(393)
(43)
(612)
(535)
في لقاء مع طلاب ثانوية مدرسة دار المصطفى الأهلية بتريم، ضحى الخميس 6 جمادى الآخرة 1447هـ، يوصي الحبيب عمر بن حفيظ بتوجيهات تربوية هامة:
عَجبًا للمُغترّين بالشؤون التي تعرِض لنا في هذه الحياة وبيوتها وقصورها ومُتعها، ما أحقرها وما أقلها، وما أسرع ما تفنى، ولكن إما باستقامتك فيها تكسب النعيم المُخلّد والعطاء الأكبر على الأبد، وإما بخيانتك فيها تُخلّد في النار والعياذ بالله أو يصيبك عذاب..
﴿فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا﴾، غفلتنا عن الحقيقة المُقبِلة علينا وهو المستقبل الكبير؛ هو سبب لتسلُّط النفوس والأهواء والشياطين علينا، وإلا ما لهم أن يتسلّطوا علينا إذا عقلنا حقيقة الأمر؟ وإذا أيقنّا بهذا المصير!
مصيبة الناس أنهم ينطلقون في هذه الحياة ما كأن شيء أمامهم! فلذا تغلبهم أهواؤهم، تغلبهم شهواتهم، وأمّا من أيقَن بالمصير؛ فيُحسن المسير ويُحسن التدبير، ويختار ما هو الخير.
بعض الناس يتعجّب يقول: تقطعنا في الطريق محبة نفسي للتميُّز وللاعتلاء وللظهور والشهرة بين الناس..
أقول له: اسمع، بدل أن تطمع وترغب في شهرة أرضية حقيرة، أمامك ترغيب في أن تطمع في الشهرة في السماء وعند رب الأرض، وشهرة تستمر خصائصها ومزاياها في البرزخ وفي القيامة وإلى الجنة، إلى أين تريد؟ أين الشهرة الحقيقية؟
تريد أن تتميز؟ نعم، هناك ميزة لك عند الله؛ بصدقك، بإخلاصك، بأدبك، بإرادتك لوجهه الكريم، هذه الميزة! ميزة أبدية سرمدية فيها لذائذها وخصائصها ونعيمها الدائم المؤبد!
اترك عنك الرغبة في الحقيرات والمنتهيات والمنقضيات، وارغب في عزٍّ يبقى، في شرفٍ يؤبَّد، في علوٍّ يُخلَّد.
يا مؤمن: أنت بألسُن الأنبياء وعليهم دُعيتَ لأن تكسب حقائق العز والشرف والتميُّز والفضل الأبدي الحقيقي، فماذا يغرّك فيما يتكسّب به عدوك إبليس الناس لتطلب شرف يبيد؟ تطلب عز ينقضي؟ اطلب حقيقة العز، اطلب حقيقة الكرامة! ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾.
مطلوب منك أن ترتفع بهمّتك، ترتفع برغباتك، مراداتك، هواياتك؛ إلى قمة شريفة عالية، تكسب بها حقائق العز الأسنى، حِسًّا ومعنى، هناك وهنا.
حقيقة الطلب القائم على تذكُّرك للآخرة هو الذي يعطيك القوة والحصانة في معاشرتك لغافلين، سواء من الأسرة أو من خارج الأسرة، ممن لم يتَيَقَّنْ بهذا اليقين، ممن اغترّ بالزيف: الزيف في التميُّز، الزيف في العز، الزيف في الشرف، الزيف في الكرامة!
تخلَّص من إبليس.. يُعلّقك بشهوات ويقيم بينك علاقة أو محبة هابطة ساقطة، أنت وذاك، ومن الذي فرض عليك أن تتَّبع في الجوال أو غيره الكلام السيء والصور السيئة؟
بصدقك، بإخلاصك، بيقينك، بعزيمتك، تكون ذا قوة، ما يسيطر عليك شيء من أفكار الأسرة المخالفة لنورانية الوحي.
قد يصادف في الأسرة واحد جالس أحد وواحد درس في مكان، وجاؤوا بأخبار غير صحيحة وأفكار مقلوبة معكوسة، لا يضرك! ما هم بأشد ولا أظلم من قصر فرعون الذي عاشت فيه آسية، مَثَل للمؤمنين، ما الذي يضرك في هذا!
تمسّكوا بالسنة، استجيبوا لدعوة الله ورسوله، فإن الله يختار في كل زمان وفي الأمكنة المختلفة مَن يختار مِن الشباب وينادَون من الملأ الأعلى: "أيها الشاب الناسك، التارك شهوته من أجلي، أنت عندي كبعض ملائكتي".
أشد الناس تلطُّخًا في العالم؛ لمّا يصدق مع الله في لحظة يحوِّله إلى صافي، لأنه سبحانه مِن كَرَمه إذا وجد صِدق مع عبده ولو كان أشد أهل الأرض تلطخًا بأنواع الذنوب، فجاء بالصدق معه، في لحظة تتحوّل جميع السيئات حسنات، فيصير من أصفى أهل الأرض، في يوم واحد ووقت وساعة واحدة إذا صدق معه، وهذه معاملة الملك الأعلى!
أنت من أتباع حبيبه، ما صِلَتك بحبيبه؟ وكم تراه في نومك وفي يقظتك؟ وما لك رغبة في هذا؟ وتلهيك هذه القواطع؟!
كَوِّن بذرة الشوق إلى فوق، ومرافقة النبوة والرسالة، ومرافقة وراثتها، وإن كان يُمكِن أن ما تتمكَّن أن يكون لك صِدق علاقة بالنبوة حتى تمسك بحبل من حبال إرثها..
هذا أحب الخلق إليه، وهذا أكرم العباد عليه، والطريق منه لا من غيره؛ فلا بد أن نحبه، فلا نُحب بعد الله شيئًا في الوجود أكثر من زين الوجود، أكثر من أنفسنا وشهواتها والهوى، والدنيا والآخرة، نحبه هو ﷺ من أجل الإله الذي خلق، قوِّ هذه المحبة الطيبة النافعة المفيدة.
اتخذ لك أصدقاء حق وهدى، اتخذ لك قلب يعشق المراتب العُلا والاتصال بالرب الأعلى، ومشاهدة وجه حبيبه المصطفى ﷺ، والاستعداد لمرافقته على الدوام في دار الخُلد.
رفعنا الله وإياكم مراتب قُربه، وشَرَّفنا بحقائق حُبّه، وأدخلنا في حِزبه.
05 رَجب 1447