مفاهيم الكتاب والسنة واتصالها بالصحابة وأهل البيت الطاهر وعمود السند إلى صاحب الرسالة

للاستماع إلى المحاضرة

مذاكرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في الزيارة السنوية في مسجد الإمام محمد مولى الدويلة بن علي بن علوي ابن الفقيه المقدم، في منطقة يبحر، شرقي شعب النبي هود عليه السلام، ضحى الثلاثاء 17 محرم 1446هـ بعنوان:

 مفاهيم الكتاب والسنة واتصالها بالصحابة وأهل البيت الطاهر وعمود السند إلى صاحب الرسالة

نص المحاضرة:

وبما سنّ لنا وبما شرع لنا، وما نفتخر ولا نعتز بسلفنا وأهلنا إلا لأنهم اتباع النبي محمد، وورثة النبي محمد، وذرية النبي محمد، الذين عملوا بسنته، والذين قاموا بشريعته، والذين اتصلوا بأسرار الوحي المُنزَّل من الله، وأسرار الآيات في القرآن الكريم المُنزَلة من ربِّ العرش العظيم جلَّ جلاله. 

قام بها هؤلاء القوم حقَّ القيام وكانوا أهلها، والقرآن مُمتزج بهم، والنبي ﷺ صاحب الرسالة في سنَّته يخبرنا أنه في عترته وذريته أعلام، هم والقرآن في قرن لا يتفرَّقون، وهم مرجع الأمة في معرفة الحق، مرجع الأمة في معرفة الهُدى الذي بعثه الله به سيدنا محمد ﷺ، وروى الإمام مسلم في صحيحه قال: "تركت فيكم ما إن تمسَّكتم به لن تضِلُّوا بعدي أبدًا: كتاب الله وعترتي آل بيتي، فإنهما" من هما؟ القرآن والعترة آل البيت، "فإنهما لن يتفرَّقا" من قال؟ محمد زين الوجود صلى الله عليه وسلم، "لن يتفرّقا حتى يردا عليَّ الحوض يوم القيامة"، والله يوردنا على حوض نبيِّنا يوم القيامة.

كل نبي من الأنبياء: النبي هود، وقبله النبي نوح، وقبله النبي إدريس، وقبله النبي شيث، وقبله النبي آدم، وبعده النبي صالح، وبعده النبي إبراهيم، وبعده النبي إسماعيل، والنبي إسحاق والنبي يعقوب والنبي يوسف، والنبي شعيب والنبي موسى والنبي هارون، والنبي سليمان والنبي داوود والنبي اليسع، والنبي عيسى بن مريم، كل نبي يجعل الله له حوضًا في القيامة يرد عليه من مات على الإيمان من أمته، من اتبعه من أمته، ويتباهون الأنبياء أيُّهم أكثر ورودًا عليه، فيكون الأكثر ورودًا على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الله يوردنا على حوض نبينا ﷺ، من شرب منه شَربة لا يظمأ بعدها أبداً.

فيها ميزابان يصُبَّان من الكوثر، الكوثر نهر في الجنة أعطاه الله النبي محمد في أعلى الجنة، في الفردوس الأعلى، ميزابان من النهر تصبُّ في الحوض، والحوض عليه أكواب مثل نجوم السماء، عرضه مسيرة شهرين، كما بين صنعاء إلى بيت المقدس في فلسطين، من ورد عليه رأى وجه النبي محمد، ووجوه أهل كسائه ووجوه السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ويشرب.

 في الأحاديث أنه يأمر سيدنا علي يسقي الناس، فيسقي من يسقي، ورسول الله بيده الكريمة يسقي من يسقي، ومن شرب ماء من: ماء أحلى من العسل، وأحسن رائحة من المسك وأبيض من اللبن وأبرد من الثلج، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدًا.

