مسلك المحافظة على الأعضاء من العصيان علامة صدق الإيمان والقبول في رمضان

للاستماع إلى الخطبة

خطبة جمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع الشيخ أبي بكر بن سالم في منطقة عينات، بوادي حضرموت، 10 شوال 1445هـ ، بعنوان: 

مسلك المحافظة على الأعضاء من العصيان علامة صدق الإيمان والقبول في رمضان

نص الخطبة:

الخطبة الأولى :

       الحمد لله، الحمدلله الأول الآخر، الباطن الظاهر، المُطلِّع على ما تُكِنّ القلوب والسرائر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جامع الأولين والآخرين لليوم الآخر، وأشهد أن سيدنا ونبينا وقُرّة أعيننا ونور قلوبنا محمدًا عبده ورسوله، وحبيبه التقي النقي الطاهر.

 اللهم صلِّ وسلم وبارك وكرم على عبدك المختار سيدنا محمد، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار، ومن سار على سبيله إلى يوم الوقوف بين يديك يا كريم يا غفار، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، معادن الصدق والفُتوة والأنوار، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين، يا حي يا قيوم يا قهار.

 اللهم صلِّ وسلم على المصطفى وآله وصحبه، ومن سار في دربه، وعلينا معهم وفيهم، في كل لمحة ونفس، آنآء الليل وأطراف النهار. 

أما بعد… 

     عباد الله،،، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله عباد الله يرحمكم الله، إن رحمة الله قريب من المحسنين.

محل التقوى الأعضاء :

    أيها المؤمنون بالله ﷻ، ما مجالات التقوى إلا الأعضاء، وإن أعظم الأعضاء وأيمنُها على الإنسان وأشأَمها؛ ما بين لحييه وما بين رجليه، فهو ما قال صلى الله عليه وسلم: "أيمن امرئ و أشأمهُ، ما بين لحييه"، اللسان والفرج هما أكثر ما يدخل الناس النار والعياذ بالله تبارك وتعالى، وإن المحافظة عليهما بتقوى الله علامة النجاة والفوز بقرب الله ورضاه تبارك وتعالى في علاه، 

وهل يَرقب أثر قبول رمضان إلا بمراقبة هذه الأعضاء؟!

إلا بحُسن التعامل مع الله تبارك وتعالى فيما يرضاه؟!

إلا بضبط هذه الجوارح؟! 

 

أثر قبول الصيام على الأعضاء :

     أيها المؤمنون بالله ﷻ ، أمائن خلَقها الله تعالى لنا واستودعنا إياها لنصرفها في مرضاته، وما ينفعنا في دنيانا وآخرتنا على ميزانه وشريعته، وعلى ما بعث به خير بريِّته وخاتم أهل نبوته سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ومن كان قُبِل عند الحق عز وجل، ظهر آثار القبول لصيامه ولقيامه بمراقبته لأعضائه وجوارحه.

وصرفه اللسان في اليُمن مِما يرضي الرحمن:

  • من تلاوة القرآن وقراءة كلام المُنزل عليه القرآن

  • من ذكْرِ الله تعالى في عُلاه، بتسبيحه وتحميده وتهليله وتكبيره

  • ومن الصلاة على المصطفى محمد الذي قال لنا: "إنَّ أولى النَّاسِ بي يَومَ القيامةِ أَكْثرُهُم عليَّ صلاةً" 

  • ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 

  • ومن إدخال السرور على قلب المؤمن بالصدق

  • ومن تجنب الكذب والغيبة والنميمة والشتم والسب، واليمين الكاذبة، واليمين الغموس التي تغمس صاحبها في النار، وهي يمينٌ يحلفها الإنسان يقتطع بها حق الغير بغير حق، كانت غموساً لأنها تغمس صاحبها في عذاب جهنم، أجارنا الله من العذاب.

