مشاعر المؤمنين ومهمات سلوكهم أمام رمضان وبدر
خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع الإيمان بتريم، 14 رمضان 1446هـ بعنوان:
مشاعر المؤمنين ومهمات سلوكهم أمام رمضان وبدر
لتحميل الخطبة مكتوبة pdf:
فوائد مكتوبة من الخطبة:
يوضح في الخطبة:
- تذكير بغزوة بدر التي وقعت في 17 رمضان في ذكرى يوم الفرقان
- قصص لشجاعة الصحابة في بدر
- التفاوت الكبير بين عدد المسلمين وعتادهم وبين المشركين وأن النصر من الله
- مراجعة المسلم لعلاقته مع الله في شهر رمضان، وتنقية قلبه من الشوائب
- استغلال ما تبقى من رمضان في الطاعات خاصة العشر الأواخر، وتحري ليلة القدر
- التحذير من الانشغال بالأسواق في العشر الأواخر، ودعوة للاقتداء بالنبي ﷺ الذي كان يحيي ليله ويوقظ أهله
نص الخطبة مكتوب:
الخطبة الأولى :
الحمد لله الخالق المُبدئ المُنشئ المُعيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الموجد الفاطر الحميد المجيد.
وأشهد أن سيدنا ونبينا وقُرّة أعيننا ونور قلوبنا محمداً عبده ورسوله، الهادي إلى الصراط المستقيم والمنهج الرشيد.
اللهم صل وسلم وبارك وكرّم على عبدك المجتبى المختار، سيدنا محمد إمام أهل حقيقة التوحيد، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار، ومن والاه واتبع مسلكه السديد، إلى يوم الوعد والوعيد، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين أرباب التكريم والتفضيل والتمجيد، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد،،
عباد الله، فإني أوصيكم وإياي بتقوى الله، تقوى الله التي لا يقبل غيرها ولا يرحم إلا أهلها ولا يثيب إلا عليها، ومن أجْلِ تقويتها وتقويم أساسها شرع لنا الصلوات والزكوات وصوم رمضان والحج إلى بيته الحرام وبقية العبادات، لتَقوى في قلوبنا التّقوى ولنَنال الحظ والنصيب من مراقبة عالم السر والنجوى.
عظمة أهل بدر عند الله و رسوله ﷺ :
أيها المؤمنون بالله ﷻ، وأتقياء الأمة أعاظمهم أوائلهم من الذين التفّوا حول سيدنا الأتقى، العبد المنتخب الأنقى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار.
وإن من أعظم أولئك السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار مَن جاءت أمثال أيامكم هذه وهم خارجون من بلادهم وأوطانهم في نُصرة الله ونُصرة رسوله، أهل بدر الأكارم عليهم رضوان ربنا جل جلاله وتعالى في علاه:
-
أهل الصدق المُرتقين الذرى في تقوى رب الورى ﷻ ،
-
الصادقون في نُصرة الله ونُصرة مُصطفاه،
-
الباذلون الأموال والأنفس والأرواح من أجل الله،
-
نِعمَ الموفون بعهد الله صلوات الله على نبينا محمد وعليهم أجمعين.
خروج النبي وصحبه في يوم الفرقان:
وتميز أهل بدر من بقية الأصحاب بقدر عند رب الأرباب ومكانة عند الرحمن، اقتضت تخصيصهم بواسع الامتنان، إذ حضروا مع سيد الأكوان في يوم السابع عشر من هذا الشهر شهر رمضان، اليوم الذي سماه الرب تعالى في القرآن يوم الفرقان ﴿يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ﴾، والتقى ثلاثمائة وبضعة عشر مع نبينا صلى الله عليه وسلم بتسعمائة وخمسين من المشركين الفاجرين المعاندين المغتصبين، الذين سطوا على أموال الصحب من المهاجرين من الذين كانوا من مكة وحاربوا الله ورسوله.
وتعرض لهم ﷺ في عير راجعة لهم من الشام، وأراد الله أن تكون المعركة قتالاً والعير بعيدة، وذهبت العير إلى مكة وتقابل الفريقان والجمعان ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾.
(هُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ): وأطيبه قول لا إله إلا الله محمد رسول الله، فكانوا أهل طيب القول وكانوا أهل صراط الحميد صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، مضوا على هذا السبيل إيمانا وطاعة وانقيادا ووفاء بالعهد، وبذلاً للأموال والأنفس والأرواح.
