(535)
(383)
(339)
(608)
خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع الروضة، بحارة الروضة، عيديد، مدينة تريم، 23 جمادى الأولى 1447هـ بعنوان:
صبغة المؤمن في حاله وحياته وصبغة المنافق
الحمد لله، الواحد الأحد، الحي القيوم، العليم الخبير، السميع البصير، العليم القدير.
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ينصبِغ بهذه الشهادة حال المؤمن وحياته، فيرقُبُ من استَوَت في علمه ظواهرُه وخفيّاتُه.
وأشهد أن سيدنا ونبينا وقُرة أعيننا ونور قلوبنا محمدًا عبده ورسوله، وصفوته وحبيبه وأمينه وخليله، بعثه بالهدى ودين الحق وأرسله، ليُظهره على الدين كله وعلى جميع خلائقه فضَّله.
اللهم أدم صلواتك على المصطفى المختار، خير مقتدى، النموذج الأعظم للعبودية لك فيما خفي وفيما بدا، فهو أسعد السعداء.
أدم اللهم صلواتك على هادينا إلى الهدى، نبيك المختار محمد وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار، ومن والاهم فيك وبهديه اقتدى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، سادات أهل الصدق والحق والهدى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد،،،
عباد الله، فإني أوصيكم وإيايَ بتقوى الله، تقوى الله التي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثيب إلا عليها، وإن الواعظين بها كثير، وإن العاملين بها قليل.
أيها المؤمنون، صبغة حال المؤمن وحياته مأخوذة من أثر إيمانه بإلهه الذي خلق، وبيده الأمر وهو الذي أنعم ورزق، وإليه المرجع والمآب ممن تأخر ومن سبق، لا إله إلا هو إليه المصير، (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ).
فلا يجوز لمؤمن أن يسلم نفسه ولا أهله ولا أحدًا من أولاده إلى من يلعب به فيصبغُه بغير صبغة الله؛ في فكره، أو في اعتقاده، أو في نيته ومقاصده، أو في نظرته إلى الحياة، أو في معاملته في الظاهر والباطن.
صبغة الله التي بها يصبغ أحبابه وأولياءه، أن يوقنوا أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، فيراقبوا إلى الإله ويقصدوه، ويُعظّموا محمدًا ويتبعوه.
أيها المؤمنون بالله، ومن مظاهر صبغة المؤمن في حياته ما روى الإمام أبو نعيم في كتاب المعرفة بسنده الجيد عن سيدنا علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أنه قال: "لا يكون المؤمن مؤمناً ولا يستكمل الإيمان حتى يكون فيه ثلاث خصال: اقتباس العلم، وصبرٌ على المصائب، وترفّقٌ في المعاش، وثلاث خصال تكون في المنافق: إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا وعد أخلف".
يتحدث سيدنا رسول الله عن الصبغة التي يُصطبغ بها الحال والحياة من قِبَل المؤمن ومن قِبَل المنافق والعياذ بالله.
فهذه صبغة المؤمن في حاله وحياته:
اقتباس العلم، تعظيم علم الشرع المصون وما بينه الأمين المأمون وما جاء به عن الله الذي بيده الأمر كله ويعلم ما تسرون وما تعلنون.
فالمؤمن في حياته مُعظِّمٌ لهذا العلم، مُقتبس له كل ما استطاع في ليل أو نهار، في شيء من أيام أسبوعه وأشهره وسنواته، يحرص على ما يقدر عليه من مجالس العلم، ويستمِع إلى العلم، ويفرح بالعلم، ويُعظّم العلم، ويؤدي حق الله في نفسه وأسرته في تعليم الفرض من العلم، في تعليم فرض العين من العلم على كل منهم. "طلب العلم فريضة على كل مسلم".
ثم بعد ذلك ينطلِق في حياته بنور هذا العلم، إن كان ذا مهنة عمل في مهنته بالعلم وسخّرها لنصرة الله ورسوله، ولنشر الخير والألفة والمحبة، وللأمانة والصدق مع الناس من أجل الله، أو الصدق مع الله تعالى في خَلقه.
أيها المؤمنون بالله، وإن كان ذا صناعة أو تجارة كان مثل ذلك، مُطبقًا للعلم فيها، مُنفّذًا للعلم شرع الله فيها، قائمًا فيها بحق العلم، مُسخِّرًا لها في نصرة الله ورسوله ونفع العباد والبلاد، والأمانة والإخلاص والرفق بعباد الله تبارك وتعالى.
