محاضرة بمناسبة عقيقة المولود المبارك عبدالله بن أحمد بن عبدالله المشهور

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ للنساء، بمناسبة عقيقة المولود المبارك عبدالله بن أحمد بن عبدالله المشهور، عصر يوم الأحد 25 محرم 1447هـ

  • 0:33 نظرة المؤمنين إلى الأولاد
  • 2:10 الدعاء لصلاح الذرية
  • 4:01 قصة امرأة عمران
  • 5:42 سيدتنا مريم: نتيجة النية الحسنة
  • 7:04 دعاء زكريا عليه السلام
  • 7:40 النظرة الإيمانية للأولاد
  • 8:41 سنة التحنيك والبركة
  • 10:31 التربية في عهد النبوة
  • 11:48 قصة طفل اشتاق إلى النبي
  • 13:14 التربية في السلف الصالح
  • 14:45 التوسل بالأعمال الصالحة
  • 15:58 سُنة الأذان في أذن المولود
  • 16:27 أسرار التربية والرضاعة
  • 17:40 تعليم الأطفال وحمايتهم
  • 19:01 آداب الطعام والشراب
  • 19:39 وصف السلف الصالح
  • 20:18 بركة الجوار للصالحين
  • 21:25 وصف المدينة المنورة
  • 22:45 واجب الآباء والأمهات

نص المحاضرة مكتوب:

الحمد لله الذي جمعكنّ في هذه المناسبة، مناسبة ولادة مولود بين هذه الأمة وفي ربوع هذه البلدة، يُرجى أن يسلُكَ به خالقه -سبحانه وتعالى- مسالِك أهل محبته ووداده، وجُوده وإسعاده، وأن يمدَّهُ بواسِع إمداده.

نظرة المؤمنين إلى الأولاد

وهذا يُذكِّرنا بواجبات المؤمن والمؤمنة في نظرتهم إلى الأولاد، وفي هذه الآية للرحمن سبحانه وتعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا) [الروم:21]

يقول: ( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً) [النحل:72] ثم أخبر الله سبحانه وتعالى أن أهل الإيمان به تتوجّه هِممهم لصلاح هؤلاء الأولاد، ويرتجُون فيهم أن يكونوا قُرّة أعيُن، ومعناه محلُّ رضا وسرور لقلب نبيهم صلى الله عليه وسلم، ثم لآبائهم وأمهاتهم في الدنيا ويوم البعث والنشور.

ولذا قال الإمام محمد بن أحمد بن أبي الحب في دعائه للوالدين، يقول: "اجعلنا لهم قرة أعين يوم يقوم الأشهاد، وأسمعهم منا أطيب النِّداء يوم التنادِ". قال -جلّ جلاله- في صفات عباد الرحمن: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان:74].

الدعاء لصلاح الذرية

ثم ذكر أن المؤمن إذا قوِيَ إيمانه واستكمل عقله وتجاربه في الحياة توجَّه إلى هذه المُهمة بقوة، قال سبحانه وتعالى: (حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [الأحقاف:15].

فكان النظر ُ إلى صلاح الأبناء والبنات محلُّ اهتمام المؤمنين والمؤمنات، لأنهم يُوقِنون أنه لا يُقرِّب إلى الله -تبارك وتعالى- من الأولاد والعِيال ولا من الأموال إلا ما كان رِدءًا ومٌساعدةً في الإيمان والعمل الصالح. قال جلَّ جلاله: (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا) [سبأ:37].

فالمؤمنون والعاملون الصالحاتِ أموالُهم مُستعملة في الصالحات، وأولادهم مُربَّون بتربية الصَّلاح ومُرادُهم بهم معرفة الحق -جلَّ جلاله-  وإقامة أمر  دينه وخِلافته على ظهر الأرض، فهؤلاء ينفعهم الله بأموالهم وأولادهم، وماعدا ذلك فمن الزُّور  والغُرور  والجهل والحماقة  الاغترار بالأموال والأولاد، قال تعالى: (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [التوبة:55] ، ثم تكون لهم سوءا في العُقبى.

قصة امرأة عمران

إذاً فنظرة المؤمن للأولاد من أبناء وبنات، ما عرَض  لنا الرحمن أيضًا في القرآن عن قصة حنّة امرأة عمران، قال الله تعالى: كانت تلك الأسرة في محيطها ووقتها مُصطفاة من قِبل الحق تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) [آل عمران:33].

وعرض لنا هذا العَرض: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا)، لما أحسَّت بالحَمل قالت: "ما في بطني محررًا لك يا رب"، أي لا أريد من ورائه أن يجلب إليّ شيئًا من الدنيا ولا من مصالحها، ولكني أُهيِّئُه لك ليكون خادمًا لدينك وشريعتك في بيت المَقدِس، يخدُم أنبياءك والعُبّاد في بيت المَقدِس. (إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [آل عمران:35].