وهؤلاء آل بيته الصالحون والعلماء منهم مثل الإمام محمد مولى الدويلة، صاحب العلم، صاحب التقوى، صاحب الخشية، صاحب الأدب، والعلم بسند، ما جاء به من إنترنت ولا من عند مدارس سياسية، تريد لها سلطة في الدنيا أو تريد لها لعبًا بأعراض الناس أو بأموال الناس، جاء به بسند صحيح عن كل وجيه، عن كل نبيه، عن كل تقي، عن كل زاهد، عن كل فاضل، محمد مولى الدويلة أخذ عن والده في صغره وأخذ عن عمه عبد الله بن علوي بن الفقيه المقدَّم، وأبوه علي وعمه عبد الله أخذوا عن أبيهم علوي بن الفقيه المقدَّم، علوي الغيور.

كل واحد منهم هؤلاء حافظ لكتاب الله من صغره، وواعٍ لأحكام الله من صغره، وآخذ لعلم الشريعة وعلم القرآن بالسند عن الشيوخ. علوي بن الفقيه المقدَّم أخذ عن والده سيدنا الفقيه المقدَّم محمد بن علي باعلوي، الذي لِتبحُّره في علم الفقه سمَّوه الفقيه المقدَّم، مقدَّم على علماء عصره في الفقه، في الشريعة والدّين عليه رضوان الله تبارك وتعالى.

ورده من ذكر الله من "لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم" في كل يوم مائة ألف، هذا ورد سيدنا الفقيه المقدَّم، وله من الصلاة ألف ركعة في كل ليلة مثل جدِّه علي زين العابدين، وله صدقات كل يوم يخرج زير من التمر فيه خمسمائة رطل أو سبعمائة أو ألف رطل، كل يوم تخرج هذه الصدقة غير الصدقات الأخرى، والتمر في تلك الأيام أعزُّ ما للناس وأقوى غذاء عندهم، فهذا سينفق على كم في اليوم؟ خمسمائة رطل من التمر، سيُغدِّي كم؟ سيُعشِّي كم؟ هذه نفقته الخاصة غير الزكاة وغير النفقات الأخرى، الفقيه المقدَّم محمد بن علي. 

من يساويهم؟ في علمهم، في عملهم، في أخلاقهم، من جاء يستلم ريالات سعودية وإلا كم دولارات ويكذب على الناس، ويقول المولد بدعة أو ماذا بدعة، يساويهم؟ يساوي التراب تحت أرجلهم؟ والله ما يساوي التراب الذي تحت أرجلهم! 

ابتلى الله الناس في زمانكم، جاءوا ناس باسم الدين يتكلَّمون وهم بِهوى وهم بانقطاع، مفاهيم ما عرفها الصحابة ولا التابعين ولا تابع التابعين، يكذبون على الله وعلى رسوله وعلى الصحابة عليهم رضوان الله تبارك وتعالى، من من الصحابة يكره مجالس ذكر الله؟ لا والله ما فيهم أحد! إلا قال ربهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ)، فيتحوَّل هذا صبر النفس مع الذين يدعون الله يتحوَّل بدعة؟ وهو أمر من الله لرسوله محمد، في ميزان من؟ في ميزان السياسات؟ التي أرادت تأخذ رقاب الناس وتأخذ أموال الناس! ما في ميزان القرآن، لا! في ميزان السنَّة، لا! في ميزان الصحابة، لا! ما في ميزان الصحابة ولا ميزان التابعين وتابعيهم لهم بإحسان إلا قول نبيهم: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا"، وقول نبيهم عن ربهم تعالى: "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وَمَنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِّنْهُ". تتحوَّل بدعة هذه؟ بدعة ماذا هذه؟

هذا هو النور، هذا هو القرآن، هذا هو السنَّة، هذا هو الهدى، هذا هو الخير، هذا هو العقل، هذه هي الصلة بالله تبارك وتعالى، هذه حقائق الإيمان، كما سمعتم يدخل الداخل وعنده مشاغل وهموم ومشاكل، يجلس مع الذاكرين الله، يحسُّ بالطمأنينة: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، ويذهب عنه الهم والغم، ويرجع حتى في مشاكله ينظر إليها بمنظار فيه نور وفيه اتزان، وفيه أريحية وفيه عقل وفيه عدل، ومن رضي بنفسه بعيدًا عن ذكر الله تبارك وتعالى تكاثفت عليه الهموم والغموم وتخبَّط في كيفية تسيير الأمور، ولكن بواسطة ذكر الله تعالى تتنوَّر القلوب وتنشرح الصدور.

