اعتبار الأمة بإسراء ومعراج نبيها ووجوب تقويم أعمالهم على منهاجه

للاستماع إلى الخطبة

خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع الروضة ، بعيديد ، تريم، 24 رجب 1446هـ بعنوان: 

اعتبار الأمة بإسراء ومعراج نبيها ووجوب تقويم أعمالهم على منهاجه

لتحميل الخطبة (نسخة إلكترونية pdf):

https://omr.to/K240746-pdf

نص الخطبة:

   الحمد لله مالك الملك، من بيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، خلق الموت والحياة ليبلُوَكم أيُّكم أحسنُ عملاً وهو العزيز الغفور.

 وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يُكوِّر الليل في النهار والنهار في الليل بِقدرته، ويعلم ما تُسِرّون وما تعلنون وهو عليمٌ بذات الصدور. 

وأشهد أن سيدنا ونبينا وقُرّة أعيننا وهادينا إلى ربنا محمداً عبده ورسوله، ومُصطفاهُ البر الشكور، أرسلَه بالهدى ودين الحق لِيُظهرهُ على الدين كله ولو كره المشركون، فهو الأمين المأمون المؤيد المنصور. 

اللهم أدِم صلواتك على عبدك المختار صاحب الإسراء والمعراج، نورك المبين، فَنِعمَ المصباح ونِعمَ السراج، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار ومن سار على طريقهم من غير اعوِجاج، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين هُداة الخلق إلى أقوم مِنهاج، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين، يا ذا الجود المُنهَل والغيث الثجاج.

أخبار النبي ﷺ دروسٌ وعبر:

أما بعد… 

    عباد الله، فإني أوصيكم وإياي بتقوى الله، تقوى الله التي لا يقبلُ غيرها ولا يرحم إلا أهلها ولا يُثيب إلا عليها، (إنما يتقبل الله من المتقين)، وإن للأمة في أخبار نبيهم محمد ﷺ لَفوائد وعوائد ودروس وعِبر ومناحي، إدراكٍ لحقائق المقاصد في الوحي والرسالة، والبيان والدلالة، ولقد قال الرحمنُ عمّن قبله من الأنبياء والمرسلين: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ). 

وقال ﷻ: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ). 

الإسراء والمعراج من الحوادث الكبرى:

وإن من الحوادث الكبرى في أخبار سيد أهل الدنيا والأخرى، عبد الله محمد بن عبد الله ﷺ، حادثة الإسراء والمعراج.

(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ). 

    أيها المؤمنون بالله، فكان ذلكم الخبر والحادثة ثابتةٌ بالقرآن الكريم، تابعتها واتصلت بها حادثة المعراج إلى السماوات العُلى وما فوق ذلك في آيات كبرى أراها الله عبده المصطفى محمداً، ثم قال: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ) أي مشاهدة عياناً ليلة الإسراء والمعراج (إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ)، وأصبح من يستهزئ بالخبر؛ من كفار قريش بمكة، ومن يُبيّن بيان الصدق والحق أنه بعقله وفطرته مصدِّقٌ لخاتم رسل الله وصفوته. 

وقال أبو بكر الصديق، وقد جيء إليه؛ إنّ صاحبك يقول كلاماً لا يقبله العقل، 

قال: وما قال؟ 

قالوا: قال إنه أُسري به البارحة إلى بيت المقدس وأصبح بيننا، 

قال: إن كان قال فقد صدق، إن كان قال فقد صدق، 

وتُصدِّقه في ذلك يا أبا بكر؟

قال: وفي أكبر من ذلك، إني أُصدقه في خبر السماء يأتيني بُكرة وعشية، أفلا أُصدقه في هذا؟

إنه الأمين المأمون، الناطق بالحق والصدق عليه الصلاة والسلام.

أحوال التصديق بالإسراء والمعراج:

ولم يزل الناس:

  •  بين مستهزئ مُظهر للاستهزاء وذلك الكافر، 

  • وبين مُبطن للاستهزاء وذلك المنافق، 

  • وبين مُصدِّقٍ وذلك المؤمن، ولهم مراتب في إيمانهم وتصديقهم بما جاء عن الله وعن رسوله. 