اقتباس العلم وصفٌ من أوصاف المؤمن، كيف وهو يرى ربه رب العالمين خاطب أعلم الخلق به على الإطلاق، حبيبه المصطفى، آمرًا له بطلب الزيادة من هذا العلم في قوله: (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا).
أيها المؤمنون بالله، ومِن هنا عَظُمَ فضل هذا العلم، حتى قال بعض الصحب الأكرمين: "من رأى أن الغدو إلى طلب العلم ليس بجهاد فقد نقص في رأيه وعقله"، فقد نقص في رأيه وعقله؛ إذا لم يعلم أن هذا جهاد في سبيل الله، تُحفَظ به ملة الله وشريعة الله ودين الله، جل في علاه.
أيها المؤمنون بالله، هذا وصف من أوصاف المؤمنين لا يستكملون الإيمان إلا به.
فمن ذا الذي أخرج من قلوب وعقول الكثير من الرجال والنساء من المؤمنين الاستهانة بعلم الشريعة، والإضاعة لعلم الشريعة، وعدم الاهتمام بعلم الشريعة؟
وفرح أحدهم أن إذا تفرّغ أحد أولادهم لعلم بعيد عن علم الشريعة أفضل من أن يفرحوا إذا تعلّق بعلم الشرع المصون؟
من الذي لعب على المشاعر؟
من الذي لعب على الأحاسيس والمدارك؟
من الذي لعب على الصبغة الإلهية في باطن المؤمن ومظهره؟
أيها المؤمنون بالله، لا شأوَ ولا شأن ولا شرفَ لشيء من العلوم على ظهر الأرض إلا:
وإلا كان سببًا وآلةً للإفساد والضر وإيقاع الشر في العباد، كما تشاهدون وكما ترون وتسمعون وكما تُعايشون.
كل ما استُعمِل في مخالفة الشرع عاد على العباد والبلاد بإفساد وبضُر وبظُلم، وبآفات اجتماعية، وآفات سياسية، وآفات خُلُقية، وآفات اعتقادية، وآفات فكرية تنتشر بين الناس فتهوي بهم في الهاويات.
أيها المؤمنون بالله، عظِّموا ما عظّم الله، وأقيموا الأمور بميزانها الرباني.
اقتباس العلم من صفة المؤمن وصبغته في حاله وحياته.
والصبر على المصائب، البعد عن الجزع والتبرُّم، ومقابلة المصائب بصبر يحتسبُهُ عند ربه.
(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)، فضلاً من الحق تعالى.
كان سيدنا عمر بن الخطاب يقول: "نعم العدلان ونعم العلاوة"، (صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) عدلان، و (أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) علاوة لمن صبر.
(الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).
بل يُحصِّلون في هذا في أبسط الأشياء التي تحصل لهم في الحياة، ولو انطفأ السراج وهم يحتاجون إليه لعدُّوهُ من المصائب التي يؤجرون عليها، ولو أصاب المؤمن منهم شوكة في رجله لكان له أجر عند الله تبارك وتعالى كما حدَّث رسوله، ولو صعب عليه فتح باب أو لم يطاوعه جهاز يريد استعماله في شيء من طاعات الله كُتِب له أجر وكُتِب له بذلك صلوات ورحمة وهداية من الله، إذا احتسب وإذا صبر وبعُدَ عن الجزع.
من الذي علَّم كثيرًا من أبناء وبنات المسلمين الجزع والهلع؟
من الذي علَّمهم التبرُّم؟
ولكن تعلموه لمصائب الدنيا فقط؟
إذا أصاب الواحد منهم مصيبة في دنياه وفي مظهره وفي ماله عدها من أكبر المصائب وأخذ في حال الجزع والقلق والهموم والغموم.
من علمهم هذا المسلك؟
من علمهم هذا الخُلق؟
هو مُنافٍ لما بعث به نبيهم، هو مخالف لما جاء به هاديهم ومرشدهم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، والذي كان يُعلِّم أهل داره وأهل بيته أن إذا تأخر أو أخطأ الخادم في البيت أن يصبروا وأن يقولوا: "قدَّر الله وما شاء فعل"، ولا يقابلون ذلك بالعتاب وكثرة العتاب.
آداب من أشرف الآداب، تُنزِل السكينة والطمأنينة، وتعمل على تدارك الأشياء وعلى معالجة الأخطاء برفق وبلين.
الصبر عند المصائب مِن صبغة المؤمن في حياته وفي حاله.