مقابلة الجيشان وتفوات العدة والعتاد:
أيها المؤمنون بالله، وكل تِلكم خطابات تُخاطب المؤمنين في كل زمان،
كيف تنصُرون الله ورسوله؟
وما تقدمون وفاء بعهد ربّكم واستعداداً للقائه؟
إن القوم لما شاورهم نبيكم ﷺ وقد علم أن أبا سفيان أرسل منذراً إلى قريش يستنفِرهم لخروجهم لقتال سيدنا محمد ومن معه، وأنهم استعدوا بجيش كبير وآلات وعدد كثيرة فبينما كان في صف النبي ﷺ وجنده فرسان اثنان، كان مئتا فرس مع المشركين.
وبينما كان العدد مع النبي وأصحابه ثلاثمائة وبضعة عشر، كان العدد هناك تسعمائة وخمسين.
وبينما كانت السيوف مع النبي ﷺ وأصحابه ثمانية أسياف كان مع المشركين مئات الأسياف، إلى غير ذلك من عُدد الحرب والله يؤيد بنصره من يشاء ﴿وَكَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ﴾، قال تعالى: ﴿وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾، أي العير لا القتال ﴿وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ * إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ﴾.
سعد بن معاذ المقبل الصادق:
أيها المؤمنون بالله، خاطبهم ﷺ وشاورهم، ماذا يصنع؟ وماذا يرون؟
فتكلم من المهاجرين من تكلم وأحسن، فدعا لهم وقال: "أَشيروا عليَّ أيُّها النَّاسُ"، كررها ففطن لها الشاب المنيب المُقبل الصادق سيدنا سعد بن معاذ رضي الله عنه قال: كأنك تعنينا معشر الأنصار يا رسول الله، آمنّا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به الحق، فامضِ لما أمرك الله، لعلك خرجت تريد أمراً وأراد الله أمراً آخر، فامضِ لما أمرك الله فوالله لو خُضتَ بنا هذا البحر فاستَعرضته لخضناه معك، ولو سرت بنا حتى تبلغ بِرك الغماد من الحبشة لسرنا معك ما تخلف منا رجل واحد، ولقد تخلف عنك أقوام ما نحن بأشد حباً لك منهم، ولو علموا أنك تلقى حرباً ما تخلفوا عنك، فامض لما أمرك الله تعالى، إنا لا نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، إنَّا لصُبُرٌ في الحربِ، صُدُقٌ عندَ اللِّقاءِ، ولعلَّ اللهَ يُريكَ منَّا ما تقَرُّ به عَينُكَ يا رسول الله.
فسُرّ واستَنار وجهه كأنه قطعة قمر، وقال: "سيروا وأمِّلوا ما يسركم، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، إما العير وإما النفير، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم".
الغلامان الّذان قتلا أبا جهل:
أيها المؤمنون بالله، واصطفّوا وقال سيدنا عبد الرحمن بن عوف: التفتت فإذا عن يميني شاب صغير، وعن يساري شاب صغير، فتيان غلامان لم يبلغا بعد مبلغ الرجال الكبار.
قال: فدعاني الأول يقول أتعرف أبا جهل؟
قلت نعم، قال: فدلني عليه، قال: لماذا؟
قال: بلغني أنه كان يؤذي رسول الله، ويصد عن سبيل الله ويؤذي المؤمنين، وقد عاهدتُ ربي إن أنا لقيته ألّا أرجع عنه حتى يموت الأعجل منا.
قال: فعجبت من إيمانه ويقينه وغيرته لله ولرسوله.
قال: ودعاني الآخر وقال لي مثل ذلك، فما أحببت أن يكون مكانهما رجلين كبيرين جَلدين بعد أن سمعت منهما هذا التوجه، وهذه القلوب الفياضة بولاء الله وولاء رسوله ﷺ، لا يعرفون رأس الكُفر أبا جهل وليس بينه وبينهم ولا بينه وبين أهلهم شيء، لكنه الإيمان والكفر، لكنه الإسلام والفِسق، لكنه الهُدى والضلال، لكنه الصدق مع ذي الجلال، والصدق في محبة خاتم الإنباء والإرسال، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
قال ولما كنا أثناء المعركة بدا أبو جهل، فقلت لهم: هذا عدو الله هذا صاحبكما أبو جهل.
قال: فانقضّا عليه فما شبّهتُهما إلا بالغُراب يقع على فريسته.
قال: فأثخَناه ثم جاء ابن مسعود وهو في آخر رَمقه وقطع رأسه.