إن الإيمان قائمٌ على الإيمان بالغيب، الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من الله تعالى، غيوب تغيب عن الحواس، يرى الناس لها الآثار والعلامات، يوقن العاقل الذي أحسن استعمال العقل أنها الحق والهُدى والصواب، والحكمة اللائقة برب الأرباب، ومُسبِّب الأسباب في تكوين هذه الأكوان، وينحرف من ينحرف، ويضل من يضل، ويزل من يزل ويُكذِّب.

الإسراء والمعراج وقدرة الله ﷻ:

    أيها المؤمنون بالله -جلّ جلاله وتعالى في علاه-، هو السميع البصير العليم القدير، يوصل من شاء إلى ما شاء متى شاء كيف يشاء ﷻ ، ولقد تحدّانا في حدود ما آتانا من قُدرات نغترُّ بها وقُوَىً قد نطغى بها ونتفاخر ونعتز بها، تحدانا فيما حددها لنا من حدود، أن أحدَنا من الإنس ومن الجن معنا لا يقدرون على مجاوزة حدود السماوات والأرض: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ). 

فماذا عسى أن يصل إليه روادُ الفضاء وأهل المركبات الفضائية؟ 

وعسى أن يتجاوزوا وينفُذوا من حدود الأرض وحدود السماوات، ولكن (لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ)  ما يُمكِّن الله ملائكته من النفوذ، وأعظم منه ما مكَّن منه عبده المجتبى المختار محمد، (لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ). 

 بِقوةٍ من الرحمن العلي القدير، نَفَذَ البشير النذير، حتى استوى إلى مقامٍ لم يستطع تجاوزه جبريل الأمين، شاووشُ الملائكة، وقال له: اصعد يا جبريل، قال: لا، (وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ) هذا مقامي عند سدرة المنتهى فوق السماوات السبع، لا يستطيع سيدنا جبريل أن يتجاوزها، وأذِنَ الملك الجليل رب العرش العظيم والسماوات والأرض أن يُجاوزها محمد بن عبد الله، فقد أُذن لك، يقول له جبريل: فقد أُذن لك، وأنا إن تقدّمتُ احترقت، وجاوزها عليه الصلاة والسلام. 

وأشار القرآن وقال: (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى). 

الإيمان واليقين حفظ للدين:

    أيها المؤمنون بالله ﷻ ، وهذا الإيمان واليقين هو الذي يحفظ على أصحابه حُسن المسلك الذي يحتاجه البشر كلهم والإنس والجن كلهم على ظهر الأرض، وإن كان أكثرهم يحيدون عن ذلك وينحرِفون، وبذلك تقع الآفات والمشاكل والمفاسد على ظهر الأرض. 

ولو استقاموا على منهج الله لكان عالم الأرض محلُّ استقرار ومحل طمأنينة ومحل سكينة ومحل أمن: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ). 

تخبط المُتَّبعين للأهواء والشهوات:

   أيها المؤمنون بالله، إذا تعطّل جهاز المُكلَّف من الإنس والجن -جهازه الأغلى؛ قلبه وعقله- من حقيقة الإيمان بالله الذي خلق، ومن خشيته ومخافته، فهو المُتّبِع للأهواء والشهوات، وهو المستعِدُّ حينئذ للانحرافات ولتجاوز الحدود حتى حدود الإنسانية، أما رأيتم تجاوزها عند كثير من الإنس والجن؟ حتى حدود الفطرة يتجاوزها ولا يبالي، فضلاً عن حدود الدين. 

وما يُجعل من أنظمة تصنع من أجل وصول بعض المنظمين والواضعين لها إلى أغراضٍ لهم، عندما يكون غرضُه خلاف ذلك النظام والقانون، فلا يُسيِّرهُ إلا حيث اقتَضَت مصلحتُه على بُسطاء الناس والشعوب، أما هو فلا قانون له ولا نظام، إنه اللئيم من اللئام، إنه العابد للهوى وللشهوات: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ).

