ذكرى المولد وفتوى صاحبه في أكثر ما يدخل الناس الجنة

للاستماع إلى الخطبة

خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع المشهد، بوادي حضرموت، 13 ربيع الأول 1447هـ بعنوان:

ذكرى المولد وفتوى صاحبه في أكثر ما يدخل الناس الجنة

خطبة عن تقوى الله وحسن الخلق، يبيّن فيها أن محبة النبي محمد ﷺ وتعظيمه لا تكتمل إلا بالاقتداء به في الأقوال والأفعال، محذرًا من الغفلة والتمادي في الذنوب، ومؤكدًا أن حسن الخلق هو أعظم ما يُدخِل الناس الجنة، داعيًا إلى الصدق في التوبة، والإكثار من الصلاة على النبي ﷺ.

لتحميل الخطبة مكتوبة pdf (اضغط هنا)

الصورة

نص الخطبة مكتوب:

 

الخطبة الأولى :

   الحمد لله البارئ الخالق المُكوِّن، الأول الآخر، الظاهر الباطن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، استوى في علمه ما يظهر عبدُه وما يُبطن.

   وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرة أعيننا ونور قلوبنا محمداً عبده ورسوله، وحبيبه الأمين المؤتمن على البلاغ عنه، والهداية إليه والدلالة عليه، خاتم النبيين وسيد المرسلين، وأكرم الأولين والآخرين على الله رب العالمين. 

  اللهم أدِم صلواتك في كل لمحة ونَفس على المُجتبى المُختار سيدنا محمد، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار، ومن والاهم وعلى منهجهم سار، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين معادن الأنوار والأسرار، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المُقرّبين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أما بعد،، 

   عباد الله، فإني أوصيكم وإياي بتقوى الله، فاتقوا الله وأحسنوا يرحمكم الله، (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ). 

   واعلموا أنَّ من اتقى الله عاش قوياً وسار في بلاد الله آمناً، 

ومن ضيّع التقوى وأهمل أمرها 

تغشته في العقبى فنـون الندامــةِ

أكثر ما يُدخل الجنة:

   أيها المؤمنون بالله الذي خلق والذي أنعم ورزق وإليه المرجع من الأولين والآخرين، لا إله إلا هو وحده لا شريك له، اجتماعكم يقتضي أن تسرح وتسبح عقولكم في معاني تقواه، والسعي لنيل رضاه، والعمل بما أرسل به حبيبه ومصطفاه، الذي صحَّ عنه أنه سُئل -فاسمعوا فتواه- عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة فقال: "تَقْوى اللهِ وحُسْنُ الخلقِ"، وسُئِل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال: "الأجوفانِ : الفمُ والفرجُ".

  وأمام فتواه يجب أن ينظُر الذين آمنوا به فابتهجوا بذكرى ميلاده وإشراق نور ضياه على هذا الوجود، في ساعةٍ ما شاهدت أُمّهُ وحدها من النور الذي أبداه الله، طوى لها مسافة شهر كامل، فشاهدت قصور بصرى من أرض الشام وهي بمكة المكرمة. 

ولادة سيد الكونين:

  في صباح يوم الإثنين عند طلوع الفجر برز سيد الكونين، فلا والله ما كانت مثل ولادته ولادة، ولا كمثل مولده مولد، من قبل ولا من بعد.

نُكِّست الأصنام، وخمدت نار فارس، وسُلسلت الشياطين، وانشقّ إيوان كسرى، وأشرقت الأنوار من كل جانب، وخرَّ من بطن أُمّهِ ساجداً، مومئاً بإصبعه إلى التوحيد، رافعاً طرفه نحو السماء، فخرج منهما نور لحق بالسماء. 

فهل رأيتم مثل هذا وُلد لأحد؟ 

  إنه الذي ميّزه الواحد الأحد وخصّصه الفرد الصمد. 

ذاك يوم ولدت فيه:

ولقد جاءنا في صحيح مسلم وغيره أنه لما سُئل عن صوم يوم الإثنين قال: "ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ". ولم يكن السائل سأله عن مولده ولا يوم مولده، ولكن عن العبادة فيه والصيام في يوم الإثنين، فربط الأمر بمولده وولادته الشريفة، قال: "ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ". ولنِعمَ الصوم فيه. ثم جاء في روايات أُخر قال: "وفيه نُبئت، وفيه أُسري بي، وفيه هاجرت، وفيه أتيت طيبة" صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله.