وننال هذه المنازل التي قال عنها خاتم الرسائل صلى الله عليه وسلم: "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفَّتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده". وروى الإمام مسلم في صحيحه عن نبينا محمد: "ما قعد قوم يذكرون الله إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفَّتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده". 

وروى البخاري ومسلم يقول: "إنَّ لله ملائكة سيَّارة، إنَّ لله ملائكة سيَّاحين يلتمسون حِلَق الذكر"، يعني مخصَّصين ألوف من الملائكة، مُهِمتهم في الأرض أين المجتمعون على الذكر يذهبون إلى عندهم، هذه البدعة؟ أعوذ بالله من غضبه! هذا الخير كله. قال: "فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله تنادوا: هلمُّوا، هلمُّوا، تعالوا إلى طلبتكم، فيحفُّونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا" من الأرض إلى السماء، يقعدون فوق حلقة الذكر حلقة فوق حلقة إلى السماء، فإذا انفضَّ المجلس قال الله: "من أين جئتم؟" يقولون: "من عند عبادٍ لك يسبِّحونك، يحمدونك، يكبِّرونك، يهلِّلونك". يقول الله: "هل رأوني؟" يقولون: "سبحانك، ما رأوك". يقول: "كيف لو رأوني؟" يقولون: "يا ربنا، لو رأوك لكانوا أشدَّ لك ذكرًا وأشدَّ لك تسبيحًا وتحميدًا". يقول: "وماذا يسألونني؟" يقولون: "يا ربنا، يسألونك الجنة". يقول: "وهل رأوا جنتي؟" يقولون: "يا ربنا، ما رأوها". يقول: "كيف لو رأوها؟" يقولون: "يا ربنا، لو رأوها لكانوا أشدَّ لها طلبًا وأعظم فيها رغبا". يقول: "فممَّ يستعيذون بي؟" يقولون: "يستعيذون بك من النار". نسألك يا رب رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار. كلنا نسأل الله: اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار.

قال: "فيقول الله: هل رأوا ناري؟" يقولون: "يا ربنا، ما رأوها". يقول: "كيف لو رأوها؟" يقولون: "يا ربنا، لو رأوها لكانوا أشدَّ منها فرارًا وأعظم لها مخافة". يفزعون أكثر ويفرُّون من النار. يقول الله: "أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرتُ لهم". 

من أخبرنا بهذا؟ محمد سيدنا، أخبرنا بهذا لنرغب في المجالس هذه ونعقدها ونحرص عليها، وقد معكم الجلسة مرة في السنة، زيارة فيها الذكر وفيها التسبيح وفيها الدعاء وفيها العلم، وفيها الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وفيها التواصي بالحق والصبر، وفيها اجتماعكم ولقاؤكم وتحاببكم وتشاوركم في أموركم، كلها خيرات في خيرات في خيرات.

يقول الله تعالى: "أُشهدكم أني قد غفرت لهم". قال: فيقول ملك من الملائكة: "يا رب، إلا فلانًا". ليش إلا فلانًا؟ يقول: "هذا عبد خطَّاء"، هذا عنده ذنوب كثيرة وما جاء بقصد الذكر، إلا جاء لحاجة، إما أراد أحد أو سيكلِّم أحد أو استحى من احد وجلس معهم. فيقول الله تعالى: "وله قد غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم"، لا يشقى بهم جليسهم.

نرجع نبغضهم ونقول هم مبتدعين والعياذ بالله؟ إذا جالسناهم ما نشقى، إذا جالسناهم غفر الله لنا بالذكر معهم سبحانه وتعالى، "هم القوم لا يشقى بهم جليسهم". جاء في رواية مسلم: "وأعطيتهم ما سألوا وأعذتهم مما استعاذوا". وفضلاً من الله تبارك وتعالى، الله يتم النعمة علينا وعليكم، ويبارك لنا ولكم في هذا الاجتماع.

