(535)
(610)
(390)
(339)
خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع حوطة الإمام أحمد بن زين، مديرية شبام، وادي حضرموت، 7 جمادى الآخرة 1447هـ بعنوان:
ترجمة حقيقة الإيمان بأعمال الجوارح في العادات والمعاملات
يدعو في الخطبة إلى الاقتداء برسول الله ﷺ في الأخلاق والعادات والمناسبات، والتحذير من عادات الفجور والتشبه بالكافرين، كما ينبّه إلى خطورة ما يُدخله الناس إلى بيوت المؤمنين من مظاهر الفساد، ويبيّن أن صبغة الله هي العزّ الحقيقي، وأن مخالفة سنّة النبي ﷺ سببٌ للذلّ والفتن.
ما معنى (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) ؟
الحمد لله، الحمد لله رب كل شيء ومليكه، الخالق الموجد الذي منه المبتدأ وإليه المرجع والمصير.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
ونشهد أن سيدنا ونبينا وقرة أعيننا ونور قلوبنا محمدًا عبده ورسوله.
اللهم صلِّ وسلِّم على الرحمة المهداة والنعمة المُسداة، البشير النذير السراج المنير، عبدك المختار سيدنا محمد، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار ومن على منهاجهم سار، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين معادن الهدى والأنوار، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد،،،
عباد الله، فإني أوصيكم وإياي بتقوى الله. تقوى الله التي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثيب إلا عليها.
واعلموا أن من اتقى الله عاش قويًا وسار في بلاد الله آمنًا،
ومن ضيَّع التقوى وأهمل أمرها
تغشّتهُ في العُقبى فنون الندامـــةِ
بل ويُعجَّل للإنسان في هذه الحياة في أي شيء خالف فيه تقوى إلهه، يُعجَّل له فيه سوء وشر وفساد وسوء عاقبة.
وكل ما اتقى الله فيه من أهل أو ولد، أو معاملة أو سفر، أو إقامة أو زراعة، أو صناعة أو وظيفة، أو بناء إلى غير ذلك، كل ما اتقى الله فيه تم له خيره، وحسن له ثمره، وأُحيط بعناية الرب فبارك له فيه، وجازاه عليه الجزاء الحسن، ثم عاقبته في الآخرة أكبر وأجل وأثمن وأحسن.
فاتقوا الله عباد الله في أسماعكم يبارك لكم فيها؛ حتى تنتهي البركة إلى أن تسمعوا خطاب ربكم وهو راضٍ عنكم يوم الوقوف بين يديه.
اتقوا الله في أبصاركم يبارك لكم فيها حتى تنتهي البركة؛ لأن تنظروا بأبصاركم وجوه النبيين والصديقين والمقربين ووجه سيدهم محمد، ثم تتهيؤون للجنة والنظر إلى وجه الله الكريم.
اتقوا الله في ألسُنكم يَحسُن بها خطاب ربكم يوم لقائه، يبارك لكم فيها بركات غير متناهية.
واتقوا الله في بطونكم وفروجكم وأيديكم وأرجلكم.
أيها المؤمنون بالله، إنما يتترجم الإيمان بالإله الحق في استعمال الإنسان لجوارحه، في تطبيقه لشرع الله في أعماله وأحواله، في مناسباته، في بيعه وشرائه، في إجارته أو تأجيره، في صناعته أو زراعته، في مناسبة الزواجات، في مناسبة الوَفَيات، في مناسبة قدوم المسافر، في مناسبة بناء البيت وحلوله، في مناسبات الأعياد، في مختلف حركة الإنسان في الحياة يتترجم الإيمان حقيقته وقوته وضياؤه وجماله، أو ضعفه أو انقطاع نوره والعياذ بالله تبارك وتعالى.
وفي ذلك صح في الحديث عن نبينا قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمرة حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق وهو مؤمن، ولا ينتهب ذو نُهبة نهبةً يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن".
تفارقهُ حقائق الإيمان في تلك الأحوال والأعمال الخارجة عن المِنهاج.
