لقاء مع نخبة من أهل الفن والإعلام في إندونيسيا | من القلب إلى القلب

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ في اللقاء مع أهل الفن والمؤثرين في الإعلام، ثم المداخلات والأسئلة، يوم السبت 26 ربيع الثاني 1447هـ بعنوان: 

من القلب إلى القلب

نص المحاضرة:

الحمد لله جامعِ هذه القلوب على وِجْهةٍ إليه، وتَعرُّفٍ على ما أَحَبَّ منّا وما يُقرِّبنا إليه، وإصغاءٍ لخطابه الذي خاطبنا به تفضُّلاً منه لِيُوصِلَنا إليه، لِندرك بذلك سرَّ الحياة ومقصود الحياة، وغايةَ ما يمكن أن يُنال ويُتحصَّل عليه في هذه الحياة، ليكون ذلك زاداً للوفاة وما بعد الوفاة، لِنَحُوزَ بذلك سعادة الأبد.

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد الأحد، الملك الفرد الصمد، (خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَوٰةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفُورُ)، يعظُم فضلُه وإحسانه، ويكبُر جودُه وامتنانه، خلق الخلق ليَرْبَحوا عليه لا لِيَرْبَح عليهم، فهو الغنيُّ عنهم وهم الفقراء إليه، وفي افتقارهم إليه حقيقة غِناهُم، وفي تذلُّلهم لعظمته حقيقة عزِّهم وعُلاهُم، وفي توجُّهِهم إليه شرفُهُم واعتلاهُم. 

ولكنَّ الذين صدقوا في التوجُّه إليه قليل، فأعطاهم من فضله الجزيل ما لا يُحيط به وَهْمٌ ولا يُعبِّر عنه قيل، وأعرض الأكثرون من المكلَّفين عن إلههم، وانقطعوا بأموالهم ووجاهاتهم، وبشيءٍ مما يعرِض لهم خلال حياتهم من المُنقطعات والزائلات والمنتهيات.

ونشهدُ أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، خير البريَّات وخاتم أهل الرسالات وسيد أهل الأرض والسماوات، أعظم الخلق تواضعاً للخالق فكان أعظمهم رِفعة عنده، وأجلّهم افتقاراً إلى الإله فكان أغنى الخلائق من فضله، أرحم الخلق بالخلق، وأحرص الخلق على الخَلْق، وأنصح الخلق للخلق، مُرسَلٌ من الخالق، مأمونٌ من الإله المُكوِّن الفاطر، فهو النبيُّ النقيُّ الطاهر، شرح الرحمن صدره، وشرِح به صدر كلِّ من آمن به واتّبعه، ووضع عنه وزره، ووَضع به أوزار من صدَّقه ومشى معه، ورَفَعَ له ذِكْرَه.

اللهم صلِّ وسلِّم على الرحمة المهداة والنعمة المُسداة سيدنا محمد، خاتم أنبيائك وسيد رسلك، وأرحم عبادك بعبادك، مَن أرسلته رحمةً للعالمين، وعلى آله وأهل بيته الطاهرين، وعلى صحابته الأكرمين، وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلى آبائه وإخوانه من النبيين والمرسلين، وآلهم وصحبهم والتابعين، وعلى الملائكة المقرَّبين، وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

ساعات الإقبال على الله

أما بعد، فأهلاً ومرحباً وسهلاً بكم في ساعةٍ نطلب فيها رضوان الله والقرب منه، أنتم في هذه الساعة المحدودة تتعرَّضون لكرم رب الوجود الذي خلقكم وكرمه ليس له حدّ، قصدتُم أكرم الأكرمين ورجوتُم أرحم الراحمين، فجديرٌ أن تفوزوا، ولأنواع الخير تحوزوا، وكم من ساعة في الدنيا كانت سبباً للفوز والنجاة يوم تقوم الساعة، وكم من ساعة في الدنيا كان فيها فتحٌ لباب الصِّلَة بالله فدخل الإنسان منها إلى سعادة أبدية لا غاية لها. 

اللهم بارك لنا في ساعتنا هذه، اللهم بارك لنا في ساعتنا هذه، واجعلها ذخراً ليوم تقوم الساعة، أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم، والترحيب بكم واجبٌ من الواجبات التي فرضها علينا الله ودعانا إليها رسوله.

ومِن سُنَّة الله وفضله أنه يُقبِل على المقبلين عليه، ويقول في حديثه القدسي: "مَن تقرَّب إليَّ شبراً تقرَّبتُ إليه ذراعاً، ومَن تقرَّب إليَّ ذراعاً تقرَّبتُ إليه باعاً، ومَن أتاني يمشي أتيتُه هَرْوَلةً"، ما أكرمه مِن ربّ! ما أجوده مِن إله! ما أسخاه من معبود! المعاملة معه فوزٌ وسعادة، في الغيب وفي الشهادة، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم.

يُنازِل القلوبَ فرحٌ من اعتقادنا أن الله يحب هذه التوجُّهات، وينظر إلى أهل هذه الإقبالات، (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا)، وكان نبيُّنا ﷺ يوماً في جماعة من أصحابه في مجلس، فأقبل ثلاثة نفر، فأما أحدهم فرأى مكاناً وسط القوم ودخل وجلس فيه، وأما الثاني فاستحيا فجلس وراء القوم، وأما الثالث فانصرف قلبه عن الرغبة في الجلوس في مجلس رسول الله وذهب إلى شُغل نفسه، فلما كَمُل المجلس، قال رسول الله: "ألا أُخبِركم بخبر الثلاثة؟" قال: "أما الأول فآوى إلى الله فآواه الله إليه، وأما الثاني فاستحيا من الله فاستحيا الله منه". قال العلماء: ومَن استَحْيا اللهُ منه لم يعذِّبْهُ، قال نبينا: "وأما الثالث فأعرَض عن الله فأعرَض الله عنه". 

