(228)
(536)
(574)
(311)
الحمدُ لله، الذي أضاءَ الوجودَ بنورِ النبوةِ والرسالة، وجعل الدلالةَ عليه بأيدي المرسلين أمانة يؤدُّونها إلى العبادِ حتى خَتَمَهُم بسيِّدِهم المصطفى نور الجلالة، اللهم صَلِّ وسلِّم وبارك وكرِّم على عبدك المصطفى سيدنا
محمد. ألا إنَّا نشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يهدي لنورِه من يشاء. ونشهدُ أنَّ سيِّدنا ونبيَّنا وقُرةَ أعينِنا ونورَ قلوبِنا محمداً عبدُه ورسولُه، سيدُ الأنبياء، وأكرمُ مَن في الأرض والسماء على ربِّ الأرض والسماء. اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على سيدِنا المصطفى محمد، حبيبك المنتَقى وشفيعك المبتغى، وعلى آله الأطهار، و أَصحابِه الأخيار، ومن على منهاجهم سار، إلى يوم الوقوف بين يديك يا كريم يا غفّار.
أما بعدُ عبادَ الله: فإني أُوصيكم ونفسيَ بتقوى الله. فاتقوا اللهَ عبادَ الله. اِتقوا اللهَ في استقبالِ النورِ الذي أشرق، الهادي إلى من خَلَق، المبيِّن لحقيقة الحق، المنقذِ من الآفات والظلمات والهلاكِ والغرق. ﴿ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ ﴾.
ألا وإنَّ إشراقةَ مولدِ النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، تُوْقِفُ الخلقَ عامّة والمؤمنين به خاصة، وقفةَ المتأمِّل للآيات في شئون الكون، بِخَبَر المُكَوِّن والإنباء عن الصانع المبدئ المعيد الفعَّال لما يريد جلَّ جلالُه. لقد جعل سُنَّتَهُ العامة اصطحابُ المرأة لآلام الحمل ثم لأوجاع الولادة، ثم خروجُ الجنين بالطريقة المألوفة، لكنَّ ولادةَ نبيِّكم محمد صلى الله عليه وسلم، تميزت وتعزَّزت وتخصَّصت وارتفعت واعتَلَتْ من بين الولادات.
ولادةٌ بها مُنع الشياطينُ مِنَ الدنوِّ من السماء واستِرَاق السمع.
ولادةٌ تنكَّسَتْ بها أصنامٌ في الدنيا فأصبحت منكَّسةً على رؤوسها.
ولادةٌ خمدت بها نارُ فارس، عليها سَدَنَة يخدمونها، ولها مِن تأجيجها ألف عام، ألفَ سنة لم تُخمد. بولادة محمد خمدت.
ما أعجبَ هذه الولادة. لها غاضَتَ بحيرة ساوة. اهتزَّ قصرُ كسرى وسقطت منه أربع عشرة شُرَّافة. أضاءَ النور وسَطَع، حتى صحَّ في الحديثِ أن عثمان بن أبي العاص كان يقول: إن أمي حدَّثتني أنها شهدَتْ آمنة حين الولادة. قالت فجَعَلْتُ أنظُرُ وقد أشرقَ النورُ وكأن النجومَ تدنو مني، حتى إني لأخاف أن يَقَعْنَ علي. والمعنى أنَّ النورَ العظيم الذي برز قرَّب البعيد وأكسب البشرية قوةً صارت ترى به البعيدَ وكأنه في مُتناوَل اليد، وصاروا ينظرون من وسط الدار في مكة إلى قُصورِ بصرى في الشام، حتى أن أمه لَرَأَتْ أعناق الإبل في بصرى.. أيُّ نورٍ هذا؟ لو زادت حِدَّةُ النور الظاهر لأعمى العين، ولم يكشف ما وراء الجدران والصحاري والرمال والجبال. لكنه نورٌ رباني يتنوَّرُ به مَن أدركه حتى بعينه، ليخترق الحجبَ البعيدة وينظرَ المسافة الشاسعة ويشاهد المشاهدات العجيبة.