فهل يُترجم الإيمان إلا بأعمال؟
هل يترجم الإيمان إلا بحركة في الحياة تنضبط بضابط الميزان الشرعي والتوجيه الإلهي؛ حتى يصحّ أن يترجم ويعبر صاحبها بقوله: (إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).
أيها المؤمنون بالله، يفعل الإيمان بأصحابه خشية وتقوى، ومراقبة في السر والنجوى، وتعظيمًا لله ورسوله، واقتداءً بهذا الرسول، وفرحًا بسننه في اللباس أو في الأقوال حتى في الغناء والطرب وفي المعاملات المختلفة.
(لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ).
(قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ).
وبلغ الإيمان في رعيلنا الأول من أصحاب نبينا أن أحسَنوا الاتباع حتى خارج العبادات والمعاملات اللازمة إلى حد العادات المباحة الطبيعية التي تتعلق بطبع الإنسان.
فنجد أنس بن مالك يذكر عن رسول الله أنه أكل خبزًا فيه دُبَّاء، قال: فجعل يتتبع بأصابعه الدُّبَّاء حوالي القصعة، فلم أزل أحب الدُّبَّاء من يومئذ.
محبة الأطعمة أمر يتعلق بالطبع الإنساني وفطرته، ولكن قوة الإيمان غلبت على فطرتهم وطبيعتهم، فصاروا يحبون ما أحبه محمد رسول الله حتى في الطعام المباح، يقدمون ما قدم ويقتدون به ﷺ.
حتى جاء في حديث أبي أيوب خالد الأنصاري رضي الله عنه، الذي نزل رسول الله ببيته أول ما وصل إلى المدينة فأقام عنده نحو الشهرين حتى ابتنى بعض الحُجَر فانتقل إليها، فكان جالسًا في بيت أبي أيوب، قال أبو أيوب: وكنا نُقدِّم له عشاءه ثم إذا فرغ منه تبادرنا أنا وأم أيوب إلى مواضع أصابعه ﷺ، يأكلون من حيث أكل.
كان هذا مسلكهم، وكانت هذه عقيدتهم، وكان هذا مسارهم عليهم رضوان الله، المُربّون بتربية محمد بن عبد الله.
قال: فرد الطعام إلينا ليلة فلم نرَ أثرًا لأصابعه، لم يأكل من القصعة شيئًا، قال: ففزعنا وخرجت إليه فقلت: يا رسول الله، لم تتناول من عشائنا الليلة؟ قال: إني وجدت فيه ريحاً لهذا الثوم، وإني أناجي من لا تناجون، فكلوه أنتم.
قال أبو أيوب: فلم يدخل الثوم إلى بيتنا من ليلة إذن، من تلك الليلة، ما عاد دخل الثوم إلى بيتهم أصلا.
انظر ماذا يعمل الإيمان في نفسيات هؤلاء، في مشاعر هؤلاء، في عادات هؤلاء عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.
كان ابن عمر، عبد الله بن عمر بن الخطاب، كثيرًا إذا ما أراد سفرًا يتذكر سفرًا مع رسول الله، خرج أي ساعة من المدينة فيخرج في تلك الساعة، وصلّى في أي بقعة فيصلّ في تلك البقعة، وتغدى في أي مكان فيتغدى في ذلك المكان، وهكذا إلى حد أن انتهى الأمر أنه رآه مرة دارت به ناقته على شجرة ثلاثًا، فلما وصل عند تلك الشجرة دوّر الناقة فدار عليها ثلاثًا.
عرفوا القدوة وجاوزوا حدود المطلوب الواجب منهم إلى حدود خالص الإيمان بمحبة طفحت فملأت الجوانح كلها.
هم أصحاب محمد وهم الذين معه، الموصوفون بوصف ربكم: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ)، عليهم رضوان الله، (ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ).
ذَكر الله أخبارهم في الكتب المُنزلَة قبل أن يخلقهم ويوجدهم على ظهر الأرض، تكرِمة لهم بتبعيتهم للأكرم عليه عبده المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
فما مقدار شعورنا نحوه؟
نشكو فساد المشاعر عند المسلمين رجالًا ونساءً صغارًا وكبارًا، فقدوا هذه الأذواق وفقدوا هذه العواطف، وصارت مخالفة سنته ربما استحلاها بعض أتباعه من أمته، وجاؤوا بأخلاق أعدائه من يهود ونصارى وجعلوها في مناسباتهم وسط ديارهم وهم مسلمون.