الاستقامة على فتوى النبي ﷺ :

  أيها المؤمنون بهذا النور المبين، يجب أن تستقيم منا الأقدام على موجب فتوى خير الأنام، مصباح الظلام، الهادي إلى سواء الصراط، الحامي أمته من الزيغ والاختلاط والاختباط، بما ورّث فيهم من كتابه وسنته وعترته الطاهرة، والأخيار الذين لا ينقطعون في أمته قرناً بعد قرن وزماناً بعد زمان "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من ناوأهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون".

فيجب أن نقيم حقائق تقوى إلهنا في سرنا وإعلاننا، في أُسرنا وبيوتنا ومنازلنا ومعاملاتنا وأخذنا وعطائنا، وفي أسماعنا وأبصارنا وأفئدتنا. 

تقوى الله في النظر:

تقوى الله ﷻ أن تتوقّى سخطه وغضبه، فتترك كل نظرة يكرهها الله، 

  • النظرة إلى المسلم بعين الاحتقار يكرهها الله فاحذرها، 
  • النظرة إلى الدنيا بعين الاستحسان والإكبار يكرهها الله فاحذرها، 
  • النظرة إلى العورات يكرهها الله فاحذرها، 
  • النظرة إلى النساء الأجنبيات، 
  • ونظرُهن بشهوة إلى الرجال الأجانب يكرهها الله، 

بل هي سمٌّ مسموم من سهام عدو الله، قال الله: "من تركها من مخافتي أبدلتُه إيمانًا يجِدُ حلاوتَه في قلبِه"، تعجيل نعيم في الدنيا بزيادة الإيمان وذوق الحلاوة، ثم في العُقبى نعيم ألذ وأطيب وأكبر، ذلكم فضل الله لمن ضبط عينه، لمن اتقى الله في عينيه، فلم يخلقهما لك نفسك، ولا أبوك ولا أمك، ولا أهلك ولا حزب ولا هيئة ولا جماعة ولا دولة، ولا من ينشر لك السوء لتطالعه، لم يخلق لك العينين، إنما خلقهما الله رب الكونين. 

قال جل جلاله: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). 

لعلكم تشكرون، لا تكفروا النعمة بصرفِها فيما حرم الله عليكم، لا عينيك ولا أذنيك ولا لسانك ولا شفتك ولا فرجك ولا يدك ولا رجلك، أعطاك إياها لترتقي ولتهتدي وتدَّخر لعقباك وآخرتك أجوراً وثواباً ومثوبات لا انقضاء لها ولا غاية.

تقوى الأعضاء من تقوى القلب:

   فأحسن تقوى الله في أعضائك، وحُسن تقوى الله في الأعضاء نتيجة عن تقوى القلب، ولقد أشار سيد المرسلين إمام أهل التقوى إلى صدره الشريف وقال: "التقوى ها هنا، التقوى ها هنا، التقوى ها هنا"، اللهم انظر إلى صدورنا واملأها بنور التقوى. 

  إنّ من أعظم فوائد الذكرى للميلاد أن تتهيأ قلوبنا للإمداد بنور تقوى عالم الخافي والبادِ ومن إليه مرجعنا في المعاد

مواطن النور :

   أنتم في موطن كم أضاءت فيه أنوار التقوى في صدورٍ قبلكم، وكم يضيء الله صدوراً بنور هذه التقوى في يومكم هذا، فلا تغفلوا ولا تُهملوا ولا تنقطعوا عن حسن الطلب للإله الرب، أن يهبكم هذه المواهب الكبرى فيمن لهم وهب، فإنها خير زاد به تتزودون لدار المعاد، وللارتقاء في المراتب الرفيعة مع أهل المحبة والوداد، ومرافقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، سادات أهل الصدق مع الملك الجواد.

تقوى الله وحُسن الخُلق:

   أيها المؤمنون بالله، تقوى الله وحُسن الخُلق أكثر ما يُدخل الناس الجنة. 

وحُسن الخُلق مع القريب والبعيد والصغير والكبير. 

