(228)
(536)
(574)
(311)
خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع الإحسان، بحارة حصن عوض ، مدينة تريم، 3 شوال 1445هـ بعنوان:
ما يخرج به المؤمن من رمضان والعيد من معاني التكبير واستقامة السيرة وطهر السريرة
الخطبة الأولى :
الحمد لله مُنوِّر القلوب والعقول، ومعطي العطايا الجزيلة بالفضل والإحسان، ليرتقي العباد مراقي القرب منه والفوز الأكبر بالفضل والطَّول.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بيده ملكوت كل شيء، وهو العزيز الغفور، جامع الأولين والآخرين ليوم البعث والنشور، فيفوز من اتّقاهُ وأطاعه وراقبه في البطون والظهور، ويخيب ويخسر ويهلك كل طاغٍ وباغٍ وكفور.
وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرة أعيننا ونور قلوبنا محمدًا عبده ورسوله، المُنيب الأواب الشكور، سيد الأولين والآخرين، ذو المنزلة العُظمى لدى الإله الغفور، اللهم أدِم صلواتك على السرّاج المنير البشير النذير، عبدك المختار سيدنا محمد، هادينا إليك ودالّنا عليك، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار الصدور، وعلى من والاهم واتبعهم بإحسان إلى يوم البعث والنشور، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، معادن الصدق والإخلاص والنور، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المقربين، وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا كريمُ يا برُّ يا شكور.
أما بعد..
عباد الله،، فإني أوصيكم وإياي بتقوى الله، فاتقوا الله عباد الله، وأحسنوا يرحمكم الله، إن رحمة الله قريبٌ من المحسنين.
معاني التكبير في العيد :
أيها المؤمنون،، بلّغكم رب العرش -بالفضل- شهر رمضان وأكملتم العدة، وجاءكم العيد وكبرتم الحميد المجيد، المبدئ المعيد الفعال لما يريد، وذاكم شعار المؤمنين في الأعياد وعند نيل الفوز والإمداد، أن يُكبروا الرحمن الملك الجواد.
الله أكبر، ولها معاني ساميات تحلُّ في قلوب المؤمنين والمؤمنات؛ بها يستصغرون كل ما صغّرهُ الله، وبها يعظِّمون كل ما عظمهُ الله من جميع الشعائر والحُرمات، وبها تستقيم قلوبهم وأقدامهم على إيثار ما أحب الله، وعلى طلب رضوانه تعالى في عُلاه، فلا يكون في قلوبهم أكبرَ من طلب رضوان الله؛ ورِضوانٌ من الله أكبر.
ويقتضي تكبير الحق هذا تحرير الناس عن أطروحات الوسواس الخناس التي يطرحها على الناس في الفكر وفي الأخلاق، وفي الصفات والمعاملات، وهو جُهده ليضل، وهو جُهده ليقطع عن سواء السبيل، وهو جُهده ليحرف عن الصراط المستقيم.
ولقد قال مخاطباً للرب ﷻ حين طرده: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) وقال: (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ).
أثر الاستجابة لمعاني "الله أكبر":
أيها المؤمنون،،، فكانت الاستجابة لنداء الله مُقرِّرةً في القلب معنى التكبير؛
الله أكبر، من جميع ما تتجه إليه عقول الناس وقلوبهم بالتعظيم أو الاحترام أو التقدير أو الإكرام.
الله أكبر من كل منهج يضعه إنسان بعقله، أو يأتي به شيطان بوسوسته.
الله أكبر فيَعظَّم منهج الله ويُكبَّر على كل منهج خالفه مما سمي قانوناً أو نظاماً أو دستوراً أو ميثاقاً أو غير ذلك من المسميات.
لا قبول عند المؤمن لما خالف منهج الله لأن الله أكبر -جلَّ جلاله- ؛ أكبر من أن يُحاط به، أكبر من أن يكون في منهجه تعالى خطأ، أكبر من أن تخفى عليه خافية في الأرض أو في السماء؛ (إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ) (قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ).