جاؤوا بعادات أعدائه من يهود ونصارى وملحدين فأدخلوها في زواجاتهم وأدخلوها في مناسباتهم وهم مؤمنون، وهجروا سنته وبعدوا عن طريقته، وهو الذي سن لنا حتى اتخاذ اللهو عند العرس.
وقال وقد جلس عند بعض المهاجرين تزوج عند بعض الأنصار، وجلس معهم يستقبل مجيء الأنصار أهل تلك العروسة، ولما أقبلوا قال لهم ﷺ كما جاء في صحيح البخاري: "ما كانَ معكُمْ لَهْوٌ؟ فإنَّ الأنْصارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهْوُ".
اللهو المباح الذي لا فيه خروج عن أدب ولا عن مروءة ولا عن حياء، ولا تشبُّه بفاجر ولا كافر ولا ساقط، بحركات، بتكسرات، أو بأزياء فضيعات، أو بكلمات بذيئات عشقها كثير من رجالنا ونسائنا، لا ندري بأي دافع وعلى أي أساس، وبأي انطلاق وبأي معنى.
مخالفة واضحة للمنهج القويم والصراط المستقيم، وتشبُّه فاضح بلئام سقطة من الناس، كيف يرتضى في بيوت المؤمنين في بيوت المسلمين؟
يقول جل جلاله وتعالى في علاه: (وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) ،
ما معنى (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) ؟
بيوتكم محل هدى ونور وكرم وإحسان وشمائل وفضائل، تُؤَم وتُقصَد لأجل الاهتداء وللسؤال وللعلم، ولأجل الحاجة، ولأجل سد الجوع، ولأجل إكرام الضيف.
(وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً)، محل يُقصد ليهتَدى به وليُتنور بالعلم وليُنال الحاجة من ذوي الحاجة.
(وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً)، يقول نبينا ﷺ: "البيتُ الذي يُقْرَأُ فيه القرآنُ، يتراءى لأهلِ السماءِ كما تَتَراءَى النجومُ لأهْلِ الأرضِ".
ونشكو رُبما بيوتًا للمسلمين من حين بُنيت لها منذ بُنيت شهران وثلاثة وربما سنة، لم تُختم ختمة كاملة في غرفة من غرف هذا البيت، لكن صور الفجّار كثيرة تكررت بالعشرات بل بالمئات، وكلام الساقطين والهابطين في الغرف كلها، حتى في المطبخ، وفي الجوال حتى وسط بيت الخلاء، وصورهم عنده وأصواتهم عنده.
أي بيت هذا؟
بيت مؤمن؟
بيت مسلم لا يُقرأ فيه كتاب الله؟
لا يُذكر الله تبارك وتعالى فيه، يتلطخ بأقوال الفجرة والكفرة؟
أيها المؤمنون، ترجمة الإيمان في مسالكنا في الحياة تُدرِكون بها ما في تراثكم القويم المجيد في المناسبات من أعياد وزواجات وعزاءات وغيرها.
سنن نبوية وشمائل مرضية ونَهجًا قويمًا يحصل به أداء المُهمة والواجب على خير الوجوه، بذلك يُعبَّر عن حقائق الإيمان بمن تعنو له الوجوه، الحي القيوم الذي يرجوه المؤمن ويخافه ويخشاه ويتّقيه ولا يرجو سواه.
اللهم املأ قلوبنا بالإيمان واليقين وأحيِ فينا سنن النبي الأمين وارزقنا متابعته في كل شأن وحال وحين يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.
والله يقول وقوله الحق المبين: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
وقال تبارك وتعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
بسم الله الرحمن الرحيم: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ * ذَٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِم كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ).
(وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وثبَّتنا على الصراط المستقيم، وأجارنا من خزيه وعذابه الأليم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله عالم الظواهر والخفايا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ينظر من عباده القلوب والنوايا، وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرة أعيننا ونور قلوبنا محمدًا عبده ورسوله خير البرايا، كريم الأخلاق والسجايا.