إن حُسن خُلقك هو الصورة التي ينظر إليها ربُك، فإنّ لك صورة جسمانية لا ينظُر إليها وليس التعويل عليها ولا الاعتبار بها، إنما صورتك المعنوية الباطنة، صورة قلبك. 

من حسنت أخلاقه قيل له حَسن الخُلُق، وهي الصورة الباطنة التي تُحشر عليها يوم القيامة. ومن ساءت أخلاقه قيل سيء الخُلُق. 

ومن حسنت صورته الظاهرة قيل حسن الخَلْق، ومن ساءت صورته الظاهرة قيل سيء الخَلْق. فالخَلْق عبارة عن صورة ظاهرة، إن كانت حسنة جميلة سُمي صاحبها صاحب حُسن خَلْق، وإن كانت قبيحة مكروهة سُمي صاحبها صاحب سوء خَلْق. 

كذلك الصورة الباطنة إذا استقامت على حُسن الإنابة إلى الرحمن الذي خلق، والامتثال لأمره والاجتناب عن نهيه، وبسْطُ الوجه ولين القول وحُسن المعاملة مع العباد في الخافي والبادِ، صار صاحبها صورته الباطنة حسنة، فيقال حَسن الخُلُق. 

الأحب والأقرب للنبي ﷺ: 

ولقد قال أحسن الناس خَلْقًا وخُلُقًا، يقول ﷺ: "إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا، الموَطَّؤونَ أكنافًا".

لا كِبر عندهم ولا غطرسة ولا فظاظة في القول ولا تعبيس في الوجه، أولئك الهيّنون اللينون أهل الأخلاق الحسنة، المُقتدون بصاحب المولد الذي قال عنه أصحابه: ما رأينا أحداً أكثرُ تبسُّماً في وجوه أصحابه من رسول الله. 

قال جرير بن عبد الله البجلي عليه رضوان الله: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منذ أسلمت إلا تبسّم في وجهي، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله، وعدّ ذلك من الصدقة، التبسُّم في وجه أخيك المسلم.

   تقوى الله وحُسن الخلق أكثر ما يُدخل الناس الجنة، اجعلنا اللهم من أهل جنتك والسابقين إليها، وأدخلنا جنتك بغير حساب يا رب الأرباب ويا مُسبب الأسباب. 

أكثر ما يدخل الناس النار:

  وأكثر ما يدخل الناس النار الأجوفان: 

  • الفم بما يأكل وما يتكلم، ما يطعم وما يتكلم. 

ما يأكل من الشبهات، فضلاً عن الربا، فضلاً عن الحرام الصريح من سرقة وغصب ونهب وما إلى ذلك مما حرم الله. 

أكثر ما يدخل الناس النار الفم، الفم في طعامه. 

يقول ابن عمر عليه الرضوان: ولو أنكم قمتم حتى تكونوا كالحنايا - من كثرة القيام في الليالي - وصُمتم حتى تكونوا كالأوتار، لم يُتقبل ذلك منكم إلا بورعٍ حاجز، لم يُتقبل ذلك منكم إلا بورعٍ حاجز. 

الورع عند الدينار والدرهم:

   ولقد وصف صاحب الرسالة قوماً لهم ظواهر أعمال صالحة ولكنهم كانوا عند الدينار والدرهم لا يتورّعون، قال لأحدهم: قيام من الليل غير الفرائض، "قيام من الليل وحسنات تُسعّر بهم جهنم". قال: يا رسول الله ما بالهم؟ قال: "كان إذا بدا لأحدهم شيء من الدنيا وثب عليه"، إذا ظهر له شيء من الدنيا قفز قفزة يريده من أي وجه كان، لا يبالي من شبهة أو من حلال أو من حرام.

 هذه إرشادات صاحب الرسالة وخاتم النبوة يجب أن تكون على أذهاننا وعقولنا.

 إنَّ اللَّهَ طيِّبٌ لا يقبلُ إلَّا طيِّبًا"، وإنَّ اللَّهَ أمرَ المؤمنينَ بما أمرَ بِه المرسلينَ، فقالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) ، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)، قال وذَكرَ الرَّجلَ يُطيلُ السَّفرَ أشعثَ أغبرَ يمدُّ يدَه إلى السَّماءِ يا ربِّ يا ربِّ، ومطعمُه حرامٌ ومشربُه حرامٌ وملبسُه حرامٌ وغذِّيَ بالحرامِ فأنَّى يستجابُ لذلِك.

