مهمة التعليم والتربية والدعوة إلى الله تعالى ومصادرها الصحيحة الآمنة
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في افتتاح ملتقى الدار الثامن عشر تحت عنوان: (مهمة التعليم والتربية والدعوة إلى الله تعالى ومصادرها الصحيحة الآمنة)
ليلة السبت 30 ذو الحجة 1445هـ
لمشاهدة الجلسة الافتتاحية:
https://www.youtube.com/live/xUqH-v6-eQ8
نص المحاضرة:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيد العالمين، عبده الأمين، وآله وصحبه، والتابعين وعلى الأنبياء والمرسلين، والملائكة المقربين، وعباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين.
الشؤون التي عُقد الملتقى من أجلها هي رسالة الحق لخلقه، هي مهمات الأنبياء والمرسلين فيما بُعثوا به في هذا العالم، كانت مُلقاة وموحاة ومنزّلة على آدم أبي البشر ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ [البقرة: 31]، ثم زكّاه، وربّاه، وأول ما خلق حواء من نفسه، وركّب فيه الشهوة، أراد أن يمدّ له فقال الجبّار: مه، مه يا آدم حتى تؤدّي مهرها؟ ما هي مهرها؟ أن تُصلي على صاحب هذا الاسم، صلّ على صاحب هذا الاسم عشر مرات، فجعله مهرها، هذا أول مهر في زواج بني آدم، في زواج آدم بحوّاء، حقنا كلنا المهر فروع، تسلسل من هذا المهر، صلى الله على سيدنا محمد وعلى آدم وحوّاء ومن ولد من المؤمنين والمؤمنات، وقام آدم فأنزل الله إليه ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ [طه: 123].
انحراف البشرية وواجبات الأنبياء:
ثم ذكر كل ما يحصل من الانحراف في البشرية، والانجراف وراء الأهواء، والخروج عن سواء السبيل، ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ [طه: 124]، فإذًا لا يقوم عندهم حقيقة علم ولا حقيقة تربية ولا يستطيعون أن يدعو الدعوة الصحيحة إلى الحق جلّ جلاله، فكانت هذه مهمات الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.
والأنبياء كان من واجباتهم مزاولة تبيين الأُسس في هذه النواحي، ومزاولة ومباشرة الأصول منها، أصول التعليم وأصول التربية وأصول الدعوة إلى الله كانوا بأنفسهم يباشرونها، فكانوا هم المعلّمون وهم المربّون وهم الدّعاة إليه عز وجل، ينتج عنهم المعلّمون والمربّون والدعاة إلى الله.
علوم الدنيا وعلوم الدين:
ثم في عموم حياة بني آدم وحياة الناس على ظهر الأرض -والجنّ معهم- قد يعرِض لهم في الدنيا علوم كثيرة غير علوم الشريعة، غير علوم التوحيد والنبوّات والرسالات وأخبار القيامة وأحكام الشرع المصون، وهذه العلوم يجب -أيضاً بما أوحى الله إلى الأنبياء- أن يكون أخذها بطريق صحيح وآمن؛ لتُسخّر ويُعمل بها موافقة لما جاء في العلم الأصل، والعلم الأصل ما أنزل الله على الأنبياء والرسل هو خالق الخلق، وأعلم بحوائجهم وما يُسعدهم في الدارين، فأصول جميع ما يحتاجون إليه، وميزان ما يتلقّونه من العلوم -سواء كانت مكتسبة بالتجارب ومكتسبة بالفكر والعقول- لابد من معرفة -كما سمعتم- أصلها وأساسها وموافقته لأصل الأصول وهو ما أنزل على الأنبياء الذين ختموا بسيدنا الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أهمية العالم المُؤهّل:
والمعنى أن من لم يكن مُتمكّنًا في أي علم لا يجوز أخذ العلم عنه، وإذا تمكّن وصحّ فلابد لنا من الأمن أن لا يستخدم هذا العلم الذي يُعلّمنا لأغراض وأهواء ومقاصد أخرى، فإن كثيراً من العلوم سُخّرت لأغراض السياسة، بعضها لأغراض الإفساد فكراً أو سلوكاً، وسُمّيت بعلم، وجاء يعلمك علم، ولكن وسط هذا العلم يُصبّ السمّ في فكرك وعقلك، ويُصبّ السمّ ليحرفك ويأتي بالوسائل المختلفة لأن تنحرف، فمثل هذا البشرية في غنى عن هذه العلوم بهذه الطريقة، وعدمها أوفر وأوفى لهم وآمن، وأجمل وأكمل وأفضل، ولكنها بضاعة إبليس التي يُروِّجها والتي بواسطتها يُضلّ كثيراً من عباد الله جلّ جلاله.