اللهم أدم صلواتك على المختار عبدك الأمين سيدنا محمد وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار ومن على منهاجهم سار، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين معادن الهدى والصدق والأنوار، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى ملائكتك المقربين وعلى جميع عبادك الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد،،
عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله. وإن من مُثبِّتات التقوى التي توصلنا إلى صبغ حياتنا بمعاني التقوى فريضة الجمعة التي شُرعت لنا وفُرضت علينا، وحُذِّرنا من التهاون فيها، وجاء بلسان النبوة التحذير الكبير من ترك ثلاث جمع متواليات تهاونًا بها طبع الله على قلبه بطابع النفاق.
وجاءنا الأمر بالحث الكبير من قبل الإله العلي القدير: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
شُرِعَت الجمعة بعد الفرائض الخمس على كل مسلم عاقل بالغ ذكر مقيم قادر على الحضور، في يوم الجمعة بدل فريضة الظهر، لتقوى الصلة بمعاني التقوى ومعاني الحضور مع العلي عالم السر والنجوى، ولتراجع الحسابات، ولتترتب الخطوات في منهج رب الأرض والسماوات.
فشرع الجمعة لنتذكر ولنتطهر ولنتبصر ولنُذكَّر بحقائق ما جاء عنه وعن رسوله، ولِنُصلِح خُطانا في السير في التبعية ونقيم شؤون حياتنا على (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ).
(وَمَن يَتَشَبَّهْ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ).
ألا فيجب أن ترجع قيادة رسول الله إلى قلوبنا وأعضائنا وإلى مناسباتنا ومعاملاتنا، (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ).
وما استُبدِل به من قدوات الغافلين والفاسقين يجب أن يرحل ويذهب ويزول عن ديارنا ومنازلنا ومناسباتنا.
نحن المؤمنون بالله، نحن أتباع محمد بن عبد الله، نحن الذين لا نهوى إلا سِيَر الصالحين والمقربين من النبيين والصديقين والعباد المحظوظين برضوان رب العالمين.
لا هواية لنا في تبعية فاسقين ولا مجرمين ولا غافلين.
(وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ).
(وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا).
(وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ).
ترجموا حقائق إيمانكم بتقويم عاداتكم وما يجري في بيوتكم على منهاج الإله وسنة مصطفاه، بذلك عزكم وشرفكم، ولستم بحاجة إلى شرقي ولا غربي ولا إلى أحد من أهل تلك الدول ولا غيرها.
وأنتم بحاجة إلى إقامة أمر الله فيكم ليحفظ الله بلدانكم من الحروب والكروب والبلايا والآفات.
فإن من اتبعتموهم في أفكارهم وفي عاداتهم تسلّطوا عليكم بضرب بعضكم بعضًا، وإذاء بعضكم لبعض، وإذاقة بعضكم بأس بعض، على أيدي تخطيطهم وما بثوا ومن تلقفهُ من المسلمين في شرق الأرض وغربها.
وانتهوا إلى أن يجاهروكم بقتل أبنائكم ونسائكم، وهدم مستشفياتكم ومساجدكم وبنيتكم التحتية بكل ما معنى.. ويتبجحون بذلك! لا حياء ولا إنسانية.
ارعووا عن تبعيتهم وأحيوا التبعية لمحمد ينقذكم الله ويدفع شرورهم عنكم، قال الله عن نبيه: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
قال ﷺ : "وَجَعَلَ الذُّلَّ وَالصَّغَارَ عَلَى مَنْ خَالَفَنِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ).
وأكثروا الصلاة والسلام على خير الأنام، فإن رب العرش يصلي على كل من صلى عليه بكل صلاة عشر صلوات.
ولقد قال فيما روى الترمذي بسند حسن عنه ﷺ : "إن أَولَى النَّاسِ بي يومَ القيامَةِ أكثَرُهم علَيَّ صلاةً".