    أيها المؤمنون، (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ) من بعد النبيين (قَوْمٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى).

الطغيان عن منهج الحق:

   أيها المؤمنون، إذا تعطَّل جهاز المراقبة للحي القيوم، خرج الإنسان وطغى: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى)، (فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى). 

(يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا)  ليس نحن مُجرَّد الأمم الذين أعمارنا ما بين الستين والسبعين في الغالب، والنادر من يجوز ذلك، وكثير قبل الستين يخرجون من على ظهر هذه الأرض، ولكن حتى الأمم التي عاشت في الأرض أربعمائة سنة وخمسمائة سنة وألف سنة وألف ومائتين سنة، عند مجيءِ القيامة كأنهم لم يلبَثوا فيها على الأرض إلا عشية أو ضحاها، قال: (كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)، (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ). 

عظمة أهل الإيمان:

   أيها المؤمنون، وببقاء ثُلَّة من الذين أحسنوا استعمال الأجهزة العظيمة قلوبهم في مخافة الله تعالى تندَفِع بلايا كثير، ولا تقوم الساعة ما دام أحد منهم، حتى يغارَ الله ويقبضَ مَن في قلبه مثقال ذرة من إيمان، بعد أن يرفع القرآن وتطلَع الشمس من مغربها وينزل عيسى بن مريم إلى الأرض ويخرج يأجوج ومأجوج ثم ينتهون، ثم يموت عيسى بن مريم عليه سلام الله، ثم تأتي العلامات الكبرى، ويبقى على ظهر الأرض مَن ليس في قلبه مثقال ذرة من إيمان، ثم لا يبقى إلا كافر بن كافر ليس فيهم من يقول الله، عليهم تقوم الساعة وهم شر خلق الله ﷻ. 

أقوام رآهم في إسرائه ومعراجه:

    أيها المؤمنون، وما دُمتم والقرآن موجود والشمس لم تطلع بعد من مغربها وباب التوبة مفتوح؛ فإنَّ واجبنا في ذكريات نبينا أن نستفيق وأن نثبُت على أقوم الطريق، (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ).

"مررتُ ليلة أسري بي".. "ثم أتى على قومٍ تُرضَخُ رؤوسُهم بالصخرِ، كلما رُضِخَتْ عادتْ كما كانت، ولا يَفْتُرُ عنهم من ذلك شيءٌ، قال : يا جبريلُ ! من هؤلاء ؟ قال : هؤلاءِ الذين تثاقلَت رؤوسُهم عن الصلاةِ" الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة! أقيموا صلوات ربكم، وإذا قُمتم بحقها فهي من أقوى الأسباب لتقوية إيمانكم ويقينكم ونهيكم عن الفحشاء والمنكر. 

ولقد رأى من تُقرض شفاههم وألسنتهم بمقاريض من حديد من النار، كلما قُرضت عادت كما كانت، "من هؤلاء يا جبريل؟ قال: خطباء الفتنة من أمتك". 

خطباء الفتنة: 

  • الذين تُستحل بهم الدماء والأعراض والأموال 

  • وتنتهك الحرمات بفتوايهم الباطلة،

  •  خطباء الفتنة من أمتك، المفرقين بين الأمة، 

  • الموقعين الشحن والبغض والعداوة، 

  • الخادمين لمشروع إبليس في التحريش بين المؤمنين. 

يقول ﷺ -كما روى الإمام مسلم في صحيحه-: "إنَّ الشَّيْطانَ قدْ أيِسَ أنْ يَعْبُدَهُ المُصَلُّونَ في جَزِيرَةِ العَرَبِ، ولَكِنْ في التَّحْرِيشِ بيْنَهُمْ" ، هذا مشروع إبليس يُحرِّش بين الناس، وبين المسلمين خاصة ليوقع الفتن بينهم، فويلٌ لخطباء الفتنة، كم من خطر على علم بلا عمل، وعلى صورة علم بلا حقيقة علم، وإن من أول من تُسعَّر بهم النار عالمٌ حافظٌ للقرآن، يقول الله له: "ما عملتَ فيها ؟ قال : تعلَّمتُ العِلمَ وقرأتُ القرآنَ ، وعلَّمتُه فيك ، فقال : كذبتَ إنما أردتَ أن يقال : فلانٌ عالمٌ وفلانٌ قارئٌ فأمر به فسُحِبَ على وجهِه حتى أُلقيَ في النارِ" والعياذ بالله تبارك وتعالى.