فَمجيئكم هذا إقبالٌ على الله، نكون ما بين أحد هذين الاثنين:

  • إما من آوى إلى الله فآواه الله تعالى، وهو الذي حضر منا بِصدق إقبال وتوجُّه، وإرادة إصغاء وإنصات وعمل، وتقرُّب إلى الله عز وجل. 
  • وما بين الثاني من استَحْيا من الله فاستَحْيا الله منه. 

وكلاهما فائز، وأحدهما أعظم فوزاً من الآخر، الحمد لله وليس فينا من أعرض عن الله.

أسباب الطمأنينة والسعادة الكبرى

أيها الأحباب في الله، أيها الإخوان والأخوات في الله، مُكَوِّن الكون جلَّ جلاله له حِكَمٌ عظيمة في الخلق والإيجاد، ومما نَبَّأنا به وأطلعنا عليه لأنْ ينال المُكلَّف على ظهر هذه الأرض نصيباً من حقائق سعادة الأبد، بواسطة الإيمان به تعالى، والعمل بأمره واجتناب ما نهى عنه، وتولُّع القلب به وكثرة ذِكْره؛ فهذه أسباب نيل الطمأنينة في الدنيا. 

والدنيا ملآنة بأسباب متعددة اختبرنا الله بها وفيها، ومختلف الأسباب يمكن أن يوصل إلى كسب المال، ويمكن أن يوصل إلى كثرة الأتباع والأشياع وإلى نيل الجاه والشهرة، ويمكن أن يوصل إلى الإمارة، ويمكن تحصيل أنواع المآكل والمشارب، ويمكن تحصيل أنواع الملابس، وأنواع المراكب والمساكن، وأنواع الملذّات. 

ولكن لا يمكن بشيء من هذه الأسباب إدراك ونيل الطمأنينة القلبية في الدنيا والسعادة الكبرى في الآخرة إلا بسبب واحد: الإيمان بالحق تعالى وتقواه، من غير هذا ما يمكن أن تُكتسَب في الدنيا الطمأنينة والسكينة والاستقرار النفسي. 

بل الذين أغرقوا واتسعوا في أخذ الشهوات ليرتاحوا نجدهم من أكثر الناس هَمَّاً وغَمّاً وحزناً في الدنيا، يعمل ما يشتهي أو يحصِّل ما يشتهي ثم يقوم وفي قلبه نكد وتعب، فوجدناهم ورأيناهم في طلب التخلُّص من هذه الأتعاب استعملوا أنواع الوسائل من مِثل استماع الآلات والأغاني وأنواع الألعاب ولكن ما وجدوا المقصود ولا الطمأنينة، ولجؤوا إلى ما يُذهب العقل والإحساس من أنواع المسكرات والمخدرات وأيضاً لم يُحصِّلوا النتيجة، يهربون من الحزن والهَم إلى أنواع الألعاب ونحوها فلا يجدون ذَهاباً للحزن ولا للهم، سوى أن يُغالطوا أنفسهم في لحظات ثم يعود عليهم ما كانوا يَشْتَكُون منه، وهذا حُكمٌ حَكَمَ به مُكَوِّن الأرض والسماء وخالق هذا الإنسان والذي جعل له عمراً محدوداً على ظهر الأرض.

أنزل الله أبانا آدم وأمنا حواء إلى الأرض ذكراً وأنثى ليُقيم خلافة الله، فابتدأت حياة الإنسان الطيبة الصحيحة المُنَوَّرة بآدم وحواء، ولما أهبطهما إلى الأرض أوحى إلى آدم عليه السلام: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَاىَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ). 

  • ومِن معنى "فلا يضل": لا يخرج عن الطريق الصحيح ولا يتحيَّر في أمره ولا يبقى متخبِّطاً لا يدري أين يذهب، 
  • ومن معاني "ولا يشقى": أنه لا ينقطع عن حُسن الرجاء وعن الطمأنينة في مختلف الأحوال والظروف التي تمر به، حَسَنها وسيئها، شديدِها وهَيِّنِها. بل يسعد ويربح من كل شيء يمر به، إن كان صحةً أو مرضاً، إن كان غنىً أو فقراً، إن كان رخاءً أو شدة.

 وفي هذا يقول نبينا ﷺ: "عَجَباً لأمر المؤمن! إنَّ أمره كلَّه لخير، إن أصابته سَرَّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضَرَّاء صَبَر فكان خيراً له"، قال: "وليس ذلك إلا للمؤمن".

فَوَفَّرَ اللهُ حظَّنا وإياكم من هذا الإيمان، وزادنا إيماناً في كل لَمحة وفي كل نَفَس، فهو أعظم ما يُكسَب في هذه الحياة، وأهم وأكبر ما تترتب عليه درجات السعادة في الآخرة. 

ثم ذكر الحق من أقوى أسباب هذه الطمأنينة المُعجَّلة في الدنيا قبل الآخرة ذِكْرهُ جلَّ جلاله. فقال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا۟ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، وليس المراد من الذكر مجرد مروره على اللسان وإن كان لا بد منه، لكن استشعار القلب عظمة المذكور وتقديسه وإجلاله، وأنه محيط بنا قادر على كل شيء.

من غير هذه المعاني الرفيعة في إدراك الحقيقة وعظمة الخالق، فالناس قديماً وفي زماننا هذا حاولوا حل المشاكل في الحياة من جميع جوانبها فتوصَّلوا بعد ذلك إلى أن كآبة نازلة على الكثير منهم حتى كَثُر الانتحار فيهم، فبينما يذكرون عن بعض الدول كثرة الثروة والغنى فيها وقلة المشاكل، تطلع عند الإحصاء من أكثر دول العالم انتحاراً، يكثر المنتحرون فيها. 