وكانت تظنُّه أن يكون ذكرًا، فكانت بنت. (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ). في شؤون مهام الحياة المُناطة بالرجال تختلف عن المُناطة بالنساء في جوانب، منها القيام في بيت المقدس ونحوه بالخدمة، إنما يكون من الرجال (وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) [آل عمران:36].

سيدتنا مريم: نتيجة النية الحسنة

لكن نتيجة النيّة الحسنة والوجهة الصحيحة في قلب حنّة امرأة عمران، أنها تريد من هذا المولود أن يكون موفِيًا بعهد الله، وقائمًا بحق الله تعالى في المعرفة به، وخدمة شريعته ودينه، ما ضاعت وقَبِلها الله وبارك في تلك البنت بركة كبيرة. قال تعالى: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا).

وذكر كرامات تحصل لها، هذه كرامات الأولياء المذكورة في القرآن: (كلمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا). كان يقفل الباب ولا أحد يدخل ويأتي والرزق موجود، فالفواكه والخضروات، حتى فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء، فيتعجّب. كلّما دخل، ليس مرة ولا مرتين، مرات كثيرة. ( كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا). من أين يجيء؟ (قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [آل عمران:37]. فكان من الكرامات الكبيرة للأولياء المذكورة في القرآن  لهذه المرأة الصّدّيقة في بداية نشأتها وفي أيام تربيتها كانت تظهر عليها الكرامات .

دعاء زكريا عليه السلام

(هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ)، يعني اغتنم محل نزول الرحمة ووجود الكرامة في هذا المكان، (هُنَالِكَ) أي  في ذلك المكان، (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ) فإن الدعاء يكون مستجابًا في محلّ تنزُّل الرحمة وحُصول الكرامات. (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) [آل عمران:38]. وهو ليس لديه أولاد، (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ) . وجاءه النبي يحيى على نبيّنا وعليهم أفضل الصلاة والسلام.

النظرة الإيمانية للأولاد

هذا العرض من الله فيما نريد من الأولاد، ونظرتنا وفلسفتنا نحو الأولاد، فأما مُجرد الأُنس بالأولاد أو إرادة أن يكونوا نافعين بمتاع الدنيا، فهذا يشترك فيه البَرّ  والفاجر، ويكون عند المسلم وعند الكافر. فماذا يختصُّ به المؤمن في نظرته إلى الأولاد؟ ماذا يختص به المسلم في نظرته إلى الأولاد؟ يختص بنظر خاص، يُريد بَرَرة يرِدون على حوض النبي المورود، ويُريد علماء أتقياء.

كان يقول بعض الصالحين: "انوِ أن يكون لك ولد أو ابن أو بنت يكون بموتهم ثُلمة في الإسلام"، يعني يكونوا علماء نافعين لعباد الله، فيكون موتهم ثُلمة على الإسلام. "إذا مات العالم ثُلِم في الإسلام، ثُلمة لا يسدها إلا خلفٌ منه"، يقول صلى الله عليه وسلم.

سنة التحنيك والبركة

فهكذا نظرة المؤمنين إلى هؤلاء الأولاد، وليكونوا سببًا لرفعة درجاتهم أيضاً، وليستمر  لهم العمل الصالح بعد موتهم ببقاء أولادهم إذا بَقُوا بعد مماتهم. "فإن ولد الرجل من كسبه"، يقول صلى الله عليه وسلم، وتصل إليه أعمالهم الصالحة. "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له".

هذه النظرة إلى الأبناء بها انتبهَ الصحابة رضي الله عنهم من حين أن يُولَد المولود فيهم، ويأخذونه إلى عند رسول الله، ليقرأ عليه وينظر إليه وليُحَنِّكه، أي يُدلِك حنكَه بتمر. فكانوا يأتون به إليه فيقرأ عليهم ويُحنِّكهم بريقه الشريف، يمضغ التمر  بريقه ثم يُدلك به حنك الصبي منهم، ويدعو لهم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

وقد استمر أيضًا في الأمة حرصُ كبار أخيارها على عرض أولادهم على صُلحاء بلدانهم وصُلحاء زمانهم، وترددهم عليهم بهم، وطلبهم النظر إليهم والقراءة منهم عليهم. 

وهكذا يولد المولود لبعضهم في المدينة فيقول الصحابي لزوجته: "لا ترضعيه ولا تُطعميه شيئًا حتى أذهب به الفجر  لرسول الله فيحنِّكه" ، ليكون أول ما يدخل جوفه ريق المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيحملونه إليه عليه الصلاة والسلام فكان يحنكهم.