    أيها المؤمنون بالله، إنما يقْبل الله العمل الخالص، (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).

اجعلنا من المتذكرين المعتبرين، واجعلنا ممن تجري على أيديهم صلاح الخلائق وتثبُت أقدامهم على قويم الطرائق. 

اللهم خلقنا بأخلاق نبيك المصطفى وأدبنا بآدابه في الظاهر والخفاء، وارفع البلايا عن أمة حبيبك أجمعين. 

والله يقول وقوله الحق المبين: (فَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). 

 وقال تبارك وتعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) 

 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم

 (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى). 

 بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وثبتنا على الصراط المستقيم، وأجارنا من خزْيه وعذابه الأليم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية: 

     الحمد لله القوي المتين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الولي المعين، وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرة أعيننا ونور قلوبنا محمداً عبده ورسوله وحبيبه الأمين، اللهم صلِّ وسلم على خاتم النبيين وسيد المرسلين، من جمعتَ له الأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس فصلى بهم، فأقام جبريل الصلاة فكان الإمام عبدك خير الأنام، وكان المأمومون أنبياءك وملائكتك الكرام.

اللهم صلِّ وسلم على عبدك المختار خير الخلق محمد، وعلى آله وصحبه ومن سار في دربه، وعلى آبائه وإخوانه من أنبيائك ورسلك وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

وداع رجب بتصحيح المسار:

أما بعد… 

   عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله وأحسنوا (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ). 

اتقوا الله في وداع الشهر الحرام الفرد من بين الأشهر الحُرم، وداع شهر رجب الذي يودعه في هذا الأسبوع المؤمنون في شرق الأرض وغربها، وقد جعل الله لنا الساعات والأيام والليالي والأسابيع والأشهر لنتذَكّر ولنتبصَّر ولنتجنَّب الظُّلم. 

يقول ﷻ: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ). 

من يخرُج شهر رجب وهو متهاون بالصلاة، أو ابنه وقد بلغَ السابعة متهاون بالصلاة ولم يأمره، أو بلغ العاشرة وتهاون بالصلاة ولم يضرِبه، فهو ممن ظلمَ نفسه. 

من كان يخرُج شهر رجب وعيناه مصروفتان إلى النظر إلى الصور الحرام المُزْرية المنحطَّة ولم يتُب فقد ظلم نفسه، (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ). 

 أيها المؤمنون، من كان دخل عليه رجب ويخرج وهو مُقاطعٌ لأحدٍ من أرحامه فهو ممن ظلم نفسه. 

  أيها المؤمنون، من كان يخرُج عليه شهرُ رجب وهو عاقٌّ لأبيه أو أمه فهو ظالم نفسه. 

    أيها المؤمنون، (لَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ). 

رحيل رجب وشهوده لأصحابه:

    أيها المؤمنون بالله، أحسنوا وداع هذا الشهر الحرام فإنه سيرحل إلى رب الأنام، يشهدُ لهذا وعلى هذا:

  • يشهدُ لمن تاب، 

  • يشهدُ لمن أناب، 

  • يشهدُ لمن أكثر الاستغفار، 

  • يشهدُ لمن صحّح المسار، 

  • ويشهدُ على المُصِر على الذنوب والسيئات،

 وهكذا الأشهر شواهد، والأيام والليالي شواهد، وصحف الملائكة شواهد، وأعضاؤنا علينا أو لنا شواهد يوم القيامة، قال الله عن الأرض: (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا) وقال تعالى: (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).