وفي زماننا أمثلة كَمِثل السويد والنرويج، يتوفر الدخل الكافي واحْتياجات الحياة بأصنافها ولكنهما من أكثر الدول نِسبةً في الانتحار، وذلك الوجه الثاني من الحُكم بعد الوجه الأول: (فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَاىَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ). والوجه الثاني قوله: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا).

الغرور ونهاية الجبابرة

والخلاصة يمكن للفرد في هذه الحياة أن يُحقِّق مكاسب كبيرة؛ والذي نقصده من المكاسب العظيمة التي يبقى خيرها ويَتَأَبَّد: بإقباله على الله، وتعظيمه لأمره، وشهود أنه عبدٌ مخلوق، مهما كان على أي مستوى في الحياة، فوصفه كما قال سيدنا علي: "تؤذيه بَقَّة، وتُنْتِنُه عَرقة، وتقتله شَرْقَة"، يغص بها فيموت.

كان سيدنا جعفر الصادق عند بعض الأمراء جالس، فآذاه ذباب يجيء على وجه الأمير فيطرده، قال الأمير: "ما حِكمة خَلْق الله لهذا الذباب يا إمام؟" قال: "لِيُذِلَّ به الجبابرة". ذَكَر واحدة من الحكم المُتعلقة بحاله.

وأصناف الخلائق من عهد سيدنا آدم إلى يومنا هذا، فيهم مَن تحدَّى الأنبياء ومَن تحدَّى قدرة الله ومَن أَلْحَدَ ومَن كفر، وكلهم كانت حياتهم ملآنة بالتعب، ثم كان مصيرهم أن كانوا عِبرةً للمعتبرين.

فهؤلاء عاد قوم النبي هود قالوا: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)، وكانوا أصحاب المباني الشامخات وأصحاب القوة العسكرية القوية، وبَقوا في المُعانَدة والمضادَّة للنبي هود حتى جاءت سبع ليال وثمانية أيام أرسل الله الريح عليهم فانتهت قواتهم وانتهوا جميعاً، وكان قبلهم في شِدَّة العناد قوم النبي نوح، وكانوا يسخرون منه حتى جاءهم الماء الذي لم يُبْقِ منهم صغيراً ولا كبيراً.

وهذا النمرود يقول لسيدنا إبراهيم: أنا أُحيي وأُميت، ودعا باثنين قَتَل أحدهما وترك الآخر. فقال: أنا أمتُّ هذا وأحييتُ هذا، وما كان قصد إبراهيم في قول (رَبِّىَ ٱلَّذِى يُحْىِ وَيُمِيتُ) هذا المعنى، ولكن الذي يملِك الإحياء ويملِك الإماتة بيده، فلمّا لم يفهم النمرود هذا المعنى قال له سيدنا إبراهيم في معنى أوضح: (فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ). 

ولم تزل هذه الآية وغيرها أمام عقول الخلائق إلى يوم القيامة حُجَجاً ودلائل، كل من اغترَّ بقوة، كل من اغترَّ بتقدم وتطور، قُل له: إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتِ بها من المغرب، فهم في قوتهم وتقدمهم عاجزون أمام قوة القوي، لكن الغرور يدعوهم إلى المكابرة.

ونرى في عصرنا حتى أنّ أخطر الأمراض تبدأ من بلاد التقدم والتطوُّر وتدخل قصور عظمائهم، ورُبما على ظهر الأرض كثير من الفقراء وممن لا يجدون من الحياة شيئاً كثيراً يعيشون حياتهم في سلامة من هذه الأمراض، فما أسعد القلب الذي عرف عظمة الله واتصل به.

وهذا فرعون يقول لموسى: (سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ)، وجاءت ساعة انطبق عليه الماء فصار يَغرق ويقول: (ءَامَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِي ءَامَنَتْ بِهِ بَنُوا۟ إِسْرَائيلَ). وكم قبلهم وكم بعدهم. فما نال حقيقة الخير في الدنيا والطمأنينة ثم النعيم في الآخرة إلا المؤمنون بالله وأتباع رُسُله عليهم الصلاة والسلام. 

وأنتم أُكرِمتم بسيد الأنبياء وأعظم الأنبياء، فنبيكم محمد أكرم الخلق على الله، وبه كنتم خير أمة، والفرصة لكم أقوى من الأمم السابقة في أن تكسبوا في الحياة القصيرة حقائق سعادات الأبد.

قصة الصحابي ومرافقة النبي في الجنة

لما هاجر النبي ﷺ إلى المدينة كان يقوم على حراسته عدد من الصحابة يتناوبون على حراسته، فأنزل الله تبارك وتعالى: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)، فجاء ﷺ إلى الحرس وقال: "اذهبوا لا يَحرُسني أحد فقد عصمني الله". ولاحَظَ ﷺ ربيعة بن مالك يكون عند بيته عندما يخرج في الليل وراقبه في ذلك فقال له: "ألم أقل لكم انصرفوا فقد عصمني الله؟ قال: أنا ما أَجيء عند بيتك لليل لأجل الحراسة، قال: فلماذا تجيء؟ قال: إنما أجيء خادماً إذا طرقك شيء أو احتجت إلى شيء في الليل أو نزل بك أمر أكون أقرب أمتك إليك، فأنا خادم لا حارس، ففَرِح منه النبي ﷺ، وقال: اطلب ما شئت. 

