(228)
(536)
(574)
(311)
خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع الإيمان، بحارة الإيمان، بعيديد، مدينة تريم، 14 رجب الأصب 1445هـ بعنوان:
اليقين أشرف ما يُنال على الإطلاق وتنميته بالتقوى وعلائق القلوب
الحمدلله،، حمدًا نرقى به مراتب الصدق في الإيمان، ونعتلي به بُروج الإيقان، ونشهد أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له عالم السر والإعلان، جامع الخلائق ليقضي بينهم يوم الفصل، ولا معقِّبَ لِحُكمه ففريقٌ في الجنة وفريقٌ في النيران، وأشهد أن سيدنا ونبينا وقُرَّةَ أعيننا ونور قلوبنا محمدًا عبدُه ورسولُه وحبيبُه المُنتقى من عدنان، خصَّصَهُ بإنزال القرآن، جعله مُهَيمِنًا على كل كتابٍ أنزلَه وبيِّناتٍ من الهُدى والفُرقان.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على عبدك المُجتبى المُصطفى سيدنا محمد خيرِ إنسان، وعلى آله وأهل بيتهِ المُطهَّرين عن الأدران، وعلى أصحابِه الهُداة الغُرِّ الأعيان، وعلى من والاهم واتّبَعهم بإحسان، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين من رفعتَ لهم القدرَ والشأن، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد،،،
عباد الله، فإني أوصيكم وإيّايَ بتقوى الله، فاتقوا الله عباد الله، وأحسنوا يرحمكم الله، (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ).
وإن تقوى الله لصادرة عن الإيمان واليقين، وإنها لمقوِّية للإيمان واليقين، ومثبِّتة لدعائمهما وسبب الزيادة فيهما، إنّ من عرف الله اتقاه، ومن اتقاه زادت معرفته بالله.
أعظم ما يُتحصّل: الإيمان واليقين:
أيها المؤمنون بالله -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-: وليس على ظهر الأرض بل ولا في السماء أشرف من اليقين، ولا أعظم رُتبة وقدراً ومنزلة من الإيمان، ولا موجب للسعادة أقوى من الإيمان واليقين، فهو أعظم ما يتحصَّل عليه الإنسان على ظهر الأرض، وعلى قدر نصيبه منه تكون حالته وشأنه في البرزخ ثم في يوم العرض، ثم في الجنة أو النار.
أيها المؤمنون بالله -جلّ جلاله- ومن قويَ إيمانهم ويقينهم توفر حظهم من ربهم، فتوفر حظهم من خيرات الدنيا والآخرة، من سعادة الدنيا والآخرة، ومن الفوز الحقيقي في الدنيا والآخرة، ومن طمأنينة القلب في الدنيا والبرزخ والقيامة ودار الكرامة.
أيها المؤمنون بالله: ومَنْ ضعُف إيمانه ويقينه أو عَدِم، فهو المُعرَّض للقلق والكدر في الدنيا، وفي البرزخ أكثر، وفي القيامة أشد، وفي النار أعظم وأفضع.
راقب الله في جميع أحوالك:
أيها المؤمنون بالله: إن خير الدنيا والآخرة في تقوى الله وطاعته، وإن شرَّ الدنيا والآخرة في معصية الله ومخالفته، فاغنموا في الأيام والأشهر وخصوصا الأشهر الحرم، ورجب الفرد الذي أنتم فيه، اغنموا زيادة الإيمان واليقين؛ بتحقيق التقوى، وحسن المراقبة لعالم السرِّ والنجوى في السرِّ وفي النجوى، فهو الرقيب الذي لا يغيب، وهو الرفيق الذي لا ينقطع عن اطلاعه عليك وإحاطته بك في جميع أحوالك وشؤونك، بل هو الصاحب الذي هو أعلم بك وبحالك وبنياتك وبمقاصدك وبإرادتك من نفسك، ذلك هو الله -جلَّ جلاله وتعالى في علاه- الذي قال سبحانه: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَٰثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَآ أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ)[المحادلة:7] -جلَّ جلاله وتعالى في علاه- وقال تبارك وتعالى (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الحديد:4]
بماذا يقوى الإيمان ويضعف؟:
يا أيها المؤمنون بالله يقْوى الإيمان بتعلُّق القلب:
تعلُّق القلب بالله
وبموالاة أنبيائه وأوليائه
يقوى بذلكم الإيمان.
