المُضَيِّع لعاقبته، المُضَيِّع لمستقبله العظيم.
طرق اكتساب حقيقة التقوى :
أيها المؤمنون بالله، تُكتسب هذه الصفات :
-
بِحُسن الطلب وصدق الرَّغَب والوقوف على باب الرب،
-
وإطالة الفكر في عظمته وجلاله، والرجوع إليه والمصير بين يديه،
-
والتفكُّر في الحال؛ كيف يكون عند المآل: إلى الجنات والظلال أم إلى النيران والنَكال؟
تلكم النهاية الكبرى لكل مُكلّف، ليس فوقها أهم منها ولا أخطر منها في جميع الأحوال.
أهل التقوى مع القرآن:
أيها المؤمنون بالله، مَن أجالوا بفكرِهم في عظمة الرحمن، واستحضروا ما جاء في القرآن، وتفكروا في وضع الميزان والوقوف بين يدي الدَّيَّان، وعظّموا من أجله حبيبه سيد الأكوان، وقرأوا سيرته وما بلغ عن ربه جل جلاله، تنقدِح في قلوبهم أنوار الإجلال والإكبار، فتراهم إذا ذُكِرَ الله وجلت قلوبهم.
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).
فحالهم مع القرآن حال معظِّم، حال ممتلئ بالإجلال والإكبار لهذه الآيات وما فيها من الأنوار والأسرار، كلام الإله الملك الغفار.
يزدادون بتلاوته إيمانًا، ويرتقون بها قُربًا ومحبةً وإيقانًا.
(وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا)، فلا مكان لهجرِ القرآن عندهم، ولا مكان للغفلةِ عند تلاوة الآيات، بل لِكُل من الزوج والزوجة والابن والابنة نصيبٌ من القرآن وتدبُّره وتعظيمه ومحبته وتأمُّل ما فيه، وبذلك ينالون رتبة (وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا).
حال البعد عن كلام الله:
ويقول شائبٌ كان في طائرةٍ مسافرًا، إذا بشابٍ بجانبه يقرأ القرآن، فأخذ يستمِع ويُنصت إليه، ولما داروا بالجرائد استلم واحدةً ورفع القرآن وفتح الجريدة، تغيّر وجه الشائب، قال: يا ولدي، كلام ربك كنت تقرأه، وكنت أستأنس بقراءتك، تستبدله بهذا الكلام؟ تُؤْثِر عليه هذا الكلام وما يكتبه هؤلاء بصدقهم وكذبهم وغشهم وتخيُّلاتهم؟ من أين خرجت؟ إلى أين؟ واستبدلت ماذا بماذا؟
وكيف حال الذي يمرُّ عليه اليوم لا نصيب له من كلام الله؟ يحضر الجمعة ولم يقرأ سورة الكهف، ويمرُّ عليه بقية اليوم فلا كهف ولا آل عمران ولا سورة هود ولا سورة الدخان، ولا شيء مما ندبَه مَن أُنزِل عليه القرآن أن يقرأه في هذا اليوم، أينال رتبة (إِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا).
إنه يسمعه وكأنه من غير المؤمنين، إنه يسمعه وكأنه من غير المصدقين، لهجرانه.. لإهماله.. لقلة تعظيمه وإجلاله وتدبُّرِ ما فيه.
لتقوم أوصاف الإيمان:
فلنراجعْ حساباتنا لتقوم أوصاف الإيمان في ذواتنا وأسرنا وبيوتنا ومجتمعاتنا.
(وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)، عليه اعتمادُهم، وإليه استنادهم، وبذلك لا يُخَوَّفُون بالذين من دونه.
(وَإِذْ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)، جل جلاله، والنتائج؟
(فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ).
دعاء الخطبة الأولى :
اللهم ارزقنا عمارة أعمارنا واغتنام أيامنا وليالينا لنزداد إيمانًا، ونرقى مراقي التحقُّق بأوصاف المؤمنين الذين إذا ذُكِرتَ وجلت قلوبهم، وإذا تُليت عليهم آياتك زادتهم إيمانًا، وعليك وحدك يتوكلون ويعتمدون.
يقومون بالأسباب عبوديةً ولا يفتنون بها ولا إليها يركنون، ويقيمون الصلاة ومما رزقتهم ينفقون.