فقال ربيعة: "يا رسول الله ماذا أطلب؟ كنا في جاهلية وشر، يأكل القويُّ منا الضعيف في كَدَر وحَزن، فَمَنَّ الله علينا بك فدخل النور في قلوبنا فنحن في طمأنينة ونحن في قرب من الله، فماذا أطلب أعظم من هذا؟ انظروا ما يشعر به صدره من الطمأنينة والسكينة والنعمة مع أنه في بداية الهجرة لم تكن الفتوح جاءت وكانت عندهم بعض قلة في كثير من مُتَع الحياة.

قال له النبي: فاطلب شيئاً، قال: يا رسول الله إن كان ولا بد فقد فكرت، لو طلبت أي شيء في هذه الدنيا فدعوت الله لي به جاءني ثم يفنى ويزول عني، لا أطلب شيئاً من الدنيا، قال: فماذا تطلب؟ قال: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قال: لا يا رسول الله، مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قال: لا يا رسول الله أسألك مرافقتك في الجنة، قال: فأعِنِّي على نفسك بكثرة السجود.

وقال مرة لبعض من وَعَدَهم أن يُعطِيَهم وذلك بعد أن جاءت الغنائم من حُنين بعد فتح مكة، قال له: "اطلب ما شئت"، قال: "يا رسول الله، عشرين جملاً وعشرين ضأْناً من الغنم". قال: "خذ عشرين من الجمال وعشرين من الضأن ولكن كانت صاحبة موسى أحسن طلباً منك".

ومَن صاحبة موسى؟ امرأة كانت قد كَبِر سِنُّها في مصر، فلما أراد سيدنا موسى الخروج من مصر تذكر وصية النبي يوسف: إذا خرج بنو إسرائيل أن يُخرجوه معهم من قبره إلى أرض فلسطين ليقبروه هناك عند أبيه يعقوب، وكان النيل قد طَلَعَ على قبر النبي يوسف فلم يَبقَ من معالم ما يعرفُه إلا هذه المرأة. 

قال النبي موسى: من يَدُلُّنا على قبر يوسف؟ قالوا: ما بقي مَن يعرف بالضبط إلا هذه العجوز، قال: فأتوني بها، قال: تعرفين قبر يوسف؟ قالت: نعم، قال: دُلِّيني عليه، قالت: بِأُجرة أو بغير أجرة؟ قال: اطلبي ما شئت ونعطيك، قالت: أنا يا نبي الله قد عَمِيت فادعُ الله أن يَجْلُوَ لي بصري حتى أرى أحسن، هذه أولى في ثلاث أشياء أطلبها منك، قال: "اللهم رُدَّ عليها بصرها" فَرَدَّ الله عليها بصرها فأبصرت.

قالت: وقد كبرتُ وضعُفتُ فأسأل الله يردَّ عليَّ قوتي، فسأل الله فَقَوِيَتْ في وقتها، قال: ما الثالثة؟ قالت: مرافقتك في الجنة، فانظروا عقل هذه المرأة وطَلَبها، طلبت الدنيا والآخرة، قال النبي لهذا الصحابي: كانت هذه أحسن طَلَباً منك، أنت طلبت عشرين جملاً وعشرين ضأناً، وخذها ولو طلبت شيئاً أكبر لحصَّلت. 

أبواب المعرفة بالله

فَوَسِّعوا طلبكم من عند الله تبارك وتعالى، وانظروا بماذا نخرج من جلستنا هذه؟ وذلك على حسب ما يرى الله في قلب كل واحد منا، فمهما عرفنا عظمة هذا الدين وعبدنا الله تعالى به انفتحت لنا أبواب المعرفة بالله، والدين ما بعث الله به نبيه محمداً ﷺ، وبذلك نعرف أن الفهم الصحيح للدين إنما يكون بِسَنَدٍ إلى النبي محمد، والذين خالفوا في الدين الفهم الصحيح لما بُعِثَ به رسول الله ﷺ جلبوا على أنفسهم كثيراً من الانقطاع عن الله تعالى في الدنيا وفَوْت الحظ في الآخرة.

وبحمد الله دخل الإسلام إلى إندونيسيا على أسانيد من أقوى الأسانيد إلى النبي محمد ﷺ، ابتدأ في أحاد في القرون الأولى، ولكن انتشر واشتهر في القرن السابع والثامن الهجري حتى عَمَّ الملوك والرعية، بواسطة علماء صُلَحاء من ذرية رسول الله ﷺ، ثم من قام معهم وساعدهم وأعانهم على فَهْمٍ صحيح هو فَهْمُ أهل السنة والجماعة، مُسْنَد بالرواية عن الشيوخ إلى رسول الله ﷺ، وبذلك كَثُر في أهل إندونيسيا على ممر القرون وجود علماء وأصفياء وصلحاء وأرباب العيشة الكريمة في الدنيا المتصلة بالسعادة في الآخرة.

الاقتداء بالقدوات العظيمة

نتوجه بالشكر لمن جمعنا وإياكم، ونسأله أن يملأ هذه القلوب إيماناً ويقيناً، وإخلاصاً لوجهه وصدقاً معه، وبذلك نجد القدوات العظمى رسول الله ﷺ وآل بيته وصحابته والأنبياء والمرسلين والعباد المقرَّبين فنقتدي ونتشبَّه بهم، ويجد نساؤنا قُدُوات كأمثال فاطمة الزهراء بنت النبي محمد ﷺ، وخديجة الكبرى أم المؤمنين وبقية أمهات المؤمنين وبنات المصطفى.