فَيُعظِّم المؤمن -وقد خرج من رمضان- منهج الإله الرحمن، والقرآن الذي أُنزل على سيد الأكوان، فيتصل بمعناه، ويواظب على نصيبه من تلاوة القرآن وتدبره بعد رمضان بوجه أحسن مما كان عليه قبل رمضان لتكون علامة قبوله في أيام رمضان.
يُعظِّم المؤمن منهج ربه في نفسه وأسرته، ويَنظر ما جاء في نظام الإله وفي دستور الرحمن وفي منهج الخالق، من الأوامر المتعلقة بقلبه أو عينيه أو أذنيه أو لسانه أو فرجه أو بطنه أو رجله أو يده، فيُطبِّق منهج الله ويوقن أنه لا شيء يعَظَّم على أوامر الحق -جل جلاله-.
فالله أكبر، وأمْره أكبر من أمْر النفس وأمْر الهوى وأمْر شياطين الإنس والجن الآمرين بما يُوجب الخسران؛ الآمرين بالتهاون بالصلوات، الآمرين بقطيعة الرحم، الآمرين بعقوق الوالدين، الآمرين بالتكبُّر على منهج الله، الآمرين بالغفلة عن الله، الآمرين بالغيبة والنميمة.
أيها المؤمنون،،، تكبير الله يقتضي أن تستقيم أقدامكم على مِنهاجه، وأن تُعظموا أوامره بحسن الامتثال لها، وأن تُعظموا نواهيه بحسن الترك والاجتناب لها والابتعاد عنها، فهو الذي خلقكم وهو الذي رزقكم، وإليه مرجعكم ومآبكم.
أثر مدرسة رمضان على المؤمن:
أيها المؤمنون بالله ،،، مدرسة رمضان تُصفي الجَنَان وتُطهر عن الأكدار والران، مدرسة رمضان تخرج الصائم إيماناً واحتساباً، والقائم إيماناً واحتساباً من رمضان، وقد ُغفر له ما تقدم من ذنبه؛ مُصفّى عن الكدورات، ومُصفّى عن الذنوب والسيئات، وعلى قدر تكبير الله تحلو الحسنات وتطيب الصالحات وتعظم الرغبات في الخيرات والمقرِّبات إلى رب الأرض والسماوات.
وتُستنكَف الذنوب والسيئات، ويُؤنف من المعاصي والمخالفات فيكره القاذورات؛ وكل نظرة حرام فهي قاذورة، وكل استماع إلى غيبة فهو قاذورة، وكل كلام بكذب فهو قاذورة، وكل إهمال لواجب فهو قاذورة، فيتخلى ويتصفّى عن هذه القاذورات ويكرهها ويبتعد عنها بحكم الإيمان وطلب القرب والرضوان، بإيقان أنه راجع إلى هذا الإله، وواقفٌ بين يديه، وأن الله مخاطبهُ يوم لقاه، ليس بينه وبينه ترجمان، ليفوز من الله بالعفو والغفران.
علامات قبول صيام الصائم وقيامه:
إن الذين قُبل منهم صيامهم، والذين قُبل منهم قيامهم، والذين قُبلوا في رمضان يُعرَفون ويُميَّزون بالسيرة بعد رمضان، بالسيرة والسريرة؛
سيرة مرضية وسريرة صافية نقية،
سيرة مرضية وسريرة صافية نقية،
علامة الفوز والقبول
علامة نيل رِضا البر الوصول
علامة صحة الصوم وقبوله
علامة صحة القيام وقبوله
علامة صحة الصدقة والفطر وقبولها
إنها لَلعلامة الجلية لكل ذي وعي وفهم؛ وكل ذي إدراك وعلم، يعلم أن علامة القبول: استقامة السيرة وصفاء السريرة بعد الشهر اغتناماً لأيام العمر القصيرة، واستعداداً للسفر الطويل والمرحلة الخطيرة، مرحلة الغرغرة، ومرحلة البرزخ، ومرحلة البعث والنشور، وجمع الأولين والآخرين، ومواقف القيامة التي لها خمسون موقفاً، كل موقف مقدار ألف عام (تعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا).