ولقد مر ﷺ على امرأة تبكي على قبر، فلما رأى كثرة بكائها دنا منها وسلّم عليها وقال: "يا هذه، اتقِ الله واصبري"، ولم تعرف رسول الله، ورفعت رأسها وهي متأثرة بالطبيعة في حزنها، قالت: إنه ليس ابنك أنت حتى تتألم عليه -هذا ابني يحرق قلبي- فأنا أبكي عليه. فسكت ومضى في طريقه ﷺ.
وكان يشاهده بعض الصحابة من بعيد، فأقبل على المرأة وقال: ما كنت تقولين للرجل الذي وقف عليك؟ قالت: قال لي: "اتق الله واصبري"، فماذا قلت له؟ قالت: قلت كذا وكذا. قال: أتعلمين من هذا الذي تخاطبينه؟ قالت: لا، قال: هذا رسول الله. فعظُمَ الأمر عليها وقالت: هكذا أجيب على رسول ربي؟ وهكذا أخاطب نبيي بقلة الأدب وهذا الخطاب؟
انزعجت وذهبت إلى بيته لتعتذر إليه، قالت: فلم أجد على بابه حرّاسًا ولا بوابًا، واستأذنت فأذن لي فدخلت، فقلت: أنا المرأة التي أُمرت وأنا على قبر ابني، فعفواً يا رسول الله. تبسم وقال: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى".
أي تعلمي الصبر بصبغة الإيمان في الحوادث، ومن موت ولد وغيرهم، عند الصدمة الأولى، تعيشين في هذه الحياة في أمن الله وفي الرحمة من الله تعالى والصلوات وفي الهداية، "إنما الصبر عند الصدمة الأولى"، صلى الله عليه وسلم.
ثبَّتنا الله على الصبغة الإيمانية، ورفعنا في المراتب الإحسانية، وجعل لنا المدارك الذوقية الحَقيّة، وأعاذَنا من التبعية لأهل الدنية، وللبعيدين عن رب البرية.
يا يا ثابت المُثبتين، ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
والله يقول وقوله الحق المبين: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
وقال تبارك وتعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ * مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وثبتنا على الصراط المستقيم، وأجارنا من خزيه وعذابه الأليم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله، يتقلب المؤمن به في عجائب عطاياه، وأجوره وهداياه، وعنايته سبحانه وتعالى في ظاهر الأمر وخفاه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سعد من استعد للقاه.
وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرة أعيننا ونور قلوبنا محمدًا عبده ورسوله، وحبيبه الذي اختصهُ وانتَقاه.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك المختار سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأوليائه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين أئمة الهدى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد،،
عباد الله، فإني أوصيكم وإياي بتقوى الله. فاتقوا الله فيما به تصطبغون، وبه تتشكلون، وعليه تمضون، وبه تتصِفون، في الظهور وفي البطون، فإن المؤمنين بالإله الحق ينصبغون بصبغة الحق، في كل مُقيَّد ومطلق:
لا يتوسعون في طلب المعاش للمفاخرة والمكاثرة والمباهاة، ولكنهم على الرفق والاقتصاد وما تيسَّر، مشمولين بعناية من الرب سبحانه ولطف، وتيسير في أحوالهم وشؤونهم.
"أبى الله أن يرزق عبده المؤمن إلا من حيث لا يحتسب"، (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ).
لا يتوسّعون اتساع الباطلين في مناسبة زواج، ولا بوفاة، ولا بناء بيت، ولا قدوم مِن سفر، (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا).
هذا شأن المؤمنين وهذه صبغتهم في هذه الحياة، لا افتخار لهم بالأمتعة الفانيات ولا بالزخارف، ويأخذون من الأمور أوساطها، ويترفّقون في المعاش على أنفسهم وعلى أهليهم، متوسطين في أمورهم، غيرَ مُمادِّي الأعين إلى ما متع به بعض الكفار والمنافقين من زهرة الحياة الدنيا.
(وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ * وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ).
والعاقبة للتقوى، رزقنا الله تقواه وجعلنا من أهل العاقبة عنده، آمين.
أيها المؤمنون بالله، وصَبغة المنافقين كما سمعتم: كذب في الحديث، لا يبالي أن يكذب على قريبه وعلى أخيه وعلى ابنه وعلى زوجته وعلى صاحبه وعلى صديقه، أعوذ بالله من غضب الله.
