(228)
(536)
(574)
(311)
خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع السعيد بحارة السعيد، عيديد، مدينة تريم، 22 ذي القعدة 1442هـ بعنوان:
ارتباط حقيقة الشهادتين والدين بالعواطف والمشاعر والوجدان والأحاسيس وترجمة ذلك في عمل الأعضاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
الحمد لله.. الحمد لله حمداً يملأ اللهُ به القلوبَ خشيةً ويقيناً ورجاءً ومحبَّة، وأشهد أن لَّا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له يرفعُ لمَن آمنَ به وعملَ الصالحاتِ الدَّرجاتِ والرُّتبة، ويُحِلُّ على مَن كفر وكذَّبَ أصنافَ العذابِ والكُرْبَة، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا وقرةَ أعيُننا ونورَ قلوبِنا محمدًا عبدُه ورسولُه، ونبيُّه وصفيُّه وحبيبُه وخليلُه، أرسله {بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك وكرِّم على عبدِك المُجتبى المختار سيدِنا محمد، وعلى آلِه الأطهارِ وأصحابِه الأخيار، ومَن على منهاجِهم استقامَ وسار، وعلى آبائه وإخوانِه مِن الأنبياء والمرسلين ساداتِ الهُدَاةِ الأطهار، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين، وعلى جميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد عبادَ الله: فإني أوصيكم ونفسِيَ بتقوى الله.. تقوى الله التي لا يقبلُ غيرَها، ولا يرحمُ إلا أهلَها، ولا يثيبُ إلا عليها.
أيها المؤمنون بالله: إنَّ حقائقَ الدين ما مَلَكَ مشاعرَ الإنسانِ وأحاسيسَه ووِجدانَه، وإننا في إيمانٍ بإلهٍ يقولُ عنه المرسَل منه إلينا: (إنَّ الله لا ينظرُ إلى صُورِكم ولا إلى أجسادِكم ولكن ينظرُ إلى قلوبِكم) نُوقِنُ بأنه يجبُ أن يَنزِلَ الدينُ منَّا منزلتَه مِن هذه القلوب؛ فيملكُ مِنَّا مشاعرَنا، وعواطفَنا، ووجدانَنا، وأذواقنا؛ لنكون على صدقٍ في دينِ الإسلام "استسلام" للملكِ العلَّام جلَّ جلاله؛ إيقاناً أنه لا أعلمُ منه {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}، ولا أحكمُ منه، ولا أحقَّ بأن يَحكُمَ علينا ويَتحكَّم فينا منه -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه-. لا أنفسنا -فضلا عمَّن سواها- ممَّن على ظهر الأرض أفراداً وجماعات شعوباً ودول ليسوا هم الخالقين وليسوا هم الرازقين وليسوا هم أهلُ الحقِّ في الشرعِ والتحكُّمِ علينا؛ ولكن الذي خلَق هو الأعلم، وهو الأحكَم، وهو الأحقُّ أن يُخضَع له، ويُستسلَم له من نفس كُلِّ مخلوقٍ خلَقه.
وقد ميَّزَ اللهُ المكلفين مِن الإنسِ والجنِّ بما آتاهم مِن أسماعٍ وأبصارٍ وعقولٍ ومداركٍ، وما جعل لهم مِن مساحةِ الاختيارِ والإرادة، خلقَها لهم، ومكَّنهم ما لم يُمَكِّن غيرَهم مِن الحيوانات والنباتات والجمادات؛ وجعل الثوابَ والعقابَ مرتباً على تلك الإراداتِ الموهوبة، تلك الاختيارات المُعطَاة لهم، وتلك القدُراتُ التي آتاهم إيَّاها -جلَّ جلاله- {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}. "إِمَّا شَاكِرًا": نعمة المُنعِم. " وَإِمَّا كَفُورًا": جحودا بالإله الذي خلق ومُقَدِّماً أمرَ النفس وأمر الهوى، بل أمرَ هوى ونفسِ غيرِه مِن البشرِ على أمرِ الله! ومنهجِ الله وحُكمِ الله جَلَّ جلاله! ووحيِه الذي أوحاه إلى النبيِّ المصطفى محمد خاتماً للنبيين ومبعوثاً مُرسَلاً للعالمين رحمةً مِن الحقِّ بشيرا ونذيرا؛ فأعرضَ أكثرُهم فهم في غفلةٍ فهم لا يسمعون – والعياذ بالله تبارك وتعالى-!