وإن ربّ العرش ﷻ أمرنا فابتدأ بنفسه وثنى بملائكته وأيّه بالمؤمنين، فقال مخبرًا وآمرًا لهم تكريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللهم صلِّ وسلم على الرحمة المهداة والنعمة المسداة عبدك المختار سيدنا محمد، وعلى الخليفة من بعده المختار، صاحبه وأنيسه في الغار، مؤازرهِ في حالي السعة والضيق، خليفة رسول الله سيدنا أبي بكر الصديق.
وعلى الناطق بالصواب، حليف المحراب، المنيب الأوّاب، الوقّاف عند آيات الكتاب، أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب.
وعلى مُحيي الليالي بتلاوة القرآن، ونافق الأموال ابتغاء المِنة والرضوان، من استحيَت منه ملائكة الرحمن، أمير المؤمنين ذي النورين سيدنا عثمان بن عفان.
وعلى أخ النبي المصطفى وابن عمه، ووليه وباب مدينة علمه، إمام أهل المشارق والمغارب، ليث بني غالب، أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب.
وعلى الحَسن والحُسين سيدي شباب أهل الجنة في الجنة، وريحانتي نبيك بنصّ السنة.
وعلى أمهما الحوراء فاطمة البتول الزهراء، وعلى أخواتها وعلى خديجة الكبرى وعائشة الرضا وأمهات المؤمنين.
وعلى عمّي نبيك الحمزة والعباس، وأهل بيته الذين طهرتهم من الدنس والأرجاس.
وعلى أهل بيعة العقبة وأهل بدر وأهل أحد وأهل بيعة الرضوان، وعلى سائر الصحب الأكرمين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم أعلِ كلمة المؤمنين، اللهم دمر أعداء الدين.
اللهم اجمع شمل المسلمين، فقد عبث فيهم عدوك وأولياؤه من الإنس والجن وفرَّقوا شملهم وشتّتوا جموعهم.
اللهم تدارك الأمة واجمع قلوبها عليك، اللهم تدارك المسلمين واجمع شملهم على الإيمان واليقين والعمل الصالح.
اللهم اكشف عنهم الشدائد والبلايا، اللهم أدم لنا في وادينا وحضرموتنا أمنًا منك وطمأنينة وسكينة وتوفيقًا لمرضاتك.
اللهم ادفع عنا شر البلايا والآفات والرزايا، اللهم تدارك اليمن وتدارك الشام وتدارك السودان، وتدارك المسلمين في كل مكان وحوِّل أحوالهم إلى أحسن حال يا مُحول الأحوال.
اللهم وهيِّئهم لنيل ذلك بتغييرهم ما بأنفسهم مما لا يرضيك إلى ما يرضيك، ومن معصيتك إلى طاعتك، ومن الغفلة عنك إلى ذكرك يا مُحول الأحوال حول حالنا والمسلمين إلى أحسن حال، وعافنا من أحوال أهل الضلال وفعل الجهال، يا كريم يا كبير يا متعال يا جزيل النوال، أصلح لنا الحال والمآل وبلغنا من الخيرات فوق الآمال.
وأعلِ درجات من تقدمنا في مساجدنا هذه وديارنا واجمعنا بهم في دار الكرامة وأنت راضٍ عنا يا جزيل الإفضال.
اللهم تدارك أمة نبيك محمد وأغث أمة نبيك محمد، ولا تصرف أحدًا من الجمعة إلا وقلبه طافح بنور اليقين والإيمان وحسن مراجعته لمسلكه ليرضيك ولينال قربك يا حي يا قيوم .
اللهم اصبغ حياتنا بصبغة الإيمان والتقوى واجعلنا من أهل العبادة لك القائمين بِحقّها في السر والنجوى.
اللهم ادفع عنا كل آفة وبلوى، اللهم عاملنا بما أنت أهله حيث ما كنا وأينما كنا واختم الأعمار لنا بالحسنى.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
(رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا).
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
(رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
(رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رحِيمٌ).
اللهم اهدِنا لأحسن الأعمال والأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، برحمتك يا أرحم الراحمين.
نسألك لنا وللأمة من خير ما سألك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، وأنت المستعان وعليك البلاغ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
عباد الله، إن الله أمر بثلاث ونهى عن ثلاث: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر.
10 جمادى الآخر 1447