إنهم معاشر الكفار والمنافقين والأشرار يرونهُ بعيداً ونراه قريباً، ورؤية الأنبياء والمؤمنين من رؤية ربهم يوقنون أن كل آتٍ قريب، وأن مئات السنين بل ألوف السنين على ظهر الأرض ليست بشيء عند عمر البرزخ وعمر القيامة، وعند أبد الآبدين والخلود إما في الجنة وإما في النار.
(قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا) فإن كل شيء مَحصي ومُجازى عليه، (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ (41) ) ، (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) )
وعد الحق ﷻ بالحياة الطيبة للمؤمن في الدنيا والآخرة:
أيها المؤمنون بالله -جل جلاله وتعالى في علاه ،،،
فوائد صومكم وقيامكم يجب أن تقطفوا ثمراتها في سيرتكم وسريرتكم، في أخلاقكم ومعاملاتكم، في قيامكم بأداء الحقوق للوالدين والجار ذي القربى والجار الجُنُب والصاحب بالجنب، فيمن تلاقون من المؤمنين ومن تتفقون بهم في عمل أو في مناسبة أو في جماعة في المساجد، أو حيثما كنتم فتتعاونون على البر والتقوى في الدائرة التي قال عنها ربنا: (والْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، (وعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
أيها المؤمنون بالله جلّ جلاله وتعالى في علاه، ها أنتم وقد خرجتم من شهر الأنوار والبركات بالأنوار والبركات إن شاء الله، لاستقبال أيامكم ولياليكم ومناسباتكم بتكبير الله والاستجابة لمنهجه تبارك وتعالى في علاه،
الله أكبر وما عند الله أكبر وأوفر وأخير، (مَا عِندَكُمْ يَنفَد وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ، (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) هذا وعد الله، الحياة الطيبة في الدنيا ثم في الآخرة لمن آمن وعمل صالحاً، هو خيرٌ مما يَعِد الشيطان به أولياءه في هذه الحياة الدنيا ويُمنّيهم (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا)
أثر التكبير في حفظ المؤمن من الوقوع في المهالك:
الله أكبر،، إنَّ من غرَّك بشيء من الدراهم وشيء من متاع الحياة الدنيا مقابل أن تتحامل على مسلم أو تؤذي مسلم أو تقصر في واجب، أو تفعل ما نهاك عنه إلهك، فقد غشك وضرّك وسار بك إلى الحَزن والندامة والخسران والحسرة والعذاب والهلاك والدمار من غير ما شكٍّ ولا ريب.
(الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) ، اجعلنا من المتقين، وأعد علينا عوائد صِدقنا في التكبير وقبولنا في صيامنا وقيامنا واستعدادنا للإقبال الكلي عليك فيما بقي من أعمارنا في سرنا وإجهارنا يا رب العالمين.
والله يقول وقوله الحق المبين (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ،
وقال تبارك وتعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)) (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)
اللهم ألحِقنا بالصادقين، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وثبتنا على الصراط المستقيم، وأجارنا من خزْيهِ وعذابه الأليم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله العظيم الجليل، مُكرِمنا بالوحي والتنزيل، على قلب عبده المصطفى الهادي الدليل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يهدي من يشاء إلى سواء السبيل، وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرة أعيننا ونور قلوبنا محمدًا عبده ورسوله، خير هاد ومعلم ودليل.
اللهم صلِّ وسلم على أتقى خلقك في المقصِد والنية والفعل والقيل، سيدنا محمد وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار خير جيل، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الهول المهيل، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، أهل الكرامة والتشريف والتبجيل، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وملائكتك المقربين، وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين، يا غني يا كريم يا كفيل يا وكيل.
أما بعد…
عباد الله،،، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله.
