(229)
(536)
(574)
(311)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مُكرِمِنا بسطوعٍ أنوار النبوَّةِ في هذه الحياة، التي إذا عُدِمت فيها وحُجِبت عنها تلك الأنوارُ صارت مسرحاً لشرِّ هذا الإنسان وتسلُّطِ شياطين الجنِّ عليه ليكون على ظهر الأرض آثار غَلواءِ الشهوات، وشدَّة الغضب الذي يعتري الإنسانَ فيخرُج عن كرامتِه الأساسية ومنزلتِه الرفيعة العلية، فيمثِّلُ على ظهر الأرض سباعاً مُوحشةً لا تبالي بما أمامها، وتقصف رقبةَ كلِّ مَن قدرت عليه، وتنتهك الحقوقَ كلَّها، أو إلى بهائم شبه الخنازير لا تحبُّ إلا القاذورات، لا يردُّها عنها شيء تعيش فيها في ذلك الحال المنحَط.
أيها الجمع الكريم:
بارك الله في مدرسة الإرشاد التي تبنَّت هذا الاجتماع في هذه الليلة المباركة على استضاءتنا بنور التربية النبوية المحمدية للجيل، لكل جيل في كل عصر، لكل ناشئةٍ في كل زمان، وفي كل مكان، بعظمةِ خالقِ كلِّ زمانٍ ومكان، الذي أوحى إلى النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ما يُصلِح الإنسانَ وما يسعدهُ وما يرفعُه إلى المراتب الشريفة الكريمة العليَّة في كل زمان، وفي كل مكان.
فكلُّ جيلٍ ناشيء وكلُّ شبابٍ من الذكور والإناث على ظهر الأرض، بل الأطفال فالشباب في نشآتهم ومعاصراتهم لعصورهم يجدون في توجيهات هذا النبي المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ما يقوِّمُهم ويقوِّيهِم ويطهِّرُهُم وينقِّيهم ويؤهِّلهم للاستفادة من المائدة المبسوطة، أيُّ مائدة؟ إنها مائدةُ كونِ الله، الذي خلقه الله لمصلحة هذا الإنسان، مسخَّراً لهذا الإنسان، وقال لنا في القرآن ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ) ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )
أيها المتفكِّرون العقلاء، من سُخِّرَ له ما في السماوات وما في الأرض أيرضى أن يكون هو مسخَّراً، مستعبَداً، مستخدَماً لشيءٍ مما في السماوات ومما في الأرض، يفقد بذلك كرامتَه وشرفَه وسيادتَه ومنزلته. إن الخالقَ جعل لنا أجناساً تعيش معنا في هذا الوجود، الجمادات أدناها، وفوقها النباتات، تتميز عن الجمادات بالنمو ومعنىً من الحياة، ثم فوق النباتات الحيوانات وتتميز عن النباتات بالحس والحركة، ثم فوق الحيوانات ابن آدم، هذا الإنسان..
ثم رأينا اللهَ تعالى بترتيبه وتقديره سخَّر الجماداتِ لخدمة النباتات ولخدمة الحيوانات ولخدمة الإنسان .
فمن وضع هذا الترتيب؟ من رتَّبَ هذا؟ بأيِّ قوّة؟ بأيِّ دولة؟ بأيِّ جمعية؟ بأيِّ مؤسسة؟ بأيِّ وزارة؟ بأيِّ حكومة؟
لم يكن شيءٌ من ذلك.. بل بوضعِ الخلّاق، فاطر السماوات والأرض جل جلاله، جعل هذه الجماداتِ خادمةً لبقية الأجناس، ثم جعل النباتات تخدمُ الحيوان وتخدمُ الإنسان، فإذا بها مكرَّمة على الجمادات، تخدُمها الجمادات وهي تخدم مَن فوقها، وإذا بالحيوان لا يخدم النباتَ ولا الجمادَ في ذاته ولا لذاته، ولكن يخدم الإنسان، فإن تحرَّك في نبات وغيره فبالإنسان ولأجل الإنسان، ولمصلحة الإنسان.
فإذا نظرنا إلى الإنسان، فإن أرجعَ نفسَهُ هوَ خادماً لهذه الأجناس فقد جهلَ قيمته، وجهل منزلتَه، فإنَّ الخالقَ خلقها له، لهذا الإنسان، وشرّف هذا الإنسان، بأن قال له: وأنت لي، لله تبارك وتعالى. تخدمُك الكائنات، فاخدم أنت مكوِّنَ الكائنات بامتثال أمره واجتناب نهيه.
أيها المؤمنون: قال ربنا: ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا )
أيها المؤمنون بالله: إذا رأينا في تربية النبي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وتوجيهاته للجيل، للناشئة، للشباب، من الطفولة إلى الشباب إلى ما بعدها، رأيناه يُقيمُ الإنسانَ مقامَ الكرامة ويهيِّئه لاستخدام هذه المائدة والاستفادة منها، ليؤدي دوره فيها قال تعالى: ( هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ) أي طلب منكم عمارتَها، فعمارتُها بهذا الإنسان، فبواسطة هذا الإنسان تُعمرُ الأرض جماداً ونباتاً وحيواناً، وإذا صلُحْ الإنسان صَلُحَ به ما حواليه، وعُمِر الجماد واستخدُم في محلِّه وعُمِر الحيوانُ وعُمِر النبات.
ولذا ذكر الله تبارك وتعالى العقلياتِ الفاسدة التي إذا تمكَّنت من هذا الأرض هدَّمت منافعَ المائدةِ العظيمة، قال تعالى: ( وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ) هذه طبيعة العقليات التي لم تتنوَّر بنورِ معرفة الحقيقة، فتمشي على ظهر الأرض تفسد، وتمشي على ظهر الأرض لتضرَّ الإنسان والنبات والحيوان والجماد.
أيها الجمع الكريم: تعالوا بنا إلى المركز الأسمى، توجيه الجيل على يدِ أفضل فضيل، الرسول الجليل، المؤيَّد بالتنزيل، المعصوم في الفعل والنية والقيل ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) فنجدُه أقامَ الأسسَ في تربيةِ الجيل المعاصر ليكون في عصرِه نافعاً مفيداً، مُستخدِماً ما سُخِّرَ له استخداماً حسناً صالحاً لائقاً، يعود بالنفع على الكل، شاكراً للمُنعم لا مُستكبراً ولا مُتعالياً ولا طاغياً ولا مُعتدِّياً على حقوق الآخرين.