شهدت لهم بِحَقِّيّة الإيمان، فألحقنا بهم يا رحمن، وأصلح لنا السر والإعلان، وارزقنا بركة العمر واغتنام الأيام والليالي لنرقى في تلك المراقي العوالي، ونلقاك على خير حال يا ذا الكرم والجلال.
خاتمة الخطبة الأولى :
والله يقول، وقولُه الحق المبين: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). وقال تبارك وتعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ * وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وثبتنا على الصراط المستقيم، وأجارنا من خِزْيِهِ وعذابه الأليم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله حمدًا نتحقَّق به بحقائق الإيمان به، ونشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً نُعظِّم بها آياته في كتابه، ونُدرِك بها سر ندائه وخطابه.
وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرة عيننا ونور قلوبنا محمدًا عبده ورسوله، كثير الدمعة من محبة الله ومعرفته وخشيته، فقد جعله الله تعالى إمام أهل طاعته ومعرفته، وسيدَ جميع برِيَّته.
اللهم أدِم صلواتك على عبدك المختار سيدنا محمد وعلى آله الأطهار وصحبه الأخيار، ومن سار في دربهم إلى يوم الوقوف بين يديك يا عظيم يا غفار، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين معادن الصدق والأنوار، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وملائكتك المُقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
الوصية باغتنام العمر:
أما بعد،،
عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله :
-
اتقوا الله، عن التكاسل في القيام بتقوية الإيمان واليقين،
-
وعمارة الباطن بالحضور مع رب العالمين،
-
واغنموا الأيام والليالي فالعمر ثمين؛ لمن أدرك الحقيقة من العالمين.
تعظيم الصلاة واهتمام الأبناء بها:
أيها المؤمنون بالله، يقيم الصلاةَ أهلُ الإيمان، إقامةَ معظمين خاضعين خاشعين، لا يتركون في بيتهم ابن سبع سنين يُخرِجُ الصلاةَ عن وقتها من الصلوات الخمس، وقد علَّموه –ابنًا كان أو بنتًا- قبل السبع سنين حتى يصلي، ويُؤمر بها وهو ابن سبع، ويُضرب على تركها وهو ابن عشر.
يجلبون لهم أنوار الصِّلات بالله تبارك وتعالى، ولا تنحطُّ أنظارهم إلى مجرد ما يُلبسونهم مما يمكن أن يلبسه البر والفاجر والمؤمن والكافر، أو أن يُحضِروا لهم من الأجهزة ما به يفتخرون أو يلتهون.
يُزَيِّنونهم بزينة نورها يلمع في الحياة وعند الوفاة وفي البرزخ ويوم الموافاة.
يُزَيِّنونهم بمعرفة عظمة الصلاة لعظمة من يُسجَد له ويُركع له ويُوقَف بين يديه، ذلكم الله العلي العظيم.
حفظ القرآن والعمل به:
أيها المؤمنون بالله، ومن تعظيمهم لكتاب الله يحرصون أن يحفظ أبناؤهم القرآن أو ما تيسَّر منه عاملين به.
ومن حفظ القرآن وعمل به أُلبِس والداه يوم القيامة تاجًا من نور، ضوؤه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا، هذا لأبويه، فما الظن بالذي عمِل؟
إنهم أهل الحظ الكبير والمَنِّ الوفير، من السميع البصير اللطيف الخبير.
الإنفاق في سبيل الله:
(يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون)، زكاةً واجبةً –فطرةً أو زكاة مال- وصدقةً مندوبة ونافلة، وصلةً للرحم، وإعطاءً لذوي الحاجة، ومواساةً للجيران، وإعطاءً في النوائب.
(وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا)
وهذه مكاسبهم.. (لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ).
لهم درجاتٌ عند ربهم ومغفرةٌ ورزقٌ كريم؛ كيف لا يطمع المؤمن في هذه العطايا والمزايا؟
(درجاتٌ عند ربهم ومغفرةٌ ورزقٌ كريم)، إنّه النعيم المقيم والخير العظيم.
(فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ).
وصايا لأهل الإيمان:
-
أقيموا صفاتكم على ما أحبَّ مولاكم،
-
واتبعوا حبيبه يحبِبكُم ويغفر لكم جل جلاله.
-
وتواصوا بالحق والصبر،
-
واحفَظوا أعينكم وأسماعكم وألسنتكم،
-
وانظُروا إلى قلوبكم وزيِّنوها بما يحِبُّ المُطَّلِعُ عليها، الذي ينظُر إليها، لا ينظُر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم ولكن ينظُر إلى قلوبكم ونياتكم وإلى أعمالكم.