أيها المؤمنُ الحاضر الجمعة امتثالا لأمر الله في شهرٍ مِن أشهر الحرم متوجها للعليِّ الأعلى: إنَّ مِن مهامِّ ومقاصدِ الجمعة تقويمَ شعورك، وعواطفِك، وإحساسِك، ووجدانِك أنَّك عبدٌ لحيِّ قيومِ تسجدُ له، وتُمَكِّنُ حقائقَ "الاستسلامِ" له -جَلَّ جلاله- مِن قلبِك فيفيضُ على جوارحِك. فلا تبيعُ عينَك لمَن ينشرُ الفساد، لا تبيعُ عينَك لمَن يغريك بما يضرُّك ويفسدُك ويوقعُك في مخالفةِ أمرِ خالقِ العينِ الذي قال: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ}.
أيها المؤمنون بالله تبارك وتعالى: أصلٌ في دين الله: أن تتمكَّنَ "لا إله إلا الله" مِن قلبِك وعقلِك وفكرِك؛ فتُقَدِّم أمرَ اللهِ على كلِّ أمر، وتعيشُ على ظهرِ الأرض عبداً لخالقِ الأرضِ والسماءِ متهيِّئاً للقائه والعرضِ عليه {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا ۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَقَالَ صَوَابًا}، {ذَٰلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ}، {لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ}.
أيها المؤمنون بالله جَلَّ جلاله وتعالى في علاه: اغنمُوا معنى "الجمعة" وتربيتَها لمشاعرِنا، ولأحاسيسنِا، أننا عبادٌ لربٍّ قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ..} في تربيةِ العواطفِ والمشاعرِ والأحاسيسِ والواجدانِ، قال إذا عَرَضَ لكم إرادةُ بيعٍ أو شراءٍ لشيءٍ من المتاعِ فقدِّموا أمري على هذا العارضِ لنفوسِكم والشهوةِ في دواخلِكم وقدِّموا الفرضَ أولا {وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} وإني قد فسحتُ لكم مجالًا في المباحات لتأخذوها على وجهِها في أوقاتِها {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ..} وزُمُّوا زمامَ أنفسِكم ومشاعرِكم بكثرةِ ذكري {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، ثم عابَ انحطاطَ المشاعرِ وتخلُّفِها عن القيامِ بحقِّ الدينِ والواجبِ في الدِّين فقال: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ۚ قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ۚ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}.
أيها المؤمنون بالله: الذين انفلتَت منهم المشاعرُ والأحاسيسُ عن حقائقِ "لا إله إلا الله" كانوا عُرضَةً لِمَا يبثُّ مَن يريدُ الشرَّ لأهلِ الأرضِ مِن قلَّةِ الحياء، ومِن تبرُّجِ النساء، ومِن اختلاطِ النساءِ بالرجال، ومِن استحسانِ القبيحِ في ميزانِ الله بما يدعو إليه إبليسُ وجندُه على ظهرِ هذه الأرض؛ فتتعطَّل عندهم المشاعرُ والأحاسيسُ حتى يرَوا المنكرَ معروفاً والمعروفَ منكرًا! ومنهم مَن يزيدُ على ذلك فيأمرُ بالمنكرِ وينهَى عن المعروف! وقد استحوذَ عليه عدوُّه فلَعِبَ به على ظهرِ هذه الأرض يخالفُ ربَّ الأرض وربَّ السماء! ويُهمِلُ أهلًا ويُهمِلُ أبناءً وبناتٍ ينساقون حتى في الأشهرِ الحرم، حتى في أيامِ العشرِ وراءَ تعظيمِ ما ليس بعظيم! ووراء ما جاء عنه التحريمُ مِن النظرِ الحرام في مختلفِ الأجهزةِ غافلاً عن حقيقةِ "لا إله إلا الله" وأوامر مِن الحق! باع عينَه، وباع أذنَه وباع لسانَه لمن يَشرَعُ له مخالفةَ شرعِ الذي خلق أذنَه وخلقَ عينَه وخلق لسانَه وكوَّنه تكوينا! {مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ} مِن نطفَة ثم مِن علقة ثم مِن مضغة ثم عظام ثم كسا العظامَ لحماً ثم أنشأه خلقاً آخر –جَلَّ جلاله وتعالى-!
أيها المؤمنون بالله جل جلاله: خذوا سرَّ "الجمعة" واخرجوا بمشاعرَ فيَّاضةٍ بحقائقِ الإيمان والدين تتعاملون بها في الحياة غير مخدوعين ولا مُستَعبدين لما يُنشَرُ ويُذَاعُ وتُدعَونَ إليه مِن كُلِّ ما خالفَ شرعَ الجبَّار الأعلَى تعالى في علاه!
وفَّقنا الله وثبَّتَ قلوبَنا، وأخذ بأيدينا إليه أخذَ أهلِ الفضلِ عليه، وهدانا إليه صراطاً مستقيما.
والله يقولُ وقولُه الحقُّ المبين: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}
وقال تباركَ وتعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم}
أعوذ بالله مِن الشَّيطان الرَّجيم:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ۙ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ ۚ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ}
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}
باركَ الله لي ولكم في القُرآنِ العظيم، ونفعَنا بما فيه مِنَ الآياتِ والذكرِ الحكيم، وثبَّتَنا على الصراطِ المستقيم، وأجارَنا مِن خِزيهِ وعذابِه الأليم.
أقول قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولوالدينا ولجميعِ المسلمين فاستَغفِروه، إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الحمدُ لله حمداً تمتلىءُ به القلوبُ بالإيمانِ ومُقتضياتِه، وأشهدُ أن لَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، شهادةَ مَن أَيْقَنَ علمَ الإلهِ المحيطِ بأحوالِ وشؤونِ بريَّاتِهِ، وأنه جامعُهم ليومِ ميعادِه وميقاتِه، وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا وقرةَ أعيُننا ونورَ قلوبِنا محمداً عبدُه ورسولُه وصفوتُه مِن جميعِ بريَّاته. اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على عبدِك الذي ختمتَ به الرسالات وجعلتَه سيدَ أهلِ الأرض والسماوات سيدِنا محمدٍ وعلى آلِه الأطهار وأصحابِه القادات، ومَن والاهم فيكَ وسار على سبيلِهم إلى يومِ الميقات، وعلى آبائه وإخوانِه مِن الأنبياءِ والمرسلين أعلى الخلائقِ منازلَ ودرجات، وعلى آلِهم وصحبِهم وتابعيهم والملائكةِ المقرَّبين وعبادِك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
أما بعد عبادَ الله: فإني أوصيكم وإيَّايَ بتقوى الله.
فاتَّقوا اللهَ فيما تحمِلونَ مِن أحاسيسَ ومواجيدَ ومشاعرَ وأذواق، وكونوا على تقوى الإلهِ الخلَّاق؛ لا تبيعوا شيئاً مما خلقَ مِن أعضائكم للفُسَّاق، ولا للدعاةِ إلى الانحطاطِ في القِيَمِ والأخلاق {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}.
أيها المؤمنون بالله جَلَّ جلاله: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}، {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا}.
أحسِن توديعَ شهرِ ذي القعدة، استقبل عشراً مِن أبركِ أيام عُمرِك ومن أعظمِ أيامِ سَنَتِك؛ هي العشرُ الأول من شهر ذي الحجة بمشاعرَ خالصةٍ نقيَّةٍ تعبدُ اللهَ فيها وحدَه لا شريكَ له، تُطَهِّر فيها أعضاءك، وبيتَك، وما في بيتِك، وأجهزتَك، وعقولَ أولادِك وأهلِك مِن تبعيَّةِ الفجارِ والكفار والأشرار؛ ليكون منهجُ اللهِ هو النور والمنار وهو الهدى في السِّرِّ والإجهار، مُقتَدِيًا بالنبي المختار صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، الذي عاش بيننا لم يعجبْه شيءٌ مِن الدنيا، ولم يعجبْه أحدٌ مِن الناس إلا أن يكون ذا تقى، لا يهابُ الملوكَ ولا مَن دونَهم، لا يغضبُ لنفسه، ولا ينتصرُ لها، ولا يغضبُ إلا لله، (فإذا أُضيعَ حقُّ اللهِ لم يقم أحدٌ لغضبِه) صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله المجتبى المصطفى المختار. وفَسَحَ لنا باب المباحات وما أحلَّه الله لنا في شرعِه الكريم مِن منظوراتٍ ومسموعاتٍ ومشموماتٍ ومطعومات ومشروبات وملبوسات ومسكونات ومركوبات.. وما إلى ذلك ببيانٍ واضحٍ عن الإلهِ الحقِّ القيومِ يُتحرَّى فيه أمرُه ويُطلَبُ فيه الحلال؛ فيكونُ العُدَّةَ لحميدِ الأفعال، وشريفِ الخِصَال، وللنجاةِ في يومِ المآل.
أيها المؤمنون بالله: فليَشغَل ذكرُ اللهِ النصيبَ الأوفى مِن أفكارنا ومِن أوقاتنا {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}.
اللهمَّ اصرِفنا مِن الجمعة وقد امتلأت قلوبُنا بالاجتماعِ عليك، وسِرِّ الأدب لك، والتحقُّقِ بحقائق العبودية لك، والخضوعِ لجلالِك، وصدقِ الوجهة إليك، يا حيُّ يا قيُّوم لا تَكِلنا إلى أنفسِنا ولا إلى أحدٍ مِن خلقِك طرفةَ عين برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
وأكثِروا الصلاةَ والسلام على خيرِ الأنامِ نبيِّ الله محمد؛ فإنَّ مِن حميدِ المشاعر كثرةَ الصلاةِ والسلام على البدرِ المنيرِ الطاهرِ، سيدِ الأوائل والأواخر بأمرٍ مِن الإله العزيزِ الفاطر بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته وأيَّه بالمؤمنين، وأخبر نبيَّه أنَّ أولى الناس به يومَ القيامة أكثرُهم عليه صلاة؛ وقال الرحمنُ في هذا الأمرِ تعظيماً وتكريماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
اللهم صلِّ وسلِّم على الرحمةِ المهداة والنِّعمَةِ المُسدَاةِ سيِّدِنا محمدٍ، وعلى الخليفةِ مِن بعدهِ المُختار، وصاحبهِ وأنيسهِ في الغار، أهل الخلافة ومستحقِّها بالتحقيق، مُؤازرِ رسولِ الله في حالَيِ السَّعةِ والضِّيق، خليفةِ رسولِ الله سيدِنا أبي بكر الصديق، وعلى الناطِقِ بالصواب، المُنيبِ الأوَّاب، حليفِ المحراب، أميرِ المؤمنين سيدنا عمرِ بن الخطاب، وعلى مُحيِي الليالي بتلاوةِ القرآن، مَنِ استحيَت منهُ ملائكةُ الرَّحمن، أمير المؤمنين ذي النُّورَين سيدِنا عُثمانَ بنِ عفَّان، وعلى أخِ النَّبيِّ المصطفى وابنِ عمِّه، ووليِّهِ وبابِ مدينةِ علمِه، إمام أهلِ المشارق والمغارب، أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب.
وعلى الحَسَنِ والحُسينِ سيِّدَي شبابِ أهلِ الجنَّة في الجنة، وريحانتَي نبيِّك بِنَصِّ السُّنة، وعلى أمِّهِما الحَوراءِ فاطمةَ البَتولِ الزَّهراء، وعلى خديجةَ الكُبرى وعائشةَ الرِّضَا، وعلى أمهاتِ المؤمنين، وعلى الحمزةَ والعبَّاس، وعلى أهل بيتِ نبيِّكَ الذين طهَّرتَهم مِن الدَّنسِ والأرجاس، وعلى أهلِ بيعة العقبة وأهل بدرٍ وأهلِ أُحدٍ وأهلِ بيعةِ الرِّضوان، وسائرِ الصحب الأكرمين، ومَن تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِكَ يا أرحمَ الراحمين.
اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياءِ منهم والأموات، اللهم انظُر إلى الأمةِ نظرةً تفرِّج بها الكرُبات، وتدفعُ بها الآفات، وتثبِّت بها القلوب خيرَ الثبات على الاستقامةِ على ما تحبُّه وترضَاه في الظَّوَاهِرِ والخفيات، وفي المقاصدِ والنيات، وفي الأقوالِ والأفعال، والحركاتِ والسكنات، يا عالمَ الظواهرِ والخفيَّات يا حيُّ يا قيُّومُ يا مجيبَ الدعوات يا الله.
اللهم ثبِّتنا على الحقِّ فيما نقول، وثبِّتنا على الحقِّ فيما نفعل، وثبِّتنا على الحقِّ فيما نعتقد، واجعل هوانا تبعاً لما جاء به نبيُّك المصطفى محمدٌ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
اللهم فرِّج كروبَ الأمة، واكشفِ الغمَّة، وأجلِ الظُّلمة، وادفعِ النقمة، وخذ بأيدينا إليك أخذَ أهلِ الفضلِ عليك، ثبِّت اللهم على الاستقامةِ قلوبَنا وأقدامَنا، وتولَّنا بما أنتَ أهلُه ظاهراً وباطنا يا حيُّ يا قيُّوم.
اللهم واغفرِ لمؤسِّسي هذه المساجد والقائمين عليها، ومن جُعِلَت لأرواحِهم، واجعل اللهمَّ مآلَهم إلى جناتِك ودارِ الكرامة، ومآلِ آبائنا وأمهاِتنا ومآلِنا أجمعين برحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم وأصلِح لنا الشؤون في الظُّهورِ والبطون، واجعلنا في قومٍ يهدونَ بالحق وبه يَعدِلون، واربطنا بحبيبِك الأمين المأمون.
اللهم {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}
{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}
نسألكَ اللهم لنا وللأمة مِن خيرِ ما سألك منه عبدُك ونبيُّك سيدُنا محمد، ونعوذُ بك مما استعاذكَ منه عبدُك ونبيُّك سيدُنا محمد، وأنتَ المستعان وعليك البلاغُ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ العليِّ العظيم.
عبادَ الله: إنَّ اللهَ أمرَ بثلاث، ونهى عن ثلاث:
{إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
فاذكروا اللهَ العظيمَ يذكُرْكُم، واشكروه على نِعَمِه يَزِدْكُم، ولذِكرُ اللهِ أكبر.
23 ذو القِعدة 1442