شرف استشعار الخطاب الإلهي الرباني للعبد المؤمن

للاستماع إلى الخطبة

خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع الإيمان، بحارة الإيمان، عيديد، مدينة تريم، 9 جمادى الأولى 1447هـ بعنوان: 

شرف استشعار الخطاب الإلهي الرباني للعبد المؤمن

لتحميل الخطبة نسخة pdf

الصورة

نص الخطبة:

الخطبة الأولى :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

    الحمد لله الكريم ذي الفضل العظيم، المُتفضل على عباده بالخطاب والتوجيه والتعليم.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أعظِم به من إله كريم، قدير حكيم، غفور رحيم، ذي الجود العظيم والعقاب الأليم. 

ونشهد أن سيدنا ونبينا وقرة أعيننا ونور قلوبنا محمداً عبده ورسوله وحبيبه الهادي إلى الصراط المستقيم. 

اللهم صلِّ وسلم وبارك وكرم على أكرم عبد شرّفتهُ بأجل ما شرّفت به العبيد، وجعلته سيد أهل حقيقة التوحيد، المؤتمن على بيان منهج الحق والمسلك الرشيد. 

أدِم اللهم الصلاة والسلام على حبيبك خير الأنام، عبدك المصطفى محمد مسك الختام، وعلى آله وأهل بيته الكرام، وصحبه العظام، وعلى من والاهم فيك واتبعهم إلى يوم القيامة، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين المخصوصين منك بالخصائص الفِخام، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المقربين، وعلى جميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أما بعد،،، 

   عباد الله، فإني أوصيكم وإياي بتقوى الله، فاتقوا الله فيما أنعم به عليكم وتفضَّل، وجاد وتطوَّل، وأكرم وتنزَّل، فوجّه إليكم الخطاب على أيدي الأنبياء وخصكم بخاتمهم أصفى الأصفياء ﷺ.

فبلَّغكم أكرم الخلق عن الإله الحق الخالق خطابات إياكم، آمرًا وناهيًا ومعلمًا ومرشدًا ومُبينًا، له الحمد له المنة.

شرف الخطاب من الله:

   أيها المؤمن، إنك في شرف الخطاب من الله، والاهتداء بنور الله، والارتشاد بمنهج الله تعالى الذي تولى بيانه، وأكرمك بالأمر والنهي رحمةً منه وفضلاً عليك، ومَنًّا منَّ به ﷻ. 

وأعطاك هذا الشرف الأفخر ولم يجعلك عُرضةً لأوامر ونواهي النفس والهوى، ولا غيره من الكائنات والمخلوقات، بل شرّفك أيها المؤمن بالله أنك تحمل خطاباً من رب السماوات والأرض ورب العرش العظيم يأمرك فيه وينهاك، ويُبيِّن لك الحق جل جلاله وتعالى في علاه.

اختصاص الأمة بالقرآن:

  وخصَّنا الله تعالى بالقرآن المحفوظ الحاوي لأسرار عنايات الله بعباده، وتفضُّله على أهل وداده وحقائق تبيانه وإرشاده سبحانه وتعالى. 

وأبقى لنا في الشريعة الغراء أحاديث قُدسية يرويها خير البرية عن الإله الحق ذي الألوهية والربوبية سبحانه وتعالى. 

وأبقى لنا مع ذلك بياناً لكلامه من خطاب رسوله لنا وأمره ونهيه. 

شرف توجيه الحق لعباده:

فاعلموا قدر هذه المِنة يا أيها المؤمنون، وأنكم في شرف أن تهتدوا بهدي الله وهدي رسوله المأمون. 

وأنّ ما معكم من توجيهٍ وخطاب لا يرجع إلى مخلوق وفكر مخلوق وعقل مخلوق ونظر مخلوق وعلم مخلوق محصور، ولكن إلى الله الذي أحاط علماً بكل شيء وأحصى كل شيء عددًا، وهو الحكيم الغفور جل جلاله وتعالى في علاه.

ما أعظم ذلكم من شرف لمن عرف قدر الشرف! وهذه ميزة المؤمنين على ظهر هذه الأرض، تميَّزوا بأنهم يمضون بنور الله ويعملون على خطاب من الإله الحق الذي خلق جل جلاله وتعالى في علاه.

وبذلك تتمّ لهم الكرامة إذا حصل منهم الإصغاء والاستقامة، (فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ). 