قد كان الوالد عليه رحمة الله يجيء، وغيره من العلماء من تريم كانوا يجيئون يحضرون معكم مثل هذا اليوم، والكبار فيكم اسألوهم عن الشأن وكيف كانت حال هذه الزيارة في هذه المنطقة، كانت مرجعًا لهم للدين ومرجعًا لصلاح أحوالهم وحلِّ مشاكلهم، والتشاور فيما بينهم والصلة بالعلماء، والانشراح للصدر وزيادة في الإيمان وخير كبير يحصل للمنطقة كلها، فالله يردُّ ما فات ويردُّ ما ضاع علينا من سرِّ هذا الإقبال.

وننتبه من أولادنا ونعلِّمهم العلم الذي ينفع، ما هو علم البدعة، ما هو علم التكفير، ما هو علم الأذى للخلق، ما هو علم السياسة واتباع السلطات! علم الدين، علم الخشية، علم الأدب، علم التواضع، هذا العلم إذا جاءكم نعمة من الله عليكم وواجب تحثوا أولادكم وتجمعونهم، وهؤلاء الصغار يجعل الله فيهم البركة إن شاء الله، وينظر إليهم ويربطهم بالطريق القويم.

والله ما أحببنا سلفنا لمجرد أنهم آباؤنا ولا أجدادنا، والله ما أحببناهم إلا لأنهم ورَّاث محمد، ما أحببناهم إلا لأنهم نور القرآن، ما أحببناهم إلا لأن الله يحبهم وظهرت علامات محبة الله عليهم، عليهم رضوان الله تعالى. ما أحببناهم إلا لأن أصابع الكتاب والسنة تشير إليهم، وتُعلِّمنا أن محبَّهم محبوب عند الله، وأن مبغضهم ما يرى جنة الرب سبحانه وتعالى.

والنبي صلى الله عليه وسلم فيما أورد الإمام السيوطي فيما جمعه من كتاب سمَّاه "إحياء الميت بذكر فضائل أهل البيت"، أورد حديثًا عن نبينا محمد يقول: "من مات مبغضًا لآل بيتي أدخله الله النار، ولو عبد الله في زوايا الأرض حتى تقطَّع في العبادة إربًا إربًا". من قال؟ النبي صاحب الرسالة قال العبادات لن تنفع أصحابها إذا يبغضون آل بيتي، بغض آل بيتي نفاق، بغض آل بيتي عناد للرحمن، أنت تعرف محمد ومنزلته عند الله، تجيء لعند آل بيته وتتكلم عليهم؟ تجيء لعند آل بيته وتسبُّهم؟ وربُّك في القرآن يقول لك: (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا..) هذا الدين بلَّغتكم إياه والربط بالله، والخروج من الكفر إلى الإيمان ومن الظلمة إلى النور، كله لا شيء مقابله ثمن إلا واحد: (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ) تودُّون أقربائي وتحبون أقربائي وآل بيتي، هذا ثمن الدين. من لم يسلِّم الثمن ما الدين الذي عنده؟ قال ثمن البلاغ الرسالة هذه لمن يأخذها: تودُّ آل بيتي وقرابتي، (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ). 

حتى كان البخاري يروي في الصحيح أن سيدنا أبو بكر الصديق عليه رضوان الله، من أعظم الصحابة وأفضلهم، مع ذلك يقول: "لَقرابة رسول الله أحبُّ إليَّ أن أصل من قرابتي"، قال أحسن لي أواصل قرابة النبي ولا قرابتي، ولا أبوي،ولا أمي ولا ولدي ولا أخي ولا عمي! قرابة رسول الله أحبُّ إليَّ! من يقول؟ أبو بكر الصديق. "لقرابة رسول الله أحبُّ إليَّ أن أصل من قرابتي". 

وكان يقول: "إن إسلام أبي طالب عم النبي أحبُ إليَّ من إسلام أبي قُحافة"، من أبو قُحافة؟ أبوه أبو بكر الصديق، والده، قال: إسلام أبي طالب أحبُّ إليَّ، قالوا له كيف؟ هذا أبوك، كيف إسلام أبي طالب أحبُّ إليه؟ قال: "لأن إسلام أبي طالب أحب للنبي فهو أحب إليَّ". هذه حقائق الدين.

