معاني النصرة لله ورسوله أو استبدالها ونتيجة ومآل كل منهما
مذاكرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في مسجد الوعل بحارة الخليف، مدينة تريم، ليلة السبت 18 ربيع الأول 1446هـ بعنوان:
معاني النصرة لله ورسوله أو استبدالها ونتيجة ومآل كل منهما
من أراد الصدق في نصرة الله ونصرة رسوله عليه الصلاة والسلام: لا يهمل الأمر في بيته ولا في نفسه، لا يهمل الأمر في تأخير صلاة عن وقتها، لا يهمل في نفسه أو في أسرته أو في أولاده، بل من حين السابعة ما ينبغي له أن يغفل عنه، وإذا بلغ العاشرة لا يؤخر الصلاة عن وقتها، وليحرص على الجماعة
- بإقامة شريعة الله تبارك وتعالى تتحقق النصرة لسيدنا المصطفى محمد ﷺ، ويحتاج أن تنتهض عزائمنا ونستفيد ونغتني من ليالينا وأيامنا هذه في شهر ذكرى ميلاده ﷺ، تقوية العزائم عندنا لنصرة الله ونصرة رسوله، بأقوالنا وأفعالنا ونياتنا ومقاصدنا وأموالنا وكل ما أعطانا الله تعالى، بوِفق بيع قد تم في الكتاب العزيز: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ)
نص الكلمة:
الحمد لله الذي أكرمنا بهذا النور المبين، والهدى والدلالة على الحق على أحسن دلالة، جرت على يد خاتم النبيين وسيد المرسلين، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الغر الميامين الأنصار والمهاجرين، ومن والاهم واتبعهم بإحسان على مر السنين إلى يوم الدين، وجعلنا الله ممن اتبعهم بإحسان.
وأولئك هم الذين ذكر القرآن عنهم رضوان الرحمن جل جلاله وإعداد الجنان لهم، في قوله: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، اللهم اجعلنا من أهل الفوز العظيم، ثبِّت أقدامنا على الصراط المستقيم، وبارك في مجامعنا هذه في ذكرى ميلاد نبيك الهادي إليك والدال عليك محمد بن عبد الله ﷺ، واجعلها مقبولة عندك واجعلها نصرة لك ونصرة لهذا الرسول صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله.
فإن الإنسان يعيش في هذه الحياة إما ينصر هواه أو ينصر شهواته، أو ينصر كافرًا أو ينصر فاجرًا، أو ينصر غافلًا أو ينصر جاهلًا، أو ينصر الله ورسوله ﷺ، واختر لنفسك، والذين ينصرون أهواءهم ونفوسهم يطلبون أجورهم من عندها، يطلبون الدرجات من عندها، ماذا ستعمل لهم؟ يطلبون المواهب من عندها، ماذا ستهب لهم؟ وماذا ستعمل لهم في الدنيا أو في الآخرة؟
والذين نصروا الكفار والأشرار والفجار، يعيش في البلد كثير مناصرين للغافلين وللفاسقين بالبرامج هذه ومتابعتها وإهمال أولادهم فيها، يتأثر كم من فكر لهم، يتأثر كم من خُلق لأولادهم، وهذا الأب غافل ما يدري أنه ناصر للفجار والفساق وسط داره، لأنه أهمل أولاده وصاروا يتتبعون أفكارهم، وصاروا يتتبعون كلامهم وصورهم وما ينشرونه، فنصر الفجار والعياذ بالله تعالى من وسط داره من غير أن يدري، ولو نصر الله ورسوله لكان خيرًا له.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ). فالملك ملكه والأمر بيده، هذا الذي يُحسن جزاءك وهذا الذي يبلغك فوق أمانيك وآمالك، وأما غيره، ماذا سيعمل لك؟ ولو نصرت أحدًا من هؤلاء الغافلين والفاسقين أو الذين يغرونك إما بوظيفة وإما بمال وإما بشيء من هذه المظاهر، كم يبقى لك وكم تبقى له؟ وفي الغالب ما تمر أيام الدنيا إلا وقد تحولتم إلى متعادين بينكم البين، ورأيناهم تناصروا على الباطل وتقاتلوا في آخر الأمر، وتسابوا وتشاتموا وكان ما كان بينهم قبل يوم القيامة، وعاد القيامة مقبلة (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) الذين ينصرون الله ورسوله ﷺ.