إنه نورُ محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أيُّ ولادة هذه؟ أهي مثلُ غيرها؟ هل كان مِثْلُها قَبْلَها أو يكون مثلها بعدها ؟ وعند خروجه من بطن أمه خرج فاعتمد على يديه فَسَجَد للواحد الأحد.. من علَّمَه السجود في لحظة الولادة؟ إنه لأكرمُ مولود. إنه لأشرفُ عابد، هو أعظم منزلةً عند المعبود. هو سيدُ الساجدين. فسجد لحظةَ أن خرج من بَطْنِ أمه، صلى الله عليه وسلم، ورفع طرْفَه نحو السماء مُومياً إلى الرفعِ والاعتلاء، فخرج من عينيه نورٌ فوق النور اتصلَ بالسماء في مَشاهدِ آمنة ومن حواليها. إنها ولادةٌ ما أعجبها. أصبحَ الناسُ المشركون إلى أصنامهم فما يدرون إلا وقد تنكَّست على رؤوسها. من الذي نكَّسها؟ هذا الذي به أظهر اللهُ نور الحقيقة وجعلهُ خيرَ الخليقة وجعله العروة الوثيقة.
أيها المؤمنون: لِيَقِفَ العقلاءُ في العالم أمام شؤون هذا المولود. ما كان منها من آيات كونياتٍ تحت قدرةِ المكوِّن، وما كان منها من نشأةٍ ما عرفت البشريةُ مثلَها، في ذاتِ هذا الإنسان، في خصائصِ هذا الفرد المتميِّز عن الإنس والجن والملائكة. فسبحان الذي أبرَزَهُ في قالب البشر بخصائص ليست في البشر ولا في الجن ولا في الملائكة. فهوَ بَشَرٌ لا كالبشر. كما أنَّ الياقوت حجرٌ لا كالحجر. صلوات ربي وسلامه عليه. يقول عمُّه العباس:
وَأَنْتَ لما وُلِدْتَ أشرقت الأرض وضاءتْ بك الأفق
فنحن في ذلك الضياء وذلك النور سبلَ الرشاد نخترقُ
قال: لا يفضُضِ الله فاك. فما سقط سِنٌّ لسيدِنا العباس، وقد جاوزَ الثمانين من عمره ولم يسقط له ضرسٌ أبداً بدعوة محمدٍ نبي الهدى، صلوات ربي وسلامه عليه.
إنْ كان العقلاء في العالم يقفونَ أمامَ الحوادث للاستغراب أو الاستعجاب أو للاستفادة أو للتأمل، فإن سيدَ الأكوانِ حوادثُه أعظمُ الحوادث، ونشأته خيرُ النشآت. لقد نطق أول ما نطق بقوله: جلَّ جلالُ ربي الرفيع. الله أكبرُ كبيراً والحمدُ لله كثيراً وسبحانَ الله بكرةً وأصيلا.. من علَّمَه؟ ﴿ ألم يجدك يتيماً فآوى، ووجدك ضالاً فهدى، ووجدك عائلاً فأغنى ﴾ إنها عنايةُ الله بهذا المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلَّم.
ثم سُلوكُه الفريد، صاحبُ العدل، صاحبُ الإحسان. تقولُ مرضعتُه حليمة السعدية: أُناوِلُهُ الثدي الأيمن فيشرب، فإذا حوَّلْتُه إلى الثدي الأيسر أمسك فمَه وأبى، ليكون الثاني نصيب أخيه من الرضاع. حتى لا يشربَ لبن الثديين ويبقى أخوهُ ناقصاً عليه اللبن. فإن اللهَ ألهَمه العدلَ حتى في الرضاع، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. ثم نشأ على مسلكِ الإحسان، مع نورٍ ساطع مستمر. تقولُ حليمة: ليس لنا مصباحٌ في الليالي المظلمة إلا نورُ وجهِه. ليس لنا مصباحٌ وسط دارِنا في الليالي التي ليس فيها قمر إلا نور وجه هذا المولود، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّم، يكتفون به ويهتدون إلى أمتعتهم وأوانيهم وسط البيت الذي هو فيه، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّم.
أيها المؤمنون: نشأ فلم يعرف أذىً لصبيٍ في أيام صباه. ولكن النجدة والإحسان والمعاونة، حتى خرج وهو صغيرٌ يشاركُ إخوانَه في رَعي الأغنام وهو بعدُ في سِنِّ الثالثة من عمره، وهو يرعى الأغنام. والآية تَظْهَر. حَصَلَ جدبٌ، فأغنامُ الناس تعودُ جوعى، وأغنام حليمة تعودُ شبعى دارَّةً باللبن، حتى أن أهل حُلَّة بني سعد يقولون لمن يرعى أغنامهم: ويحكم أما ترون أغنامَ حليمة؟ ارعوا حيث ترعى أغنامُ حليمة. فيسرحون معها في مكان واحد، لكنَّ أغنام حليمة بالذي بينها يرعى، ترجع وهي شبعى دارّة باللبن، وتعودُ الأخرى جوعى وليس في ثُدِيِّها قطرة من اللبن.
حتى يقولون لمن يرعاها *** ويحكم لم تُـحْسنوا مرعاها
ألم تروا بنتَ أبي ذؤيبِ*** من أين ترعى ما لكم في ريبِ
فيسرحون حيث تسرحُ الغنَم*** لكنها تعودُ بالجوع الأتَم
صلوات ربي وسلامه عليه. بل من ليلةِ أَخَذَتْهُ، حدّثت أنها لما أخذَتْهُ فتح عينيه فخرج منهما نورٌ اتصل بالسماء. فلما حملته وجاءت به عند الكعبة، تزعزع الحجر الأسود فالتصقَ بِوَجْهِ رسول الله. تزعزع الحجر فالتصق بوجه محمد. ويلٌ لمن لم يعرف قدْرَ محمد. ويل لمن لم يعرف عِزَّةَ هذا المصطفى عند الإله العزيز، ومكانته عند الإله الخالق الجبار. إنه مُختَاره، حبيبه، صفيه، صفوته من البريَّة أجمعين، فحُقَّ أن يقول لنا: وأنا أكرم الأولين والآخرين على الله ولا فخر. صلى الله وسلم وبارك عليه.
يا واحداً من أمته: ما نصيبُك مِن هذا النور؟ مِن صاحب الخصائص الكبرى هذه كلها؟ قالت حليمة نفسهَا: ما كان في ثديَي لبن، وولدي يُقلقني من شدة الجوع، فلما أخذتُ رسول الله ناولتُه الثدي فدرّ باللبن حتى فاض وتبدد، وبات ضمرةُ ابني نائماً تلك الليلة، وهو يبيت قبلها يُقلِقني من البكاء من شدة الجوع. لكن تلك الليلة بات شبعان حتى أن ناقتنا قام إليها زوجي فوجدها حافلة بالمنحة - أي باللبن، فبتنا بخير ليلة.
تقول: وقد مشينا في الطريق إلى بني سعد فقوِيَت الدابةُ التي جئتُ عليها وجاوزَت النساء حتى سبقتُهن فدخلتُ في الوادي فجعلتُ أسمعُ أشجاراً وأحجاراً تقول: السلام عليك يا محمد، السلام عليك يا رسول الله، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّم. إرهاصات مِن قِبَلِ ربكم في إشراقات المولد. فنشأ هذا المولود. لم يَسْجدْ لصنم. لم يشربْ خمراً. لم يسبَّ أحداً. لم يكذب قط. صلوات ربي وسلامه عليه. في أيام صباه قَحَطَ أهل مكة يوماً، سنةً من السنين، فجاءوا يستسقون يقولون يا أبا طالب: قحط الناس واشتد عليهم التعب. قال: فأخرج غلاماً على كتفه فذهب به نحو الكعبة، فألصقه بالكعبة فجعل الغلام يلوذ بالكعبة فأقبلت السحب وسيَّبَتْ ماءاً كأفواه القرب. ويقول في ذلك عمُّهُ في شعره:
أبيضَ يُستَسقى الغمام بوجهه*** ثِمال اليتامى عصمةٌ للأرامل
وجاء في الصحيح، أنَّهُ لما دخل الأعرابي يقول: يا رسول الله هلَكَتِ الأموال والمواشي وتقطَّعتْ بنا السبيل فادع الله أن يسقينا. فدعا اللهَ، فأقبل السحاب، وأُمطِروا، فخرجوا في المطر والسيل الغزير. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم يتفرجون على الأمطار والسيل، فقال لو رأى هذا أبو طالب. قال له سيدنا أبو بكر كأنك تعني قوله:
وأبيضَ يُستسقى الغمام بوجهه*** ثِمالُ اليتامى عصمةٌ للأرامل
وتلا عليه أبياتاً من أبيات أبي طالب. قال أجل. هذا الذي ذكرتُ من كلامه، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّم.
يا أتباعَ هذا النور: كيف لا تتنوَّرُوْن في أفكاركم، كيف لا تتنوَّرون في أخلاقكم، كيف لا تتنوَّرون في صدوركم ومعاملاتكم، كيف لا تتنوَّرون في تربيتكم لأنفسكم وأهاليكم، كيف لا تتنوَّرون في مجتمعاتِكم فتكونوا صالحين مُصلحين، مؤدِّين للأمانة قائمين بحقِّ جمعِ الشمل وتأليف القلوب، حافظين المجتمع والجيرة مِن التفرُّق والتشتُّت والتمزُّق والتباغُض؟ أنتم أتباع هذا النور الذي جاءكم بهذه الأمور. ﴿ اُذْكُروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألَّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً ﴾. بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم، نوَّرَنا الله بنوره، وسار بنا في سبيله، وجعلنا وإياكم من أهل اتِّباعِه والاستضاءة بشُعاعِه حتى يحشرَنا الله في زمرته، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
والله يقولُ وقولُه الحق المبين ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ وقال تبارك وتعالى ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا. وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا. وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا. وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾
بارَكَ اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونَفَعَنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. ثَبَّتَنا على الصِّراطِ المستقيم، أجارَنا من خِزْيِه وعذابه الأليم. أقولُ قولي هذا وأستغفر اللهَ العظيم لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين، فاستغفروه فإنه هو الغفور الرحيم.
الحَمدُ للهِ نُور السَّماوات والأرض. وأَشْهَدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له، يحكُمُ بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون يوم العرض، وأَشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنا ونبيَّنا وقُرَّةَ أعيننا ونورَ قلوبنا محمداً عبدهُ ورسولُه، بَعَثَهُ الله لجميعِ من على ظهرِ البسيطة في الطول والعرض، فأحسن بيان السُّنَّة والفرض، ودعانا لأن نقرض ربَّنا أحسن القرض. اللهم صلِّ وسلِّم وبارك وكرِّم على النور المبين عبدِك المصطفى سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن سارَ في دربِه، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
أما بعدُ عبادَ الله: فإني أوصيكم وإيايَ بتقوى الله. فاتَّقُوا الله. اتقوا الله لا تكن فرداً من أفراد أمةِ صاحبِ الخصائص الكبرى، حبيبِ الله محمد، تمضي في حياتك مُكِبَّاً في ظُلْمَتِكَ، على تَرْكِ فرائض، على تأخيرِ صلاة عن وقتها، أنت أو ولدك الذي تُسأَلُ عنه ولم تتفقده، أو زوجتك التي تُسألُ عنها ولم تنتبه منها، ومن لك عليهم ولاية، فإن تأخير الفريضة عن وقتها يوجب كتبَ اسم صاحب التأخير على باب النار " فلان ابن فلانة لا بد له من دخول النار ". فإن تابَ قبل الوفاةِ مُحي اسمه، وإلا فاسمهُ على باب النار ولا بد له من دُخُوْلِها، أجارنا الله منها. إن مَن لا يطيقُ قَرْصَ النملة كيف يحتَمِلُ حرق النار ؟ إن من تؤذيه البعوضة كيف يقدر على أن يُصْلَىٰ بنارٍ موقدة ؟
أيها المؤمن اتقِّ الله تعالى في شأنِ هٰذه الفرائض المعظمة، بعد الشهادتين، فَرأسُ هذا الإسلام الصلاة، وعمودُ هذا الإسلام الصلاة. فانظر وتفقّدْ أداءها في أوقاتها. ﴿ فويلٌ للمصلِّين الذين هم عن صلاتهم ساهون ﴾ فسَّرَهُ نبيُّنا أنهم الذين يؤخرون الفريضة عن وقتها، فكيف بمن تَرَكَهَا من أصلها.
أيها المؤمنون. اعمُروا قلوبكم وأجسادكم ودياركم ومساجدكم بصلاة الفجر في جماعة وبالصلوات الخمس في جماعة، فإن من حافظ عليهنَّ كان له عندَ الله عهد. وكانتْ له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة. ومن لم يحافظْ عليهنّ لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة يوم القيامة. " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة " يقولُ صلى الله عليه وسلم.
انتبه من فرائض الله : صلاتَك، وزكاتَك، إِخْراجٌ لها على وجهها، لمستحقِّها في محلها، طالباً رضى ربك. فذلك حصنٌ لمالك وصلاحٌ لحالك. وما خالَطَتِ الزكاةُ مالاً إلا مَحَقَتْه. ولا هَلَكَ مالٌ في برٍّ ولا بحرٍ إلا بِـمَنْع الزكاة. أدِّ الفريضة .. أدِّ الفريضة في إحسانِ صيامِ شهرِ رمضان. أدِّ الفريضة. أدِّ الفريضة في بر الأم والأب. فريضة فرضها الله عليك لا تؤخرك عنها نفسُك. ولا يغرُّك عنها صديقك وجليسُك السوء الذي يحملُك أن تؤذي أباً أو تخرُجَ عن الأدب مع أُمّ، فإن الله قرن شكره بشكرهما: أن اشكر لي ولوالديك. إنها قيم الإنسانية وقيم الإسلام، تأكلُها ذئابُ السقوط، تأكلُها سباعُ الانفلات وضَياعُ القِيَم في شرق الأرض وغربها. فحافظ على قِيَمِ دينك وإنسانيتك وفطرتك، تلْقَى بها ربك. فلن يغني عنك أحدٌ في الشرق والغرب. لكنْ ربُّ الشرق والغرب إن أطعته أسعدك وكنت عند المصير إليه آمناً مما لا يُطاق.
أَقِمْ فريضة الله في الإحسان إلى الجيران وفي صِلَةِ الأرحام. أَقِمْ فريضةَ الله في تربية الأبناء والبنات، ولا تتهاونْ ولا تتركْهُم للشوارع تنهَش قِيَمَهُم، و رُفقاء يهدّون فضائلهم، ولا لإنترنت يلعب بعقولهم وأفكارهم وشهواتهم. انظر كيف تُرَبّي. انظر كيف تؤدِّي الأمانة أمام أعين أنت تُسأل عنها، وأسماع أنت تُسأل عنها، " ألا فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيته. "
إشراقةُ نور المولد تحتِّمُ عليك أن تُراجع فكرَك فيما تعاملْتَ به مع هذا النور. يا فرداً من أمة بدر البدور. من أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، عَلِيُّ القدر عند العزيز الغفور. قُم بحقِّ الفرائض ثم اعملْ بما استطعت من النوافل يحبك الرحمن، وإذا أحبك فلا يستطيعُ أحدٌ أن يَصِفَ ما يحبوك وما يعطيك وما يهبك وما ينعِّمُك به وما يتفضل به عليك.
اللهم نوِّرنا بأنوار الهدى واجعلنا ممَّن بنبيِّك اقتدى، بما خفي وبما بدا. يا رب العالمين.
أكثروا الصلاة والسلام على نورِ الله محمد، فإنكم بذلك تتنوَّرون بصلاة الله عليكم. فإنَّ مَن صلى عليه مرة واحدةً صلى الله عليه بها عشرا. وإنه قال إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة. وإن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته، وأَيَّهَ بالمؤمنين تعميماً، فقال مُـخْبِراً وآمِراً تكريماً وتعظيما: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك المصطفى سيدِنا محمد، وعلى الخليفة مِنْ بعده المختار، وصاحبِهِ وأنيسِه في الغار، الخليفةِ الشفيق، مؤازرِ النبي حال السَّعةِ والضيق، سيِّدِنا أبي بكر الصديق، وعلى الناطق بالصواب، حليفِ المحراب، أميرِ المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب، وعلى من استحيَتْ منه ملائكةُ الرحمن، محيي الليالي بتلاوة القرآن، أمير المؤمنين ذي النورين سيدنا عثمان بن عفان. وعلى أخي النبي المصطفى وابن عمه، وَوَلِيِّه وبابِ مدينةِ علمه، إمامِ أهلِ المشارق والمغارب أمير المؤمنين سيدِنا عليِّ بن أبي طالب. وعلى الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة في الجنة، وريحانتي نبيِّك بِنَصِّ السنة، وعلى أمهما الحوراء فاطمة البتول الزهراء، وعلى خديجة الكبرى وعائشة الرضى، وعلى الحمزة والعباس وسائر أهلِ بيتِ نبيك الذين طهَّرْتَهُم من الدنس والأرجاس، وعلى أهل بدر وأهل أحد وأهل بيعة الرضوان، وعلى سائرِ الصحب الأكرمين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعزَّ الإسلام وانصر المسلمين. اللهم أذلَّ الشرك والمشركين. أعْلِ كلمة المؤمنين. دمِّر أعداء الدين. اجمع شمل المسلمين. ألف ذات بين المؤمين. نوِّرنا بأنوار طه الأمين. اجعلنا من المستقيمين على منهاجه في كل شأن وحين. اللهم ارزُقْنا طاعتَه فيما أمرْ، واجتناب ما نهى عنه وزجر، واجعلنا من الهداة المهتدين يا أرحم الراحمين. اللهم أصلِح شؤوننا وأمته أجمعين. اغفِر لنا ولوالِدِيْنَا ومشايخنا وأهل الحقوق علينا، وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات. اللهم خُذْ بيد سلطان البلاد إلى الهدى والرشاد وكمال السداد، وواسِعِ الإفضال في الخافي والباد بما تُصلح به البلاد والعباد، وبما تجودُ به يا جواد بما أنت أهله في الدنيا والمعاد. اللهم وأصلح بلادَ المسلمين، وأصلِح رُعَاتَهُم ورعاياهم، وأصلح ظواهرهم وخفاياهم، واحقن دمائهم وألِّفْ ذات بينهم وادفع البلاء عنا وعنهم أجمعين. يا محوّل الأحوال حوّل حال المسلمين إلى أحسن حال. لا تصرف أحداً من جمعتنا إلا وقلبه منوّر، بأنوار الصدق في الإقبال عليك والاتصال بالهادي إليك، برحمتك يا أرحم الراحمين. واختم لنا بالحسنى وأنت راضٍ عنا. عباد الله. إن الله أمر بثلاثٍ ونهى عن ثلاث : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم. ولَذِكْرُ اللهِ أكبر.
17 ربيع الأول 1433