فاتقوا الله فيما أوصل إليكم من وحي وتنزيل، ومنهج وسبيل، وما بلّغكم وأمدكم من بلوغ رمضان وإدراكه حتى التمام، ووصولكم إلى هذه الليالي والأيام، اتقوا الله فيما أعطاكم وأنعم به عليكم وأنزل عليكم من الكتاب والحكمة التي بعث بها سيد الأحباب.
التقوى هي ثمرة الصيام :
اتقوا الله فيما تستقبلون به بقية أيامكم ولياليكم بعد رمضان
اتقوا الله تعالى في نياتكم واحذروا نية يغضب عليها الجبار، مِن إضمار سوء وإرادة شر لأحد من عباده، ومن كِبر وعُجب وغرور
اتقوا الله جلَّ جلاله وتعالى في علاه مكبِّرين له من إضاعة فرائض فرضها؛ في صلوات أو زكوات أو صدق في المقال، أو بر، أو صِلة رحم، أو أمانة في المعاملة، فرائض فرضها الله من صدقٍ في القول، من إحسانٍ في المعاملة، من تجنّبٍ للغش والخيانة.
اتقوا الله تعالى في منهجه.
الحذر من تلبيسات أهل الغرور :
واحذروا من استحسان كل ما وَرد على أيدي الكفار والأشرارالذين بالاغترار بهم؛ تفرّقتْ بلدانكم وأوطانكم وتمزَّق شمل أمتكم، الذين بالاغترار بهم قامت الحروب بينكم وعدمتم حقيقة حريتكم في تقريراتكم، في مجتمعاتكم وفي دولكم، وانتهوا بكم الى مايريدون عليكم من الشذوذ والفساد الغريب والى ما يُقتِّلون من أبنائكم وبناتكم وينتهكون من الحرمات ويغتصبون من فتياتكم، ويمنعون الغذاء والدواء عن أهل الجوع فيكم وعن أهل المرض فيكم.
هم الذين صدَّروا لكم استحسان الكلام البذيء السيِّئ في العُرُسات والمناسبات ونصْب المكبرات للصوت من أجل ذلك للغناء الماجِن ولتغنِّي النساء ويرفعن الصوت بمكبرات الصوت، هم الذين أوردوا إليكم وزيَّنوا لكم تبرُّج بناتكم واستعمال نسائكم للأزياء التي تُكشفُ بها السيقان ثم كشفت الرُكب ثم كشُفت الفخوذ، هم أرباب السعي وراء نشر هذه الشرور، فوا عجبا من تابعيهم، وا عجبا من المغترين بإطروحاتهم.
تقوى الله ﷻ في مناسباتك وأفراحك:
أيها المؤمن،،، إذا جاءك بعد رمضان مناسبة زواج لك أو لقريبك فاتقِّ الله، ولا تستحسن ما زينَّهُ عدو الله وجنده من شياطين الإنس والجن، انظر إلى ما أحب الله وأحب رسوله، وإلى ما أحب وإلى ما ندب فاجعل فرحك به، وسرورك به، وتعبيرك عن الفرح والسرور بما أباح وأحلَّ وأحبَّ رب العزة والجلال وخاتم الإنباء والإرسال، لا بما تحْسنه النفوس الأمارة، ولا شياطين الإنس والجن، الناشرين للمخدرات، الناشرين للفساد بين الناس، الناشرين للاختلاط في المدارس وفي الجامعات، وما يترتب على ذلك من مفاسد كبيرات، استشعرها الناس أو غفلوا عن شرها وضرها، وقد جُرِّبت وخرَّبت مجتمعات كثيرة، كتلك المجتمعات الفاشلة المدَّعية للنجاح كذباً وزوراً، وكتلك المجتمعات التي ما آلتْ نهاية أمورها إلا الى الحروب والكروب، وقد لعبوا كثيراً على تحريك المسلمين على بعضهم البعض في الحروب وراعَوها، ثم اضطروا إلى محارباتٍ تكون فيما بينهم تنافساً على المتاع الفاني والتسلُّط على رقاب الخلائق واستعباداً لهم بشعارات براقة كاذبة زائفة لا حقيقة لها.