قيل لرسول الله: أيكون المؤمن فاعل كذا من السيئات؟ قال: "قد يكون ويتوب". فاعل كذا من السيئات؟" قال: "قد يكون ويتوب". قال: فهل يكون المؤمن كذابًا؟ قال: "لا، لا يكون المؤمن كذَّابًا"، وقرأ الآية ﷺ: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ).
فلا يُطبع المؤمن على الخيانة ولا على الكذب قط، ومن طُبع على واحدة منهما فليُخلّص نفسه قبل أن يموت منافقًا، ثم لا تنفع قربعته ولا صرقعته ولا مظاهره ولا قريب ولا صغير ولا كبير، يتنافى الكذب والتمادي فيه مع الإيمان، لا يكذب المؤمن.
وحديثهم مع الكذب ينشرونه على المستويات كلها؛ وعلى الإذاعات، وعلى المحطات التلفزيونية، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى غيرها.
كذب في كذب في كذب، بضاعة البعيدين، بضاعة المطرودين، بضاعة من غضِب عليهم جبار السماوات والأرض. إن المؤمن لا يكذب ولا يخون.
أيها المؤمنون بالله ﷻ، ويعِدون ويخلفون، وعلى مستويات صغيرة وكبيرة، مواثيق وعهود، وخيانة في خيانة في خيانة، تراها الأعين وتسمعها الآذان، تلك طبائع الكفار والمنافقين، هذه آثار النفاق عند الأفراد والهيئات والدول، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، والعياذ بالله تعالى، فهذه صبغتهم في الحياة، صبغة المنافقين والعياذ بالله تبارك وتعالى.
(قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ).
أيها المؤمنون بالله، تحلّوا بحلية المؤمنين: اقتباس العلم، والصبر على المصائب، والترفق في المعاش، من الصبغة الإيمانية للمؤمنين في حياتهم.
حققنا الله بحقائق الإيمان، ورفعنا إلى أعلى مكان.
وصلوا على خير مُتصف بحميد الصفات، سيد أهل الأرض والسماوات، صلوات متتاليات، جهريات وسريات، فإن رب العرش يُصلي على من صلى على عبده محمد بالمرة الواحدة عشر صلوات.
ألا وإنه أمر بأمر ابتدأ فيه سبحانه بنفسه، وثنّى بالملائكة، وأيّه بالمؤمنين، فقال مخبرًا وآمرًا لهم تكريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك المصبوغ بأعلى معاني العبودية لك في كل شأن، سيدنا محمدٍ، وعلى الخليفة من بعده وصاحبه في الغار، مؤازره ومؤثره في حالي السعة والضيق، خليفة رسول الله سيدنا أبي بكرٍ الصديق.
وعلى الناطق بالصواب، المنيب الأواب، حليف المحراب، أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب.
وعلى محيي الليالي بتلاوة القرآن، من استحيت منه ملائكة الرحمن، أمير المؤمنين ذي النورين سيدنا عثمان بن عفان.
وعلى أخ النبي المصطفى وابن عمه، ووليه وباب مدينة علمه، إمام أهل المشارق والمغارب، ليث بني غالب، أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب.
وعلى الحسن والحسين، سيدي شباب أهل الجنة في الجنة، وريحانتي نبيك بنص السنة.
وعلى أمهما البتول الحوراء، فاطمة الزهراء، وعلى أخواتها وعلى إخوانها، وعلى أمها خديجة وعائشة وأمهات المؤمنين.
وعلى حمزة والعباس وسائر أهل بيت نبيك الذين طهرتهم من الدنس والأرجاس.
وعلى أهل بيعة العقبة وأهل بدر وأهل أحد وأهل بيعة الرضوان، وعلى سائر الصحب الأكرمين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم انظر إلينا وإلى المؤمنين، واصبغنا بصبغة الإيمان واليقين، واجعلنا في الهداة المهتدين، مُتخلِّقين بما تحبه منا وترضى به عنا ظاهرًا وباطنًا يا أكرم الأكرمين.
اللهم اصرفنا من جمعتنا هذا وقلوبنا عليك مجموعة، ودعواتنا عندك مسموعة، وصلواتنا وأعمالنا الصالحة مقبولة مرفوعة، يا من يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، يا من إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه، تولنا بما أنت أهله حيثما كنا، وكن لنا بما أنت أهله في الحس والمعنى.
اللهم (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
(رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
(رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ).
نسألك لنا وللأمة من خير ما سألك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، وأنت المستعان وعليك البلاغ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
عباد الله، إن الله أمر بثلاث ونهى عن ثلاث، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر.
24 جمادى الأول 1447