 

أثر الكلمة الطيبة في الدنيا والآخرة :

      أيها المؤمنون بالله ﷻ، والكلمة الطيبة صدقة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ به ما بلغت، يكتب الله بها له رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يظن أن تبلغ به ما بلغتْ، يكتب الله بها عليه سخطه إلى يوم القيامة والعياذ بالله جلَّ جلاله، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة يُرفع بها في الجنة درجات، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة ربما ليُضحك بها جلساءه، يهوي بها في النار أبعد من الثُّريا، أو يهوي بها في النار سبعين خريفاً، أي سبعين سنة والعياذ بالله ﷻ.

 للسانك يُمنٌ إذا استعملته في مرضاة الإله، وجنَّبتهُ ما يسخطه تعالى في علاه، مِن كل ما حرَّم علينا أن نتفوَّه به أو ننطق، وهو القائل ﷻ: ﴿إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾. 

ويَشتدُّ الأمر إذا قال في الدين ما لا يعلم وأفتى بما لا يعلم، ويشتدُّ الأمر إن أَضَلَّ غيره بلسانه، وزاغَ به عن السبيل المرضيِّ لعالم سره وإعلانه -جلَّ جلاله وتعالى في علاه. 

ألا وهل يَكُب الناس في النار على مناخرهم -أو قال على وجوههم- إلا حصائد ألسنتهم؟

فعسى وجدتَ نوراً في القلب يحملك على ضبط اللسان فيما تقول، وفيما تتحدث، وفيما تخاطب به الأهل أو الأولاد أو الصاحب أو القريب أو البعيد، فإنه محصيٌّ عليك ما تقول، ومحَاسب عليه في يوم تذهل فيه العقول. 

 

حفظ اللسان واستعماله في مرضاة الرحمن :

      أيها المؤمن بالله جل جلاله وتعالى في عظمته، احفظ لسانك وصُنْه عما يوجب العار في يوم الوقوف بين يدي الجليل الغفار -جلّ جلاله وتعالى في علاه-.

     أيها المؤمن ﷻ، زيِّنْ لسانك بذكر الرحمن وتلاوة القرآن والصلاة على سيد الأكوان.

     أيها المؤمن بالله، زيِّن لسانك بالنصيحة للمؤمنين والتنبيه للإخوان والتوجيه للأهل والأولاد، فذلك يُمنُ هذا اللسان وسبب نجاة الإنسان وفوزه بالجِنان.

     أيها المؤمن بالله جل جلاله وتعالى في علاه، لقد قال صاحب الرسالة: "مَن يَضْمَن لي ما بيْنَ لَحْيَيْهِ وما بيْنَ رِجْلَيْهِ، أضْمَن له الجَنَّةَ" كما جاء في رواية الإمام أحمد والإمام مسلم.

 

عذاب المتفوهين بالسوء بردغة الخبال:

    أيها المؤمن بالله -جل جلاله وتعالى في علاه-، وإن رَدْغَة الخَبال تَحدَّث عنها خاتم الأنبياء والمرسلين، أتدري ما ردغة الخَبال؟ وما طينة الخَبال؟

إنها عصارة أهل النار وعرقهم والقيح والصديد السائل منهم، يجتمع في أماكن في النار، ثم يغرف منه الزبانية فتسقيه أصنافًا من الناس، ومنهم الصنفان اللذان بيَّن رسول الله ﷺ تعرُّضهما للشُرب من رَدغة الخبال -عرق أهل النار وعصارتهم وقيحهم وصديدهم- وأكثر ما يخرج القيح والصديد من فروج الزناة والزانيات والعياذ بالله تبارك وتعالى. 

فالصنف الأول من الذين يُسقَون من ردغة الخبال: من قال على مؤمن ما ليس فيه، من بهت مؤمنًا، من قال على مؤمن كلمة ليشينه بها ليست فيه، حُبس في ردغة الخبال، وسُقي من ردغة الخبال والعياذ بالله تبارك وتعالى، عُصارة أهل جهنم، عرق وقيح وصديد، أجِرنا اللهم من ذلك يا كريم يا مجيد. 