فأنى يُستجاب لذلك؟ فأنى يُستجاب لذلك؟

أهل الورع والتقوى:

   ولقد امتلأ واديكم الميمون بأرباب الورع فيما مضى من القرون. 

ولقد كان يكون المزارع متصلة ببعضها البعض، فإذا جاء وقت الحصاد حصد هذا إلى قريب من زرع صاحبه فيترك نحو الشبر أو الذراع لا يقرب منه، ويحصد الثاني زرعه فيترك مقدار الشبر أو الذراع لا يقرب منه، فيقول: تعالوا خذوا حقكم، فيقول هذا: أخاف أن أتعدى على حق أخي، ويقول الثاني: أخاف أن أتعدى على حق أخي، حتى يأتي من يصلح بينهم فيَجُزُّ لهم ويقسمه بينهم، هكذا كان شأنهم. 

ماذا أوصلهم إلى هذا؟ 

القرآن، محمد، محمد المُبلِّغ أوصلهم إلى هذا الحال وإلى هذا الشعور وإلى هذه المعاملة. 

والقرآن عندك ومحمد أُرسل إليك كما أُرسل إليهم، فما بالك لم تصل إلى هذا الشعور؟

 ما أحسنت استقبال القرآن! 

ما أحسنت التصديق بأصدق الخلق والتأمل لإرشاداته! 

وإلا لأوصلك إلى ما أوصلهم إليه، ولفُزت بما فازوا به. 

خاتمة الخطبة الأولى :

اللهم املأ قلوبنا بالإيمان وألحقنا بأهل الإحسان، وبارك لنا في جمعنا في هذا اليوم في الساحة المباركة التي كم صبَّت فيها سحائب جودك والهدى وفضلك والإحسان يا كريم يا منان. 

فلا تجعل فينا قلباً إلا ملأته بنور التقوى والإيمان، وثبّت لنا الأركان على ما تحبه يا رحمن.

والله يقول وقوله الحق المبين: (فَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). 

وقال تبارك وتعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ). 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

(وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ). 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وثبتنا على الصراط المستقيم، وأجارنا من خزيه وعذابه الأليم.

 أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية :

   الحمد لله حمدًا يصُبُّ به هطَّالُ إفضاله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نُدرِك بها الحظ الأوفر من عطائه ونواله. 

وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرة أعيننا ونور قلوبنا محمدًا عبده ورسوله، خاتم إنبائه وإرساله.

 اللهم صلِّ وسلِّم على الذي جَمعتَ فيه المحاسن والفضائل والشرف، سيدنا محمد الأكرم الأتقى الأشرف، وعلى آله وصحبه ومن سار على منهجه في سره وعلنه فيما يقول ويفعل ويتصرّف، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين من أتحفتَهم بأجل التُّحف، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أما بعد،، 

   عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله. فاتقوا الله عباد الله. 

تقوى الله بالفم:

ومن تقواه فيما يتعلق بالفم: 

  • ضبط الكلام 
  • وكثرة ذكر الإله 
  • وكثرة ذكر رسوله، بالمحبة والتعظيم والشوق 
  • وكثرة الصلاة والسلام عليه، 
  • وتلاوة القرآن الكريم، الذي لا ينبغي ولا يجوز لمؤمن أن يهجره في كل يوم وليلة، بل يجب عليه أن يتدبره وأن يمتثل أمره ويجتنب زجره. 

من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله وراء ظهره ساقه إلى النار، "إنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بهذا الكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ به آخَرِينَ". 

   أيها المؤمنون، ومنها:

  • ذِكر محاسن المؤمنين أحياهم وموتاهم، 
  • والكف عن ذكر مساويهم، 
  • وترك كل غيبة ونميمة 
  • ومنها مدح المؤمنين والأخيار والصالحين، فهي سنة الله في كتابه وسنة رسوله المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

وشرع الله لنا في القرآن ذكرَ الصالحين والأخيار، وقال تعالى: (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ * وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ الْأَخْيَارِ). (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ). 

يقول جل جلاله: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ)، (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ)، (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىٰ)، (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ) ، (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ). 