ولقد أشار ﷺ إلى هذه الكرامة وقال: وإنَّ اللَّهَ أمرَ المؤمنينَ بما أمرَ بِه المرسلينَ فقالَ تعالى (يَا أيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) وقالَ تعالى (يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ).

فأمر المؤمنين بما أمر به المرسلين في جانب اختيار الحلال والبُعد عن الشُّبهات في المطعومات والمأكولات. 

وذاكُم وجهٌ من أوجه الخطاب الرباني لنا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ). ويقول جل جلاله وتعالى في علاه: (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ). 

لا تُقارنوا أمر الله بأمر غيره، قال تعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا)، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ)، والشيطان يأمر بالفحشاء في الأقوال والنظرات والأفعال والأخلاق والسلوك.

معرفة قدر شرف الخطاب:

   أيها المؤمنون بالله، شرف المؤمن أنه يحمل الأوامر من عند إلهه ﷻ وخالقِ كل شيء، المحيطِ علمًا بكل شيء سبحانه وتعالى.

ومن عرف قدر هذا الشرف تشرَّفَ بالتفَقُّه في دين الله، فإن تأملك لخطاب الله إياك هو أصل طلب العلم وأخذ العلم وتحصيل العلم والإدراك لنور العلم وحقيقة العلم. 

وقد بُيِّنت الخطابات الإلهية في الآيات القرآنية على لسان رسول الله المُنزَل عليه القرآن بخير بيان، فبيَّنت لنا السنة، قال الله لنبيه: (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ). 

فيا من حوى شرف الخطاب من رب الأرباب، ارفع نفسك عن أن تنحطّ لتقديم وإيثار خطاب مخلوق، وقد يكون ذلك المخلوق من أبعد الناس عن الخالق وأعصاهم له.

كيف تستبدل أوامر الله بأوامر ذلك المخلوق؟ كيف تستبدل نواهي الله بنواهي ذلك المخلوق؟ ومن له الأمر والنهي؟ 

(وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ). 

تعظيم خطاب الله ﷻ :

فيا من شُرِّفتم بخطاب الله، قابلوا الخطاب بما يليق وبما ينبغي لكم. 

أيها المخلوقون الذين مُبتدأكم من إلهكم الخالق ومرجعكم إليه. 

عظِّموا خطابه وأوامره ونواهيه وبيانه، وما أوضح لكم في كتابه: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا).

خاتمة الخطبة الأولى :

لك الحمد يا من بيَّنتَ لنا وأكرمتنا بمنهجك الذي لنا به الشرف والكرامة والعز والفخر الأبدي، فارزقنا حسن الامتثال لأمرك، والاجتناب لكل ما نهيتنا عنه من زجرك في ظاهرنا وباطننا، فنحوز شرف التقوى والمقام الأشرف الأفخم الأرقى، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. 

والله يقول وقوله الحق المبين: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). 

وقال تبارك وتعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ). 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ). 

(وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). 

بسم الله الرحمن الرحيم: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ * ذَٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ).

(أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُم).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ثبَّتنا على الصراط المستقيم، وأجارنا من خزيهِ وعذابه الأليم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية :

   الحمد لله مولانا الإله الحق العظيم، مُشرِّفنا بخطابه والذكر الحكيم. 

وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحاط بكل شيء علمًا وأحصى كل شيء عددًا. 

وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرة أعيننا ونور قلوبنا محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله فيما خفي وفيما بدا، ولو كره المشركون ومن امتلأوا حقدًا وحسدًا. 

اللهم صلِّ وسلم وبارك وكرم على عبدك المُتحقِّق بحق العبودية والقائم بحق الربوبية في كل قول وقصد وفعل ونية، وعلى آله وصحبه ومن سار في دربه، وآبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين المبشرين به، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المقربين، وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

تلبية خطاب الله ﷻ:

   عباد الله، وحضوركم هذا إلى الجمعة تحت شرف نداءٍ من الله وخطابٍ من الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ). 

فهل حُزت نصيبًا من ذكر الله في جمعتك قبل أن تخرُج من المسجد وتذهب ببدنك إلى بيتك وأسرتك؟ 

أسعيتَ إلى ذكر الله ونازل قلبك نصيب من نور ذكر الله وسر ذكر الله؟ 

وعلمت عظمة الإله الذي خاطبك وناداك؟

(فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ)، واقطعوا العلائق التي تقطعكم عن هذا الخير الأعظم. 

فعندما يأتي أمر وفرض واجتماع مثل هذا يُترك له الأعمال المختلفة وتُترك له التجارات والبيع وكل شيء يُلهي عن ذلك: (وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ).