أيها المؤمن بالله ﷻ، تعددت الروايات فيمن يقول على الله بغير حق، وفيمن يَنسب الى المسلم ما ليس فيه ويبْهته، وأنه يُسقى من ردغة الخبال، ومنهم من يُحبس في ردغة الخبال حتى يأتي بنفاذ ما قال، من قذف مسلمًا أو مسلمة بغير حق حُبس في الردغة، ومن بهتهُ وقال فيه ما ليس فيه، ومن قال كلمة ليشينه بها استجابة لِهواه، استجابة لغلْواء نفسه ولغيِّه ولفساده، فقال على المسلم ما ليس فيه، يشينه أمام أحد من الناس، حُبس في ردغة الخبال حتى يأتيَ بنفاذ ما قال، هذا المُتعرِّض لهذا البلاء.

 والثاني والعياذ بالله من عاود شرب الخمر حتى شربه الرابعة ومن أدمن عليه، ومن سقى المسكر طفلًا لا يعرف ماحرَّم الله عليه ولا ما أحل، لا يعرف حلاله من حرامه، فسقى طفلا شيئا من هذه المُسكرات، أو أعطاه من الحبوب المخدرات فجزاؤه أن يُسقى من ردغة الخبال والعياذ بالله. 

وقد جاء أيضا في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم فيمن يشرب الخمر ويديمُها أو يتعاودها، أن الله عهد إلى من شرب الخمر أن يسقيه من ردغة الخبال والعياذ بالله تبارك وتعالى.

 

تقوى الله في أعضائك فوزٌ وفلاحٌ:

     أيها المؤمن بالله، مجال التقوى في هذه الحياة: سفينة الفوز والفلاح والنجاح والنجاة من البلايا والأشرار والأضرار والعذاب الدائم، فتأمل أيها المؤمن حالك في الأعضاء، وانظر الى ما فرض الله عليك فسارع إلى أدائه، وارغب فيما ندبك إليه وأحبه منك، واحذر ما كرهه وما فيه الشبهة من المنطق والقول والفعل والنية والنظر والشرب والأكل وما إلى ذلك، وتوقَّى ما فيه الشبهة فضلاً عما هو حرام، فما من لحم نبت من سُحتٍ إلا كانت النار أولى به والعياذ بالله.

اللهم املأ قلوبنا بأنوار التقوى، واجعل للتقوى سرايةً في كل عضو من أعضائنا، واجعلنا ممن يفوز بجنَّاتك وينال شريف مرضاتك ومرافقة خير برياتك يا رب العالمين.

والله يقول وقوله الحق المبين: ﴿فَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.

وقال تبارك وتعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾.

 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا * وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا * وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)  (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا * أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا﴾.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وثبتنا على الصراط المستقيم، وأجارنا من خزْيه وعذابه الأليم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية :

     الحمد لله الغفور الرحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي العظيم، وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرَّة أعيننا ونور قلوبنا محمدًا عبده ورسوله، الهادي إلى الصراط المستقيم.

اللهم صلِّ وسلم وبارك وكرم على عبدك المختار سيدنا محمد ذي الخُلق العظيم، وعلى آله وأصحابه ومن سار في منهجه القويم، وعلى آبائه وإخوانه من أنبيائك ورسلك، وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا كريم يا رحيم.

سرُّ الجُمعة وروحها:

 أما بعد…

    عباد الله،،، فإني أوصيكم وإياي بتقوى الله، فاتقوا الله وخذوا زينة الجُمعة، بل وروحها وحقيقتها بجمعية قلوبكم على المُطَّلِع على خفايا ضمائركم، وحُسن أدبكم معه، وتزيين بواطنكم، ألاّ تَعزموا إلا على مرضاته وفعل طاعاته، وعلى اجتناب معاصيه ومخالفاته.