حسن استقبال شهر شعبان:

     أيها المؤمنون بالله، وأحسنوا استقبالَ شعبان المبارك، فإنه شهرٌ قال عنه ﷺ: يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان، وهو شهر تُعرض فيه الأعمال على الله، فأُحِب أن يُعرض لي فيه عمل صالح، يقول صلى الله عليه وسلم.

 وكذلك يأتيكم الشهر الكريم الأعظم رمضان، بلغنا الله إياه على خير الأحوال في صلاح أحوال اليمن والشام والشرق والغرب ولأهل الإسلام وللمؤمنين على ظهر الأرض، يا مُحوِّل الأحوال حول حالنا والمسلمين إلى أحسن حال.

   أيها المؤمنون، أكثروا الصلاة والسلام على حبيب الله محمد، فإن من صلى عليه مرة واحدة صلى عليه رب العرش عشر صلوات، وهو القائل كما روى الترمذي في سننه: "إنَّ أولى النَّاسِ بي يَومَ القيامةِ أَكْثرُهُم عليَّ صلاةً" ، فأكثروا الصلاة والسلام على حبيب رب الأنام، فإن الله أمرنا بأمرٍ بدأ فيه بنفسه وثنّى بالملائكة الكرام، وأيّهَ بالمؤمنين فقال مخبراً وآمراً تعظيماً وتكريماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). 

 اللهم صلِّ وسلم على نور الأنوار وسر الأسرار سيدنا محمد وعلى آله الأطهار وصحبه الأخيار. 

وخُص منهم مؤازره في حال السعة والضيق، خليفة رسول الله أبا بكر الصديق،

 والناطق بالصواب حليف المحراب المنيب الأواب، سيدنا عمر بن الخطاب، 

والناصح لله في السر والإعلان من استحيت منه ملائكة الرحمن، محيي الليالي بتلاوة القرآن أمير المؤمنين سيدنا عثمان بن عفان،

 وأخ النبي المصطفى وابن عمه ووليه وباب مدينة علمه، إمام أهل المشارق والمغارب، أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب،

 والحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة في الجنة، وريحانتي نبيك بنص السنة، وأمهما الحوراء فاطمة البتول الزهراء، وخديجة الكبرى وعائشة الرضا وأمهات المؤمنين،

 وأهل بيعة العقبة وأهل بدر وأهل أحد وأهل بيعة الرضوان، وسائر أصحاب نبيك الكريم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

الدعاء:

أعِز اللهم الإسلام وانصُر المسلمين، أذِلّ الشرك والمشركين، اجعلنا اللهم وقادتنا وصغارنا وكبارنا مفاتيح للخير مغاليق للشر، اجعل هوانا تبعاً لما جاء به نبيك الأطهر، نجِّنا اللهم من التبعية لمن كفر ولمن طغى وتجبر، ارزقنا اللهم الاستقامة على ما نحوز به السعادة في الدنيا والبرزخ ويوم المحشر. 

اللهم لا تصرفنا من جمعتنا إلا وقد غفرت لنا يا خير من غفر، وكفّرت عنا ذنوبنا وأوزارنا وسيئاتنا ما بطن منها وما ظهر، اللهم وفرِّج كروب الأمة واكشف الغمة، اعصم اللهم واحفظ واحرس دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم، اللهم ورد كيد المعتدين الظالمين الغاصبين حيثما كانوا وأينما كانوا، اللهم فرِّج الكروب وارفع الخطوب وأصلح القلوب، واسقنا من أحلى مشروب في الإسلام والإيمان والإحسان والمعرفة والرضوان، والقرب والتدان يا كريم يا منان. 

اللهم إنا نسألك لنا والأمة من خير ما سألك منه عبدك نبيك سيدنا محمد، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، وأنت المستعان وعليك البلاغ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)، (رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا)، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ).

عباد الله، إن الله يأمر بثلاث وينهى عن ثلاث، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر.

 

تاريخ النشر الهجري

26 رَجب 1446

تاريخ النشر الميلادي

25 يناير 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

الأقسام