فأول الناصرين للإسلام والباذلين للجاه والمال لنصرة الله ورسوله خديجة بنت خويلد، أول ما نزل الوحي على نبينا خرج من غار حراء إلى عند خديجة، فكانت أول من آمن على الإطلاق، ثم بَذَلَت مالها وجاهها في نُصرة الله ورسوله، وكان من جزاء الله لها أن عجَّل لها مع السعادة الدنيوية سلاماً منه وهي في الدنيا قبل الآخرة، وفي صحيح مسلم أن جبريل أتى سيدنا النبي محمد ﷺ، فقال: "يا محمد هذه خديجة تُقبِل عليك حاملةً طعاماً تقدِّمه إليك فأقرئها السلام من الله ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قَصَب لا صَخَب فيه ولا نَصَب"، عامة المؤمنين يَنالون السلام من الله تعالى عند اللقاء في الآخرة (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ)، ولكن خديجة من أيام الدنيا قبل اللقاء جاءها السلام من الله.

وكان من أعظم البشائر للسيدة فاطمة ما خاطبها رسول الله عند موته، فأخبرها أولاً أنه ملاقٍ ربه من مَرَضِه هذا فبَكَتْ، ثم قال: "أما ترضين يا فاطمة أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة وأنك أول أهل بيتي لحوقاً بي؟" فضحِكت. فأي مؤمنة عاقلة تُبدِّل القدوة بخديجة وفاطمة بأحد من الشرقيات أو الغربيات أو الغافلات أو أي أصناف الناس؟! 

دعاء ووصية

هيَّأنا الله للقاء رسوله وأهل بيته وصحابته في مواقف القيامة وفي دار الكرامة، وضاعفَ الخيرات في جمعنا هذا. 

يا من جمعتنا في الدنيا على ذِكرِك لا تُفرِّق بيننا يوم القيامة، اجمعنا في ظل عرشك، وتحت لواء الحمد، وعلى الحوض المورود، نشرب من حوض نبينا ﷺ شراباً لا نَظمَأ بعده أبداً، واجمعنا في دار الكرامة وأنت راضٍ عنا من غير سابقة عذاب ولا عتاب ولا فتنة ولا حساب.

ومما نوصيكم به:

  •  قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة، وقبل النوم وعند الخروج من البيت. وفي الحديث: "من قرأ آية الكرسي بعد الصلاة كان في حِفظ الله وأمانه إلى الصلاة الأخرى"، وفي الحديث أيضاً قال ﷺ: "من حافظ على آية الكرسي بعد كل صلاة لم يكن بينه وبين الجنة إلا أن يموت". 
  • وبقراءة: (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِىٓ أَمْرِي) مئة مرة كل يوم. 

أجَزْناكم في هذا الذكر، تقبَّل الله منا ومنكم، وجازى بالخير الكثير من كان سبباً في جَمْعنا، وكل من ساهم في إقامة هذا الجمع وتيسير أسبابه، جعل الله ما بَذَلوا وما خَدَموا من أقوى الزاد لهم في القرب منه، وجعله سبباً لصلاح أهليهم وأولادهم وذرياتهم، وجعل الجمع كله سبباً لصلاح إندونيسيا والمسلمين في المشارق والمغارب، ورَفعاً ودفعاً للظلم عن أهل غزة وعن المظلومين في المشارق والمغارب.

اللهم اقبلنا في جمعنا، وانظر إلينا في وِجهتنا، ولا تجعل لنا قلباً إلا وجَّهْتَهُ إليك، وأقبلتَ بوجهك عليه، يا مُقلِّب القلوب والأبصار ثبِّت قلوبنا على دينك، يا مُصرِّف القلوب والأبصار صرِّف قلوبنا على طاعتك، اللهم كما أنعمت علينا بالإسلام فزدنا منه، اللهم كما أنعمت علينا بالإيمان فزدنا منه، وكما أنعمت علينا بالعافية فزدنا منها، وكما أنعمت علينا بالعمر فبارك لنا فيه، اجعل كل يوم من أيام أعمالنا خيراً لنا من اليوم الذي قبله، واجعل خير أيام كل منا اليوم الذي يلقاك فيه.

اللهم انظر إلينا يا خير ناظر، واغفر لنا يا خير غافر، واجعلنا سبباً لهداية خلقك إليك، فإنه مَن هَدَى الله على يده فَرداً خيرٌ له من الدنيا وما فيها.

اللهم اجعل كل واحد من الحاضرين والحاضرات مفتاحاً للخير مِغْلاقاً للشر، وانشر الخير على أيديهم، واجعلنا وإياهم في خير الأمة، وفي أنفع الأمة للأمة، وأبْرَك الأمة على الأمة، وانفعنا بالأمة عامة وبخاصتهم خاصة. 

ونُجَدِّد يا ربنا توبتنا إليك في هذه الساعة الشريفة، ونقول جميعاً: نستغفر الله العظيم، نستغفر الله العظيم، نستغفر الله العظيم، الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه، ونتوب إليه، ونتوب إليه.

 اللهم تُبْ علينا توبة نصوحاً تُزَكِّنا بها قلباً وجسماً وروحاً، وأَمْطِر على ساحات هذه القلوب أمطار الفضل والإحسان والعفو والعافية والمغفرة والرضوان والصدق واليقين، واربطنا بسيد المرسلين عبدك محمد ﷺ رَبْطاً لا يَنحل، وارفعنا به إلى أقوى محل. 

ونُجدِّد جميعاً إيماننا، ونقول: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، محمد رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، في كل لحظة أبداً عدد خلقه ورضا نفسه وزِنة عرشه ومِداد كلماته، برحمتك يا أرحم الراحمين والحمد لله رب العالمين.