سر الجُمعة وِجهةٌ الى الرحمن ﷻ، يطيب بها القلب واللسان والأعضاء، ويقيم المؤمن بها ما فرض الله عليه ويجتنب ما نهاه عنه، ويسعى فيما أحب ويتقرب في من تقرّب، حتى ينال محبة الإله الرب، ومن أحبه الله فلا يُوصَف ما يُحصِّل، ولا يُدرَك عظيم ما ينال من فيض المُفضِل.

     أيها المؤمنون بالله ﷻ ،،، جُمَعُكم على الله جامعة، وفيها منَنُه سبحانه ورحماته هامعة، فاصدقوا مع الله تبارك وتعالى في تطهير أعضائكم مما حرَّم، واستقامتكم على المنهج الأقوم، تحوزوا خير الأيام والأسابيع والشهور، وتُدركوا بركة الأعمار، لتَلقوا الرب الغفور وأنتم على حال جميل يرضى تعالى عنكم، ويُحِب لقاءكم وتُحبون لقاءه، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

      أيها المؤمنون بالله، ما أعجب ما تتخطف المَنون صغارًا وكبارًا، وتُخرجهم من بيننا إلى البرازخ، وذلك عُرضةٌ لكل واحد منا، وذلكم متوقَّع لكل فرد من صغارنا وكبارنا، ومن طال عمره وحسن عمله نال الفوز الكبير، وشرُّ الناس من طال عمره فساء عمله والعياذ بالله سبحانه وتعالى.

حكمة الحكيم في فرض الجُمَع على المسلمين:

    أيها المؤمنون بالله، زينة الجُمعة جَمعية قلوبكم على الناظر إليها والمُطَّلع على خفاياها، فاصدقوا معه وانصرفوا من الجمعة بصدق إقبال وتوجه إليه في كل حال، وصدق المقال، والنصح لكل مسلم، والدعاء لله، والدعوة الى الله، والنصيحة لعباد الله، فاستعملوا السنتكم فيما يرضي الرحمن ﷻ، وحافظوا على ما بين أرجلكم ألاّ ينصرف إلا إلى ما أحل الله، ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ).

ألا إنّ من زنى أو شرب الخمر نزع الله الإيمان من قلبه، كما يخلع الإنسان قميصه من على جسده، وقد يعود وقد لا يعود.

حال أهل الفواحش وخجلهم يوم القيامة:

     أيها المؤمنون، بل قال أهل المعرفة والعلم؛ إن جميع التائبين من جميع الذنوب، المقبولة توبتهم عند الرب، لا يَبقى لهم تأنيبٌ ولا تحسرٌ ولا ينازلهم بعد ذلك من الخجل والحياء شيء، إلا أرباب الزنا واللواط والفواحش، فإنهم وإن تِيبَ عليهم يُعرض لهم العرض، فينالهم من الخجل بين يدي الله ما يشتدُّ عليهم وما يعظم عليهم، هذا وقد تيب عليهم، فكيف بمن لم يتُب؟ والعياذ بالله جل جلاله وتعالى في علاه.

إن أيام الحياة ولياليها مراحل نرحل فيها إلى لقاء البارئ الذي خلق، فلنصدق معه ولنتّقِ مع من اتقى، لنحوز الصفاء والنقاء ونلحق بالأتقى في دار الكرامة والبقاء.

 اللهم وفِّقنا لما تحب واجعلنا فيمن تحب.

 ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾.

 اللهم اجعلنا من أهل تقواك، واسلك بنا سبيل رضاك، واغمرنا بفائضات جودك ونوالك وعطاك، يا أرحم الراحمين.

وأكثروا الصلاة والسلام على هاديكم إلى سواء السبيل، محمد المصطفى مقام محل التكريم والتبجيل، من خَصّه الله بالتفضيل على جميع من سواه من أولٍ وأخير.

