(228)
(536)
(574)
(311)
خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن حفيظ في مسجد الشريفة فاطمة بنت ناصر، في عمّان، الأردن، 12 ربيع الثاني 1445هـ بعنوان:
حكمة الخلق وسر الخلافة ووجوب الدفاع عن الدين والوطن
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله الحمدُ لله ربّ السّماواتِ والأرضين، المُنفرِد بخَلقهما وما فيهما وتَكوينهما وإيْجادهما مِن العَدَم، وَمَا بَيْنَهُنَّ وَمَا فِيهِنَّ، فَهْوَ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحُقُّ الْمُبِين، فَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ يَجِبُ أَنْ يُفْرَدَ بِالْعِبَادَة كَمَا تَفَرَّد بِالْخَلْق وَالْإِيجَادِ.
ولقدْ جَعل الحِكمة الكَبِيرة والمُراد الأعظم مِن وجودِ هذه السّماوات والأرضين؛ وجُود عِلم مَخصُوص يتَّصلُ به انْتهاجٌ في مَنهَجٍ مَخصُوص، ذلكَ العلمُ الذِي أشارَ إليه بقوله جلَّ جَلاله: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) [الطلاق:12] ومَن عَرف ذلك أفردَه بالعِبادَة وأخلصَ له في الغَيب والشَّهادة؛ فاسْتوجَب حَقائِق الفوْز والسَّعادة في دُنياه وفي مَعادِه.
وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبيّنا وقرّة أعيننا ونور قلوبنا مُحمداً عبدُ الله ورَسولَه وحَبيبُه وصَفيّهُ ونبيّه ونجيَّهُ وخَليلُه، أرسَلهُ بالهُدى ودِين الحقّ؛ (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [الصف:9]، شاهدًا ومُبشِّرًا ونَذيرًا، (وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا) [الأحزاب:46]؛ حامِلًا عن الله تعالى أسُسَ العيْشِ على الحَياةِ كمَا يُحبّها الخَالق، خالقُ الموتِ والحياة، (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك:2]، وبيّنَ المَشي على الصِّراط المُستَقيم، وما يُوجِب الفَوز بالنَّجاة مِن الجَحيْم، والدُّخولَ إلى دَار النَّعيم والتَّكريم على الأبدِ والدَّوام والخُلود.
فصلِّ اللهُم وسلّم وبارِك على عَبدِك الهَادي إليك، والدّال عليك، سيدنا محمد صاحبِ المَقام المَحموْد، وعلى آله وصَحبه وتابعيهم بإحسَان إلى اليَوم المَوعُود، وعلى آبائه وإخْوانِه مِن الأنبياء والمُرسلين أئمة الرُّكّع والسّجود، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم بإحسان، وعلى ملائكتك المقرّبين وجميع عبادِك الصّالحين، وعلينا مَعهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أمّا بعد،،
عبادَ الله، فإنّي أوصِيكم ونَفسِي بتَقوى الله، فاتَّقوا الله وأحْسِنوا يرحَمكُم الله (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف:56]، واعْلموا أنّ مَن اتَّقَى الله؛ صار قويًّا وسار في بلادِ الله آمناً.
أيُّها العِباد، وإنّ مِن تقْوى الله -جل جلاله وتعالى في عُلاه- مَعرفَة ما أوجبَ عَلينا محبَّته، وما أوجبَ علينا من التَّعامُل مع القَريب والبَعيد، والصَّغير والكَبير، والذَّكر والأنثى، وإقامَتنا الأمرَ على ما أحبَّ منّا جلّ جلاله -وتعالى في عُلاه-.
ولقدْ جَعل الله سُبْحانه وتعالى على ظَهر هذه الأرض سرَّ قيَامٍ بمَنهاجِه وعمَلٍ به؛ تِلكُم هيَ الطَّاعة التي تَرتَكزُ على الإيمان بهَذا الإله والتَّصديق بأنّه الواحدُ الأحدُ الفردُ الصَّمد، الذي منْه المُبتدأ وإليه المَرجعُ والمَصِير، العالمُ بكلّ شيء، القديرُ على كلّ شيء؛ فإليه المُستنَدُ وعليهِ المُعتمد.
ولا يُمكن لفِكر وعَقل مَخلوق آتاه الله فِكرًا وعَقلًا مِن مَلكٍ أو إنسيٍّ أو جنّيٍّ؛ أنْ يَهتدي إلى ما هُو أجمَل وأكمَل في مسَار الإنسَان وفي سُلوكِه مِن الله، (قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ) [البقرة:140]؟ (قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ) [البقرة:140] جلّ جلاله وتعالى في عُلاه، ألا (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) [الطلاق:12]
فتَلتَزموا حُسنَ القِيام بمنْهَاجه وأمْره على ظَهر هذه الحَياة، وتعلمون أنّ الأرضَ خَيرُها الحَقيقي وبَركَتُها ونُورُها وفَوائدها السَّرمَدية الأبَديّة لا تكونُ إلا للمُتَّقين؛ الذين يَعبدُون الله في أرضِه مُوقِنين بعظمَته، مُستعدّين للقائه؛ فكانَ هذا هو المَقصُود الأعْظم المُشار إليه بقوله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56]، وكلّ عَابدٍ لله مِنَ المُكَلّفِين مِن الإنسِ والجنِّ على وجْه الاسْتقامةِ والإخْلاصِ لوجْه الله مُنسجِم مع مَقصُود الأرض وخَلقها ووجُودها في أيّ بُقْعة عَبَد الله فيْها.
ولقدْ وسّع الله لهذه الأمّة رُقعَة وَمكَان العِبادةِ، وقال نبيّنا في الخَصائص التي اختصّت بها الأمة: "وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا -وترابها- طَهُورًا، وأَيُّما رَجُلٍ مِن أُمَّتي أدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ"، حيثُ كان مِن ظَهر هَذه الأرض.
أيّها المؤمنون، عِمارةُ الأرض بما يتعَلّق بحسّها وجسمانيّتها وظاهِرها، واحْتياجَات الإنسان والجنّ فيها لمَا يتعلّقُ بالطّعام والشّراب والمسْكن والملبَس، وعمَارة أخرى هيَ المقْصُود الأعظم: عمارة لها بالعِبادة للرّحمن جلّ جلاله، وإقامةِ أمْره، وهذه الخَيرات من هَذه الأرض هِيَ التي تتّصل بخير البرزخِ وخيرِ القيامةِ وخير دار الكرامة على الأبد والدّوام؛ هذا شأنُ المؤمنين في سِعة أفكارهم، وفي سِعة أنظارِهم؛ إنهم المُتَحرِّرون:
إنّهم المُتحرّرون من رِقِّ التّصور الضيّق
إنّهم المُتحرّرون من رِقِّ الفكر الضيّق
إنّهم المُتحرّرون من الانحِباس في المادّة
إنّهم المُتحرّرون من الانحِباس في الدّنيا دون البرزخِ والاخرة، إنّهم المتحررون من الانحباس في الأرض دون صِلةٍ بالسّماء، تنزل منها رحماتٌ عليهم وتوجيهات بها يعملون، ويصعدُ منهم الى السّماء أعمال صالحة ودعوات يسمعُها ربّ الأرض والسماء، ومنها ما يتفاخرُ به الملائكة وما به يُباهيهم الحقّ -جل جلاله- مما يحصل لأهل هذه الأرض؛ تِلكُم السّعة للمؤمن ليسَت لغيره.
وهكذا بُعِثَ المؤمنون برسَالةِ:
إخراج النّاس من عِبادة العِباد إلى عبَادة ربّ العِباد
ومن جَور الأديان إلى عَدل الإسلام
ومن ضِيق الدُّنيا إلى سعتها.
أيّها المؤمنون، قال سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) [الأنبياء:105]، فخيراتُ الأرضِ و بركاتُها وأنْ يُكسب ما دام الإنسان على ظهرها، أنْ يُكسب مِن مُدّة ذلك العمر على ظهرِ الأرضِ سَعادة الأبدِ ورضوانِ الواحد الأحد ومُرافَقة النّبيّين، ليس إلا للمؤمنين، مَن يكسب هذه المكاسب غيرهم؟ من يُحصِّل هذه المحاصيل الغالية سِواهم؟ ولذلكَ فإنّ وجود الإيمان لله في أيّ بقْعة من بقاع الأرضِ أمرٌ مُنسَجمٌ مع المرادِ الأعلى والمقصودِ الأكبر من خلقِ السّماوات والأرض وما بينهنّ، وهو المعني بالخلافة التي قال الله عنها لملائكته: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة:30].
أيها المؤمن الخَليفة، تتعلَّق هذه الخِلافة بحماية ما كان من الأرض، دخل تحت مُلك خاص لفردك، حتى جُعِلَ أنّ لك الحقّ أن تُدافع عنه ولو كان الذي يسطو عليك مسلم مثلك على دينك يأخذ أرضك بغير حق؛ كان لك الحقّ في الدفاع عنه، وإن كان بحكم إسْلامه إذا لم يكن في تسليم الأرض له والإعراض عنه أذَىً لغيرك ولا إضاعة لحقوقِ غيرك؛ جاز لك ذلك ما دام مسلما، أما غير ذلك فإنّك حتى ولو قُتِلْتَ دون تلك البقعة من الأرض فأنت عند الله في الشهداء. والشُّهداء هم المُتَّخذون، أي المُنتخبون المُختارون: (وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ)، (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا) [آل عمران:140].
من خلال مُجريات الأحْداث في الدّنيا:
يُميَّزُ المؤمن من غيره، يُميّز الصادق مع الخالق، مِن صَاحب الشّهوات وصاحب الأغراض وصَاحب المصالح، ومَن عبد مصالح أو سلطات أو شيء من شؤون هذه الانقطاعات عن الخالق جلّ جلاله.
ويُميَّز المؤمن الذي يُريد وجه الله والذي يستعِدّ للقاء الله -جل جلاله وتعالى في علاه- : (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران:140-142] هكذا أرشدنا الرّحمن جلّ جلاله
ألا وإنَّ تسليم بُقعة شِبرٍ من الأرض لكافر بغير حقٍّ يَسطو عليه قهرًا وعُدوانًا، أو يُقيم عليه راية المخالفة لشرعِ الله وأمره؛ خيانة وحرام على كل مؤمن؛ لا يجوز له. إنّهم إذا خرجوا عن سَطوٍ وعن كِبْرياء وعن غُرور وعن ظُلم وعن عُدوان، وسِعنا معهم نظام الإله تبارك وتعالى في تلك الأسُس التي وضعها للتّعايُش بين بني آدم، ولن يُوجدَ في شيء من وليد فكر البَشر خيراً منها، بل ولا ما يُقاربها في الحُسن والزّهاء؛ يقول سبحانه وتعالى: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) بِرٌّ وقِسطٌ، من دون وَلاء إلا لله جلّ جلاله ولمن آمن به، ولكن برٌّ وقسطٌ وحسن تعامل في نظام لا أجمل منه ولا أجود منه على ظهر الأرض؛ ليس من صُنع بشر وفكره، ولكن مِن وضع خالِقٍ خَلق الظّاهر والباطن، والروح والجسد، والأرض والسماء، والدنيا والآخرة، فهو الأعلم -جلّ جلاله وتعالى في عُلاه-.
(إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الممتحنة:9]؛ مُشيرًا إلى أنَّ إخراجَ الإنسان من بُقعةٍ وأرضٍ ألِفها أو سَكنها أو توطّنها؛ جريمة لا تبيحه مُقاتلة ذلك الفاجر أو الكافر الذي يُخرج مِن الأرض كرهًا، ولم يأتِ في تاريخ نبيٍّ ولا أتباعِ الأنبياء إلى خاتمهم النبي محمد إلى الخلفاء الرّاشدين ومن بَعدهم؛ أنهم أكْرهوا أحدًا أنْ يُخرج من الأرض، أو أكرهُوه على التهّجير من بُقعة من البِقاع؛ وما ذاك إلا شأن عددٍ من الكُفّار، وعددٍ من الفجّار على ظهرِ الأرضِ يستعملون تلك، والقرآن يَعدُّها من الجرائم التي تَصعُب على النّفوس البشريّة أن تتقبَّلها، وبذلك جاءنا في الصحيحين:
لعنةُ الذين تسبّبوا في إخراج المؤمنين من مكّة المكرمة
وجاء عنه ﷺ أنه قال: اللهم العن شيبة ابن ربيعة وعُتبة ابن ربيعة وأُميّة بن خلف كما أخرجونا من بلادنا"، كما أخرجونا من بِلادنا!
يقول سبحانه وتعالى:
(وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ) [الممتحنة:9]؛ (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ) [الممتحنة:9]،
وقال عن وصْفِ فئةٍ من الكُفار تعيشُ على ظهر الأرضِ، يقول سبحانه وتعالى في المؤمنين الذين يُعامِلهم أولئك الكفّار بسيِّئ تلك المعاملة: (أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ) [الحج:40].
أيّها المؤمنون بالله: بذلك جاء وجُوبُ حِماية الأراضِي على من يَحِلُّ فيها من المؤمنين، ومُساعدة مَن حَواليهم على حِماية تلك الأراضِي من كُلّ اعتداء ومن كل غَصْبٍ ومن كلّ عدوان، ألا والعدوان يُرى ويُنظَر أمام الأعيُن في زمن يُدَّعى فيه التّقدم والتّطور والحرّية وحقوق الإنسان؛ ليعلمَ البصيرُ العاقل أنّها شِعاراتُ كذِبٍ تُستعْمل للوصول إلى الأغراض، وما العدلُ وما الإحسان وما الحرّيةُ إلا في مَناهج ربّ الأرض والسماء، وفي مَسالكِ الأنبياء وأتْباعهم بإحسانٍ -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى-.
ولقدْ كان يقول سيدنا عمر لبعضِ مَملُوكِيه من أولئك الكُفّار: تؤمنُ وأئتمِنُك على كذا؟ تؤمن؟ فيقول سيدنا عمر: لا! (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) [البقرة:256]. وعاشَ في كنفِ سيدنا عمر في أمن و أمان، لكن دون أن يضرَّ، دون أن يُؤذيَ، دون أن يَتجرّأ على حقّ الغير، فضلًا عن الدّين وعن الشّريعة، وهذا الحكم في عُموم الأرض كُلها، أما إذا كانت أرضٌ شُرِّفَت بنصٍّ من القرآن ببركةٍ خاصّة فيها؛ كمثل هذا البيت المقدس و (الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) [الإسراء:1] يقول الله -جل جلاله-، فالأمرُ أكبر، والأمرُ أعظم، والرِّباط فيها أجَلّ، والرّباط فيها عند الله أكمل وأفضل وأجزلُ أجراً ومثوبة.
أيّها المؤمنون بالله: يُشاهَدُ الاعْتداء وقتلُ الأطفال وقتلُ الابرياء وقتلُ النّساء وما إلى ذلك، ويتفرّج أهلُ الشرق وأهل الغرب على مِثل ذلك، فاعجبوا لزمان يُدّعى فيه ما يُدَّعى من أنظمة وتقدّم وحضارة..! إنها الكذبُ، إنها الدجل، إنّها اللّعب على العُقول، إنها عُبوديّة النُّفوس المَريضة للسُّلطات وللأهوْاء وللمال وللثروات، دفع الله شرّهم عنا وعن المسلمين.
اللهم انظُر إلى إخوانِنا في غزّة خاصة وفلسطين، وفي جميع بقاع الأرض، ولا تُسلّط عليهم مُجرمًا ولا ظالمًا ولا كافرا ولا فاجرا، ورُدّ كيدَ الكفرة الفُجار اللّئام في نحُورِهم، وادفع عن المُسلمين جميع شرورِهم يا رب العالمين.
والله يقول وقوله الحق المبين: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأعراف:204]، وقال -تبارك وتعالى-: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) [النحل:98].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج:39-41].
بارَك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم ونفَعَنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وثبَّتنا على الصّراط المُستقيم وأجارَنا من خِزْيهِ وعذابه الأليم، أقولُ قولي هذا وأستغفرُ الله العظيم لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين، فاسْتغفِروه إنّه هو الغفور الرحيم.
الحمدُ لله مالكِ السّماوات والأرض، وجامع الأوّلين والآخرين ليَوم العرض، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له، سَعِد كل مَن انقادَ لعظَمته، وخَضَع لجلاله، وأطاعَه من أهل السّماوات والأرَضين، وشَقِيَ كُلّ من تولّى وكابرَ وأنكرَ وألحدَ وجَحدَ من جَميع المُكلَّفين، وكلّ من فعل ذلك بعدَ بلُوغ الدّعوة إليه فمصيرُه الهُون والعذاب المُهين.
وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبيّنا وقرة أعيننا ونورَ قلوبنا محمدًا عبدُه ورسُوله، خاتَم النبيّين وسيّدُ المرسلين، صلى الله وسلم وبارك عليه، اللهم صلِّ وسلم وبارك وكرّم على عبدِك الهادي اليك سيّدنا محمّد، عبدِك المُصطفى ونبيّك المُجتبى وشفيعُك المُبتغى وعلى آله الأكرمين وأصحابه الغرُّ المَيامين، وعلى من وَالاهُم واتَّبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدّين، وعلى آبائه وإخوانه من النبيّين والمرسلين وآلِهم وصحبهم وتابِعيهم، وعلى ملائكتك المُقرّبين وعلى جميع عِبادك الصّالحين، وعلينا معهم وفِيهم برحمتك يا أرحمَ الراحمين.
أما بعد،،
عبادَ الله، فإنّي أوصِيكم وإيّاي بتقوى الله، فاتّقوا الله، وقُومُوا بحقّ التّقوى في حفظِ الأعراضِ والأموالِ والأنْفس، في حِفظ الأوطان والبِلاد، ألا إنّ ذلكُم من المُهمّات التي تُناط بِرقبة المُؤمن ليُؤدّي حقّ الله؛ فوجبَ على أهلِ كلّ بلدٍ، وأهلِ كلّ بُقْعة ومَسْكن مِن المؤمنين أن يحفظوها ويحافظوا عليها، وأن يدْفَعُوا عنها شرّ الاغتصاب والاعْتداء والتسلُّط والتّجبُّر، أو نشر الفسادِ أو نشْر الكفر أو نَشر الضّلال، تِلكُم مُهمّات من مُهمات المؤمنين.
وأوّل ما تَبدأ به بيتك فتُصفّيه، تُصفّيه عَن أنْ تَدْخُلهُ برامج مَن يَدعو إلى فساد، برامج مَن يَقلِب الحَقائق ويُصَوّر الأشياء على غَير ما هي عليه؛ فتنخَرُ في فِكْر ابنك أو ابنتك أو زوجتك، فيقعُ احْتلالٌ لأعداء الله وسَط أفكاركم، وسَط الدّيار، وذلكم هو السُّلَّم لهم لأن يأخذوا الأراضِي من تحت أرجُلكم، وأن يأخذوها من بينِ أيديكم، إذا قد استحلُّوا عقولكم وإذا قد استحلُّوا أفكاركم وإذا قد استحُّلوا تصوُّراتكم، ألا إنّ خيرَ ما يُقيم لكم إدراكَ الحقيقة هو وحْيُ الرّب، وحْي ربّ الخليقة و بلاغ نبيّه، فاشحنوا عُقولكم وأذهانَكم بما ذكر الله، و ما ذكر رسُوله من أخبار الدّنيا والبَرزَخ والآخرة، من أخبارِ الأرض والسّماء، من أخبارِ الأُمم والطّوائف قبلكم..
(أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) [ق:15]، (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا) -وللكافرين أمثالها- (ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ * إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ) [محمد:10-12]، يبيِّن المُستقبل الكبير الخطير،
فليسْكُتْ كُلّ من حدّثنا عن المُستقبل القَصير ليصُدَّنا عن دين الله، هذا المُستقبل الكبير مَحسُوم ومَحكوم به من قِبل الحَاكم الذي لا مُعقِّب لحُكمه: (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ) [محمد:12].
ألا وأنعِمْ بتلكَ القُلوب التي شرِبتْ كأسَ الإيمان؛ وقامتْ بِحقّه، بحقّ اليقين، فيما هو مستقبلٌ عظيمٌ ومَوعود، و رأى منها أعداء الله -جلّ جلاله وتعالى في علاه- ما كانوا يظنّون أنهم مَحَوْه من نُفوسِ النّاس والخلق، بما نشَروا مِن فسادٍ ومِن مُخدّرات ومن مُسْكرات، ومن مُلْهيات ومن لعِبٍ بالأفكار إلى غير ذلك (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ)، (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ) [التوبة:32] -جلّ جلاله وتعالى في عُلاه-.
فقوموا بحقّ الله تبارك وتعالى في حِماية الأوطان والأنفُس والبُلدان بكل ما تسْتطيعون، واقصُدوا وجْههُ جلّ جلاله؛ لتلقوه وهو راضٍ عنكم سبحانه وتعالى، فإن الحقّ جلّ جلاله لا يضيعُ عنده شيءٌ قُصِد به وجههُ قلَّ أو كثُر: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) [التوبة:40] جلّ جلاله وتعالى في علاه.
أيّها المُؤمنون بالله: اخرُجوا من جُمعتكم بقلوبٍ مَجموعَة على الله تُقدِّم أمرَ الله، وإن مِن أعظم ما تُدفع به البلايا ويُرَدُّ به كيدُ أعداء الله: حُسنُ التّقوى وصِدقُ الالتجاء إلى عالم السِّر والنجوى:
(قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ) [الفرقان:77].
بل قال عن نبيٍّ من أنبيائه وهو سيدنا يونُس لمّا التقَمَه الحوت: (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [الصافات:143-144].
وقال: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لكم) [الأنفال:9].
فاجعلوا من وظائِفكم دعاءًا تدعون به من أيقنْتُم أنّ الأمر بيدِه وإليه مرجِعُ كلّ شيء؛ ادعوهُ بقلوب مُخلصة؛ فإنّها أسهم قويّة، تَرِدُ على صدور المُعانِدين والمُعتدين والغاصِبين والظالمين:
فلا تنسوا هذا الدعاء الذي ما نسيه رسول الله ﷺ وبات ليلة بدر يدعو: "يا حيّ يا قَيُّومُ، يا حيّ ياقَيُّومُ".
واعلموا أنّ مَن أكثرَ الاستغفار جعلَ الله له من كل همٍ فرجاً ومن كُل ضيقٍ مخرجاً
واعلموا أنّ الحقّ قال عن دعوة يونس: (فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء:87-88]. كُلّ مَن دعانا من المُؤمنين بهذا الدعاء مخلِصًا لنا أنجيناه..
فألِحُّوا على الله بهذه الدّعوات واجعلُوها فِي لَيْلِكُم ونَهَارِكُمْ، وَادْعُوهُ وَاسْأَلُوهُ جَلَّ جَلالُهُ أَنْ يُعَجِّلَ بِالْفَرَجِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يَدْفَعَ البَلاءَ عَنِ المُؤْمِنِينَ، وَأَنْ يَرْفَعَ مِنَ الأَرْضِ الظُّلْمَ وَالطُّغْيَانَ وَالْعُدْوَانَ وَالاسْتكبارَ، وَاللَّعِبِ عَلَى عُقُولِ الشُّعُوبِ وَالخَلَائِقِ بالكذِب والدّجْلِ الذي ينتحِلهُ قادةٌ من أولئك الذين لم يُؤمنوا بالله واليوم الآخِر.
أيّها المؤمنون بالله تبارك وتعالى، ومِن أعظمِ ما ُيُفرِّج الله به الخُطُوب كثرةُ الصّلاة والسلام على نبيّه؛
فإنه بعظمتِه وجلاله يصلِّي على من صلّى مرةً واحدةً على نبيِّه عشر مرات مِن عنده -جل جلاله وتعالى في علاه-.
ولقد قال ﷺ لمن قال له: "أجعلُ لك صلاتي كلَّها ؟! قال: إذًا تُكْفَى همَّك، ويُغفَرُ ذنبَك". فأكثِروا الصّلاة والسّلام على الذي قال فيما رَوى الترمذي في سُنَنِه: "إن أَولَى النَّاسِ بي يومَ القيامَةِ أكثَرُهم علَيَّ صلاةً".
وتأمّلوا أمرًا جاءكم من حضْرةِ الرّحمن، بَدأ فيه بنفسِه وَثَنّى بالملائكة وأيَّهَ بالمُؤمنين فقال مُخبِرًا وآمرًا لهم تَكريما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم وبارِك على عبدِك المُختار سيّدنا مُحمّد، وعلى الخَليفة مِن بَعدِه وصاحبِه وأنيسهِ في الغار، مُؤازرهِ في حالَي السِّعة والضِّيق خليفَة رسول سيّدنا أبي بكر الصّديق، وعلى النّاطقِ بالصّواب حَليفِ المِحراب، المُنيبِ القانِت الأوَّاب أمير المؤمنين سيّدنا عمر بن الخطاب، وعلى مُحيي الليالي بتلاوةِ القرآن، من اسْتحْيَت منه ملائكةُ الرّحمن أمير المؤمنين ذو النّورين سيدنا عثمان بن عفان، وعلى أخي النّبي المُصطفى وابن عمّه، ووليّه وبابُ مدينةِ عِلمه، إمام أهل المَشارق والمَغارب، أميرُ المؤمنين سيّدنا علي بن أبي طالب، وعلى الحسَن والحُسين سيدي شباب أهل الجنّة في الجنّة، وريحانَتَي نبيّك بنصِّ السُّنة، وعلى أمِّهما الحوراء فاطمةُ البتول الزّهراء، وعلى خديجة الكُبرى وعائشة الرِّضا وأمهاتُ المؤمنين وبنات سيّد المرسلين، وعلى الحَمزة والعبّاس عَمَّي نبيك خير الناس، وعلى آل بيته المُطهّرين من الدّنس والأرْجاس، وعلى أهلِ بيعة العقبة وأهل بَدر وأهل أحُد وأهل بيعةِ الرِّضوان وسائرِ الصَّحب الأكرمين، ومن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعلينا مَعهم وفِيهِم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعزّ الإسلامَ وانْصُر المسلمين، اللهم أذِلّ الشِّرك والمُشركين، اللهم اعلِ كلمةَ المؤمنين، اللهم دمِّر أعداءَ الدّين، ندعُوك يا ذا المُلك والمَلكُوت، والعزّة والجبَرُوت، أن تُنجِّي المسلمين في غَزّة وفلسطين خاصّة، وفي جميع بِقاع الأرضِ عامّة، وأن تُخلّصَهم من اعْتداء المُعتدين وظُلم الظّالمين، وانْتهاك الحُرُمات من يهودٍ ومن وَالاهم من الصّهاينة ومَن وَالاهُم من المُجرمين، اللهم لا تُبلِّغ أولئك المُجرمين مُرادًا فينا ولا في أحدٍ من رجالنا ونسائِنا وكبارنا واطفالنا، وجميع المسلمين في المشارِق والمغارِب.
اللهمّ اجمع شمْل الأمة ولُمَّ شعثهم وألِّف ذات بينهم، واجْمع قلوبَهُم على محبّتِك ومَرضاتِك، وأزِح من بينهم مُوجِبَ ما يُريده عدوّهم بهم من الشّحناء والبَغْضاء والتقاتُل بينهم، والتّخاصُم فيما بينهم مِمّا يطْمَعُ فيه إبليس مِن التّحريش بين الأمّة، ادْفع عنهم هذه القَواطِع، واجمع قلوبَهم على مُعاداة أعدائِك ومُوالاة أوليائك، وعلى القِيام بالأمر كما تُحِب.
اللهم أرِنا واسمِعْنا ما تَقرُّ به عَين نبيّنا، وما تكْفينا به شرّ أعدائك اعداء الدّين، اللهم اقْبل من قُتِل في الشهداء عِندك، وانزِل السّكينة والطُمأنينة على قلوبِ قَراباتهم وأوليائهم وذَوي رحِمَهم، اللهم واحْفظ البقيّة، وادفع الرزيّة والأذيّة، وحوِّل الأحوال إلى أحسَنها يا قويّ يا متين ياكريمُ يا مُعين، اللهم حوِّل الأحوال إلى أحسن الأحوال، وعافِنا مِن أحْوال أهل الضّلال وفِعل الجُهّال، اللهم تَدَارك الأمّة واكشِف الغُمّة.
اللهم كُنْ لنا بما أنت له أهلُه في كلّ مهمّة، وابسط لنا بِساط النّعمة وارفع النّقمة، وإن أوجَب ذلك ذنوبنا وسيئاتنا؛ فإننا نَستغفرك لنا ولأهل لا إله إلا الله، فاغفِر لنا يا خيرَ الغافرين، ولا تؤاخّذنا بما فعل السُّفهاء مِنا، وتولّنا بما انت اهله في الحسّ والمَعنى، اللهم خذ بيدِ ملك البلاد، الملك عبد الله ومَن معه ووليَ عهده و وُزَرائِه ومن معه ممّن يقومُ بالأمر إلى ما هو أحبُّ إليك، وأرْضَى لك، وانفَع لِعبَادك، وأَنصَر لدينك وشريعةِ نبيك، وقِنَا وقِهِم والمسلمين البلايا والآفات والرّزايا، واحرسنا وإيّاهم من جميع الشُّرور، في جميع الأمور، وأصلح لنا البُطون والظُّهور، واجعَلنا في خواصّ قومٍ يَهدُون بالحقّ وبه يعدِلون، يستقيمون على منهج الأمين المأمون. اللهم انظر إلينا وإلى الأمة؛
نظرة تُزيل العَنَا عنَّا وتُدني المُنى *** منَّا وكلَّ الهنا نُعطاه في كلِّ حين
برحمتِك يا أرحم الراحمين، يارب اغفِر لنا ذُنوبَنا وإسرافِنا في أمرنا وثبّت أقدامنا وانصُرنا على القوم الكافرين، ربنا أفرِغ علينا صبرًا وثبّت أقدامنا وانصُرنا على القوم الكافرين، واعفُ عنّا واغفِر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصُرنا على القومِ الكافرين، إنا مَغلُوبون فانتصِر، وارحَم قلوبَنا المُنكسِرة يا مُقتَدر، وادفع البلاء عنّا وعن الأمة أجمعين، يا أكرم الأكرمين نسألُك لنا وللأمّة مِن خير ما سَألك منه عبدك ونبيّك سيّدنا محمّد، ونعوذُ بك من ما استعاذَك منه عبدُك و نبيُّك سيّدنا مُحمَّد، وأنت المُستعان وعليك البَلاغُ ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم.
عبادَ الله إنَّ الله أمرَ بثلاثٍ ونَهَى عن ثلاث، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]، فاذكُروا الله العظيم يذْكُرْكُم، واشكروه على نِعمه يزِدْكُم ولذكرُ الله أكبر.
13 ربيع الثاني 1445