فذِكر الأنبياء والصالحين قُربة وعبادة جاء بها القرآن وجاء بها النبي سيد السادة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

الفرْج سبب لدخول النار:

   أيها المؤمنون بالله، 

  • والفرْجُ أكبر وأخطر الأعضاء التي تورد الناس النار، وذلك من كل ما حرم الله من استمناء وأشد منه اللواط والزنا، وبأهل الجوار يتضاعَف. 

وهكذا يقول الجبار ﷻ: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا). 

اغتنام الموقف بالتوبة:

أنتم في ساحة وساعة وموقف توبة صادقة إلى الله، كم تاب في مثل هذا الموقف وفي هذه الساحة أقوام كثيرون قبلكم من أرباب صغائر وكبائر، فما انصرفوا إلا وقد مُحي ما في الصحف من خطيئات وبُدّلت إلى حسنات، وذلك فضل الله لمن صدق معه وأناب وأخبت. 

(وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). 

ساعة العطاء الرباني فاغنمها أيها المؤمن، واغنم ساعة الجمعة هذه، وساعة يستجيب الله فيها الدعاء من كل ما يسأله المؤمن من خير الدنيا والآخرة.

أسباب معينة لحفظ الفرج:

فتوجهوا إلى الرحمن بطُهر الجَنان وضبط اللسان وحفظ الفرْج عن الفواحش، والذي لا يُحفظ إلا: 

  • بحفظ العين عن النظر 
  • وحفظ اللسان عن الكلام 
  • وحفظ القلب عن الفكر

فإذا حَفظَ هذه الثلاثة عن الثلاثة حُفِظَ فرْجَه من الفواحش ودخل في دائرة: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ). 

وقد جاء في الحديث: "من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه"، فقد يعود وقد لا يعود.

  أيها المؤمنون، ما أحسن تقوى الله وحُسن الخلق، خَلَع الله علينا خِلعة التقوى وحسن الأخلاق، ولا صَرفنا إلا بها قائمين بحقّها حتى نلقاه وهو عنا راض، إنه أكرم الأكرمين. 

أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً:

ألا وإن كل الخير مجتمع في داعيكم إلى الخير نبي الخير محمد، وإن تعلُّق القلب به علامة الصدق مع الرب والمحبة، ومؤذن بلقاء الأحبة في شريف الرتبة. 

فكما سمعنا قوله: "إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا"، نسمع قوله: "إنَّ أولى النَّاسِ بي يَومَ القيامةِ أَكْثرُهُم عليَّ صلاةً"، صلى الله عليه وسلم، مشيراً إلى أن صاحب حُسن الخلق لا يكون إلا متعلقاً بسيد الخَلق، وأن من حَسُن التعلُّقَ برسول الله وأكثر الصلاة عليه لا يكون إلا حَسَن الخلق

فنور الصلاة عليه ينفي الأخلاق البذيئة والأخلاق السيئة، وُيخلّقك بأخلاق من تصلي عليه بسر صلاة الله على من يُصلّي عليه، وهو القائل: "مَن صلى عَلَيَّ واحدةً ، صلى اللهُ عليه بها عَشْرًا". 

فأكثروا الصلاة والسلام على خير الأنام بالليل والنهار والسر والإجهار، وتأملوا أمراً ابتدأ الله فيه بنفسه وثنّى بملائكته وأيّه بالمؤمنين، فقال مخبراً وآمراً لهم تكريماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). 

خاتمة الخطبة الثانية:

   اللهم صلِّ وسلِّم على الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير البشير النذير، عبدك المختار سيدنا محمد. 

وعلى صاحبه وأنيسه في الغار، مُؤازره في حالَي السعة والضيق، خليفة رسول الله سيدنا أبي بكر الصديق. 

وعلى حليف المحراب المنيب الأواب، أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب. 

وعلى الناصح لله في السر والإعلان، من استحيت منه ملائكة الرحمن، أمير المؤمنين ذي النورين سيدنا عثمان بن عفان. 

وعلى أخ النبي المصطفى وابن عمه، ووليه وباب مدينة علمه، إمام أهل المشارق والمغارب، أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب. 

وعلى الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة في الجنة، وريحانتي نبيك بنص السنة. 