فانتشارنا بعد الجمعة تحت ضوء نور خطاب الله وتعليم الله، ما أبهى حال المؤمن وما أعز مقامه وهو يمضي تحت أنوار خطاب رب العرش العظيم جل جلاله!

(فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ). هنالك الأوقات لطلب الرزق الحلال بما شرع وأحب ﷻ، وتجنُّبًا للغش والمكر والكذب والخداع واليمين الكاذبة والربا والمعاملات الفاسدة بأصنافها، (وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ).

ابتغاء فصل الله في كل عمل:

فنحن في زراعاتنا وصناعاتنا وتجاراتنا وحِرفنا من بناء ومن خياطة ومن طبخ إلى غير ذلك، ننطلق بأمر من الحق تبارك وتعالى: (وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ)، ولا يفارقنا في ذلك تذكُّر عظمة هذا الذي تكرَّم علينا: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

مع ميزان قوي في الصراط المستقيم، نجعل لكل شيء مكانه ووقته ومنزلته وزمانه، (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).

كسب الحلال :

إن كسب الحلال له منزلة عند الله، وهو يُعتبَر في سبيل الله:

  • إذا خلُصت النية وصَدقت 
  • لأجل إعفاف النفس 
  • أو قوت الأهل والعيال 
  • أو تحسين الكسب للوالدين 
  • أو لذوي الرحم 
  • أو للمحتاج والفقير 

إلى غير ذلك من أوجه الخير وكان حلالاً. 

ولكن إذا جاء وقت الصلاة فالصلاة، وإذا جاء وقت الجمعة فالجمعة. 

فهناك في المنهج المتكامل ترتيب حَسن ووضعِ كل شيء في محله، تلك برمجة العلي الأعلى لأوقات عباده: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا).

تعظيم أمر الصلاة:

ووعى القول في القرون الماضية، والخطاب الإلهي خاصة المؤمنين وعامتهم، حتى أن الحداد منهم حامل المطرقة يضرب حديده في سوقه فيسمع أيَّ أذان من أذانات الفرائض الخمسة "الله أكبر"، وقد رفع المطرقة ليضرب فيرميها وراء ظهره ولا يضرب بها بعد أن يسمع "الله أكبر". 

وإن الدباغ منهم ليحمل جلده ويغرز الإبرة وسط الجلد فيسمع النداء "الله أكبر"، فيرمي بالجلد والإبرة فيه مغروزة لا ينزعها منه حتى يذهب ويُلبي نداء الله ويصلي ثم يرجع لإكمال عمله.

ذاقوا وأدركوا وعرفوا عظمة الإله الذي خلق ورتبوا حياتهم على التطبيق لأوامره وما جاء عنه عليهم رضوان الله تعالى، فلم تُلهِهم أموال ولا أولاد عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، (يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).

خاتمة الخطبة الثانية :

يا من أكرمتنا بالتعليم والتوجيه والخطاب، خلِّقنا بأحسن الأخلاق وأدِّبنا بأحسن الآداب، وارزقنا حسن الاستماع والاستقامة والتنفيذ لأمرك والامتثال له على خير الوجوه وأحبّها لك يا رب الأرباب.

اللهم تدارك المسلمين وأيقِظهم من الغفلات والسُّبات والسكرات التي أصابتهم، واجمع شملهم حتى يأتمروا بأمرك وينزجروا عن زجرك ويستقيموا على منهاجك، وتنصرهم بنصرك العزيز المؤزَّر يا أكرم الأكرمين.

الصلاة على النبي ﷺ :

وأكثروا الصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين، فإنّ صلاتكم عليه تحت شرف ونورانية أمر وخطاب من رب العرش الإله الحق العظيم.

فلقد قال ﷻ في شأن النبي الذي يُصلي على من صلى عليه واحدة يُصلي عليه الله بها عشراً، وأن أولى النَّاسِ به يَومَ القيامةِ أَكْثرُهُم صلاةً، قال هذا الإله في حق الصلاة على عبده المختار محمد تعظيماً وتفخيماً وتكريماً، مبتدئاً بنفسه ومُثنياً بالملائكة ومؤيهاً بالمؤمنين تعميماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). 

اللهم صلِّ وسلم على عبدك المختار أول مُتلقٍّ لفيضك الأول وأول واعٍ لخطابك الأفضل، وعلى الخليفة من بعده صاحبه ومؤازره في حالي السعة والضيق، خليفة رسول الله سيدنا أبي بكر الصديق.