حاجة الأمة لحقائق التكبير :
أيها المؤمن،، كبِّر الله واخرُج من رمضان بحقيقة التكبير، شعار المؤمنين -الله أكبر- في نظامه وفي منهاجه وفي أوامره ونواهيه، مما يُقنِّنُ أهل الشرق وأهل الغرب من الكفار ومن الأشرار ومن الغافلين ومن الظالمين، ومن المعتدين ومن المراعين للاعتداء والغصب والعدوان والقتل والتدمير للديار والمساكن.
شهود عظيم منَّة الخلاّق وعظيم نعمه :
عامتكم في بيوتكم، جاءكم العيد ومرَّت بكم، ولكم كثير من إخوانكم جاؤوا يوم العيد إلى بيوت مدمراتٍ محطمات، يلتقطون ما بقي منها من شيء من الأدوات، وعدد من إخوانكم قابلوا يوم العيد طائرات مسيّرات انصبّت فوقهم وقَتلت منهم صغاراً وكباراً، على مرأى ومسمع، لتعلموا أن الأنظمة ما قامت إلا لمصالح طغمة من الناس، رأوا مصالحهم في حقيقة ما يهلكهم في الدنيا والآخرة، ثم ضحكوا على بقية الدول والشعوب.
خطر إضاعة حقائق التكبير بين الأمة:
أيها المؤمنون بالله،،، جزاء من ضيّع أمر الله ولم يعرف حق التكبير أن يُسلَّط عليه الحقير المجرم والمفسد الظالم، "كما تكونوا يولّى عليكم" ، فاستعينوا بالله وقوموا بأمر الله وعظِّموا شرع الله، وطبقوا منهجه في أنفسكم وأسركم واحمدوا الله على ما أتاح لكم في هذه البلدان من خير ومن أمان، ومن حرية تستطيعون بها أن تُقيموا أموركم على ما يرضي إلهكم، ويرضي خالقكم، وما تستعدون به للقاء الكريم، ولا تستحسنوا القبائح المؤدية إلى الفضائح في يوم القيامة، يومَ تُكشف الستور ويُبعثر ما في القبور ويُحصّل ما في الصدور، (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ) ، فلا يفوز (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) ، (قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ).
خذوا الفوائد من رمضان :
أيها المؤمنون بالله،،، خذوا الفوائد من رمضان ومن صومه وقيامه، وأقيموا الأُسر على حُسن الخُلق وعلى حُسن السيرة وعلى صفاء السريرة، "إذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق،" أدخل عليهم الرفق في أمورهم وشؤونهم بتعظيمهم لأمر خالقهم.
ألا إن التكبير شعارنا، مُطهّر لأفئدتنا من تعظيم أي معنى من المعاني أنظمة أو منهج أو قوانين أو دول، أو أفكار أو أطروحات أو ثقافات تخالف منهج الله، لا مكان لها عندنا، لا قبول لها عندنا، لأن الله أكبر -جل جلاله وتعالى في علاه- لا تجعلها كلمة تقولها باللسان، إن معناها كبير وشأنها عظيم:
الله أكبر من كل صغير وكبير، من كل إنسي وجِنِّي وملَك، من كل جماد وحيوان ونبات
الله أكبر فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ومنهج الله هو القويم، (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ) ، (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) ، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
أصلِح اللهم أُسرنا، وأصلح اللهم أبناءنا وبناتنا، وأصلح اللهم شؤون مجتمعاتنا، وارزقنا التعاون على البر والتقوى وعلى مرضاتك في السر والنجوى، وأعِذنا من كل زيغ وبلوى، وأدم لنا منك أمناً وطمأنينة وسكينة وخيرًا وافراً، يا حي يا قيوم.