وعلى أمهما الحوراء فاطمة البتول الزهراء، وعلى خديجة الكبرى وعائشة الرضا وأمهات المؤمنين وبنات سيد المرسلين ومريم وآسية. 

والحمزة والعباس، وسائر أهل بيت نبيك الذين طهرتهم من الدنس والأرجاس.

 وعلى أهل بيعة العقبة وأهل بدر وأهل أحد والبيعة الرضوان، وسائر الصحب الأكرمين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

الدعاء :

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين. 

اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم أعلِ كلمة المؤمنين، اللهم دمِّر أعداء الدين، اللهم اجمع شمل المسلمين، اللهم ألِّف ذات بين المؤمنين. 

اللهم لا تصرفنا من جُمعتنا إلا وأنت راضٍ عنا، وأصلح الحس لنا والمعنى، وارزقنا العثور على المطلب الأسنى والمشرب الأهنى، وخلّقنا بأخلاق أسمائك الحسنى. 

يا إلهنا، تداركنا والمسلمين، وأدِم لوادينا ولحضرموتنا أمناً من عندك وطمأنينة وخيراً وفيراً، وتقوى وإنابة، وعُمّ بذلك يمننا وشامنا وشرقنا وغربنا.

يا إلهنا، نزلت الشدائد بعبيدك المسلمين في غزة والضفة وأكناف بيت المقدس، وفي كثير من أقطار الأرض من السودان والصومال وليبيا والعراق وغيرها من بقاع الأرض، وإليك المشتكى وأنت المستعان وبك نستغيث، فأغِثنا وإياهم بالغياث الحثيث، ورُد عنا وعنهم كيد كل شرير وخبيث.

اللهم رُدّ كيد أعدائك أعداء الدين، اجعل كيدهم في تضليل واجعلهم كعصف مأكول يا قوي يا متين.

خالف بين وجوههم وكلماتهم وقلوبهم يا أرحم الراحمين يا أكرم الأكرمين. 

من شدة ما فعلوا لانت لهم قلوب كفار لم يؤمنوا، بحكم الإنسانية، وسَيَّروا لهم سُفناً ليوصلوا إليهم شيئاً من الغذاء، وأنت تعلم حال عبادك المسلمين والمؤمنين وما تعاملوا به مع هؤلاء، فتدارك هذه الأمة بصلاح قلوبها وإيمانها وحالها واجتماعها على ما يرضيك، وردِّهم كيد عدوك وعدو رسولك وعدو دينك من أهل البغي والفساد والضرر الذين يتفيهقون بحقوق الإنسان وبالتقدم وبالتطور وبالعدالة إلى غير ذلك من الشعارات الكاذبة الزائفة، وهم على الغل منطوين، وعلى الحقد والحسد والاستخفاف بقتل الأطفال والأبرياء والنساء والضعاف، ومن يأتي من بين الأسرة يكون فيه بعض قوة، يأتي إلى محل المساعدة ليجلب لأسرته قوتاً، يُضرب ويُرمى بالسهام ويُقتل. 

يا إلهنا، إليك المشتكى وأنت المستعان وعليك التكلان، عجِّل بالفرج للمسلمين والغياث للأمة أجمعين، حوّل الأحوال إلى أحسنها. 

أغِثهم بحبيبك الأمين سيدنا محمد، وانصرنا وأهل الحق والهدى في جميع الأقطار، وادفع عنا الشرور والأشرار، واحمِنا من جميع المضار، وضاعف الخيرات في هذه المنازل وأهاليها والمقامات ورجالها من كل ما يُرضيك وتحب، واجعلنا من خواصّ أنصار الهدى فيما خفي وفيما بدا. 

واغفر لآبائنا وأمهاتنا والمتقدمين في مواطننا هذه، واجمعنا بهم في دار الكرامة وأنت راضٍ عنا من غير سابقة عذاب ولا عتاب ولا فتنة ولا حساب ولا توبيخ ولا عقاب، يا رب العالمين.

عباد الله، إن الله أمر بثلاث ونهى عن ثلاث: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ). 

فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر.

تاريخ النشر الهجري

14 ربيع الأول 1447

تاريخ النشر الميلادي

05 سبتمبر 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

الأقسام