 

فقرة الأسئلة:

 

نيات إضحاك الناس

السؤال الأول: (الممثل ريجين راكيلنا): كيف يكون إضحاك الناس وسيلة للتقرب إلى الله؟

لقبي ريجين واسمي الأصل محمد رزقي راكيلنا، لعلكم تذكرون اسمي في دعواتكم، أنا فنان كوميدي، أحب أن أُضحك الناس وأحب المزاح معهم، لكن قد يخطر على بالي أن ما فعلته هباء أمام الله تعالى، كيف يحفظ الرجل الكوميدي (الفكاهي) نيته لأجل النكت التي يلقيها، مُقيّد بالشرع ولا يكون سبباً لإبعاده عن الله تعالى؟

جواب الحبيب عمر بن حفيظ: 

بارك الله فيك،

  1. أولاً: يكون ذلك بإصلاح النية، وهو إدخال السرور على قلوب المؤمنين، وإخراجهم من الضيق والكرب. 
  2. وثانياً: بأن يكون إضحاكهم بما لا معصية فيه، بما لا سَبَّ ولا شَتْمَ ولا كَذِبَ فيه. 
  3. والثالث: أن يُدخِل في الإضحاك نور التقريب إلى الله والدعوة إلى الله تعالى، فذلك ممكن من حيث أن يختار في الإضحاك شيء يُشير إلى تَرَفُّع عن سوء أو إلى تَمَسُّك بخير أو إلى تذكُّر بالمصير.

وكان في الصحابة مَن يكون فُكاهياً ومُضحِكاً للجُلَساء، ومنهم سيدنا نُعيمان، وكان يُضحَك منه ﷺ في كثير من الأحوال، وكان إذا رأى شيئاً جاء من البادية من الفاكهة والثمر يشتريه دَيْناً ويأتي به إلى رسول الله ﷺ، ويقول: "هذا لك هدية يا رسول الله"، فإذا جاء صاحب الدَّين يتقاضاه حمله إلى عند النبي قال له: أَعطِ هذا حقَّه يا رسول الله، قال: أليس قُلتَ هدية؟ قال: دخلت إلى البلد فأحببتُ أن تَطْعَمَها فاشتريتها دَيناً والآن أعطِه حقَّه، فيعطيه حقه ويتبسَّم ﷺ.

وكان عدد منهم، فكان في إضحاكهم ذلك أيضاً شيء من إدخال السرور على القلوب، بل وكان بنفسه ﷺ يُمازِح الصحب وقت المزح مُعتدل من غير إيذاء ولا كذب.

جاءه رجل فقال: يا رسول الله احملني، أي: أريد الخروج معك في الجهاد فاجعل لي جَمَلاً، فقال: نحملك على ابن الناقة، فظنَّ أنه يعطيه قَعُوداً صغيراً، قال: يا رسول الله وما يُغني عني ابن الناقة؟ ما أصنع بابن الناقة؟ فقال: وهل يَلِدُ الإبل إلا النُّوق؟ إذا أعطيناك الجمل الكثير الكبير أليس ابن ناقة؟ 

وجاءته امرأة مرّة فقالت: إن زوجي يقول كذا وكذا، فقال: زوجك الذي بعينيه بياض؟ قالت: لا يا رسول الله ما بعين زوجي من بياض، فقالت: قالت: بلى، قالت: أنا أعرف زوجي ما في عينيه بياض. قال: هل من إنسان ليس في عينيه بياض؟ أنا ما عنيت بياض سواد نُونِ العين، البياض الذي حوالي العين.

 

أسباب انشراح الصدر والكف عن الهموم

السؤال الثاني: كيف أكون قوي الإيمان أمام الابتلاءات والمصائب؟

(روبن إليشاما، ممثل ومغني): في مراحل حياتي كنتُ أبحث كثيرًا عن حقيقة الطمأنينة، حتى منَّ الله عليَّ بالإسلام، وجدتُ شيئًا من تلك الطمأنينة التي طالما رجوتها، غير أنّ زخارف الدنيا كثيرًا ما تُزعزع قلبي، فكيف لمن كان حديثَ عهدٍ بالإسلام مثلي أن يكون قويَّ الإيمان، ثابتَ القلب، راسخًا أمام كثرة الابتلاءات والمصائب؟

  • تذكَّر مرافقة النبي محمد ﷺ وأنك تتهيأ لها،
  •  وتطلَّب زيادة المحبة في قلبك له والشوق إليه،
  •  وأكثر من الصلاة والسلام عليه، 
  • وأدخِل السرور ما استطعت على قلب من حواليك، 
  • وتذكَّر عظمة رحمة الله تعالى وأن الشأن في لقائه والرجوع إليه.

ولما أخبر بعض الصحابة رسول الله أنه يُكثر الصلاة عليه، ثم قال له: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذن تُكفى همّك ويُغفَر ذنبك.

  • واجعل لك نصيباً من أخبار الصحابة ومن شيء من الكلام الطيب تسمعه من وقت إلى وقت.
  • وان استطعت فاجعل لك شيخاً له سند إلى رسول الله ﷺ، تهتدي بهديه وتأخذ بنصيحته.
  • ومهما استطعت تحصيل صديق ناصح مُخلص مُذكِّر بالله فصادقه وتخالل معه. 

وفقك الله وشرح صدرك.

  • وفي آية الكرسي، والذكر الذي أعطيناكم سبب لانشراح الصدر وصلاح الشأن.

"قراءة آية الكرسي بعد كل صلاة، وقبل النوم وعند الخروج من البيت، وقراءة: (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) مئة مرة كل يوم"

 

الحكمة من الابتلاءات

السؤال الثالث: لماذا يبتلي الله من يحب؟ 

اسمي كينج فائز الرفيق (من مشاهير شباب إندونيسيا)، أود أن أسألكم، ما الحكمة أن الله إذا أحب عبداً ابتلاه، ونحن كبشر لو أحببنا شخصاً نود أن نراه دائماً مبتسماً فرحاً مسروراً؟ ولماذا ربنا كلما يسمع شكوانا وتضرّعنا يحبنا أكثر؟ وأطلب منكم الدعاء لي للتوفيق في حفظ القرآن الكريم.