من يلعب علينا في الدين؟ من يكذب علينا في الدين؟ من يغيِّر علينا وجه الدين؟ هذا هو الدين وهذه حقائق الدين وهذا مسلك الدين، وهذا الأخذ عن سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ). 

خرج يومًا في أيام خلافته عليه رضوان الله سيدنا أبو بكر الصديق، معه سيدنا علي وبعض الصحابة، يمشي في الشارع إذا بالحسن، سيدنا الحسن في ثمان سنين، الحسن بن علي. نظر إليه، رأى الوجه يشبه وجه النبي محمد، وتذكَّر أن هذا الحسن كان يدخل مع النبي إلى المسجد وإلى عند المنبر، ويصعد فوق ظهر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقف سيدنا أبو بكر الصديق واحتضن سيدنا الحسن، واحتضنه وأخذ يرقص به، يهزُّه ويرفعه فوق صدره ويردُّه ويقول: "بأبي، بأبي، شبيهٌ بالنبي، لا شبيهٌ بعلي". قال هذا في الصورة ما يشبه والده عليًّا، يشبه جدَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم، ويرقص به وفرحان به، وسيدنا علي قائمًا يضحك ويرى الصديق حامل ولده، يضعه على صدره ويرفعه إلى السماء ويردُّه، يقول: "بأبي، بأبي"، يتفدَّاه بأبيه، يتفدى هذا الولد بأبيه، يقول: "بأبي، بأبي، شبيهٌ بالنبي، لا شبيهٌ بعلي".

هذه السنة، هذا الدين، هذه تربية محمد صلى الله عليه وسلم. نريد غيرها؟ هذه التي عهدتم عليها آباءكم الأولين، هم مضوا على هذا السبيل. 

ومضوا على قصد السبيل إلى العلا ** قدمًا على قدم بجدٍّ أوزعِ

ثبتوا على قدم الرسول وصحبه ** والتابعين لهم فسل وتتبّعِ

فهذا هو الدين العظيم، وهذا هو العلم النافع، علِّموا أولادكم واربطوهم بهذه العلوم، ومن جاءكم من تريم نعمة من الله، احمدوا الله واربطوهم بهذا لأنه هذا السند الذي كان عليه أجدادكم الصالحون، والأجداد الصالحون لنا الفخر باتباعهم، ولو عندنا أجداد طالحون أو مشركون أو فاجرون سنتبرَّأ منهم ولا نتَّبعهم، لكن أجدادنا خيرة الأمة، ولكن أجدادنا صفوة البرية، الحمد لله على ذلك.

قال سيدنا يوسف عليه السلام: (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي) ماذا يقول يوسف؟ في القرآن عندك، يفتخر بآبائه لأن آباءه أنبياء، لأن آباءه صالحين، قال: (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي)، جاؤوا المشركون سيتبعون آباءهم ليعبدون الأصنام ويفتخرون بآبائهم، قال: (أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ في ضلال مبين) (نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا * أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ)، عندكم آباء أنبياء، عندكم آباء أولياء، تتبعوهم، أما عندكم آباء فُسَّاق أو فجَّار أو كفَّار! ولكن هذا النبي يوسف قال: (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي)، افتخر بآبائه لأنهم صالحون وأنبياء، (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ ذَٰلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ).

ولما حضرت الوفاة سيدنا يعقوب جمع أولاده عنده، قال: (يَا بَنِيَّ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي) أي دين ستمشون فيه؟ وستعبدون من؟ قالوا: (نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ)، الدين كله والإسلام سمَّاه الله ملَّة أبينا إبراهيم، قال: (مِّلَّةَ أَبِيكُمْ) وسط القرآن. قال: اتبعوه. والنبي علَّمنا إذا أصبحنا نقول: "أصبحنا على فطرة الإسلام، وعلى كلمة الإخلاص، وعلى دين نبينا محمد، وعلى ملة أبينا إبراهيم حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين".