هذه صفاتُ الإنسان الذي يعمرُ الأرض، والذي بعمارتِه على هذه الوجه للأرض يكسبُ سعادةَ الأبد، يموت وهو سعيد، ويبشَّر عند الموت، ويعيش في البرزخ إلى يوم القيامة في سعادة، تُعرَضُ له الجنة صباحاً وعشيّاً، كما أن الشقيَّ الكافر إذا جاءه أمرُ الله فرفضَه وارتكبَ اتباعَ هواه تُعرَض عليه النار وهو في برزخه غُدوًّا وعشيّا كما قال الله في آل فرعون ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) لأنهم استكبروا في الأرض بغير الحق.
ولكن من عمر الأرض بهذه الكيفية الطيبة على حسب مُراد الصانع الذي صنع جل جلاله وتعالى في علاه ( أَلَا يَعْلَم مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيف الْخَبِير ) هل يمكن أن ينازِع أحد في صناعة صنعها إنسان فيجيء إنسان آخر ينازعُهُ فيها فيقول طريقة تشغيلها كذا ليس كما كتبت في الكاتلوج، وطريقة الاستفادة منها كذا، ،، هل أنت صنعتها!؟ أسكت ساكت، ليس شغلَك وليس من حقك، فالصانع أعلمُ بصنعته، وهو يضع الكاتلوج لها لتُستعمَل على ضوئه، والإنسان مصنوعٌ له صانع، وهو الله وقد وضع الله له الكاتلوج، فالذين بعقلياتهم يريدون أن يتحكَّموا في أخلاقنا، في عقائدنا، في مسارِنا في الحياة ..نقول أصنعتمونا؟ أخلقتمونا؟ أوجدتمونا؟ شاركتم في تكوين أبصارنا أو تكوين أسماعنا أو شاركتم في إيجاد أجهزة هضمنا أو أجهزة تنفُّسنا!؟ شاركتم في ترتيب الدورة الدموية في أجسادنا وتجرونها لنا!؟
لم تشاركوا ربنا في شيءٍ من هذا، أتنازِع اليومَ منهجَ الله لنتركه ونتّبع منهاجَكم؛ إن الذي خلقنا أعلم بما يُصلِحنا، أعلم بما يُسعِدنا، فدعوا الصنعةَ لصانعها جل جلاله وتعالى في علاه.
وهذا رسول الصانع، رسول المُوجد المبدئ الفاطر، رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يربِّي هذا الجيل، يربِّي الجيلَ في كلِّ عصر أن يفقَهَ مهمتَه الكبرى في الحياة.. فيسُنُّ لنا أن نؤذِّن في أذن المولود اليمنى مِن حين يوجد على ظهر الأرض، في يوم ولادته، ونقيم الصلاةَ في أذنه اليسرى.. إنه تعليمٌ للناشيء، إنه ربطٌ للروح بإدراك سرِّ الوجود على ظهر الأرض، أنك مصنوعٌ لك صانع، أرسل إليك رسولاً بمنهاجٍ تمشي عليه في الحياة فتسعد.
أمرَنا أن نُحسِن الأسماءَ لأبنائنا وبناتنا، أمرنا أن نقوم بإرضاعهم الرضاعة الكافية لأنه يغذِّي الجسد والروح معاً، ويراعي المصالح كلها، وإن كان فيها مهمٌّ وأهم ولكنه رسولٌ بالكمال من الله الخالق، لم يترك مصلحةً في جانب من الجوانب ولا منفعة ولا خيراً محضاً صِرفاً لا يقوم معه شرٌّ يُبطِلُه أو يكون أكثرَ منه لم يترك من هذا النوع ومن هذا الخير شيئاً إلا دلَّ عليه واعتنى به.
فمن ذلك ما يتعلّق بأجسادنا، يكتشف الناس اليوم أن إبعادَ الرضيع والطفل من الرضاع من أمه والاستغناء بالمصنوعات من الألبان يؤثِّرُ عليه في ذهنه وفي قواهُ وفي أجهزة جسده تأثيراً كثيراً، حتى قبل ثلاثين سنة وجدوا تهديداً بالعمى لأكثر من أربعين طفلاً في العالم بسبب الامتناع عن الرضاعة من الأمهات، تعرَّضت العيون للضعف وللضرر، والحق يقول في كتابه: ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَة )
اعتنى بالأجساد وأكثر منها ما هو أهم: الأرواح، اعتنى بالعقل، اعتنى بالقلب، اعتنى بالمال، اعتنى بالحال، ووضع كلَّ شيء موضعَه، في نظرةِ كمال يتغافلُ ويغفلُ ويجهلُها كثيرٌ من الناس، فيقوم يريد أن يلمزَ الدين أو أن يأخذَ من توجيهات النبي الأمين ما يضحك به على بعض العقول، أن عنده ما هو أزكى وأنفع في المجال الفلاني والمجال الفلاني، والواقع أنه لم يفقَه، لم يعرف، لم يدرك، لم يتبيَّن، وإلا لاستحيا على نفسه من منهاجٍ قويمٍ كاملٍ تامٍّ فاضل يرفع الإنسانَ إلى المراتب العُلى.
فكان هذا الاعتناءُ من حين الطفولة، وكان صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إذا صلّى ونوى أن يطيلَ الصلاة، فسمع وهو يصلي بكاءَ طفلٍ تجوَّز صلاتَه وخفَّفَها، وقال: إني لأدخل الصلاة أريد أن أطيلها فأسمع بكاء الصبي فأتجوَّز في صلاتي، وذلك لما أعلم من وجْد أمِّه عليه. فهو يعتني بالطفل وأمِّ الطفل وأب الطفل ليؤدوا أدوارهم كاملةً مع هذا الإنسان، لأن تربيةَ الإنسان أعلى وأشرف من تربية المصانع من تربية البيوت من تربية الحيوانات من تربية النباتات.
وأكثر الحضارات، وقل كلُّها غير حضارات الأنبياء وأتباعهم تذهب إلى غير الإنسان، تُربِّي النبات، تربِّي الحيوان، حتى تعتني بتربية الكلاب في شيءٍ من الجوانب تربيةً تجعلها فوق الإنسان. هذا التوجُّه المريض الغير صحي، الغير سليم موجودٌ عند من يدَّعي التقدمَ والتطورَ حتى يعيشَ الإنسانُ مع كلب، ويجفو أباه ويجفو أخاه ويجفو ابنه وإذا كبُر وهو صاحب أموالٍ وثروةٍ وصاحب رصيدٍ في البنك يوصي بهذا المال أن يُنفَق على هذا الكلب، وعنده أولادٌ لا يأخذون شيئاً من هذا المال!!
هذه مسالكُ قومٌ في حياتكم يدَّعون التقدم، وهذا هو الإنسان الأعمى، الإنسان الذي جهلَ إنسانيتَه وجهل حقوق الغير ولم يعرف الترتيب في أجناس هذا الوجود، إنه النظر القاصر، إنها الحضارات الدنيئة أيها الأحباب، تعتني بخارج الإنسان، تعتني بحيوانٍ ونبات وجماداتٍ وشوارع وما إلى ذلك، ثم تترك هذا الإنسان يُفلِس، يفلس في قِيَمِه، يفلس في إنسانيته، يفلس في أداء دوره المُناط به في الحياة، فتعاني المجتمعاتُ عند ذلك، تعاني مشاكل كثيرة، تعاني مفاسد كبيرة، تعاني اعتداء، تعاني قيام عصاباتٍ تأخذ حقوقَ الآخرين، تعاني أمراضاً متنوعة متلوِّنة سببُها ولوغُ الإنسان في الشهوات إلى حدٍّ رذيل يخرج فيه عن مقتضى العقل، بعيداً عن الشرع، فتأتي تلك الأمراض الغريبة الفتاكة بالإنسان ويتعب المجتمع بها، وتُصرف الثرواتُ عليها.
ولو أنهم أخذوا توجيهاتِ المصطفى للجيل لسَلِمَت هذه المصروفات في بناءٍ للإنسان ولمصالح الإنسان، ولمنفعة الإنسان.. هكذا كان تعامله مع الصبيان صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
ثم يذكر ذلك الفضل لمن يربّيهم، لمن يرضعهم، لمن يقوم بخدمتهم وحاجاتهم وتوفيرها لهم أيام ضعفهم وأيام صِغرهم، ثم بعد ذلك يعلِّمهم السُّمُوَّ أمام الشهوات وحاجات الحياة مِن مثل لباسٍ وطعامٍ وشراب، يعلِّمهم أن يأكلوا باسم الله، ويشربوا باسم الله، ويلبسوا باسم الله، ثم يعلمهم في الأكل أن هذا حلالٌ وهذا حرام، لا تُشبِع بطنَك من غشِّ آخر، لا تشبع بطنك من سرقة آخر، لا تشبع بطنك من اعتداءٍ على حقِّ الآخر، فإذا وجدتَ ما يُشبِع الآخرَ فلا تبخل.. ما هذه التربية؟ ما هذا التقويم للمسار في الحياة؟
قال صلى الله عليه وسلم: ( والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم به ) نفى عنه الإيمان.. سبحان الله.
علَّمه أن يأكلَ من الحلال، ومعنى ذلك أن يأمنَ المجتمعُ من أن يغشَّه أو يسرقَه أو يخدعَه أو يكذبَ عليه أو يغتصبَه وينهبَه، هذا معنى الأكل من الحلال، أن يكونَ هذا الإنسان عنصراً في الحياة يأمنه المجتمعُ البشري كلُّه، أن يسرقَه، أن ينهبه ويسلبه، أن يغشَّه، أن يخدعَه، أن يأخذ حقَّهُ بغير حق.
فهذه التربية للجيل، جيل لا يُخشى منه أن يتمرَّد على القانون ولا على القيم جيلٌ يخشى الله، جيلٌ يخشى الله سبحانه وتعالى، يأكل الحلال وإذا أكل من الحلال أكلَ بسم الله فارتفعت همتُه في هذا الأكل، لا يأكل لمجرد الشهوة ولكن صارت هذه الشهوة موظَّفةً في تنميةِ إيمانه وصلاح حاله والاستعانة بها على ما يُصلح المجتمع، ويتقوّى بها على طاعة الله.
ما أعجب هذه التربية، ثم يقول: كُل حلال وباسم ربك واذكره، وخذ فوق فوائد المجتمع وفوائد الجسد خذ مغفرةً من ربك لذنوبك، الله ، خذ فوق المغفرة محبةً من إلهك لك، واسمع حديثَه يقول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم :( من أكل طعاماً، ثم قال الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقني من غير حولٍ منّي ولا قوة، غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه ) يأكل ويجد مغفرة، لأنه مع الأكل بهذا الأسلوب عرف الفضلَ لأهله، فقال: أطعمني هذا الطعام، يعلم ( أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ ) وإذا أمسك هذا الرزقَ فمن الذي يؤتيه ( أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ. أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ) جل جلاله وتعالى في علاه
هذه مغفرة، ويجد المحبة، كما قال صلى الله عليه وسلم ( إن الله يحب من عبده أن يأكلَ الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها ) يُحب، يُحب، وربّك يحبُّك فمن أنت إذن؟ أنت المسعود، أنت الذي أدركتَ محبةَ الملك المعبود جل جلاله وتعالى في علاه، بأكل وشُرب .. كيف تحوّل الأكل إلى هذه الرفعة ؟ إلى هذه القداسة ؟ في أي حضارة ؟ عند أيِّ فئة ؟ عند أي مذهب ؟ هذا في حضارة النبي محمد، وحضارة الأنبياء وحدهم، أما مَن سواهم قد ذكر لنا ربنا الذين يعيشون على ظهر الأرض وهمَّتهم أنفسهم وبطونهم ويأكلون لأجل الشهوة قال تعالى : ( وَالَّذِيْنَ كَفَرُوْا يَتَمَتَّعُوْنَ وَيَأْكُلُوْنَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ ) ما تأكل الحيوانات، يعني لا يتميز عن الحيوانات، قال الله أنا ميزَّته بعقل وميَّزته بفهم وميّْزته بوعي، ولكن صار مثل الحيوان لأنه ما استخدم الميزةَ التي أعطيتُه إياها، ( وَيَأْكُلُوْنَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَّهُمْ ) لأنهم كذّبوا بالحق والصدق وقد وصلهم وبلغَهم. ما هذه الأسس النبوية لتربية الجيل.
ولتربية هذا الجيل يقول: إن كنت قادراً على الكسب لا تجلس بلا عمل، فإن كنت تتفرّغ لشانٍ كبير مفيد، يفيد المجتمع وعندك مَن يكفيك فليُعطك ولتتفرّغ للأمر الصعب الذي لا تقوم به كلُّ نوعيات الناس، فهناك مهماتٌ في الحياة يصلح لها بعض الناس دون بعض، فإذا صلُح لعلمٍ، وصلُح لفائدة في المجتمع يتفرّغ لها، فينبغي أن يُكفَل ويُنفق عليه حتى ينجح في هذه الفائدة ويفيد المجتمع بعد ذلك
أما إن لم يكن على شيء من ذلك، ثم يجلس ويتشوَّف ما في أيدي الناس قال له التوجيه النبوي لا أيها الشاب، لا تتشوَّف ما في أيدي الناس، تعلّم العزة، اكتسب، وإذا اكتسبتَ فانوِ خيراً وأنت في سبيل الله، في كسبِك وتحصِّل المغفرة أيضاً في كسبك.. ما هذا النظ ؟ ما هذه التربية ؟
الحضارات كلها لو شجعت على الكسب ماذا تقول؟ تقول اكسب، تربح، تستفد، تأكل، تشرب.. فقط. انتهوا إلى هذا الحد.
لكن هذا يقول لك اِكسب، يُغفر لك، تدخل الجنة، يرضى عنّك ربّك.. تأمل الفرق في النتيجة بين هذا وهذا..
هذا يقول لك اكسب، ،كُلْ واشرب والبس.. وهذا أي واحد يعمله، وكلُّه يفنى وينتهي.
وهذا اكسب وخذ مغفرة، وخذ درجات في الجنة، وخذ رضوان، وخذ محبة عند الله ، قال صلى الله عليه وسلم: ( من بات كالًّا من عمل يده باتَ مغفوراً له )
أنظر إذا وُجدَ الذي يتهيّأ لمنزلة رفيعة، كرجلٍ كان متهيِّئاً للعلم وللعبادة الصحيحة التي يُحفظ بها المجتمع، فكان يحضر مجالس النبي، ويأخذ الفَوائد، وكان أخوه محترفاً ويكسب المال، فأقرَّ النبي الاثنين، فجاءت فكرة عند المحترف كما هي طبيعة البشر عند التفكير في هذه الشؤون المادية، فقال: أخي في الفائدة وأنا أُنفق عليه والعمل علَي والتعب علَي، فقال للنبي: يا رسول الله هذا أخي جالس عندك هو يأخذ العلم منك، وأنا الذي أحترف، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: لعلّكَ به تُرزَق، أنت ببركته يتيسَّر رزقُك، هذا مهيّأ لمهمة يقوم بها، فدعهُ لها ما دمت قادراً على ذلك، فالأمر مبني على التكافل..
لكن واحد يأتي شاب آخر يقول يا رسول الله اعطني شيئا من القوت لعيالي، فيسأله: ماذا في بيتك؟ في بيتي أدوات كذا وكذا، قال أحضر لي الأداة الفلانية، أحضر الكوز الذي البيت.. فذهب إلى البيت وأحضره، قال النبي: من يشتري منّي هذا الكوز؟ قال فلان أشتريه، قال بكم؟ قال: بدرهم فقال: من يزيد على هذا؟ قال له الثاني: بدرهمين يا رسول الله، قال له خُذ، فأخذ الدرهمين، وقال له: هذا درهم خُذ به طعاما لأهلك، وهذا الثاني اشترِ به فأساً وحبلاً وهراوة،، فذهب واشترى الأكل لأهله، وجاء بالفأس والعود فلما أحضره ركّب النبي العود بالفأس وربطه وقال خُذ هذا واذهب للجبل واحتطب، وأخرج الحطب وبِعْهُ، ولا أراك خمسة عشر يوما، فذهب وجاب الخطب أول مرة وثاني مرة،و في خلال الأسبوعين قضى الدين كله، ووفّر النفقة لأهل البيت وصار يتصدّق، فجاءَ النبيَّ بعد أسبوعين ، فسأله: ماذا عملت ؟ قال: يا رسول الله كذا كذا، قال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: هكذا فافعل.
هذه تربيته للجيل وللنشء، من تهيَّأ لمهمة كبيرة يُنفَق عليه، ومن كان عنده قوة ولا مهمة له، فليخرُج وليكتسب، فهذا قبل أسبوعين كان سائلا، ثم بعد أسبوعين صار متصدِّقا، صار معطيا، ومعنى صار متصدّقا أن عنده ثقافة في كسبِ المال عالية، ما ثقافته ثقافة البخلاء ولا الأنانيين الذين لا يريدون إلا أنفسهم، تحرَّك في كسبِ المال على نظرِ النبي لكن بثقافة عالية، يعلم أن المقصودَ من هذا المال سدُّ حاجته وخلَّتِه ثم إعطاء المحتاج وكفالة المضطر إلى هذا من المجتمع، هذه الثقافة في كسب المال العالية الرفيعة التي تجعل المالَ مستخدَماً لا مستخدِماً، مستعمَلاً لا مستعمِلاً، خادماً لا سيِّداً والسيِّد هو الإنسان، السيِّد هو الإنسان على المال، ولا يجوز أن يُسَوَّدَ المال على الإنسان.
هذه الثقافة العالية التي خرجَ بها هذا الشابُّ مِن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، واستعمل المباشرة العملية والإرشاد في المهنة وإعطاء الفرصة التامة للعمل، قال له اذهب فاحترف ولا أراك خمسة عشر يوما، يعني أنت في شغلك هذا صلِّ الجماعة في أيِّ مكان وانتبه لدينك هناك ولا تأتي عندي إلا بعد هذين الأسبوعين، أعطاه فرصة كافية ليقوم بعمل وينجح فيه ويؤدي دوره.. هذه أسس، أسس التربية للجيل، وإلا يفتحون كل يوم مشروع، ويخرج ثاني مشروع ويخرج بعده.. وهكذا.. ثم يخسر!!
ما أعطاه حقَّه من الوقت الكافي ومن الترتيب الكافي، والنبي باشرَ بنفسه مساعدته في العمل، فقال: اشتر الفاس وتعال، وركَّبُه بنفسه وبيده، يُرِيه كيف يصنِّع، كيف يهتم بالأمر، وتولّى عنه بنفسه البيع، ولو قال له اذهب فبِعْه فما يدري كيف يصنع به، قال له هاته لنا، ورفع يده ويقول من يشتري منّي هذا، وهو بنفسه يتولّى البيع ويعرف مقاصد البيع ويعلم أنه قائم على أسس وعلى مقاصد، ولا يكون به الإنسان أهبل ولا أخبل، ويأخذ أحسن ما يمكن ويضعه في محلِّه.
ولما جاءه الرجل الذي كان يُخدَع في البيع، فقال يا رسول الله إني أُخدع، ويضحكون علي، ،ثم يأخذون المال، قال: خُذ خيار ثلاثة أيام إذا بعت واشتريت قل لي الخيار ثلاث أيام، قل: لا خلابة، يعني لا خداع، ولي الخيار ثلاثة أيام، إن ظهر أني غُبِنت وأني خُدِعت فلي الحق أن أستردَّ ذلك، فكان هذا باباً من أبواب الفقه في الشريعة الإسلامية باب الخِيار للبائع والمبتاع، إن اشتُرط لواحد كان له، أو للاثنين يحق للاثنين البائع والمشتري أن يشترطا الخيارَ لمراعاة المصالح بوجهٍ متكامل.
هذه أسس النبوة في تربية الجيل، في أيِّ نظامٍ تجدها ؟ وفي أيِّ حضارةٍ تجدها ؟ هذا مسلك النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم .. هذه وقفته أمام المال والكسب بالنسبة للشباب والجيل.
ثم يروي الطبراني في الكبير بسندٍ رجاله ثقات، أنه مرَّ شاب قوي يخرج في كسب المال فقال بعض الصحابة: لو كانت قوَّة هذا في سبيل الله، فقال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: مَهْ، على رِسلك، إنه إن خرج يسعى على والديه فهو في سبيل الله، وإن خرج يسعى على أولاد له صغار فهو في سبيل الله، وإن خرج يسعى على نفسه يعفُّها فهو في سبيل الله، وإن خرج رياءاً وسمعةً يكاثر يفاخر فهو في سبيل الشيطان ..
فبيَّن المقاصد والمراتب في الكسب هذا البيان العجيب، قال إذا كانت له نيّة صالحة في الكسب فهو في سبيل الله، يكسب في سبيل الله، وعلامة ذلك أن لا يرضى بالحرام ولا بالغش، وأن لا ينقطع بتلك التجارة والعمل عن جماعة ولا عن سنن ولا عن فرائض..
ولذا قال الله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ) ما قال اتركوا أموالكم وأولادكم،، بل
قال: لا تلهكم، أعطوها حقَّها بالقسط ولا تنسَوا حقَّ أنفسكم ولا حقَّ ربِّكم، اِعطِ كل ذي حقٍّ حقَّهُ، هذا منهج النبوة في تربية الأجيال.
وبذلك رأيتَ الأثرَ العظيم، قدَّمَ الأهمَّ على المهم، وأيام كان بمكة كان في خدمة الأهم، وربّى الجيل من حواليه، عامّةُ الذين آمنوا به شباب، جيل طالع كلهم، من أكابرهم أمثال سيدنا أبي بكر لما أسلم كان عمره سبع وثلاثين سنة، أيام البعثة كان سيدنا عمر بن الخطاب في سبع وعشرين سنة، ويوم أسلم كان سِنُّه اثنتين وثلاثين سنة، وبإسلامه أُعِزَّ الإسلام، يقول الصحابة في مكة ( لم نَزَل أعزَّة منذ أسلم عمر ) ، سنُّه اثنتان وثلاثون سنة، وأما بقية الصحابة مثل بلال ومثل عمّار فهم أصغر منه، كلهم شباب، كلهم جيل، ربّى هذا الجيل، كان من أكبرهم سنّاً سيدنا عثمان، وسيدنا عثمان كان من الجيل الذي رُبِّي على يد النبي، فسافر إلى الحبشة في الهجرة الأولى، ثم عاد وهاجر إلى المدينة المنورة رضي الله تعالى عنه ومعه بنت النبي سيدتنا رقيّة وهاجرت معه إلى الحبشة.
وهذه الهجرة نوعٌ من التربية، اختيار المكان المناسِب الملائم، لا تجلس مكتَّف اليد في مكان تُظلَم فيه، تُضطَهد فيه، تُمنع فيه من أداء الدور في الحياة، اِذهب وابحث عن مكان تتمكن فيه من أداء الدور، أنظر الأنظمة التي حواليك واختر نظاماً تستطيع في ظلِّه أن تؤديَ دورك.. يقول لهم: اذهبوا إلى الحبشة، فإن فيها ملكاً لا يظلمُ عنده أحد، لأن المشكلة تلك الأيام مشكلة ظلم، وهو جاء لينقذ البشرية من الظلم، ومع ذلك اختار الحبشةَ لهذه الحيثية، ولم يدرس التاريخ ولا حياة الشعوب، ما درَّسُه أحد هذا، لكنَّهُ رسول الله، وعلَّمه الله، واختار الحبشة، وفعلاً، أرسلت طُغمَة الظلم والكفر والشرك في مكة، أرسلت حكومة الشرك في مكة إلى دولة النجاشي تقول: رُدَّ هؤلاء إلينا، إلى بلدنا نظلمهم ونؤذيهم مرة أخرى، فلما وصلوا إليه وأعطوه الهدايا وقدّموا المناسَبات، قال حتى نسمع ما عندهم، فأمر بإحضارهم، فلما كلَّمهم قال لِم جئتم؟ أجابه جعفر بن أبي طالب وهو شاب، عمره بضع وعشرون سنة، يكلِّمُه يقول: إنا كنا في جاهلية وفي شان يأكل القويُّ منا الضعيف، نقطع الأرحام ونأكل الميتة ونعبد الأصنام، فبعث الله منّا رجلاً نعرِف حسبَه ونسبَه وأمانتَه وصدقَه، وأمرنا بالعفاف والبِر ومكارم الأخلاق وأن نعبد اللهَ لا نشرك به شيئا، قال: نِعْمَ ما جاء به، ما أنا برادِّ هؤلاء، ما أردُّهُم إليكم، قال: اذهبوا، وهذه أرضي أمامكم فاعبدوا الله في دينكم ما شئتم. فتحقق قول النبي: لا يُظلم عنده أحد.
أرادوا أن يدخلوا عليه من باب عقيدته وهو نصراني، والنصارى يعتقدون عقيدة باطلة في سيدنا عيسى بن مريم وانه ابن الله وأنه روح وأنه كذا ، فاستغلَّ هذا المشركون، فعادوا ثاني مرة إلى النجاشي قالوا: إن هؤلاء يقولون في عيسى بن مريم قولا فظيعا لا ترضاه، قال: أحضروهم، فحضروا عنده قال: ما تقولون في عيسى بن مريم؟ قالوا: نقول ما قال نبينا، قال ما قال نبيكم ؟ قالوا: عبدُ الله ورسوله وابن أمته، وكلمته ألقاها إلى مريم البتول العذراء، فتأمّل الكلام وعرف، ومع أن عندهم عقيدة غير هذا ولكن قال هذا حق، ورفع عودا صغيرا كانت عند رجله وقال: والله ما زاد عيسى على ما ذكرت مثل هذا، حتى البطارقة الذين عنده نفروا،، قال وإن نفرتم هذا كلام حق، هل عندك شيء مما جاء به صاحبكم هذا؟ يعني من القرآن قال نعم، قال: اقرأ، فقرأ من سورة مريم، قرأ سيدنا جعفر ( كهيعص..) فبكى وبكى البطارقة كلهم من حواليه، قال أنت آمنون في أرضي، اذهبوا. وردَّ عمرو بن العاص أيام كان مشركاً..
اختيار المكان المناسب والقيام بأداء الدور في عبادة الله تعالى على ظهر الأرض كان من تعليمات النبي محمد.
ربّى ذاك الجيل بمكة ثم هاجر للمدينة فاتسع المجال للنظر في المال للنظر في الكسب، ربَّاهم في شان الشهوات، كانوا يشتهون الخمر، يشتهون الزنا، فحرَّمَه الله، ولمّـا حرّم الزنا قال ( وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً ) أمرٌ يضرُّكُم في صحتكم وفي مجتمعكم وفي العلاقة بينكم وفي آخرتكم، فخُذوا الحلال واصرفوا الشهوات بثقافةٍ عالية.
فسلَّط الإنسانَ العاقلَ الواعيَ على شهواته فخرج إنساناً يصلح لعمارة الحياة، بينما ماذا تعمل هذه الحضارات؟ والذين يدَّعون الحرية يقولون: تخلَّ عن القيم وعن الأديان وخُذ من الشهوات ما شئت.. وإن جاءك مرض الإيدز وإن قاطع بينك وبين رحمك، وإن كلَّفت المجتمع أولاداً بلا أباء، اعمل ما شئت، هذه حرية !! حرية !! هل هذه حرية وإلاّ مصيبة!؟ هذه حرية وإلا مضرّة!؟ هذه حرية أو إماتة لكرامة الإنسان، لشرف الإنسان، لعِرض الإنسان..
فلما أراد الله تحريمَه قال ( وَلاَ تَقْرَبُواْ ) ما قال ما تفعلوا ( وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً )
وقال صلى الله عليه وسلم: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج ) يعني ما ابتلاكم الله به من شهوات سيِّروها في مسارِها الصحيح، تنفع ولا تضر، ومع ذلك كله تنفعكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة كذلك، ( قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر، قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أيكون عليه وزر؟ قالوا: نعم، قال كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر )
ما هذه التربية، يأتي إليه الشاب وهو أمام هذه القضية، الشهوات المحرَّمة، ولا يحرِّمُ الله إلا ما كان ضاراًّ مفسداً متعباً للناس، له آثار خبيثة سيئة في الظاهر الباطن، فقال يا رسول الله،، ائذن لي في الزنا، أنا مسلم، أؤمن بك، وأحبك، لكن عندي شهوة، فائذن لي بالزنا!!
ما هذا الكلام!! وأمام النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، والصحابة يقولون أي قليل الأدب هذا!! ولكن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم عالج الموقف بالعقل، بالفطرة، بعث عنده الفطرةَ والضميرَ وخاطبَ عقَله وبالتزكية دعا له فانتهت المشكلة..
فقال قربوه، لم يأمر أحدا أن يزجره أو ينهره.. بل قال تعال اقرب عندي، قرب عند النبي قال: أترضاه لأمك؟ قال: لا أرضاه لأمي، كذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم، أترضاه لأختك؟ قال: لا يا رسول الله، قال: كذلك الناس لا يرضونه لأخواتهم، أترضاه لعمتك؟ قال: لا والله يا رسول الله.. حرَّك عقله، حرَّك ضميره، قال وأنت تذهب عند أمهات الناس عند بنات الناس عمّات الناس، خالات الناس، وما تريده لأمك ولا أختك ولا عمّتك، ماذا هذا!؟ فعقَل الشاب وبدأ يبغض الزنا..
كمَّل المعالجة وأخذ يده الشريفة ووضعها على صدره وقرأ عليه، قال: فو الله ما رفعها وشيءٌ على ظهر الأرض أبغض إلي من الزنا، صار أبغضَ شيء، وتعالجَ عقلياً وعاطفياً وروحياً، وخرج ببراءة.
هذا منهج النبي، فالشاب يتقوّى على الشهوات المحرمة بالعقل، بالفكر الصحيح، باستبعاث الضمير، بمجالسة الصالحين، بدعوة الأخيار، بذكره لله، بحضوره مع الله، بتلاوة القرآن، يتعالج، وتنتهي المشكلة من أصلها.
هذه أسس التربية للجيل عند النبي الجليل صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
ولا يمكننا استيعاب مناحي تربيته فهو المربّي العظيم المؤتمَن لتربية الأمة في خلال سنوات معدودة، أعطاهم كل ما يحتاجونه للتربية إلى يوم القيامة، مع أن الأنبياء قبله كان الواحد منهم يُبعث إلى قومه خاصة، لكن هذا النبي محمد بعثه إلى جميع الإنس والجن والعرب والعجم والأسود والأبيض والصغير والكبير، أنت رسول إليهم، بلِّغ الجميع، وبلَّغ كل ما يحتاجونه وهذا من أكبر معجزاته صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
لذلك ننظر في خلال بضع وعشرين سنة مِن بعثته، ثم في خلال بضع عشرة سنة من وفاته وصل هذا الدين إلى مشارق ومغارب وانهدَّت عروش الظلم الكبير في العالم، ما هذا النجاح ؟
يُبعث هناك في الصحراء في العرب، ما تصل سنة سبع وعشرين من الهجرة إلا والإسلام في أرض موسكو في الشرق، ممتدٌّ إلى النواحي في المغرب، وكراسي الظلم الكبرى انهدَّت في العالم، شرقاً وغرباً، وسقط كسرى فارس، وهلك هرقل، وانتشر الإسلام هنا وهناك، ما هذا النجاح، أسس قوية، ما كان هذا بالمال، ولا بمجرد قوة العسكر والجيش أبداً، لو اعتمد على المال وقوة العسكر لما حصل هذا في العالم، ولكن بقوة الروح، بحسن التصرف، بغرس عمق الإيمان في القلوب، هيَّأ الأمور فتتابعت الأحداث ووصلت هذه النتائج، وكذلك كل من اتبع هدي النبي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
بارك الله تعالى في جمعنا، وفيما قلنا وفيما سمعنا، وبارك الله في مدرسة الإرشاد هذه، ومن نظَّمَ هذا الحفل وقام به من أحبابنا وإخواننا جزاهم الله خيراً، وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ورزقنا الانتفاع والإتباع والاطلاع والإتساع والإرتفاع لنحظى بالخيرات ونفهم بقلبٍ واع، ونجمع خيرات الدنيا والآخرة، ساعين السعي المشكور خير المساع.. والحمد لله رب العالمين.
الإجابة على الأسئلة:
سؤال عن استخدام الوسائل التعليمية الحديثة، ومنها كرتون الأطفال للتعليم..
الأسئلة مهمة تتعلق بجذر الموضوع في أن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم استعمل الوسائل للتعليم: بحسن الخطاب وجميل الإلقاء وباستعمال الإشارة وبضرب الأمثال وبالمباشرة اليدوية واستعمال الحركة والوسائل التوضيحية، كلها جاءت في تعليمه عليه الصلاة والسلام، وهو خير معلم، ونذكر في هذا أن أعرابياً جاء يصلي مع سيدنا النبي ما كان يعرف أحكام الصلاة تماماً، فصدفة لما أحرم يصلي مع الناس، واحد من الناس عطس فلما عطس قال الحمد لله، فهذا خاطبه وقال يرحمك الله، فلما قال هكذا تعجّب الصحب، لأن ما في أحد يخاطب إنساناً وهو في الصلاة، فراقبه بعض الناس وقال: وا ثكل أمياه، ما لكم تنظرون إلي!؟ فأشاروا إليه: أسكت، فسكت وأكمل الصلاة فلما سلّمنا، قال: النبي من المتكلم في صلاتنا؟ قالوا هذا، قال: تعال، قال: فجئت إليه، فبأبي هو لقد وجدته خير معلم، قال والله ما كهرني ولا نهرني ولا ضربني، ولا شتمني ولكن قال: يا عبدالله إن هذه الصلاة لا تصلح لشيء من كلام الآدميين، إنما هي التلاوة والذكر والدعاء، فتعلّم وفهم، ولم يأمره أن يعيد الصلاة. ومن هنا قال الفقهاء: يُغفر للجاهل المعذور بجهله أربع كلمات مسامح فيها، لأن هذا تكلم في الصلاة والنبي سامحه فيها وما أمره أن يعيد الصلاة.
إذا علمنا ذلك، فنحن نحتاج إلى أن نتعلم الأساليب الطيبة والوسائل التعليمية ونقول: مجال التعليم العام في واقع الأمة اختلط به كثيرٌ من المفاسد وكثير من الشرور المتعمَّدة لبعض الناس، لا يمكن أن نذُمَّ التعليم على وجهه لأي علمٍ ولأي مهنةٍ ليس فيه ضرر على الإنسان وليس في شرٌّ ولا محرَّم في الشريعة، ولكن مما يجب أن نفقه أن مجالات التعليم أيضا اشتغل عليها فئات من الناس من الذين يحبون فسادَ الناس، وهذا أمرٌ واقعٌ في حياة البشر أن الله يبتلي بعض الخلق بإرادة الضر بإرادة الإفساد للغير، ومن هنا دخل في وسائل التعليم كثيرٌ من الأشياء التي تحمل على التظليل أو على إفساد الفكر والعقل أو على الاستهزاء بالقيم والمبادئ أو بالأديان وما إلى ذلك،،
ونقول في مثل هذا الحال ونحن جزء من الواقع ومن المجتمع نتدارك الأمر بربط أنفسنا وأولادنا بمجالس تعليم صافية، حتى ما وصلنا من الغش ووصل للأولاد في المجالات تلك يتصفى هنا ونتذاكر، فنجعل لهم مجالس، وأعجبني في مثل سنغافورة بعض المساجد يخصصون في يوم السبت والأحد لتعليم الأولاد الذين يدرسون في المدارس طيلة الأسبوع، في هذا اليوم يأخذون العلم الشرعي، فإذا أخذوا العلم على طريقة صحيحة وآداب ومنهج فسيمحو كثيراً من الأضرار التي يمكن أن تلحق من الاختلاط بالغير، وذلك التعليم الذي فيه الفساد.
علينا واجب في هذا المضمار وواجب أمام الآباء والأمهات في كيفية التعليم، وما أقول التعليم مجرد تدريس في حصة ولا كتابة ولا كتب ولا سبورة، بل حديثنا في الدار تعليم، معاملتنا مع الأولاد تعليم، غُسلنا للأطفال تعليم، إلباس الثياب للأولاد تعليم، الأمر الذي يدور بيننا وسط البيت، فكله نحتاج لنحسن التعليم فيه ونؤديه.
ولهذا يقولون فعل واحد يؤثر في ألف أحسن مما يؤثر ألف قول في واحد.
الفعل الواحد يؤثر في ألف نفر أحسن مما يؤثر الألف القول في نفر واحد من دون فعل،
إذا علمنا ذلك نقول هذا واجب من واجباتنا.
ما ذكروا من وسائل أفلام كرتون وغيرها، فهذه الوسيلة نحتاج إلى إصلاحها، نحتاج إلى أن يكون عندنا من يستعمل مثل هذه التصويرات بطريقةٍ صحيحة تنفع الأولاد، تحافظ على قيمهم، وتعلمهم الآداب والأخلاق، وتُضحكهم بشيء صحيح، ما فيه ضر ولا بلاء ولا تأثير سلبي، ويكون نمطُها غير خارج عن سنة الله في الكون من حيث التكوينات، ما هو شجرة تتحول إلى إنسان، أو إنسان يتحول لحجر، أمور أيضاً تخالف سنة الله في الوجود تخالف العقل، هذا يضر عقول الأطفال..
فنحن محتاجون أن يكون من بين المسلمين من يصيغ صياغة حسنة للأطفال أفلام كرتون، ولكن تحمل القيم والمبادئ والتصوير الصحيح والعقلي، وتفرح الأطفال وتقوِّي فيهم الإيمان وتقوِّي فيهم الفضائل والأمور الحسنة، فنحن محتاجين إلى إصلاحها، أما أخذُها من عند الغير على علاتِها فقد يكون في ظاهرها واحد اثنين ثلاثة حسن وبعدين بداخله قليل من السم يضعه وسط الفلم فيضر الأطفال ويلعب على عقولهم فيما بعد، فنضر أطفالنا بأنفسنا
فنحن نحتاج أن نصفي منابعنا وما يدخل على عقول أبنائنا وبناتنا.
سؤال: كيف نحصل على صفاء الباطن من دون تعليم ولا دراسة؟
باطن الإنسان يحتوي على خواطر وأفكار ترد عليه، هذه الخواطر الله جعل لها أسبابا، فمنها سبب من قِبل النفس ومنها سبب مِن قِبل الشيطان، ومنها سبب مِن قِبل الملك، ومنها من غير سبب من الخلق، رباني يرسله إلى قلب الإنسان، فهذه أشياء في باطن الإنسان:
الأول: الذي مِن قِبل النفس، وعلامته يكون شهوة معينة تهواها النفس وتريدها والخواطر فيها تخطر ولا يريد الخاطر هذا أن ينتقل إلى أي شيءٍ ثاني إلا هذا، وعلامته أنه لا يضعف إلا باستحضار الموت.
الثاني: من الشيطان، وعلامته مخالفة للشرع في أي شيء ويتنقل من واحد للثاني إذا ما رضيت بهذا فهذا أو هذا، لأنه قصده أن تعصي اللهَ بأي طريقة، وعلامته أنه يضعف بذكر الله، إذا ذكرت الله.
لا يظهر أثر ذكر الله سريعا في خاطر النفس، لكن في خاطر الشيطان يظهر بسرعة يذهب لأنه خنٌاس، ( من شر الوسواس الخناس ) يعني إذا ذكر الله خنس، فهو يوسوس على الإنسان فإذا ذكر الإنسانُ اللهَ في قلبه هرب الشيطان منه.
الثالث: ملك، الملائكة أمرهم الله أن يلقوا علينا الخواطر الطيبة، وعلامته أنه يقوى بذكر الله، هذا خاطر الملك تكون فيه طمأنينة ويقوى بذكر الله.
الرابع: أما الخاطر من الإله مباشرة فهذا غالب قوي قاهر للإنسان لا يقدر على دفعه بشيء.
إذا عمل الإنسان بحكم الشرع يعني نفَّذ أمر الله، وأدّى الفرائض وترك المحرمات ثم أخذ نصيبه من الذكر والنوافل، فيضعف عنده خاطر الشيطان وخاطر النفس، ويقوى خاطر الملك ويأتيه الخاطر الرباني، عندئذٍ ينفتح له باب الإلهام، فيلهمه الله معاني وعلوم في الحديث ( مَن عمل بما علم ورَّثه الله عـلمَ ما لم يعلم ) فبوصفين صفاء الباطن وصفاء القلب من الشرور وحسن العمل بشرع الله ينفتح باب الإلهام.
وإذا استرسل الإنسان مع خاطر الشيطان يلقيه الشيطان إلى شيطان ثاني وشيطان ثالث وشيطان رابع، وكل واحد يجيب له وساوس، فإذا تبعهم يتسلطون عليه، فإذا ذكر الله ذهبوا.
فإذا سمع خاطر الملَك وتابعه يلقيه الملك إلى ملك ثاني إلى ملك ثالث، كله نصائح، كله كلام حق، كله كلام طيب زين، إذاً يتنمّى النور في قلبه، وبتعوُّده استماع خاطر الملك والخير ورفضه لخاطر النفس والشيطان يتنوَّر القلب ويتهيّأ للإلهام من الله تعالى، بصفاء الباطن وحسن العمل بالشريعة ينفتح باب الإلهام من الله سبحانه وتعالى.
أما الأمر الذي ينفع في هذا الجانب فالآداب النبوية التي تتعلق بسنن الطعام والشراب واللباس والنوم إذا عملناها مع الأهل والأولاد يؤثر علينا في التزكية كثيراً.
أخبرنا بعض المسلمين من الذين يشتغلون في الدعوة قال واحد نصراني له إغراق في الروحانيات أيام نصرانيته فظهرت له بعض خصائص الروح، حتى صار بهمَّته إذا أشار على شيء من بعيد أو إنسان قائم هكذا بيده يسقط ، لما أكرمه الله بالإسلام جلس مع جماعة وذكروا آداب الطعام وآداب الشراب، وفي يوم قام يكلمهم وهو متأثر ويقول يا جماعة أنتم لا تعرفون عظمة هذا النبي وعظمة هذا الإسلام الذي عندكم، أنا أغرقت في الروحانيات أيام كنت في النصرانية حتى صارت عندي قوة روحية أشير على شيء من بعيد فيسقط على الأرض، فتعجبوا.. هل هذا الكلام معقول؟ فقال: انظروا إلى ذلك الإنسان البعيد.. وأشار بيده هكذا.. فسقط..
قال لعله رجل كبير في السن فهو ضعيف، ولو كان مكانه شابا قويا لما سقط.. فذهب الشباب القوي مكانه، فأشار بيده كذا.. فما أحس بجسمه إلا يسقط، فتعجبوا!!
قال: والله الذي يحصِّله قلبي من النور في سُنَّة واحدة من سنن الطعام هذه التي تذكرونها عن النبي أعظم مما حصلته في السنين هذه كلها أيام كنت في النصرانية.
قال قوة الروح التي وجدتها في أيام النصرانية سنين، سُنَّة واحدة من سنن النبي عند الطعام، لقمة متوسطة لا صغيرة ولا كبيرة، اجلس جلسة بهيئة مثل التشهد أقول بسم الله، أجد بها نورا أكثر من الذي وجدته في تلك السنوات كلها.
اذن فلنحيي سنن النبي في ديارنا، فلها أثر كبير على ديارنا وأولادنا.
سؤال: ما مسئولية المجتمع نحو المدارس الإسلامية في سنغافورة؟
بارك الله فيكم، هو يتصل أيضا بإحياء السنن، والنبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يقول ( من أحيا سنتي عند فساد أمتي فله أجر شهيد ) وفي رواية أخرى: له أجر مائة شهيد
لما تحيي السُّنَّة في وقت فساد الناس يعظمُ الأجر عند الله تبارك وتعالى، وفي الحديث: ومن أحيا سنتي فقد أحبني ومن أحبني كان معي في الجنة.
ومن جملة ذلك أن المسلمين في سنغافورة يجب أن يحتفظ نظرهم إلى المدارس الدينية بالميزان النبوي، والميزان النبوي أمران:
الأمر الأول: تعظيم الدين إذا أُخِذ على وجهه الصحيح.
الأمر الثاني: الحذر من المقاصد السيئة والضلال في التعليم باسم الدين.
فعلينا نقوم بحق هذين الأمرين كما يلي:
الأول: لا ينبغي أن تُنهَب علينا نظرتنا إلى الدين أنه الأعظم في الحياة والأهم بتأثيرات الأطروحات التي نسمعها من هنا وهناك، ونجعل أمرَ الدين هذا أخف شيء، أسهل شيء، أدنى شيء.. لا، هذا قلبٌ للموازين، هذا عكسٌ للحقائق. فعلمُ الدين أعظم العلوم، ويحتاج إليه كل علم، وكل علمٍ إذا استُخدم على منهج علم الدين نفع الأمة وتوقّي ضرره، وإلا صار سلاحاً قد يُستخدم للإضرار بالغير.. فلنحتفظ بتعظيم الدين.
الثاني: نحذر من الزيغ في القصد والنية عند طلب العلم الشرعي، بأن نقصد غير الله، أو نباهي أو نفاخر أو نتعلم ما يضلنا ويضرنا،، بأن نتعلم ما نكفِّر به الناس، نتعلم باسم الدين ما نتكبر به على الخلق، نتعلم باسم الدين ما ننظر به إلى البشر كأنهم حيوانات وكأنهم فراش، فهذا علم ضار ما هو نافع وليس بعلم دين.
علامة علم الدين الصافي أن يزيدك تواضع، يزيدك محبة لله ومن أجل الله تحب الخلق حتى الحيوان، لا تتكبَّر على أحد، ولا تضر ولا تؤذي أحداً، فضلاً عن أن نكفِّر،، ولعنُ المسلم كقتله، وإذا قال المسلم لأخيه يا كافر فقد باءَ بها أحدُهما إن كان هذا كافر وإلا رجعت على الذي قالها والعياذ بالله تعالى.
21 مُحرَّم 1436