وكل من نصر مؤمنًا على الإيمان فمعه نصيب من نصرة الله، فإذا نصر وليًا من أولياء الله كان نصيبه من نصرة الله أكبر، فإذا نصر نبيًا من أنبياء الله كان نصيبه من نصرة الله أعظم، فإذا نصر سيد الأنبياء والمرسلين (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ)، رأيت الذوق حقهم الذي عبّر الله عنه في القرآن، هو يقول لهم: "من أنصاري"، ما قالوا: "نحن أنصارك"، قالوا: "نحن أنصار الله"، ينصرون من؟ ينصرون عيسى بن مريم أمامهم هذا هو، ويقومون معه، وينفذون كلامه، ويمتثلون أمره، ويمشون حيث وجههم، وإذا بهم نصروا الله، قالوا: (نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ).
والحق ابتدأنا لنتذوّق هذا الذوق، قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ)، فكيف بأنصار النبي محمد ﷺ؟ السابقة التي سبقت لهم هؤلاء، عرض نفسه على قبائل كثيرة والغيب يضم السعادة للأوس والخزرج، يقدم ويؤخر سبحانه ويرفع ويخفض، سابقة سبقت لهم، تشرف بالسبق إليها المهاجرون والأنصار، إجابة بتقدير الله تعالى في الأزل، إجابة سبقت بها الأقضية والأقدار، تشرف بالسبق إليها المهاجرون والأنصار عليهم الرضوان، وقاموا لله تبارك وتعالى قومة الصدق وأخلصوا وآثروا الحق ورسوله بكل ما عندهم، وبأنفسهم وبأموالهم وأولادهم، بكل ما عندهم عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.
وهكذا من أراد الصدق في نصرة الله ونصرة رسوله عليه الصلاة والسلام لا يهمل الأمر في بيته ولا في نفسه، لا يهمل الأمر في تأخير صلاة عن وقتها، لا يهمل في نفسه أو في أسرته أو في أولاده، بل من حين السابعة ما ينبغي له أن يغفل عنه، وإذا بلغ العاشرة ما يؤخر صلاة عن وقتها وليحرص على الجماعة، من نصرة الله ورسوله أن تقام الجماعة في بيتك لأهل البيت وأنت في المسجد، وأن لا يصلي أحدهم إلا في جماعة، هذا من نصرة الله والتلبية لنداء الله ونداء لرسوله، وقال: "ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق"، والعياذ بالله تبارك وتعالى.
وهكذا بإقامة شريعة الله تبارك وتعالى تتحقق النصرة لسيدنا المصطفى محمد ﷺ، ويحتاج أن تنتهض عزائمنا ونستفيد ونغتني من ليالينا هذه وأيامنا هذه في شهر ذكرى ميلاده ﷺ، تقوية العزائم عندنا لنصرة الله ونصرة رسوله، بأقوالنا وأفعالنا ونياتنا ومقاصدنا وأموالنا وكل ما أعطانا الله تعالى، بوفق بيع قد تم في الكتاب العزيز: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ).
وكنتم تعهدون من هذه النصرة في الشيابة الذين أدركتموهم كلهم في دياركم هذه ومنازلكم، حريصين على السنن يعلمونها الأطفال من الصغر، سننهم في أكلهم، في شربهم، في لباسهم، في كلامهم، في مصافحتهم لمن أكبر منهم، في برهم لوالديهم، في معرفة قدر الكبير من إخوانهم، في تهذيب ألفاظهم، كانوا يحرصون حرصًا بالغًا قويًا على تربيتهم على السنة النبوية، وعلى تعظيم الحق وتعظيم رسوله ﷺ، وتعظيم الصالحين من عباد الله الذين هم عُظماء عند الله جل جلاله، وهو العظيم والعظمة له ولا عظيم إلا من عظمه سبحانه وتعالى.