الحبيب عمر بن حفيظ:

ما شاء الله، وفَّقك الله لحفظ القرآن وثبَّتهُ في صدرك ورزقك العمل بما فيه، وما يختبر الله عباده بشيء ولا يبتليهم بشيء إلا وقد أنعم عليهم وتفضّل عليهم بنِعَم كثيرة كبيرة لا تُعَدّ ولا تُحصى، وبهذا الابتلاء والاختبار يريد أن يزيدهم نِعماً لم تكن معهم من قبل، والذي يُحب ولده الصغير إذا رآه يتناول السكين أو النار أبعدها منه بالقوة، فيعتقد الطفل هذا أن والده يُكرِههُ على الانقطاع عن شيء يحبه، ولكن ما فعل الوالد ذلك إلا وهو يحبه، ولا يتبيَّن طلاب المدرسة الواعي والفاهم منهم والصالح للدرجة من الكسول والذي لم يفهم إلا بالاختبار، فإذا اختبروهم تبيَّن الذي يستحق الشرف والكرامة والتقدير والذي لا يستحِق ذلك.

ثم إنّ الذين اختُبِروا مَن كان منهم صاحب جِد واجتهاد يزداد اجتهاداً ويزداد بنتيجة الاختبار فرحاً فيُضاعف نشاطه في المستقبل، وهكذا في أنواع الخِبرات في الحياة، يُختبَر أصحابها لينالوا مزيّة.

ولله المثل الأعلى، فالله أعظم وأجلّ، فلا يختبر عبداً من عباده إلا وهو يريدُ له خيراً كثيراً وقد أعطاه قبل الاختبار خيراً كثيراً.

ونسأل الله يلطف بنا أجمعين، ويجعلنا عبيد إحسان وامتنان، لا عبيد ابتلاء ولا امتحان.

 

تربية الأولاد ووصية للمرأة

السؤال الرابع: كيف نتحمل ضغوطات تربية الأولاد؟

اسمي آيو روز مالينا (مغنية اندونيسية)، أنا أمٌّ ربَّت طفلها لوحدها، أحيانًا أشعر بالقوة ولكن في أوقات أخرى أشعر بالوحدة والتعب وانتظار الزوج المناسب، كيف يمكنني أن أداوم على الصبر مع حسْن الظن بالله، وأتيقن أن تقديره دائمًا هو الأفضل؟ أرجو منكم الدعاء والتوجيه.

الحبيب عمر بن حفيظ:

نظر الله إليكم وبسط لكم بساط فضله، أنتم بتربية هذا الولد تحوزون درجات كبيرة، وتتعاملون مع الذات الإنسانية في إعداد من يكون صالحاً في المجتمع، والولد إذا رُبِّيَ صار عنصراً صالحاً في المجتمع، وصار هو وجميع ما يعمله من الخيرات لوالدته مِثلَه، بل يصير من جُملة عملها الذي لا ينقطع وإن ماتت وتوفِّيت وانتقلت إلى الدار الآخرة.

وتتذكرين كثيراً ممن ابتُلِيَ بِمثل ما ابتُلِيتِ به وأكبر، لكن بعضهم والكثير منهم أكثر وأكثر مما ابتُلِيتِ به، وتذكَّري مُشابَهَتَكِ لأم النبي محمد ﷺ، مات أبوه وهو حَمْل في بطن أمه، فتفرّدت بتربيته الأم آمنة بنت وهب الزُّهرية، وارجِ ما عند الله من الثواب، وبذلك ينزاح عنك ما تجدينه مما يُنازل الصدر من مَرَّةٍ لأخرى.

ومهما وجدتِ صاحبة صالحة سواء من الأقارب أو من غيرهم فتصاحبي معها، تشاركك الهَم والمساعدة في الولد، فيكون ذلك أيضاً من دواعي انشراح الصدر.

والقيام بالتربية للأولاد ومصلحة البيت من شُغل فاطمة الزهراء سيدة نساء أهل الجنة، فتذكَّري مُشابَهَتَكِ لها واتباعكِ لها، راجية أن ترافقينها في الآخرة. 

وخُذِي التعليم الذي علَّمها ﷺ ليُعينُها على القيام بالخدمة في البيت والتربية، وهو أن تُسَبِّح قبل النوم 33 وتحمد 33 وتكبِّر 34، قال النبي للسيدة فاطمة وسيدنا علي: "ذلكم خير لكما من خادم"، قال سيدنا علي آخر عمره: "ما تركتها ليلة منذ سمعتها من رسول الله"، قال له بعضهم: "ولا ليلة معركة صِفِّين؟" قال: "ولا ليلة معركة صِفِّين، جئتُ بها من آخر الليل".

 

الرياضة والدعوة إلى الله

السؤال الخامس: كيف يمكن لأهل الرياضة حماية القلوب من العجب وما هي نيات الدعوة في الرياضة؟

اسمي شمسير عالَم، وأنا رياضي، نحن الرياضيين نتعرض كثيرًا للأضواء والمدح، فكيف يمكننا أن نحافظ على قلوبنا من الكِبر والعُجب، ونستخدم هذه الشهرة في الخير والدعوة إلى الله؟

الحبيب عمر بن حفيظ:

بارك الله فيك ووفَّقك وأخذ بيدك، والرياضة باب ومجال واسع للدعوة إلى الله تعالى، وأما الثناء فسواء للرياضي أو لغيره، كل من أُثْنِيَ عليه:

  •  عليه أن يتذكر أن هذا ثناء من مخلوقين على قَدْر فَهْمهم، 
  • وأنه ليست العبرة والشأن إلا بحاله عند الله تعالى،
  • ويكون راجياً أن الله تعالى كما أجرى الثناء على أَلْسُن هؤلاء أن يجعله عنده محموداً.
  •  وكما سَتَره في الدنيا وأظهر محاسنه أن يفعل به كذلك في الآخرة.