وأكثروا الصلاة والسلام على عبده خير الأنام، من جعله للأنبياء خير ختام، اللهم صلِّ وسلم على عبدك المختار سيدنا محمد من قلت في حقه مخبراً عنك وعن ملائكتك مبتدئاً بنفسك أنك تصلي عليه، وأمرت المؤمنين فقلت تعظيماً وتفخيماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللهم صلِّ وسلِّم على المبعوث بالرحمة، كاشف الغمة وجالي الظلمة، نبيك المصطفى الذي جعلت أمته خير أمة،
وعلى الخليفة من بعده المختار، وصاحبه وأنيسه في الغار، مؤازره في حال السعة والضيق، خليفة رسول الله سيدنا أبي بكر الصديق.
وعلى الآمر بالعدل والبر، والقائم مقام الشكر في الجهر والسر، المُنيب الأواب حليف المحراب، أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب.
وعلى من استحيَت منه ملائكة الرحمن، محيي الليالي بتلاوة القرآن، أمير المؤمنين ذي النورين سيدنا عثمان بن عفان.
وعلى أخي النبي المصطفى وابن عمه، ووليه وباب مدينة علمه، ليث بني غالب، إمام أهل المشارق والمغارب، أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب.
وعلى الحسن والحسين، سيدي شباب أهل الجنة في الجنة، وريحانتي نبيك بنصِّ السنة.
وعلى أمهما الحوراء فاطمة البتول الزهراء، وعلى بنات المصطفى وأزواجه أمهات المؤمنين،
وعلى عمَّيه الحمزة والعباس، وأهل بيته الذين طهرتهم من الدنس والأرجاس، وعلى أهل بيعة العقبة وأهل بدر وأهل أحد، وأهل بيعة الرضوان وسائر الصحب الأكرمين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الدعاء :
اللهم أعِز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أذِل الشرك والمشركين، اللهم أغث المسلمين في غزة ورفح، وفي الضفة الغربية، وفي أكناف بيت المقدس، وفي السودان، وفي الصومال، وفي ليبيا وفي العراق وفي الشام وفي اليمن، وفي جميع بقاع الأرض يا خير مغيث بغياثك السريع الحثيث،
اللهم ادفع عنهم شر كل معتدٍ وظالم وخبيث، صُن اللهم دماءهم واحقنها، وصُنِ اللهم أعراضهم واحفظها، وصُنِ اللهم أموالهم واحرسها، اللهم تولَّهم في سرهم وإجهارهم، وأصلح لهم جميع شؤونهم، وكن لنا ولهم بما أنت أهله يا قوي يا متين، رد عنّا وعنهم كيد الظالمين والغاصبين والمعتدين والمجرمين والمفسدين، يا حي يا قيوم.
شتت شمل أهل الإفساد والضر والظلم والطغيان والبغي، اللهم منزل الكتاب سريع الحساب، منشئ السحاب، هازم الأحزاب، اهزمهم وزلزلهم، اهزمهم وزلزلهم، اهزمهم وزلزلهم، واجعل الدائرة عليهم، واشغلهم بأنفسهم، واكفِ المسلمين جميع شرورهم.
اللهم انصر من نصر الدين، واخذُل من عادى أهل الهدى واليقين، اللهم اجمع شمل المسلمين على ما تحب، اللهم ارزق القلوب أنوار تكبيرك وتسبيحك وتحميدك وتمجيدك وتهليلك حتى نحيا مؤمنين، ونَموت مؤمنين، ونُحشر من الآمنين، في زمرة السابقين الصدّيقين، برحمتك يا أرحم الراحمين، ارزقنا اغتنام الأعمار، وصرفها فيما يرضيك عنا في السر والإجهار، واختم لنا بأكمل وبأحسن الحسنى، وأنت راضٍ عنا يا كريم يا غفار،
اللهم اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا، ولذوي الحقوق علينا، وللمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، أحياءهم والأموات إلى يوم الميقات، يا خير الغافرين.
اصرفنا من جمعتنا بقلوب أقبلت عليك، وتوجهت إليك، وقُبِلت لديك، ونظرت بعين عنايتك، يا حي يا قيوم، يا رحمن يارحيم
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)،
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) ،
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
عباد الله،،، إن الله أمر بثلاث ونهى عن ثلاث، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ،
فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر.
04 شوّال 1445