وذهب الفتيان والغُلامان إلى رسول الله يقولوا: إنا قتلنا عدو الله رأس الكفر أبا جهل، قال أنا قتلته قال الثاني بل أنا قتلته يا رسول الله، قال: "هلْ مَسَحْتُما سَيْفَيْكُمَا؟" قالا لا، قال: "فأرياني سيفيكما"، فرأى هذا السيف وهذا السيف، فقال: "كِلَاكُما قَتَلَهُ"، بالإثنين كان مقتل عدو الله جل جلال الله وتعالى في علاه.
مشاعر المؤمن كمثل أبطال بدر:
أيها المؤمنون بالله، بمثل هذه المشاعر يتربى المؤمنون الصادقون، بمثل هذه المشاعر يحيى الصائمون والمقيمون للصّلاة والمُزكّون، يمتلئون محبة لله ورسوله، ونصرة لله ورسوله ومعاداة لمن عادى الله وصد عن سبيل الله، فكذلك يجب أن تكون البيوت والمنازل منا والمشاعر من كبارنا وصغارنا، نرفض ما خالف منهج الله وسنة رسوله ﷺ ونغنم أيامنا المباركة، ولقد مر علينا ما يقرب من نصف الشهر الكريم المبارك.
أيها المؤمنون ومن لم تؤّثر فيه الدروس الماضيات في كل ليلة وفي كل يوم فمتى يتأثر؟ ومتى يتطهر؟ ومتى يتنور؟
إنه وجوب الاستعداد لما بقي من أيام الشهر، وفيها الليالي العشر والتي يُتوقع فيها ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر.
فانظروا إلى أحوال قلوبكم مع الإله المعبود، وعلائقكم به وبنبيه وحبيبه محمد زين الوجود، وماذا أنتم وكيف مع المواثيق والعهود مع الرب الودود ﷻ.
أترضون أن يكون مكر وخطط عدو الله إبليس وجنده من شياطين الإنس والجن، من الفجار والكفار المعادين لله ولرسوله ﷺ، ترضون أن تكون خططهم سائرة في بيوتكم وفي جوالاتكم وفي أفكاركم، وفي نسائكم ورجالكم؟
ارفضوا الكُفر وما تفرّع عن الكفر وما يدعو إلى السوء فإن المعاصي بريد الكفر.
شهر تصحيح العلائق :
أيها المؤمنون إنه شهر تصحيح العلاقة مع الحق ﷻ، والرابطة بدينه وما جاء به نبيه ﷺ.
ألا وإن بدراً وأهلها لَمِن خير النماذج لِمن يدرك أسرار الشهادتين ومعنى الاتصال بالحق تبارك وتعالى وعبده المصطفى سيد الكونين.
اللهم املأ قلوبنا بالإيمان واليقين، واجعلنا في الهداة المهتدين الموفين بعهدك والظافرين بمحبتك وودك، ومحبة وود عبدك وحبيبك سيدنا محمد يا أكرم الأكرمين.
خاتمة الخطبة الأولى :
والله يقول وقوله الحق المبين ﴿فَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.
وقال تبارك وتعالى ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾.
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ * لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ * وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وثبتنا على الصراط المستقيم، وأجارنا من خزيه وعذابه الأليم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله حمداً يتطهّر به الجنان عن جميع الأدران، ونرقى به في مراتب الصدق والإيمان والإيقان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عالم السر والإعلان، وأشهد أن سيدنا ونبينا وقُرة أعيننا محمداً عبده ورسوله، مَن أنزل عليه القرآن، وجعله سيد الأكوان.
اللهم أدِم صلواتك على المُجتبى المختار سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الغر الأعيان، ومن تبعهم بإحسان، وآبائه وإخوانه من أنبيائك ورسلك الهادين إليك والدالين بأمرك عليك، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى ملائكتك المقربين، وجميع عبادك الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد،،،
عباد الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله، اتقوا الله عباد الله واصدقوا مع الرحمن تعالى في علاه.