تحريف مفهوم العلم:
فسُمّيت علومًا -حتى انتهى إلى العصر الأخير في قرنكم هذا الماضي- انتزع اسم العلم من العلوم الأصيلة الحقيقية كلها إلى أن يُقال: العلم اكتشافات وتجارب الفئة الفلانية، معسكرٌ واحدٌ في الشرق وواحدٌ في الغرب، والذين يأتون به هم هو العلم، والقرآن؟ والسنة؟ والفقه؟ وعلم اللغة؟ والأصول؟ حتى يضعون في المدارس مادة العلوم، اترك كل الباقي لهذه العلوم.
عبارة عما أقره فئات من الناس، ادّعوا الاكتشاف والدعوى التطور وادعوا معرفة الحقيقة، والعجيب أن الحجّة قائمة على كذبهم! أن المعسكرين العلميين المتقدمين المتطورين متخالفين متناقضين، والعلم أصلاً ما يقع متناقض! العلم إدراك الشيء على ما هو عليه. فكيف يتناقض! ستكون علمي؟ أما اتبع المعسكر الشرقي أو الغربي، وهذا متناقض مع هذا، ولكن أي واحد تتّبعه أنت علمي إذن! إذا العلم متناقض مع هذا يقول هذا الحقيقة وهكذا، ويقول ذاك الحقيقة هكذا، العلم إدراك الشيء على ما هو عليه، فما يتأتّى يكون متناقض، ولا يتأتّى أن يكون متعارض، ولكن سموه علم! دعوى علم، والدعوى هذه العجيب أنها تعشعشت في الأذهان والقلوب والعقول الكثيرة حتى غشّوا بها العالم الإسلامي والمسلمين، رجال ونساء وصغار وكبار وشعوب ودول، حتى صار الملاحدة -الذي يقوم إلحادهم على أجهل شيء في العالم، على غاية الجهل في العالم- يقولون: اتبع العلم، اتبع العلم الذي يقول لك قلم صغير ما يتكون من نفسه؟ وخاتم صغير ما يتكون من نفسه، والكون تكون من نفسه! غاية العقل! تناقض تمامًا، ما عاد شي هناك عقل ولا علم، أنت تتبع أي علم؟ يقول بعض الملحدين من قبل: من خلق هذا الوجود؟ قال: الذي يقول العلم، قله لي ما الذي يقول العلم؟ الذي يقول العلم.. ما قدر أن يجاوب! الذي يقول العلم هو الذي خلق الوجود هذا.. والعلم يقول لك الله، إذا أخذت العلم على صحّته وعلى أمنه يقول لك: الله، من غير شك، ولكن هكذا لعبوا بنا لعب كبير.
خطورة توسيد الأمر لغير أهله:
والمصيبة في توسيد الأمر لغير أهله، ما يظنّه الناس أنه في مجرّد الحكم، توسيد الأمر للحكم لغير أهله مصيبة من المصائب، لكن أكبر مصيبة منها يُوسّد أمر العلم والتربية لغير أهله، فيُلعب فيها، فيكون لعب في ذات الإنسان في عقل الإنسان، وقد تولّى بعض أهل الحكم في كثير من دول العالم على ظلم وعلى إجرام وعلى مخالفة، ولكن بقايا العلم الصحيح والتربية الصحيحة حمت الشعوب، وما مكّنت هذا الحاكم من أن يأخذ كل شيء ومن خضع له بالقوة، لكن الأساس محفوظ فيه حتى تخلّصوا من حكمه الشرير، لكن هذا من وقع فيه كيف يتخلّص بعد ذلك؟ هو يقع واحد من المفسدين، فتولي زمام العلم والدعوة والتربية لغير أهلها من أكبر مصائب الأمة، إن كان من عموم علامات الساعة أن يُوسّد الأمر لغير أهله، وإذا وُسّد الأمر لغير أهله فانتظر الساعة، فأشدّ من توسيد أمر الحكم توسيد أمر العلم أيضًا، التعليم لغير أهله، إلى غير الآمنين، إلى أهل الأهواء.
التحذير من اتباع أهل الأهواء:
وكيف معنى التحذير الربّاني للطهر الطاهر النقي المعصوم صلى الله عليه وسلم -أمّ لنعقل من بعده؟-: ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾ [الجاثية: 18-19]، ﴿وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾ [الإنسان: 24]، ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنعام: 116]
فهذه حقيقة غابت عن عيوننا وغابت عن أذهاننا، أنّنا إن اتّبعنا ما يُقال وينشر من قِبَل ذا وذاك هلكنا -وضللنا بنصّ القرآن، وإنّ نجاتنا الحقيقية هو أن نشترك مع العقلاء في الأرض، مع العقلاء الذين قربوا من حسن استخدام العقل، نشاركهم في كثير من الأشياء ونشاركهم في حسن استخدام العقل، ونزيد عليهم أننا مع استخدام العقل لنا نور من خالق العقل، عندنا نور وهو الكتاب المُنزَل والنبي المرسل صلى الله عليه وسلم.
مكانة الدين والعلماء الصالحين:
من هنا سمعتم أنه كان الأولى بهداية الناس هؤلاء، وكيف احتُقر الدين وعلم الدين والعقلاء والأولياء والصالحين في كثير من مجتمعات المسلمين في ظروف مرّت بهم أو فترات مرّت عليهم، وعُظِّم فيها الفسّاق والفُجّار، بل من أفجر خلق الله على ظهر الأرض رُفعت صورهم وعُظّمت أفكارهم وقُرئت كتبهم، خلل كبير واقع في الأمة، خلل كبير واقع في حياة البشرية يؤدّي إلى الضرّ وإلى الإفساد، وهذه النتائج حصلت، نتائجه واقعة في الدول والشعوب.
إذاً فالمسألة خطيرة وكبيرة وعظيمة ومهمة، نحن في أي علم من العلوم -كما سمعتم في كلام المشايخ والعلماء- نحتاج إلى أصل فيه، ونحتاج إلى صحّة فيه، ونحتاج إلى أمن فيه، أن لا يستخدمنا ذلك العالم ليخرج عن حدود العلم الصحيح: إما أن لا تكون المعلومات هذه صحيحة فلا معنى للأخذ عنه، أما يكون المعلومات صحيحة ولكن تُوظّف لأهواء ولأغراض تمسّ القيم، وهكذا الأمر.
مخططات الدول المعادية للإسلام:
وهكذا وعلى هذا قامت بعثات كثيرة، وجاءت فرضيات وأوامر من بعض الدول المُتأمرة صانعة القرار على رؤساء الدول الأخرى أن ائتوا أبناءكم إلى عندنا لنُعلّمهم، في الفترة الأخيرة ذهبوا إلى أرباب المعاهد في إندونيسيا وقالوا لابد أولادكم يتعلمون الشريعة في أمريكا، عندهم سند هناك ما نعرفه أو كيف؟! يتعلمون الشريعة عند الكفار!، حدّثنا، وقد سمعتم الشيخ جوجل، وما إلى ذلك!
وفرق بين الثقافة وجمع المعلومات من هنا ومن هناك وبين العلم، على العموم في مختلف العلوم، أما علوم الدين وشريعة فشأنها أكبر ولها نور ولها أذواق ولها صِلة بالخلاق، رفع من شأنها جل جلاله، (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)، وجعل القرآن بأسراره موضعه أين؟ صحف، أوراق، ألواح، (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) القرآن هناك عندهم، القرآن معهم، والقرآن وحفظه وسط هذه القلوب، حقيقة حفظ القرآن، وإن كان أيضًا مُمتد من هذا الحفظ أن عصم الله كلمات القرآن وحروفه، فجميع معادي الحق ورسوله في الأرض لا يقدرون على أن يزيدوا حرفًا ولا أن ينقصوا حرفًا، ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]، آية من الآيات وحدها دليل على صدق محمد، وأنه فرض على الأمم المتحدة -كما يسمّونها- أن تصغي إلى قوله وأن تستمع إلى ما جاء به، فرض عقلي، فرض بدلائل محسوسة يُتعامى عنها.
﴿وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا، وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا﴾ [الأعراف: 146]، بقيادة إبليس المرجوم، وقيادة تعود إلى إبليس أيكون بها تأسيس؟ أو يحصل البشرية بها تأنيس؟ أو تُنقذ الناس من شيء من الورطات؟ فليزدادوا ورطات إلى ورطاتهم حتى يعودوا إلى الرب.
عظمة العلم والتربية والدعوة:
وبعد ذلك بعظمة هذا العلم وما تعلّق به من التربية والدعوة ليعلم جميع المفسدين في الأرض أننا لا نحمل عداوة لذوات أحد منهم ولا لأشخاص، بل نحمل رحمة من خلال المنهج، ومن خلال مؤسس المنهج، ومن خلال منزل القرآن وما في القرآن، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، وما إغراء إبليس بواسطة أنفسهم ليعادوا هذا النور إلا محض وهم، ومع ذلك فواجب من نوَّرهُ الله بنور لا إله إلا الله محمد رسول الله أن يعرف مهمته وواجبه في هذه الحياة، وننطلق لإقامة هذه الشؤون في رسالات الأنبياء.
رسالة الأنبياء وأهمية الرجوع لأهل العلم:
وسمعتم الآيات التي تلاها علينا بعض أحبابنا من أهل العلم، وجمعها الله تعالى في آيتين، آية في سورة البقرة وآية في سورة آل عمران، يقول في سورة البقرة: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 151]، ويقول في الآية الأخرى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [آل عمران: 164]، وكذلك كرّرها في سورة الجمعة: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ﴾ [الجمعة: 2-3]، مشيرًا إلى أن في كل قرن من يلحق بالقرن الأول متأثرًا بزكاة المزكّي وتعليم المعلّم ودعوة الداعي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، والله اجعلنا وإياكم منهم، ويرزقنا حسن أداء الدور في حفظ هذه الأشياء.
لأن من شؤون العلم ما هو واضح وبيّن ومعلوم من الدين بالضرورة، ويجب أخذه وتعليمه، ومنه أُسُس وقواعد وأصول واستنباطات يجب الرجوع إلى أهلها، كذلك شؤون التربية، ما هو واضح وواجب؛ الأب مع أولاده ومع زوجته، والزوجة أيضا مع زوجها ومع أبنائها ومع بناتها وما إلى ذلك، وكان هذا منتشرًا في الأُسر ومنتشرًا في مجتمعات المسلمين، ولكن حقائق هذه التربية وأُسُسها راجعة إلى أهليها وإلى رجالها الأكابر، كما هو الحقيقة في العلم: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]
وهكذا شؤون الدعوة، منها ما هو واضح وبيّن، دعوة للمُجمَع عليه من الفروض والفضائل، ومنها ما يُتعلّق بخصوصيات هذه الدعوة وتأسيس انطلاقاتها، وهذا مرجعه إلى أهله، ولا بدّ من الرجعة إليهم وإلا فسدت، وهكذا الشأن، والله يعيدنا إلى رشدنا، ويصلح شأننا ويبارك في اجتماعاتنا هذه، ويوقظ ضمائر الأمة وقلوب الأمة، ويُحييها بعد مواتها، ويرزق شعوبها ودولها نورًا وبصيصًا من النور يعلمون به مهمتهم في الحياة حتى لا يستهويهم أعداء الله ويذلّوهم، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 149].
نتيجة اتباع أهل الضلال:
يردّوكم! تعرف الوراء على عقبه، يرجع على عقبه، وأرجعوهم على عقبهم، حتى في ثرواتهم الحسية أرجعوهم على أعقابهم، وأخذوا ما أخذوا عليهم، وضحكوا ما ضحكوا عليهم، ولا هم ارتاحوا ولا الأفاكين الكذابين كذلك، بل يعيشون المعيشة الضنك، والأمر المقبل هو الأخطر على الكل، والذي نحذّر منه والذي يُنذر منه الله ورسله: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ هذا الأمر الأخطر الأكبر المقبل، ﴿وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا﴾ [طه: 125-126]، ذهبت تتبع من المطبّلين الساقطين الهابطين، وكتابي أنزلته ورسولي بلّغ، واستهزأت بحملة كتابي وورثة رسولي ورحت وراء هؤلاء، ﴿فَنَسِيتَهَا فَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾ [طه: 126]، إن حد سيبصّرك، وإن حد سيخرجك، وإن حد سيسعدك من هؤلاء شعوبًا أو دول اذهب إليهم، الحكم لواحد اسمه الله، ومن يُسعده فلا مشقي له ومن يشقيه فلا مُسعد له جلّ جلاله، يوم يأتي يوم الحكم الكبير، يوم يأتي ﴿لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾ [هود: 105]، أسعدنا الله وإياكم.
وبارك لنا في هذه اللقاءات والاجتماعات، وفيما يعقب من الجلسات والمحاور، وأدخلنا الله وإياكم دوائر المحبوبين، والعباد المقربين من أهل التمكين، وأصلح شؤوننا بما أصلح به شؤون الصالحين، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
30 ذو الحِجّة 1445