 اللهم صلِّ وسلم على البشير النذير والسراج المنير، الذي قلت في حقه مبتدئا بنفسك مثنيا بملائكتك، مؤيِّها بالمؤمنين تعظيماً وتفخيماً: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

 اللهم صلِّ وسلم على البشير النذير، السراج المنير، عبدك الهادي إليك والدال عليك سيدنا محمد.

 وعلى الخليفة من بعده المختار، وصاحبه وأنيسه في الغار، مؤازره في حاليي السعة والضيق، خليفة رسول الله سيدنا أبي بكر الصديق.

وعلى الناطق بالصواب حليف المحراب، ناشر العدل في الآفاق، أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب.

وعلى الناصح لله في السر والإعلان، من استحيت منهم ملائكة الرحمن، أمير المؤمنين ذي النورين سيدنا عثمان بن عفان.

وعلى أخِ النبي المصطفى وابن عمه ووليه، وباب مدينة علمه، إمام أهل المشارق والمغارب، أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب.

وعلى الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة في الجنة، وريحانتي نبيك بنص السنة.

وعلى أمهما الحوراء فاطمة البتول الزهراء، وعلى أخواتها الكريمات، وعلى أمها خديجة الكبرى، وأمهات المؤمنين.

وعلى الحمزة والعباس عمي نبيك، وأهل بيته الذين طهرتهم من الدنس والأرجاس، وعلى أهل بيعة العقبة وأهل بدر وأهل أحد وأهل بيعة الرضوان، وعلى سائر الصحابة الأكرمين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

الدعاء:

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم أعلِ كلمة المؤمنين، اللهم دمِّر أعداء الدين، اللهم اجمع شمل المسلمين.

إلهنا وسيدنا، يا خالق قلوبنا وأعضائنا، استبدَّت أنفس وشهوات وأطروحات إبليس وجنده على كثير من هذه الأمة، فاستعملوا أعضاءهم فيما حرَّمت وما نهيت، اللهم تب علينا وعليهم توبة نصوحًا، ورُدنا ورُدهم إليك مردًا جميلاً، يا حي يا قيوم، ثبتنا على الحق فيما نقول، وثبتنا على الحق فيما نفعل، وثبتنا على الحق فيما نعتقد.

يا إلهنا وسيدنا، تَخلع خِلع التقوى على من سبَقت لهم منك السعادة، فأكرمنا بخلعة التقوى في السرِّ والنجوى، وتولنا بما أنت أهله يا حي يا قيوم.

اللهم فرِّج كروب الأمة أجمعين، وادفع البلايا عنهم أجمعين، وحوِّل أحوالهم إلى أحسن الأحوال، وبدِّل اللهم ما نازَلهم من البلايا والخطوب إلى فائض من اليُسر ومن النور ومن الهدى ومن الخير ومن الافضال.

اللهم عاملنا بما أنت أهله، وأصلح لنا وللأمة الشأن كله، واجزِ اللهم المتقدمين في بلداننا ومواطننا، ومن عَمَر مساجدنا هذه وأسّسها وأقامها خير الجزاء، ومن دعا إليك ودلّ عليك وسندنا إلى نبيك المصطفى محمد، اللهم ارفع درجاتهم واجمعنا بهم في دار الكرامة من غير سابقة عذاب ولا عتاب ولا فتنة ولا حساب، وأنت راض عنا يا أرحم الراحمين.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إمامًا) ، 

(رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ)، (رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ)، (رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا)

نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، فأدخلنا الجنة بغير حساب، وثبِّتنا على ما تحبه يا رب الأرباب، واختم لنا بأكمل حسنى وأنت راض عنا، برحمتك يا كريم يا وهّاب.

(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) 

(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) 

نسألك لنا وللأمة خير ما سألك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، وأنت المستعان وعليك البلاغ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

عباد الله،،، إن الله أمر بثلاث ونهى عن ثلاث، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر.

 

 

 

 

تاريخ النشر الهجري

11 شوّال 1445

تاريخ النشر الميلادي

19 أبريل 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

الأقسام