والحمد لله على هذه الخيرات، تنالون بها نورًا إن شاء الله في القلوب، وصلاحًا للأولاد، وصلاحًا للأزواج وللزوجات وللأهل وللعوائل، ما يأتون لكم بعادات شيء من دول الخليج وأصلها إلا من دول الكفر، وجاءت بعد ذلك لهناك وتصل إلى عندكم، ثياب ما هي سواء، وأزياء ما هي طيبة، وخروج عن الحشمة والحياء والأدب، انتبهوا لنفسكم! الكاسيات العاريات صنف من هذه الأمة ما يدخلن الجنة أبدًا، النبي قال: "صنفان من أمتي من أهل النار" -صنفان، نوعان من أمتي من أهل النار- "لم أرهما بعد" -يعني ما ظهروا في الزمان، سيأتون بعد- "رجال بأيديهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس" -الذين يعتدون على خلق الله ويتسلَّطون على ما ليس لهم. قال: "ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة" -يعني يجعلن لهن تمشيط كوافير للرؤوس حقهن مثل سنام الجمل المائل، حتى وصف التمشيط حقهن ذكرها صلى الله عليه وسلم، (وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى)، "رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها" والعياذ بالله تبارك وتعالى.

 انتبه لبنتك، انتبه لزوجتك، لا تتركها تتبع هؤلاء الساقطين والساقطات والممثلات والراقصات والعاريات والعاهرات، قل لها: اتبعي فاطمة بنت محمد، فاطمة الزهراء، عزٌّ وشرف لك وكرامة، كانت حيية تحب الحياء، ولباسها لباس الحشمة، كما كان عندكم أول في هذه المناطق وأكثر المسلمين في الشرق والغرب قبل سطوة الكفار علينا ومجيئهم بالأفكار هذه، كيف كان لباسهم؟ كلهم! سواء في اليمن ولا في عمان ولا في الخليج ولا في الحرمين ولا في الشام ولا في مصر، كان كلها ثياب ثياب حشمة وثياب حياء وثياب ستر. جاءت لنا فرنسا وأمريكا وروسيا ولعبوا علينا بالدين وجعلونا نضحك على أمر الله وأمر رسوله ونخالفه والعياذ بالله تبارك وتعالى.

فانتبه من أهلك وانتبه من أبنائك وبناتك، ولا تتعلَّق إلا بالأوائل، قل لهن تعلَّقن بفاطمة الزهراء بنت محمد فإنها سيدة نساء أهل الجنة، وأخواتها زينب ورقية وأم كلثوم، وأمها خديجة بنت خويلد، وأمهات المؤمنين: عائشة بنت أبي بكر، حفصة بنت عمر، سودة بنت زمعة، زينب بنت خزيمة، زينب بنت جحش، أم حبيبة، أم سلمة، ميمونة بنت الحارث، جويرية بنت الحارث، صفية بنت حيي، هؤلاء أمهات المؤمنين. قال ربي في القرآن: (النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)، هؤلاء أمهات المؤمنين، تتعلَّق بناتنا ونساؤنا بهم، ما هو بالكاسيات العاريات، ما هو بالممثلات، ما هو بالساقطات، يتعلَّقن بهؤلاء.

والثنتين ضرب الله بهن المثل في الإيمان في القرآن: آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران، (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ).

الحمد لله، مجلس علم ومجلس ذكر ومجلس دعوة إلى الله، نربح كلنا إن شاء الله، ويُسَرُّ بذلك آباؤكم الذين في القبور، يفرحون بما يتفضَّل الله عليكم وبما ينزله في جمعكم، ويدخل عليهم رَوحًا منه وسلامًا منه، وإن شاء الله ينتشر الخير في صغارنا وكبارنا ورجالنا ونسائنا، ونقوم بأمر الله كما يحبه منَّا ويرضى به عنا، وجزى الله خير كل القائمين على هذا الخير والمساهمين فيه والمعاونين والمساعدين، الله يقبل منهم ويُقبل بوجهه عليهم، ويرزقهم التوفيق والسعادة في الدنيا والآخرة، ويجعلنا وإياكم متحابين فيه ومجتمعين على ما يرضيه، موفَّقين للخير محفوظين من كل شر وضير، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين.

العربية