 

  • ثُمّ الأخلاق مع الذين يتصلون بكم في الرياضة مفتاح للدعوة، 
  • وإدخال ذكر الله تعالى في الرياضة أيضاً من أسباب نزول الرحمة ونشر الخير. 
  • ثم إسداء الكلمة الطيبة في الوقت المناسب وعند استقبال النفسية لذلك من أسباب الدعوة إلى الله.
  • ثم رؤيتهم لتعظيمك للصلاة وأمور الدين دعوة إلى الله. 
  • وثناؤك على النبي ﷺ والصحابة والصالحين أيضاً بينهم دعوة إلى الله. 
  • ذِكْرُك للآخرة وشيء من أحوالها في شيء من الأحيان دعوة إلى الله.
  •  إهداء الكتاب الطيب أو الشريط الطيب أيضاً دعوة إلى الله. 
  • الدلالة على موقع طيب من مواقع الطيبين والترغيب فيه دعوة إلى الله.

 كُل هذا وأمثاله يمكن أن تقوم به مع الرياضة فتكون داعياً إلى الله.

 

محبة الله والنبي ﷺ

السؤال السادس: كيف نكتسب محبة الله ونبيه صلى الله عليه وسلم؟

اسمي عطا هاليلينتار (شخصية مؤثرة)، أود أن أسأل: ما هو الدعاء الذي ندعو به كل يوم لنحظى بمحبة الله ورسوله ﷺ؟

النصيب من القرآن وأذكار الصباح والمساء والصلاة على المصطفى محمد ﷺ، جعلنا الله وإياكم محبوبين له ولرسوله في عافية. 

وقد سُئِل ﷺ مرة وقيل له: "دُلَّنِي على عمل إذا عملتُه أحبَّني الله وأحبني الناس"، قال: "اِزْهَد في الدنيا يُحبّك الله وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس". 

وامتلاء القلب بمحبة الناس مِن أجل الله والحرص عليهم والرحمة لهم من أقوى أسباب المحبوبية عند الله وعند رسوله والناس.

 

ختام اللقاء والدعاء

فسامحونا ولا تنسونا من دعائكم، وإنا إن شاء الله لكم داعون، الله يجعلها رابطة فيه ومن أجله لا تنحلُّ ولا تنقطع، حتى يجمعنا في دار الكرامة، من غير سابقة عذاب ولا عتاب ولا فتنة ولا حساب، آمين يارب العالمين.

بارك الله في هذه المنظمة والقائمين عليها وفي جميع الحاضرين، وجعلهم من أقوى أسباب نفع الأمة، ويتحقّق فينا بالوصف الطيّب الذي مدح الله أهله في القرآن، في قوله: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) أي: متحابون أنصار أعوان على طاعة الله،

 (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) بالرفق واللين والرحمة، 

(وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) يقيمون الصلاة حضوراً مع الله، ويؤتون الزكاة محبة لله وبذلاً لوجهه، 

(وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ): يقدِّمون طاعة الله ورسوله على كل فكر وعلى وكل غرض وعلى كل نفس وعلى كل هوى، ثم قال: (أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ) فهنيئاً لهم برحمة الله، ومن رحمهُ الله لا يضل ولا يشقى، ولا يخسر في الدنيا ولا في الآخرة، (إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). 

اللهم حقِّقنا بهذه الأوصاف، وخلِّقنا بهذه الأخلاق، واجعلنا من أهل هذا الفضل العظيم، وانظر إلينا وإليهم وأقبلِ بوجهك الكريم علينا وعليهم، وأصلح شؤوننا بما أصلحت به شؤون الصالحين، اللهم اجعلها ساعة شفاعة وقبول للشفاعة، وساعة ارتقاء وساعة اعتلاء وارتفاع، وساعة اتصال بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبابنته الزهراء وأمها الكبرى وأمهات المؤمنين، والسابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان. 

اللهم أصلِح البلاد والعباد، اللهم ادفع الضُّرّ والبلاء والفساد، اللهم أصلِح الجسم والفؤاد، والمعاش والمعاد، وبلِّغنا المراد وفوق المراد مما أنت أهله يا كريم يا جواد، يا لطيفاً بالعباد، يا رؤوفاً بالعباد، يا رحيماً بالعباد، يا لطيفاً بخلقه يا عليماً بخلقه يا خبيراً بخلقه الطف بنا يا لطيف يا عليم يا خبير. 

يا لطيفاً لم يزل الطف بنا فيما نزل ** إنك لطيف لم تزل الطف بنا والمسلمين. 

وأصلِح شؤوننا بما أصلحتَ به شئون الصالحين، واجعل الجمع مذكوراً في العالم الأعلى بخير ما تذكر به مجامع المحبوبين، واجعله قرة عين لسيد المرسلين، واجعله اللهم سبباً لرفعة درجات آبائنا وأمهاتنا وسلاسل سندنا وأخذنا إلى نبيك المصطفى، اللهم وأعِد عوائدهم علينا وأصلِح الظاهر والباطن لنا، وتولنا في الحس والمعنى، واختم لنا بأكمل الحسنى، واجعل آخر كلامنا من الدنيا "لا إله إلا الله" مُتحققين بحقائقها وأنت راض عنا، بسر الفاتحة إلى حضرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الفاتحة.

 

تاريخ النشر الهجري

03 جمادى الأول 1447

تاريخ النشر الميلادي

25 أكتوبر 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية