حال المؤمن مع دروس غزوة مؤتة

للاستماع إلى الخطبة

خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في مسجد الملك عبدالله، في عمّان، الأردن، 2 جمادى الأولى 1447هـ  بعنوان: 

حال المؤمن مع دروس غزوة مؤتة 

 

 

نص الخطبة:

الخطبة الأولى:

   الحمد لله، الحمد لله الخالق المُوجِد، الحي القيوم، الجواد الحميد المجيد، المبدئ المعيد، الفعال لما يريد. 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ * بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ).

ونشهدُ أن سيدنا ونبينا وقُرة أعيننا محمدًا عبد الله ورسوله، وحبيبه ونجيه وصفيه وخليله، أَدِمِ اللهم الصلاة والسلام على خير الأنام، عبدك الهادي إلى الهدى والسلام، سيدنا محمد، وعلى آل بيته الأطهار وأصحابه الكرام، ومن سلك سبيلهم الأرشد، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين أهل المقام الأعلى الأمجد، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المُقربين، وعلى جميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أما بعد،،، 

   عباد الله، فإني أوصيكم وإياي بتقوى الله، واعلموا أن من اتقى الله عاش قويًا وسار في بلاد الله آمنًا،

ومن ضيَّع التقوى وأهمل أمرها

تغشتهُ في العُقبى فنــون الندامـةِ

المؤمن قوي بالله :

ولا يزال المؤمن القوي بالله تبارك وتعالى باستكانته وتذلُّلـه للإله الحق، وتصحيح عبوديته له؛ يزداد إيمانًا ويتقوى بالإله القوي ﷻ فينصره الله. 

ولقد جعل الله تبارك وتعالى وكتب النصر للمرسلين ولحزبه وجنده المفلحين، (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ).

جهاد النبي ﷺ :

وجاءنا خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بالحقائق والهُدى، وما خص الله به الأنبياء جَمعهُ في خاتمهم برسالة إلى العالمين، رحمة وهداية، بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إليه بإذنه وسراجًا منيرًا. 

وكان له الدعوة العُظمى، ومكث بمكة ثلاثة عشر عامًا يدعو إلى الله صابرًا مُحتسِبًا، وفيها أُنزل عليه قول مولانا: (وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا). 

فكان من الجهاد الكبير صبره وتبليغه وتحمّله العناء وموالاتُه التبليغ للدعوة صلوات ربي وسلامه عليه في أنواع من الأذى والرد والصد والسب والشتم، ثم أذن الله له بالهجرة، ثم جاءت مشروعية الجهاد بالقتال للمحاربين المقاتلين الصادّين عن سبيل الله والظالمين الطاغين الباغين.

فكان له في تلك السنوات التي قضّاها بالمدينة المنورة من السنة الثانية، تسع سنوات أُذِن له فيها بالقتال، كان له خلالها سبعة وعشرون غزوة وسبع وأربعون سرية.

فكانت الغزوات ما حضرها بنفسه، كذلك يطلق العرب على الغزوة ما حضره القائد العام للجند والجيش، وما غاب وأرسل غيره يُطلق عليه السرية.

فكانت سبعة وعشرين غزوة وكانت سبعة وأربعين سرية.

غزوة مؤتة :

وكان منها غزوة مؤتة، السرية التي اشتهرت في كتب السيرة بالغزوة، هي سرية كان فيها الصحب الكرام لم يحضرها خير الأنام بجسده الشريف، ولكن لعظمتِها ومنزلتِها وشأنها وافتتاح النصر بها وافتتاح امتداد الجهاد في سبيل الله إلى خارج الجزيرة العربية سُميت بغزوة، ولِما فيها من العبر ومن الحِكَم ومن الدلالات العظيمة.

مواجهة جيش الحق لجيش الباطل:

مواجهة جيش الحق وجند رسوله ﷺ لجنود الطغيان والظلم والإفك والكفر والشرك وأخذ حقوق الخلق والبغي في الأرض، قابل هذا الجيش المُرسل من قبل محمد ﷺ وعِدادهم ثلاثة آلاف، قابلوا مائة ألف وأُضيف معها مائة ألف، فقابلوا مائتي ألف، وفي بعض الروايات مائتين وخمسين ألفًا. 

فما يكون عدد الثلاثة الآلاف عند المائتي ألف أو عند المائتين والخمسين ألف؟ 

وما يكون عُدَد القوم وعتادهم وأسلحتهم أمام أحدث الأسلحة في ذاك الزمان وأشدُها بأسًا وتطورًا بيد الروم الغالبة في كثير من أقطار الأرض، المتنافسة على بقاع الأرض مع فارس ما يكون؟ 

عبدالله بن رواحة وتثبيته للجيش:

ولكن والله ليس الأمر بعدد ولا عُدَّة، وهو الذي قاله سيدنا عبد الله بن رواحة رضي الله عنه حينما اجتمع جند الله وجند رسوله بِمَعان، وأُخبروا أن القوم جاؤوا بمائة ألف وانضاف إليهم من العرب الكفار مائة ألف. 

فقالوا: نكتب إلى رسول الله ليرى رأيه، ونقابلهم أو يُمدنا بجيش أو نعود إليه، وبينما هم يتشاورون، قال سيدنا عبد الله بن رواحة: يا قوم لم تتردّدون ولم تتشاورون في هذا؟ إن الذي تهربون منه لهو الذي خرجتم من أجله - خرجتم من أجل نصرة الله ورسوله، من أجل لقاء الله شهداء- وإنا لا نقاتلُ بعدد ولا عُدَّة، ولكن بهذا الدين الذي بعث الله به محمدًا ﷺ.

إصغاء المؤمنين :

وأصغى القوم إلى حديث الإيمان واليقين والعقل والعلم، واستجابوا وتوجهوا: 

  • عازمين بصدقهم وإخلاصهم، 
  • بأدبهم وخضوعهم، 
  • بذكرهم لله، 
  • بتلاوتهم لكتابه، 
  • بتلذذهم بالسجود بين يديه ﷻ ، 
  • بنقاوة وطهارة قلوبهم، 

عليهم رضوان الله جل جلاله وتعالى في عُلاه. 

أخبار غزوة مؤتة :

وكان ما أخبر به ﷺ يحمل الراية زيد بن حارثة، فإن قُتِل فجعفر بن أبي طالب، فإن قُتِل فعبد الله بن رواحة، فإن قُتِل فليتخير المسلمون من بينهم رجلًا.

وحمل الراية سيدنا زيد وأبلى بلاءً حسنًا حتى قُتِل، وحمل الراية سيدنا جعفر وقُطعت يمينه فحمل الراية بيساره، وقُطعت يساره فاحتضن الراية بعضُديه الشريفتين، أمسك الراية حتى لا تسقُط وبقِي واقفًا في القتال يُمسك الراية بالعضُدين وقد قُطِعت اليد هذه واليد هذه. 

ما أعجب هذه المواقف! 

ما أعجب هذه الشجاعات! 

ما أعجب هذا الصدق! 

ما أعجب هذا الشهود للرحمن ﷻ والتهيؤ للقائه! 

حتى أثخنته الجراح فأمَرَهم بمسك الراية وحَملِها لئلا تقع، وحُملت عنه.

سيدنا جعفر بن أبي طالب:

وحملها عبد الله بن رواحة، ونُحّي -سيدنا جعفر بن أبي طالب- إلى ناحية في الجيش.

قال ابن عمر كما روى البخاري: فوجدنا في بدنه تسعين ضربة، ما بين ضربة بسيف وطعنة برمح وسهم، تسعون كلها فيما أقبل من جسده، ليس في جنبه ولا في ظهره منها شيء، كلها فيما أقبل، ليس في جنبه ولا في ظهره منها شيء! لأنه لم يولِّ جنبه هذا ولا هذا وبقي ثابتًا، والتسعون كلها فيما أقبل. 

تصوَّر تسعًا فكيف بتسعين! 

تصوَّر واحدة أصابتك أو اثنتين أو ثلاث، ولكن تسعون وهو في الثبات! 

فلما نُحّيَ إلى الناحية أُتي له بالماء ليشرب، فقال: إني صائم، فقيل: اشرب اليوم وتصوم يومًا آخر، فقال: أشتهي أن أفطر في الجنة، أشتهي أن أفطر في الجنة، عليه رضوان الله، وكان ما رجا.

وحمل الراية عبد الله بن رواحة فقُتل، ثم اختار المسلمون من بينهم، فحملها سيف الله المسلول خالد بن الوليد عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.

إخبار النبي ﷺ بمجريات الغزوة:

ثم إنه قال صلى الله عليه وسلم وقد رفع رأسه وهو يقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته"، ويتكلم ونكس الصحابة رؤوسهم، فلما أنهى المكالمة قالوا: من تخاطب يا رسول الله؟ قال: "هذا جعفر بن أبي طالب، وقف علي في نفر من الملائكة يُسلِّم علي، قد أبدله الله مكان يديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء.

 وكان سيدنا عمر بن الخطاب كلما لقي عبد الله بن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين، السلام عليك يا ابن ذي الجناحين.

وكان النصر للمؤمنين، وولَّت جيوش الكفار العديدة الكثيرة دُبراً، فلما تيقن خالد من فرارهم اطمأن بالجيش ثم عاد بهم إلى المدينة المنورة.

ومع ذلك، فجماعة من الصحابة في المدينة ما ارتضوا ما فعله خالد، وقالوا: لم رجعت عنهم وقد فروا؟ هلا تلحقهم حتى تكمل الهزيمة أو تموتوا في سبيل الله وتُقتلوا لتكونوا أحياء؟ أنتم الفرار يا فرار! فأقبل ﷺ يقول: "بل هم الكرَّار إن شاء الله، بل هم الكرَّار إن شاء الله"، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. 

وقد شرف الله بلادكم هذه بوجود هؤلاء وقيام النصر وبالنصرة وبالمتابعة لحركة أصحاب محمد ﷺ وفي الفتوح التي فتحها الله على أيديهم. 

خاتمة الخطبة الأولى :

اللهم املأ قلوبنا بالإيمان واليقين، اللهم ارزقنا حسن متابعة نبيك الأمين، اللهم اكشف الشدائد عن أمته، واجلِ عنهم الظلم والآفات والعاهات ظاهرًا وباطنًا يا مجيب الدعوات.

والله يقول وقوله الحق المبين: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). 

وقال تبارك وتعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ). 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

(وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وثبتنا على الصراط المستقيم، وأجارنا من خزيه وعذابه الأليم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية :

   الحمد لله، يبذُل المؤمنون له أرواحهم وأموالهم بأن لهم الجنة. 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هي الحصن من كل ضلال وفتنة. 

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، سيد أهل النفوس المطمئنة. 

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على عبدك المختار سيدنا محمد، وآله وصحبه أهل العقول المرجَّحزة، وعلى من تبعهم بإحسانٍ على قدم الهدى والسنة، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين سادات أهل الفطنة، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وملائكتك المقربين، وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أما بعد،،، 

   عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله. 

دروس من غزوة مؤتة :

في مثل هذا الشهر كانت غزوة مؤتة المكرمة في السنة الثامنة من الهجرة النبوية، وكان ما كان فيها، وهي تدعونا لأن: 

  • نصدُق مع إلهنا، 
  • وأن نُخلِص في الوجهة له، 
  • وأن نثق به وبوعده 
  • وأن نقتدي بسنة الهادي البشير محمد ﷺ، 

الذي قال لهم كما جاء في رواية أبي داود عندما يُرسِل السرية: "اغزوا في سبيل الله، ولا تقتلوا وليدًا ولا امرأة، ولا تغلّوا". 

وجاء في زيادات في روايات البيهقي: "وَلَا تَقْتُلُوا شَيْخًا هَرِمًا وَلَا مُعْتَزِلًا فِي صَوْمَعَتِهِ، وَلَا تَحْرِقُوا نَخْلًا وَلَا شَجَرَةً، وَلَا تَهْدِمُوا بِنَاءً".

 أيُّ نظامٍ في العالم حرَّر هذا المسار؟ وأين أدعياء الإنسانية وحقوق الإنسان وأدعياء العدل في العالم؟ وما الذي يجري في الأمة وماذا يكون؟ لكنها تزكية للأمين المأمون. 

إن القوم يجاهدون لا بهوى ولا بنفس ولا بعصبية، ولكن بعبودية وإخلاص لوجه رب البرية.

وهكذا مضت سنته ﷺ في المحاربين، أشد الكفار، الكفار الحربيين المحاربين الظالمين الغاصبين، وكانت هكذا سنته فيهم، لا تهاونًا ولا تساهلًا بأمر الله، قيامًا بحق الله ونصرًا للحق والهدى، وردعًا للظلم وأهله. 

ومع ذلك لا يَقتل الأطفال ولا النساء ولا من كان مدبرًا، ولا الشيخ الكبير ولا المعتزل في الصومعة، ولا يخرِّب المنازل ولا يهدم البناء ولا يُحرِّق الأشجار. 

وهكذا جاء هديه، وقال: "ولا تُمثِّلوا" صلى الله عليه وسلم، ما أعظم هديه! 

ولا والله في المشرق والمغرب خير للأمة خير من هدي محمد ﷺ ، والنظام الرحماني الذي بعث به مختاره في الأنبياء المبلغين عنه.

نصيحة لأهل الإسلام :

   أيها المؤمنون، كونوا على ثقة بالله، واقتدوا بمحمد بن عبد الله، واتقوا الله أن تمر بكم الأشهر والأيام لا هَمَّ لكم في نصرة الله ورسوله، ولا صدق لكم في الوفاء بعهد إلهكم ﷻ، (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ). 

أفترون الذي نصر المرسلين ونصر الصحابة والصادقين من بعدهم على مر القرون يعجز عن أن ينصر أتباع محمد في أيامكم وفي زمنكم؟ 

إنه الله الذي مضت سنته أن ينصر أنبياءه وأن يخذل أعداءه، وإن تطاولوا وإن اغتروا وإن كان ما كان منهم، (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ). 

فاتقوا الله، واخرجوا من الجمعة بقلوب على الله مجموعة، صادقة في الوفاء بعهده، طالبةً لمحبته ووده، مقتديةً بحبيبه وصفيه وعبده ﷺ .

خاتمة الخطبة الثانية :

وأكثروا الصلاة والسلام عليه ليلًا ونهارًا، سرًّا وإجهارًا، فإن أولى الناس به يوم القيامة أكثرهم عليه صلاة، ومن صلى عليه واحدةً صلى الله عليه بها عشرًا. 

وقد أمرنا الحق بأمرٍ بعد أن بدأ بنفسه وثنَّى بالملائكة وأيَّه بالمؤمنين تكريمًا وتعظيمًا، فقال مُخبِرًا وآمِرًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). 

ألا واستعينوا بصدق اللَّجَأِ إليه، وقولوا: "حسبنا الله ونعم الوكيل"، فأصحابها انقلبوا بنعمة من الله وفضلٍ لم يمسسهم سوء. 

ألا وأكثروا من ذكركم للرحمن و "لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ".

صلِّ اللهم على خير الخلائق محمد، وعلى المختار من بعده، مؤانسه في حالي السعة والضيق، خليفة رسول الله سيدنا أبي بكر الصديق. 

وعلى الناطق بالصواب، حليف المحراب، أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب. 

وعلى محيي الليالي بتلاوة القرآن، ومنفق المال في سبيل الإله المنان، من استحيت منه ملائكة الرحمن، أمير المؤمنين ذي النورين سيدنا عثمان بن عفان. 

وعلى أخ النبي المصطفى وابن عمه ووليه وباب مدينة علمه، إمام أهل المشرق والمغرب، أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب. 

وعلى الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة في الجنة، وريحانتي نبيك بنص السنة. 

وعلى أمهما الحوراء فاطمة البتول الزهراء، وعلى خديجة الكبرى وعائشة الرضا، وعلى الحمزة والعباس، وعلى جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة، وأهل بدر وأهل أُحدٍ وأهل غزوة مؤتة وأهل بيعة العقبة وأهل بيعة الرضوان، وسائر الصحب الأكرمين وأهل البيت الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

الدعاء :

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم أعلِ كلمة المؤمنين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم اجمع شمل المسلمين، اللهم ألف ذات بين المؤمنين، اللهم ارزقهم الصدق معك والإخلاص لوجهك الكريم، اللهم ثبت قلوبهم وأقدامهم على الصراط المستقيم، اللهم أجِرهم من شر عدوهم الرجيم ومن في حزبه من شياطين الإنس والجن من كل لئيم. 

اللهم واشدد وطأتك على الظالمين المعتدين الباغين الذين لا يرقبون في مؤمن إلًّا ولا ذمة، ولا يقِفون عند عهد ولا اتفاق. 

اللهم اخذلهم وهزمهم وزلزلهم يا منزل الكتاب، يا سريع الحساب، يا منشئ السحاب، يا هازم الأحزاب، اهزمهم وزلزلهم، وخالف بين وجههم وكلماتهم وقلوبهم يا قوي يا متين. 

اللهم واحفظ بحفظك أهل الهدى والحق والدين. وخذ بيد الملك عبد الله الثاني إلى ما تحبه وترضاه في كل قاصٍ وداني، ومن معه على ما هو أحب وأطيب وأنفع وأرفع للإيمان والمؤمنين والإسلام والمسلمين يا قوي يا متين. 

واغفر اللهم لمؤسس هذا المسجد ولمن قام فيه مغفرة واسعة، ولمن تقدم فيه. 

واغفر لآبائنا وأمهاتنا وذوي الحقوق علينا. 

وعجل بتفريج كروب الأمة، وانظر يا رب برحمتك ولطفك إلى أهل غزة والضفة الغربية وأكناف بيت المقدس، وإلى الشام واليمن والشرق والغرب نظرة تزيل العناء عنا، وتُدني المنى منا، وكل الهناء نُعطاه في كل حين يا قوي يا متين يا أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين. 

نسألك لنا وللأمة من خير ما سألك منه عبدك نبيك سيدنا محمد، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك نبيك سيدنا محمد، وأنت المستعان وعليك البلاغ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ). 

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). 

(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).

عباد الله، إن الله أمر بثلاث ونهى عن ثلاث، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).

فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر.

 

 

تاريخ النشر الهجري

05 جمادى الأول 1447

تاريخ النشر الميلادي

27 أكتوبر 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

الأقسام