وتعلُّق القلب:
بالذنوب والمعاصي
وبأعداء الله تبارك وتعالى
موالاة أو محبة أو تعظيمًا
يضعف الإيمان.
وربما أعْدمهُ حتى لا يبقى شيء من حقيقة الإيمان في قلب الموالي لأعداء الله، ولذلك قال جلَّ جلاله: (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [المجادلة:22]
حقائق تقوية الإيمان في الإسراء والمعراج:
أيها المؤمنون بالله -جلَّ جلاله-ولأجل هذه المعاني كان بعض حِكَم الإسراء والمعراج لنبيكم المصطفى محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وكان فيها حقائق تقوية الإيمان، ورسول الله في أعلى مراتب حق اليقين صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يزل الله يريه من آياته كما قال (سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إنَّهُ هُو السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الإسراء:1]
ثم قال (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) [النجم:18] صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله. ولقد رأى آيات، ومنها ما أشرْنا إليه من شأن التقوى والعلائق، وفي شأن العلائق أخَذَ يقصُّ علينا لقاءه بموسى ولقاءه بعيسى ولقاءه بإبراهيم ولقاءه بالأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم.
بل جاء في جملة أخبار الإسراء والمعراج ذِكْر بلال وذكْرُ أبي بكر الصديق وذكرُ علي بن أبي طالب، وذِكرُ ماشطة فرعون، وذكْرُ جماعة من أصفياء الله -جل جلاله وتعالى في علاه.
وجاء لقاؤه بالأنبياء والملائكة في بيت المقدس وفي السماوات صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه.
ثم في شؤون التقوى رأى أثر الأعمال، ورأى أحوال أهل الإهمال لأمرِ ذي الجلال، ورأى مَنْ بطونهم كالبيوت، فيها الحيات تُرى من خارجها، وسأل عنهم فقال له جبريل: إنهم أكَلة الرِّبا.
ورأى من تقرض شفاههم وألسنتهم بمقاريض من حديد من نار، كلما قُرِضت عادت كما كانت. فسأل من هم؟ فقيل له إنهم خُطباء الفتنة وهم الذين يأمرون بالخير ولا يأتونه وينهون عن الشرِّ ويأتونه.
ورأى من تُدَكُّ وتُرضخ رؤوسهم بمقامع من حديد ومن حجارة من النار، كلما رُضِخت عادت كما كانت، فسأل من هم؟ فقيل المُتهاونون بالصلاة، المُتثاقلون عن الصلوات الخمس المفروضة.
تعظيم ما عظم الله وتحقير ما حقره:
أيها المؤمنون بالله -جل جلاله-: لا مجال لزيادة الإيمان واليقين والظفر بهذا الكنز الثمين من غير التقوى وملاحظة علائق القلب، بتعظيم من عظَّم الله وما عظّم الله، وموالاتهم والبراء ممن كفر بالله تعالى، ومن معاصيهم وذنوبهم، قال تعالى في رعيلنا الأول: (وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَیۡكُمُ ٱلۡإِیمَـٰنَ وَزَیَّنَهُ فِی قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَیۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡیَانَ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلرَّ ٰشِدُونَ فَضۡلࣰا مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعۡمَة)[الحجرات:7-8]
ولقد جاءنا في السُنَّة أن رسول الله كان يُشَرِّفُ شهر رجب، وكان شهرٌ يُعظَّمُ من أيام الجاهلية، من بقايا آثار دين إبراهيم والأنبياء من قبل، فما زاده الإسلام إلا تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا، وكان يصوم فيه بعض أيامه ﷺ وكان يُشرِّفه، أي يعظِّمهُ ويبجِّله ﷺ، (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)[الحج:32]
فيجب التحرُّر من تعظيم ما حقَّر الله ومما عند من حقَّر الله من كل شيء فإنه حقيرٌ عند الله، وقال: (وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)[الزخرف:34-35] "ولو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء".