فكان هذا الأمر، صار الواحد منهم من صغره مُقتديًا برسول الله ﷺ، يقولون شيباننا يعلمونهم الآداب حتى النيات الصالحة يتدرعون بها الأطفال أيام طفولتهم وهم يعرفون النيات، يعرفون النيات، قام بعضهم سمع صوتًا تحت البيت قام يشرف من النافذة، دعاه أبوه قال: "ليش قمت؟" سمعت صوتًا، "بأي شيء قمت؟ ما مرادك في هذا القيام؟ خطوات خطوتها وهي مكتوبة مسجلة، ليش قمت؟ مجرد فضول؟ أو لك نية صالحة؟ ستعمل شيء؟ تنوي تنقذ أحدًا؟ تنوي تعلم أحدًا؟ تنوي تنفع أحدًا؟ ما نيتك في هذا القيام؟"
وهكذا يقولون إذا أوصلوا ابنهم إلى عند أحد من أقاربهم يقول: يا ولد، اخرج برجلك اليسرى ولا تنسى الدعاء، وإذا لقيت أحدًا في الطريق سلم عليه، وإن كان أكبر منك قبِّله، وإن لقيت أعمى خذ بيده حتى توصله للمكان الذي يريده، وإن وجدت باب مسجد مفتوحًا رده حتى لا يدخل كلب ولا يدخل شيء من الحيوانات، وإن حصلت أذى في الطريق أمطه، فهمت؟ قال مرحبًا، اخرج، فالولد يخرج معه كم نيات، وهو بيروح يوصل الوصاة لأهله لهنا ومعه كذا كذا نية، لو ما حصل أعمى ولا حصل باب مفتوح فهي مكتوبة له بنيته، هذا أول نواها، إن حصل شيء فالنية حاضرة وبيقوم بها، فيربونهم على حسن النيات، يقولون: "إنما زكت أعمال الصديقين بالنيات"، بواسطة النيات الحسنة زكت أعمالهم، وهؤلاء أطفال من الصغار وهم يربونهم على هذه النيات الصالحة وعلى هذه الآداب الفاضلة.
كم ترددت والدة الحبيب علوي بن شهاب بين مكانكم هنا في الخليف إلى النويدرة، ما تلاقي في أي يوم من الأيام شيباً من الشيبان ولا عالمًا ولا صالحا إلا قدمت الولد إليه، روح وسلم على هذا الشايب وسلم وقل له يدعو لك وينظر إليك، وحتى كان سبب اتصاله بشيخ فتحه الحبيب عبد الرحمن المشهور، خارج من النويدرة جاء وإذا بالحبيب عبد الرحمن ينزل من مسجد الكاف، قالت له: روح إلى عند هذا السيد وقبِّله وقل له يدعو لك، ونادت عليه قلت له: انظر للولد هذا والده مسافر، وجالس هنا عند عمه وإنه طالع إلى بيت أهلي هنا، نظر إليه الحبيب عبد الرحمن قال: خليه يجي إلى المربعة عندنا يقرأ، قد انتقل من السحيل الحبيب عبد الرحمن إلى بيته هذا اللي عند مقالد، قال: ومجرد ما وقع نظره علي حسيت بشيء -قال الحبيب علوي- وامتلأت به، والحبيب عبد الرحمن أيضًا ملأ الحبيب علوي وأحبه محبة خاصة عليه رحمة الله، وكان شيخ فتحه بعد ذلك عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.
والشاهد فيه أسرار التربية هذه والنصرة للحق ورسوله، وتؤدي إلى هذه النتائج الكبيرة من الفتح الكبير والعطاء الوفير، فيا ربِّ ثبتنا على الحق والهدى ** ويا ربِّ اقبضنا على خير ملةِ
لكنهم أهل حذق وأهل حسن اختيار، ما سلموا زمامهم للساقطين، ما سلموا زمامهم إلا للحق ورسوله بواسطة الحبال الممدودة من الحق ورسوله، صالحي زمانهم عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.
من لا صاحب في زمانه شيخ عارف مكين ** مرت حياته وهو معدود في المفلسين
ولو تعلم ما تعلم ولو قرأ ما قرأ ولو عمل ما عمل وما له صلة.
قال با مخرمة:
ولو بات ليله يصلي وشفته يطيل القيامِ
وليس له في الحب مشرب فما عده إلا حرامي
ولو مر عندي وسلم فلا رد عليه السلامِ
قال: ما عده إلا حرامي، لأنه ما يدرك سر العبودية لله، ولا سر الأدب مع الله ولا سر الخطاب الإلهي إلا بالاتصال بالشيوخ، إلا بالاتصال بالأكابر، إلا بالاتصال بالمقربين عند الله سبحانه وتعالى.
فيا أسعد من لبت روحه نداء الله وهب لنصرة الله تبارك وتعالى فينصره الله، ينصره على نفسه الأمارة، ينصره على هواه، ينصره على الدنيا، ينصره على شياطين الإنس والجن، ويُنصَر بنصر الله سبحانه وتعالى (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ)، (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
ومن هم الذين ينصرون الله؟ (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ)، حافظوا على أدائها على وجهها، حافظوا على الجماعة فيها، حافظوا على السواك فيها، حافظوا على السنن فيها، (أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ) وتفقدوا المحتاجين والمساكين بقدر ما يستطيعون (وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) جل جلاله وتعالى في عُلاه.
وهكذا وهم بذلك نالوا حقائق الفوز الأكبر في الدنيا والبرزخ والمحشر، (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) والعياذ بالله تبارك وتعالى.