آثار رمضان على القلوب والأحوال :
أيها المؤمنون بالله ما تفعل بكم ليالي الشهر وأيامه؟
وما تنالون من خير الله وجوده وإكرامه؟
ما الآثار في القلوب؟
وما الأخبار في الطوايا وفي الخواطر وفي الأفئدة حيث نظر علام الغيوب جل جلاله وتعالى في علاه؟
عُمير بن الحِمام وصدقه يوم بدر:
أيها المؤمنون بالله، سمع عُمير بن الحمام في يوم بدر رسول الله وهو يهيئ الجيش يقول: "وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يُقَاتِلُهُمْ الْيَوْمَ رَجُلٌ فَيُقْتَل مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ، إلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ"، وكان بيد سيدنا عُمير تمرات يأكلهن فوقف عن الأكل، وقال: يا رسول الله ما تقول؟ أعد علي مقالتك، فأعادها، قال: الجنة يا رسول الله؟ قال: "الجنة"، قال: بخٍ بخٍ، قال: "ما يَحْمِلُكَ علَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟"، قال: لا وَاللَّهِ يا رَسولَ اللهِ، إلَّا رَجَاء أَنْ أَكُونَ مِن أَهْلِهَا، قالَ: "فإنَّكَ مِن أَهْلِهَا"، فلما سمع ذلك نظر إلى التمرات وقال: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حتَّى آكُلَ تَمَرَاتي هذِه إنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ، فرمى التمرات ودخل المعركة، وكان أحد الأربعة عشر الذين استشهدوا يوم بدر رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
هؤلاء الذين أدركوا حقيقة الحياة وعظمة حياة الآخرة، ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ﴾، وكذلك رقاهم الإيمان إلى هذه المشاعر وهذا الوجدان.
صفات من يحشرون مع أهل بدر :
أيها المؤمنون بالله، وهكذا يجعل الله تعالى الإمداد بحقائق هذا الإيمان لمن سبقت لهم سوابق الفضل والإسعاد والامتنان، وإن الله ليَحشُر مع أهل بدر من أمة محمد ﷺ من شابههم في:
-
الإيمان
-
واليقين
-
والمحبة
-
والبذل
-
والتضحية
وله في كل زمان من يحشرهم مع أهل بدر يوم القيامة، والويل لمن لا يرى تلك الوجوه ووجه إمامها المصطفى محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
اغتنام ما تبقى من رمضان :
أيها المؤمنون بالله، اعملوا على الصدق مع مولاكم، واجعلوا ما بقي من رمضان خيراً لكم مما ذهب ومضى، في صدق إقبالكم وإقامة أمر الله في بيوتكم وأُسركم وأنفسكم وأحوالكم، وإحياء المشاعر العالية السامية في القلوب والأرواح محبة لله ولرسوله، حتى يكون الله ورسوله أحب إلينا مما سواهما.
نصر الله لنبيه ﷺ يوم الفرقان :
أيها المؤمنون بالله جل جلاله وتعالى في علاه، بات نبينا ليلة السابع عشر داعيا لله مستغيثا "اللَّهمَّ إنَّكَ إنْ تُهلِكْ هذهِ العِصابةَ، فلا تُعْبَدُ في الأرضِ" ، وحتى في اليوم الثاني، وأشفق عليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وجاء يضمه إليه من ورائه ويقول: يا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ؛ فإنَّه سَيُنْجِزُ لكَ ما وَعَدَكَ.
وكان وعد الله حقاً، وكان كما سماه الله يوم الفرقان يوم التقى الجمعان، وهُزم الجمع وولوا مدبرين بعد أن حمل نبينا بكفه حصباء ورماها في وجوه القوم، يقول: "شاهَتِ الوجوهُ" وما بقيت عين منهم إلا دخلها شيء من تلك الرمية.
ووقعت عليهم الهزيمة في ظهر يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان عند الزوال، وولوا مدبرين، وأُسِر سبعون وقتل سبعون من المشركين، ومن المسلمين أربعة عشر، وفر القوم.
وأقام رسول الله ﷺ ثلاثة أيام، ودفن جثث المشركين، وقام يقول على القليب وفيه الكثير من صناديدهم يقول: "هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ فقد وجدت ما وعدني ربي حقاً" جل الله تعالى في علاه.
قال سيدنا عمر: يا رَسولَ اللَّهِ، ما تُكَلِّمُ مِن أجْسَادٍ لا أرْوَاحَ لَهَا؟
قال: "لستم بأسمع مما أقول منهم، غير أنهم لا يردون جواباً"، لا يؤذن لهم أن يُظهروا الجواب إلى عالم الدنيا، كما هو سنة الله تعالى فيمن انتقل من هذه الحياة.
الحث على اغتنام العشر الأواخر من رمضان:
أيها المؤمنون بالله تبارك وتعالى،
بقية رمضان:
-
أحق بتلاوة القرآن والإكثار منها
-
وأحق بحضور القلب في الصلوات وفي القيام
-
وأحق بالاحتراز للصيام من مفسداته الظاهرة والباطنة
-
أحق أن تظهر التقوى من القلوب على العيون وعلى المسامع والآذان في العشر الأواخر وأن يكون الاجتهاد أكبر.