التحرر من الوهم والخيال:
وفي تقويم وتصحيح الإيمان واليقين ردَّد الحق في القرآن: (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [التوبة:55]
انظر كيف حرَّر القرآن أفكار الناس من الوهم والخيال، ومن تعظيم أعداء الله -جلَّ جلاله وتعالى في علاه- (إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا)[آل عمران:178] ، (فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ)[يس:76] (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ)[آل عمران:147-148]
وانظر إلى ما يقول بعض زعماء الكفار في زمانكم، يقول إننا قد استولينا على عقلِيات العرب والمسلمين حتى أوقعنا فيهم أننا الأقوياء الأشداء على ظهر الأرض، وأنه لا يمكن أن نُغْلبَ قط قط قط، وحتى لو حدَّثناهم بأنفسنا أننا غُلِبْنا فإن عقليات كثير ممن تسلَّطنا عليهم لا يُصدِّقون بذلك، ويقولون بل أنتم الأقوياء، وأنتم تتظاهرون بهذا، والقوة عندكم عكس ما قال الله: (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [آل عمران:173] وهؤلاء استُحوِذَ على عقلياتهم.
وكل عقل قصَّر عن الحضور مع الله وتعظيم أمره سُلِّطَ عليه تعظيم السقطة والهابطين والفاسقين والمفسدين والعياذ بالله تعالى، (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)[الحج:32] ومن يعظِّم أعداء الله فإنها علامة النفاق والكذب والكفر والعياذ بالله -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-.
ألا فخُذوا نصيبكم من التقوى، وحاموا على علائقِ قلوبكم وقلوب أبنائكم وبناتكم، لا تُعظِّموا إلا ما هو عند الله عظيم، ولا تُحِبّوا إلا ما هو لدى الله محبوب، فذلكم الدرْب الذي به ترتقون إلى تقوى القلوب ورِضا علام الغيوب، وتتنزّهون عن الأسواء والكدر والعيوب.
اللهم يا مُقلِّب القلوب والأبصار ثبِّت قلوبنا على دينك، يا كريم يا غفار.
والله يقول وقوله الحق المبين: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأعراف:204] وقال تبارك وتعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) [النحل:98] أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (ٱلَّذِینَ قَالُوا۟ لِإِخۡوَ ٰنِهِمۡ وَقَعَدُوا۟ لَوۡ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا۟ۗ قُلۡ فَٱدۡرَءُوا۟ عَنۡ أَنفُسِكُمُ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ * وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِینَ قُتِلُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ أَمۡوَ ٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡیَاۤءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ یُرۡزَقُونَ * فَرِحِینَ بِمَاۤ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِ وَیَسۡتَبۡشِرُونَ بِٱلَّذِینَ لَمۡ یَلۡحَقُوا۟ بِهِم مِّنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ * یَسۡتَبۡشِرُونَ بِنِعۡمَةࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلࣲ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا یُضِیعُ أَجۡرَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ * ٱلَّذِینَ ٱسۡتَجَابُوا۟ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِنۢ بَعۡدِ مَاۤ أَصَابَهُمُ ٱلۡقَرۡحُۚ لِلَّذِینَ أَحۡسَنُوا۟ مِنۡهُمۡ وَٱتَّقَوۡا۟ أَجۡرٌ عَظِیمٌ * ٱلَّذِینَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُوا۟ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِیمَـٰنࣰا وَقَالُوا۟ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِیلُ * فَٱنقَلَبُوا۟ بِنِعۡمَةࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلࣲ لَّمۡ یَمۡسَسۡهُمۡ سُوۤءࣱ وَٱتَّبَعُوا۟ رِضۡوَ ٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِیمٍ * إِنَّمَا ذَ ٰلِكُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ یُخَوِّفُ أَوۡلِیَاۤءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمۡ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ * وَلَا یَحۡزُنكَ ٱلَّذِینَ یُسَـٰرِعُونَ فِی ٱلۡكُفۡرِۚ إِنَّهُمۡ لَن یَضُرُّوا۟ ٱللَّهَ شَیۡـࣰٔا یُرِیدُ ٱللَّهُ أَلَّا یَجۡعَلَ لَهُمۡ حَظࣰّا فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِیمٌ * إِنَّ ٱلَّذِینَ ٱشۡتَرَوُا۟ ٱلۡكُفۡرَ بِٱلۡإِیمَـٰنِ لَن یَضُرُّوا۟ ٱللَّهَ شَیۡـࣰٔا وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيم)[آلِ عِمۡرَانَ:168-177]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وثبتنا على الصراط المستقيم، وأجارنا من خزيهِ وعذابه الأليم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين، فاستغفروهُ إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله القوي الغالب، من بيده أمر الحاضر والعاقب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له (إِن كُلُّ مَن فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ إِلَّاۤ ءَاتِی ٱلرَّحۡمَـٰنِ عَبۡدࣰا * لَّقَدۡ أَحۡصَىٰهُمۡ وَعَدَّهُمۡ عدّا * وَكُلُّهُمۡ ءَاتِیهِ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ فَرۡدًا)[سُورَةُ مَرۡيَمَ: 93-95]
وأشهد أن سيدنا ونبينا وقُرَّة أعيننا ونور قلوبنا محمداً عبده ورسوله أطيَب الأطايب، وأعلى الخلائق لدى الرب في المراتب، وأجزل من آتاه الواهب المواهب.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على عبدك المصطفى سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الكواكب، وعلى من تبعهم بإحسان، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين رفيعي القدر والمنزلة والمكان، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى ملائكتك المُقربين، وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
ما حقيقة التقوى؟ :
أما بعد،،
عباد الله،، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله واغنموا من الجمعة التمسك بحبل التقوى، وتعظيم عالم السرِّ والنجوى، لتخرجوا من جمعتكم بِسرِّها ونورها وحقيقتها كِسوة تقوى تُخلع على أحدكم فلا تُنزع، يلقى الله بها مُكْرَما، وصدق إيقانٍ وإيمانٍ لا يُحِبُّ فيه إلا ما يحبه الله، ولا يُوالِي إلا أولياء الله تعالى في علاه، ولا يتعلَّق قلبه ولا يُعلِّق قلوب أهلهِ وأولادِه باستحسان زيٍّ أو عملٍ أو قولٍ أو وصفٍ، إلا ما كان لأولياء الله وأنبياء الله وأصفياء الله المحبوبين عند الله، وما كان من وصفٍ عند الله محبوب، وقولٍ لدى الله محبوب، وفعلٍ لدى الله محبوب، ومعاملةٍ لدى الله محبوبة.
حرِّروا قلوبكم وحرِّروا أنفسكم مِن أن يلعب عليها عدو الله (إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران:175]
إنّ من يُخشى هو الله الذي بيده ملكوت كل شيء، وإذا أعزَّك فلا مُذِلَّ لك، وإذا أذلَّك فلا معزَّ لك، وإذا هداك فلا مُضلَّ لك، وإذا أضلَّك فلا هادي لك، وإذا رفعك فلا خافض لك، وإن خفضك فلا رافع لك، إنه الله -تعالى في عُلاه- أحقُّ من تخشاه، وأحقُّ من تخافه، وأحقُّ من ترجوه، وأحق من تطمع فيما عنده سبحانه وتعالى.
قوِّ إيمانك ويقينك وخذ نصيبك من هذه الخيور في شهر النور، واستقبل ذكرى إسراء ومعراج بدر البدور بما يزيدك إيمانا وقُربا وأدبا مع عالم البطون والظهور، واستعدّ بذلك للبعث والنشور، وليخرج الشهر عليك وليس في بيتك؛ قاطع رحم، ولا عاق والدين، ولا مؤخِّر فريضة عن وقتها، ولا مغتابا نمَّاماً، ولا من يتابع الصور الخبيثة الساقطة الهابطة، طهِّر دارك وطهِّر قلبك؛ فهذه مُهمّاتك في الحياة وهذه علائقك في التقوى المُقويّة للإيمان واليقين، وحتى تظفرَ بأعزّ ما يمكن الظفر به على ظهر هذه الأرض.
يا رب العالمين ثبِّتنا وثبت أقدامنا، وقوِّ إيماننا ويقيننا واجعلنا من الذين سبقت لهم منك الحسنى، بارك لنا في رجب وما بقي لنا من أيامه ولياليه وساعاته، وبارك لنا في شعبان، وبلِّغنا رمضان وأعِنَّا على الصيام والقيام، واحفظنا من الذنوب والآثام، وارزقنا تعظيم شعائرك وحسن امتثال أوامرك وحسن اجتناب لزواجرك، يا حي يا قيوم.