فمن نعمة الله نحضر وإياكم هذه المحاضر في المساجد الكريمة المباركة، المنورة المؤسسة على أساس متين قوي من التقوى والاتصال بسيد أهل التقوى ﷺ، رزقنا الله حسن متابعته.
محقق لهم الفوز بشواهد في كلام الحق سبحانه وتعالى، الذي يقول الحق وهو يهدي السبيل أصدق القائلين جل جلاله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)، والصادقون من هم؟ قال: الذين ما يتخلفون عن النبي الذي جاء بالصدق، تقرأ بعدها مباشرة: (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ).
وما كان لنا نتخلف عن رسول الله ﷺ، نهمل أوامره وسننه فينا ونقبل ما يجيء إلى بلدنا مما يخالف السنة ومما يخالف الشريعة ولا نبالي، يجيء في أعراسنا ويجيء في مناسباتنا ويجيء لأولادنا.
قال الولد بغى المخدرة، وبعد يوم الولد بغى المخدرة وانت خدرك معه ولا كيف تخدرت معه؟ وقعت أنت وإياه، ما تعرف ترشده للخير؟ ما تعرف ترشده للكلام الطيب؟ وإذا قد الولد كذا وأنت ضعت معه ولا ضيعته، وأنت المسؤول عنه من قبل، وأنت المسؤول، وإذا ضاعت التربية وقعوا في هذا الحال والعياذ بالله.
(مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ) يفضلون استحسان غيره على استحسانه، يفضلون سنة عدوه على سنته ﷺ، (وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ) لأن الذي يتبعه ويقوم معه مضمون الربح، (ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)، ربح في ربح، كله فوز وكله سعادة.
وهكذا وهكذا، في كل ما نالوه، ما نحن نادمين على شيء مما بذله رجالنا وأهلنا وأسلافنا، لا من أيام مقتل الحسين، ولا من أيام اختطاف الوالد وأخذه، ما نحن حسرانين على شيء فيما قدمه وقدم روحه، وما أُخذ بالظلم وما قُتل بالظلم، ما نحن حسرانين على شيء لأنه في سبيل الله سبحانه وتعالى، ولأن الربح مضمون، والآثار في الدنيا تظهر قبل الآخرة.
وهكذا كل من بذل لله جل جلاله، (لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ) لأن هؤلاء يغيظ بهم الكفار، يغيظون، مواقفهم كلها تغيظ الكفار، تربيتهم وثباتهم وصدقهم يغيظ الكفار، (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.
قال: (وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً) الناس على درجات، ولكن (فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ)
ورجالكم هؤلاء خلفوا سيرة كبيرة، سيرة عظيمة، والذي جاء بأحمد بن عباد إلى هذا المكان وجعله يبني هذا المسجد، وكان محل والده إلا في المدينة المنورة، وما الذي جاء به لهنا؟ نصرة صاحب المدينة المنورة، دين صاحب المدينة المنورة، محبة صاحب المدينة المنورة التي نورها الله به ﷺ، هي التي جاءت به والتي أقامت به، وكم حتى إلى سابع عرض هذا المحل ينطق كله بأسرار تعظيم للحق وللرسول ﷺ،
وسماؤها امتازت بكثرة صاعد الأعمال أنوار من عمل التقى المتراسلِ
ملأوا المساجد وحتى الديار ملأوها، وطلعوا حتى للشعاب هذا حقنا كلها ملأوها بالعبادة وملأوها بالذكر، ولا يصلح نجيء من بعدهم نملأها بالغفلة، نملأها بالتأخر، نملأها بالتراخي. نجيء ببرامج أعداء الله نفتحها وسط غرفنا، وسط ديارنا، وسط أماكننا، وفي أماكن امتلأت بنور وامتلأت بخيور وامتلأت بأرواح طاهرة، مرت فيها على قدم الصدق وعلى قدم الإخلاص.
فالله ينظر إلينا وإليكم ويبارك لنا في مجامعنا هذه ومجالسنا هذه، ويرزقنا حسن الأدب في البلدة المباركة، نعطيها حقها في معرفة الأدب مع الله ومع رسوله ومع الشريعة ومع المواريث الصالحة التي تركها لنا هؤلاء الأكرمون عليهم رضوان الله تبارك وتعالى،
من الذين بعلم الشرع قد عملوا واستغرقتهم عبادات وأورادُ
فهم بين عباد بعلم وزهادِ
عليهم رحمة الله ورضوانه.