وعلى الناطق بالصواب، حليف المحراب، القانت المنيب الأواب، أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب. 

وعلى الناصح لله في السر والإعلان، محيي الليالي بتلاوة القرآن، من استحيت منه ملائكة الرحمن، أمير المؤمنين ذي النورين سيدنا عثمان بن عفان. 

وعلى أخ النبي المصطفى وابن عمه ووليه وباب مدينة علمه، ليث بني غالب، إمام أهل المشارق والمغارب، أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب.

وعلى الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة في الجنة وريحاني نبيك بنص السنة، وعلى أمهما الحوراء فاطمة البتول الزهراء، وعلى خديجة الكبرى وعائشة الرضا، وعلى الحمزة والعباس وسائر أهل بيت نبيك الذين طهّرتهم من الدنس والأرجاس. 

وعلى أهل بيعة العقبة وأهل بدر وأهل أحد وبيعة الرضوان، وسائر الصحابة الأكرمين وآل البيت الطاهرين، وعلى من والاهم فيك واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

الدعاء :

اللهم يا من شرّفتنا بالنداء والخطاب والتعليم والتوجيه والتنبيه والبيان، لك الحمد شكراً، فوفِّقنا اللهم لحسن الاستماع وحسن الاتباع والارتقاء والارتفاع. 

شرفنا بالفهم والوعي والعمل على ما هو أحب إليك وأفضل عندك وأكمل. 

يا إلهنا أسعدنا بهذا الشرف الأفخر وتولنا فيما بطن وفيما ظهر، وادفع عنا وعن نياتنا ومقاصدنا وقلوبنا وعن أعمالنا وأقوالنا كل ضُرٍّ وكل ظُلمة وكل شرٍّ.

اللهم ثبتنا على الحق فيما نقول، وثبتنا على الحق فيما نفعل، وثبتنا على الحق فيما نعتقد. اللهم اعصمنا من الشرك واغفر لنا ما دون ذلك، واسلك بنا أشرف المسالك. 

يا إلهنا ما عذر من ترك أوامرك ونواهيك فلم يبالي بها واتخذ له أمراً ونهياً من قِبل نفسه أو هواه أو شياطين الإنس والجن. 

ما أصعب مآلهم وما أخطر مصيرهم! 

اللهم أيقظ قلوب المسلمين، اللهم املأها بأنوار الإيمان واليقين. 

اللهم ارزقنا حُسن التعظيم لشريعتك وما جاء عنك، وحُسن العمل بكتابك وسنة حبيبك وبيانه، وما بيَّنه وأخذه وتلقاه عنه أصحابه وأهل بيته وصالح الأمة قرناً بعد قرن.

ثبِّتنا على الاستقامة وأتحفنا بالمنن والمواهب والمزايا والكرامة في الدنيا وعند الموت وفي البرزخ ويوم القيامة، حتى تجمعنا في أعلى درجات الجنان في زمرة المظلل بالغمامة، عبدك المختار محمد، من غير سابقة عذاب ولا عتاب ولا فتنة ولا حساب.

يا غفار، اغفر لنا ما مضى واحفظنا فيما بقي، واجعلنا ننصرف من جمعتنا تحت شرف كرامة أوامرك وتعاليمك وخطابك، مقتفين آثار أحبّ أحبابك وسيد أهل حضرة اقترابك محمد ﷺ، نعزِم فيما بقي من الأعمار على تعظيم ما جاء به خطابك من نهي فننتهي خير الانتهاء والانزجار، ومن أمر فنعمل ونأتمر أكرم الائتمار.

اللهم واجعل لنا من عظيم ما لذلك من الثمار أوفر الحظ من رضوانك الأكبر في دار القرار، يا كريم يا غفار يا الله.

نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. 

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). 

(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ). 

(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ). 

(رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا). 

اغفر لنا وآبائنا وأمهاتنا وذوي الحقوق علينا مغفرة واسعة كاملة لا تغادر ذنباً ولا خطيئة ولا إثماً ولا حوباً، يا خير الغافرين يا أرحم الراحمين.

عباد الله، إن الله أمر بثلاث ونهى عن ثلاث: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ). 

فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمهِ يزدكم، ولذكر الله أكبر.

 

تاريخ النشر الهجري

09 جمادى الأول 1447

تاريخ النشر الميلادي

31 أكتوبر 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

الأقسام