الإكثار من الصلاة على النبي ﷺ:
وأكثروا الصلاة والسلام على السيد القيدوم، إمام أهل المعارف والعلوم، سيد الأولين والآخرين وأكرم الخلق على الحي القيوم، محمد بن عبد الله، فإنّ أولاكم به يوم القيامة أكثركم عليه صلاة.
وإن رب العالمين يُصلي على من صلى عليه بالمرة عشر مرات، ولقد قال لنا في كتابه مُخبرا وآمراً تعظيماً وتفهيماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب :56]
اللهم صلِّ وسلِّم على الرحمة المهداة والنعمة المسداة، السراج المنير البشير النذير، حبيبك المجتبى محمد.
وعلى الخليفة من بعده المختار وصاحبه وأنيسه في الغار، مآزره في حاليي السعة والضيق خليفة رسول الله سيدنا أبي بكر الصديق.
وعلى الناطق بالصواب حليف المحراب، المُنيه الخاشع المُنيب الأواب، أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب.
وعلى محيي الليالي بتلاوة القرآن، من استحيت منه ملائكة الرحمن، أمير المؤمنين ذي النورين سيدنا عثمان بن عفان.
وعلى أخِ النبي المصطفى وابن عمه، ووليِّه وباب مدينة علمه، إمام أهل المشارق والمغارب، أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب.
وعلى الحَسن والحُسين سيدي شباب أهل الجنة، في الجنة، وريحانتي نبيك بِنَصُّ السنة.
وعلى أمهم الحوراء فاطمة البتول الزهراء، وعلى خديجة الكبرى وعائشة الرضا، وأمهات المؤمنين وبنات سيد المرسلين.
والحمزة والعباس، وسائر أهل بيت نبيك الذين طهرتهم من الدنس والأرجاس.
وأهل بيعة العقبة وأهل بدر وأهل أحد وبيعة الرضوان، وسائر أصحاب نبيك الأكرمين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
الدعاء للمسلمين:
اللهم أعِزّ الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أذِل الشرك والمشركين، اللهم أعلِ كلمة المؤمنين، اللهم دمِّر أعداء الدين، اللهم اجمع شمل المسلمين، اللهم الطُف بالمسلمين في غزة وفي الضفة الغربية وأكناف بيت المقدس، واجمع شملهم وألِّفْ ذات بينهم، وارزقهم نية إعلاء كلمتك ولا تجعل لهم قصدا إلا إعلاء كلمتك، ولا تجعل لهم مرادا إلا أن تكون كلمتك هي العليا، وأيِّدهم بتأييدك وألهمهم رشدهم، واشفِ مرضاهم وعافِ مبتلاهم وادفع السوء عنهم.
اللهم واخذل المعتدين والغاصبين من الصهاينة ومن والاهم، المُتعدِّين للحدود والمنتهكين للحرمات، والمقتِّلين للأبرياء وللأطفال وللنساء وللعُزَّل، والمُهدِّمين لبيوتك ولمواطن النفع لعبادك من مستشفيات وغيرها، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر، اللهم شتِّت شملهم وفرِّق جمعهم، وأقل عدَّهم واجعلهم عبرة للمعتبرين.
يا منزل الكتاب، يا منشئ السحاب، يا سريع الحساب، يا هازم الأحزاب، اهزمهم وزلزلهم، واكفِ المسلمين والأمة جميع شرورهم يا قوي يامتين، يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.
اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلّغنا رمضان، وأعِنا على الصيام والقيام، واحفظنا من الذنوب والآثام، ورضِّنا باليسير من المنام، واسلكنا مسلك الكرام، واجعل لنا في كل ليلة زيادة إيمان ويقين، وحُسن تمسُّكٍ بحبل التقوى، وولاء لك ولأنبيائك ورسلك وعبادك الصالحين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة:201]
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [آل عمران:147]
(رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)
(رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [البقرة:286]
(رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [البقرة:250]
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [آل عمران:147]
(رَبَّنا اغْفِرْ لَنا ولِإخْوانِنا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالإيمانِ ولا تَجْعَلْ في قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:10]
نسألك لنا وللأمة من خير ما سألك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد ﷺ، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك نبيك سيدنا محمد ﷺ، وأنت المستعان وعليك البلاغ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
عباد الله،، إن الله أمر بثلاث ونهى عن ثلاث: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90]
فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر.
16 رَجب 1445