وبهذا ننصر الله وننصر رسوله ﷺ، وندخل في تلك الدوائر إن شاء الله، كان يقول للأنصار الأوائل: "فإني فرطكم على الحوض، إني منتظركم عليه"، أنا فرطكم وإني منتظركم عليه ﷺ، وماذا من الانتظار وقد كان يشهده الحق تبارك وتعالى يكلمهم يومه على المنبر قال: "وإني لأنظر إليه الآن، وإني لأنظر إليه الآن" الحوض ﷺ. وقال أنا سأتقدم هناك أنتظركم عليه، ويفدون، وعسى حسن الوفادة مع الوافدين.
ومن كرم الله تعالى الأخيار الذين مروا في هذا اليمن الميمون والبلدان المباركة، جاء النص في الحديث أنه من أوائل أهل الورود على الحوض، قال: "إني لبعقر حوضي أذود الناس عن أهل اليمن"، على عقر حوضه يذود الناس عن أهل اليمن ﷺ، يُقدّمهم للوفود عليه، وقُرة عيونه هؤلاء الذين في اليمن ما أحد يتقدم عليهم، يفدون إلى الحوض، ويا بخت من يفد ويا بخت من يرد معهم على ذاك الحوض المورود، وسقيا تقع هنيئة مريئة إن شاء الله.
ويأمر سيدنا علي يسقي كما جاء في الحديث فيسقي طوائف من الناس، وهناك في الجانب الثاني ترد النساء ويحصلن فاطمة أمامهن وأخواتها وأمها خديجة وأمهات المؤمنين على حوض النبي ﷺ، وبعضهم يُسقى بيد سيدنا علي ويُسقى بيد الحبيب العظيم ﷺ، ويشرب من ذا الكف ومن ذا الكف، وايش تقدّر الشربة هذه؟ هل لها ثمن، هل لها ثمن؟ يا فوز من أدركها، يا ويل من حُرمها، الحوض كله نعمة إذا شربت منه ما عاد تظمأ إلى الأبد، فكيف إذا باليد الطاهرة؟ ومن الكف الشريف، وكف ابن عمه وكف من يأذن لهم بالسقيا على الحوض ﷺ.
وهناك ما شاء الله تطيب التهاني لمن يُهنَّؤون بالورود على الحوض، ويكون ما يكون من الجود الرباني لمن يجود الحق سبحانه وتعالى عليهم، القيامة بأهوالها وشدائدها تتحول لهؤلاء منن كبيرة ومنح، (هذا يومكم الذي كنتم توعدون) هذا اليوم حقكم يعني يوم تكريمكم، ويوم التفضل عليكم والتطوّل والجود من الرحمن عليكم ذلك اليوم.
الله يرجعنا في زمرة خيار القوم مع سيد القوم ﷺ، ولا يُخلِّف منا صغير ولا كبير ولا ذكر ولا أنثى، لا بفاسد نية ولا بفاسد اعتقاد ولا بفاسد سلوك إن شاء الله، لا يقطعنا شيء عن اللحوق بالقوم والدخول معهم والورود مع أوائل أهل الورود إن شاء الله، أوردنا مع أوائل أهل الورود على الحوض المورود، في مرافقة لزين الوجود إلى جنات الخلود وعطاء منك غير محدود، يا بر يا ودود يا أكرم الأكرمين.
وزدنا من إفضالك واعمر ديارنا بأنوار الإنابة واليقين والتقوى، والأخلاق المحمدية والسنن النبوية، كما عمرت الديار سلفنا من قبلنا، ولا تخلفنا عن ذاك الطريق ولا عن ذاك الفريق، حتى تلحقنا بهم يا ولي التوفيق، واشف مرضانا وعاف مبتلانا وأصلح ظواهرنا وخفايانا، واجعل الجمع حسن العرض على زين الوجود وعلى المتقدمين في هذه المواطن كلهم، واجعلهم مسرورين في برازخهم بما تفيض وتتفضل وتجود وتتطوّل وتنعم وتتكرم وتمد من عطائك الواسع الجم، يا حي يا قيوم يا رحمن يا رحيم.
ولا تصرف أحدًا من المجمع إلا قلبه عليك مجموع، ودعاءه عندك مسموع، وعمله الصالح مقبول مرفوع، وذنبه مغفور وموضوع، حتى لا تبقى لنا زلة ولا سيئة إلا محوتها وبدلتها إلى حسنة، يا مبدل السيئات إلى الحسنات بدِّل جميع سيئاتنا إلى حسنات تامات موصلات، وثبتنا أكمل الثبات وزدنا من جزيل الهبات ما أنت أهله، والحمد لله رب العالمين.
19 ربيع الأول 1446