فليست العشر الأواخر محطة الأسواق، ولا مكان خروج العوائل إلى الأسواق، والتعرض للاختلاط بالرجال، أو إظهار شيء من الزينة والمحاسن، إنها مفاسد ومسالك للمفسدين الضالين على ظهر الأرض،
إنها أيام الحياء من الله،
وأيام الأدب والصدق مع الله،
وأيام التفرغ لعبادة الله.
وكان قدوتنا إذا دخل العشر الأواخر أحيا ليله وأيقظ أهله وشد مئزره صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
رمضان شهر التطهير والتنوير والفرج :
أيها المؤمنون بالله، شهر الوجهة إلى الرحمن يجب أن يستقي من ماء تقريبه وتطهيره وتنويره كل صغير وكبير منا، قلب كل ذكر وأنثى وصغار وكبار من الشهر الكريم.
يرفع الله عنا وعن الأمة الآفات في الظواهر والخفيات، ويتدارك المظلومين والمنكوبين والمكروبين، والذين مُنِعت عليهم التغذية ومنعت عليهم الأدوية، والذين يتعرضون للظلم والعدوان في الليل والنهار من المسلمين، في الضفة الغربية أو غزة أو لبنان أو سوريا، اللهم اكشف الشدة عن أمة نبيك محمد يا حي يا قيوم.
انظر إلينا بما نظرت به إلى أهل بدر واطّلِع علينا الإطّلاعة التي اطّلعت بها على أهل بدر وأصلح لنا كل سر وجهر.
خاتمة الخطبة الثانية :
ألا أكثروا الصلاة والسلام على حبيب الرحمن خير الأنام سيدنا محمد، فإن أولى الناس به يوم القيامة أكثرهم عليه صلاة، ومن صلى عليه واحدة صلى الله عليه بها عشراً.
واسمعوا قول ربكم مؤذناً بمكانة عبده المصطفى لديه، مبتدئا بنفسه مثنياً بالملائكة مؤيهاً بالمؤمنين تعظيماً وتكريماً ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللهم صل وسلم على الرحمة المهداة والنعمة المسداة، سيدنا المجتبى المختار محمد.
وعلى صاحبه في الغار ومؤازره في مختلف الأطوار، سيدنا خليفة رسول الله الشفيق أبي بكر الصديق.
وعلى الناطق بالصواب حليف المحراب المنيب الأواب، أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب.
وعلى الناصح لله في السر والإعلان، من استحيت منه ملائكة الرحمن، مُحيي الليالي بتلاوة القرآن، أمير المؤمنين ذي النورين سيدنا عثمان بن عفان.
وعلى أخ النبي المصطفى وابن عمه، ووليه وباب مدينة علمه، إمام أهل المشارق والمغارب، أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب.
وعلى الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة في الجنة، وريحانتي نبيك بنص السنة، وعلى أمهما الحوراء فاطمة البتول الزهراء، وعلى خديجة الكبرى وعائشة الرضا، وعلى الحمزة والعباس وسائر أهل بيت نبيك الذين طهرتهم من الدنس والأرجاس، وعلى أهل بدر وأهل أحد وأهل بيعة الرضوان، وعلى سائر أصحاب نبيك الكريم وآل بيته الطاهرين، وعلى جميع من والاهم واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الدعاء :
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وأعل كلمة المؤمنين، ودمر أعداء الدين، يا من كلمته هي العليا أعلى الدرجات بالصدق معك والنصرة لكلمتك، وثبتنا على ما تحبه منا وترضى به عنا، يا حي يا قيوم.
تدارك أمة نبيك المصطفى، وادفع عنهم الشدائد والبلايا، واجمع شملهم على ما تحب، وارزقهم نصرتك ونصرة رسولك وما جاء به عنك، يا حي يا قيوم.
اللهم حوِّل الأحوال إلى أحسنها، وبارك لنا فيما بقي من أيام الشهر الكريم ولياليه، واجعلنا عندك من خواص أهليه، ورقّنا في مراقي القرب منك والفهم عنك، وزدنا إيماناً ومحبة وألحِقنا بالصادقين الأحبة، واحشرنا في زمرة أهل بدر ومن معهم من المقربين، والعباد الصادقين المخلصين، يا أكرم الأكرمين.
واغفر لنا ووالدينا ومشايخنا وذوي الحقوق علينا، والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، يا مجيب الدعوات يا غافر الذنوب والخطيئات، يا أرحم الراحمين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)
عباد الله، إن الله يأمر بثلاث ونهى عن ثلاث ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر.
16 رَمضان 1446