(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)، جل جلاله.
استقبال أشهر الحج:
وبذلك تُستقبلُ الأشهر الحُرُم وموسم الحج وما فيه، ويُمضى في شهر ذي القعدة لتُستقبل العشر بما فيها من عظيم الأجر، والخصوصية في القرب من عالم السر والجهر.
بلَّغنا الله إياها في صلاحٍ وفلاحٍ وفوزٍ ونجاحٍ، واستقامةٍ على ما يُوجِبُ المِنَنَ والأرباح، وصلاحٍ لأحوال المسلمين في جميع النواح، وفرَجٍ لأهل الشام وأهل اليمن، ودفعٍ للفتن والمِحَن، اللهم آمين.
خاتمة الخطبة الثانية:
واستمسكوا بحبل كثرة الصلاة والسلام على خير الأنام، فإنه علامة المحبة لله ورسوله، وإن أكثرَنا عليه صلاةً أَوْلَانَا به يوم القيام.
ولقد قال إلهكم الملك العلَّام، مُبتدِئًا بنفسه، مُثنيًا بملائكته، مُأيّهاً بالمؤمنين، تفخيمًا لقدر حبيبه وتعظيمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللهم صلِّ وسلِّم على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة، السراج المُنير، البشير النذير، عبدك المُختار سيدنا محمد،
وعلى مُؤْانِسِهِ في الغار ومُؤَازِرِهِ في حالَي السعة والضيق، خليفة رسول الله سيدنا أبي بكرٍ الصديق.
وعلى الناطق بالصواب، حليف المحراب، الوقَّاف عند آيات الكتاب، أميرِ المؤمنين سيدنا عمر بن الخطَّاب.
وعلى مُحيي الليالي بتلاوة القرآن، مَن استحيَت منه ملائكة الرحمن، أميرِ المؤمنين ذي النورين سيدنا عثمان بن عفان.
وعلى أخ النبي المصطفى وابن عمه، ووليه وباب مدينة علمه، إمام أهل المشارق والمغارب، أميرِ المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب.
وعلى الحَسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة في الجنة، وريحانَتَيْ نبيك بنص السنة.
وعلى أمهما الحوراء فاطمة البتول الزهراء، وعلى خديجة الكبرى وعائشة الرضا، وعلى أمهات المؤمنين.
وعلى الحمزة والعباس وسائر أهل بيت نبيك الذين طهّرتهم من الدنس والأرجاس.
وعلى أهل بيعة العقبة وأهل بدر وأهل أُحُدٍ وأهل بيعة الرضوان، وسائر أصحاب نبيك الكريم، وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
الدعاء:
اللهم أيقظ قلوب المسلمين وزدهم إيمانًا، وتولهم في شؤونهم سرًا وإعلانًا، ولا تكِلهم إلى أنفسهم ولا إلى أحد من خلقك، فذلك ما يوجب لهم ذلةً وهوانًا.
اللهم تدارك أمة نبيك المختار، وادفع عنهم شر المعتدين الفجار الكفار، وحَوِّل أحوالهم إلى خير الحالات، وطوِّرهم إلى خير الأطوار.
اللهم قِهم الأسواء، واخلع عليهم خِلَع التقوى، واجمع قلوبهم على ما هو أحب إليك وأرضى لك في السر والنجوى.
اللهم حوِّل حالهم إلى أحسن الأحوال، وادفع عنهم جميع البلايا والآفات والأهوال.
اللهم اكتب لهم التوفيق، وثبِّتهم على أقوم منهج وطريق، وألحقنا وإياهم أجمعين بخير فريق وأعلى رفيق، يا حي يا قيوم.
اغفر لنا وآبائنا وأمهاتنا ولذوي الحقوق علينا والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، أوسع المغفرات وأجلّ المغفرات وأشمل المغفرات يا غفور.
ارزقنا المتابعة لنبيك محمد ﷺ في المقاصد والنيات والأقوال والأفعال والبطون والظواهر، واحشرنا في زُمرته يوم البعث والنشر، واجعلنا من رفقائه في دار الكرامة، وأن ترضى عنا يا كريم يا غفور.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ).
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
(رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
عباد الله، إن الله أمر بثلاث ونهى عن ثلاث: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يَزِدكُم، وَلَذِكر الله أكبر.
13 ذو القِعدة 1446