التربية في عهد النبوة

ثم إنهم في رعايتهم لهؤلاء الأطفال وتربيتهم لهم يترددون بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام طفولتهم. وإذا بدأوا يكبرون ويمشون كانوا يرسلون أطفالهم إلى بيته الشريف صلى الله عليه وسلم، وقد يرسلون معهم ماء يضع يده الكريمة فيه ليشرب منه أهل دارهم، أهل بيتهم وعلى ذلك. 

ويحكي بعض الصحابة يقول لهم الصبيان: إذا حضروا معه في المسجد في صلاة الفجر وبقوا إلى الإشراق وصلَّى صلاة الضحى ودخل بيته، يقولوا: اذهبوا ادخلوا معه، فإنه يدخل الأطفال ما لا يدخله الرجال، فيدخلون معه وانظر إلى الماء الذي توضأ منه في الليل، إن وجدت فيه ماء فاشرب منه.. يقولون لأولادهم هكذا، يربونهم مُتعلقين بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم.

وقد يرسلون معهم ماء ليضع يده الشريفة فيه. سيدنا أنس يتعجب من كريم خُلقه، فأحيانًا يكون في المدينة برد شديد وقت البرد، ويأتون بالماء البارد، فيُخرج يده صلى الله عليه وسلم ويضعها في الماء البارد ولا يقول: بَرد وتعب، ويضع يده جبرًا لخواطرهم ولتمتد إليهم البركة -صلى الله عليه وسلم.

قصة طفل اشتاق إلى النبي

وحتى جاء في أخبار هؤلاء ما جاء، حتى أنّ واحدًا من هؤلاء الأبناء كان ابن عشر سنوات وحضر غزوة مع أبيه في الجهاد في سبيل الله. قال لأبيه: يا أبتي -عند المعركة- هل لك من وصاةٍ أبلغها إلى رسول الله؟" قال: "ما تقول يا ولدي؟" قال: "حضر ما ترى، وإني مشتاق إلى رسول الله، وقد سألت ربي ودعوته أن أُستشهد في هذه المعركة لألقى النبي وأذهب إلى عنده، فهل عندك من وصاة أبلغها؟" ضمّه إليه وقال: "يا بني، إن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقرأه مني السلام". وقام الولد في هذه المعركة واستُشهد عليه رحمة الله  وهو في عشر سنوات.

انظر فِكر هذا الولد من أين استقاه؟ البيوت كانت تُربي الأولاد على هذه الصورة وتُعلّقهم بالحق وبرسوله، حتى امتلأ شوق.

وإلا هذا  السن الأولاد يملأون فيه شوقًا إلى الألعاب وإلى بعض النزهات وإلى بعض الأجهزة ومرافقة بعض الأصحاب، لكن هذا قلبه ملآن بالشوق إلى محمد ﷺ، إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكان ما كان من أمره، فعليهم رضوان الله تبارك وتعالى.

التربية في السلف الصالح

بهذا نعرف لِم اعتنى سلفنا الأكرمون بتربية الأولاد وتسلسل ذلك فيهم، حتى كان في مُتأخريهم الحبيب: علي بن أبي بكر بن علوي بن عبد الرحمن المشهور، جد هذا الطفل -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-، وما تسلسل من التربية إليه وما قام به من التربية لأولاده، ورباهم على الاستقامة وعلى التقوى وعلى الأخلاق وعلى الأداب وعلى السنن، وبرز منهم من برز.

والذين قد لحِقوا بربهم من أولاده: حبيبنا محمد، وحبيبنا أبو بكر العدني، وحبيبنا عبد الله، وحبيبنا شهاب الدين، عبدالله جد هذا المولود -عليه رحمة -، سُمّي باسمه، عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن علي بن أبي بكر، بارك الله فيه بركة تامة، وحشاهُ بنور العلم والمعرفة واليقين، بارك فيه وفي جميع بني أبيه وأولاد أبيه، وجعله وأخته التي سبقته من أهل العلم والعمل والتقوى، ونظر إلى جميع أبنائنا وبناتنا وأدخلهم دوائر  اصطفائه واجتبائه وقربه -سبحانه وتعالى- ومحبته وولائه ومُتابعة خاتم أنبيائه ﷺ، ليكونوا لنا قرة أعين يوم يقوم الأشهاد وتحسن تربيتهم على المسلك القويم والصراط المستقيم.

التوسل بالأعمال الصالحة

فيا رب ثبتنا على الحق والهدى ** ويارب اقبضنا على خير ملةِ

من خلال هذه المجالس التي تجلسونها وتقرأون المولد الشريف للبركة في الأبناء والبنات، وهذه من التوسلات إلى الله بالأعمال الصالحة. قال ربنا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ).[المائدة:35]

فما يكون من قراءة قرآن ومِن ذكر للرحمن ومن صلاة على النبي ﷺ، ومِن ذكر أخباره وسيرته ومولده ونشأته وأخلاقه عليه الصلاة والسلام، كلها قُربات يُتوسَّل بها إلى الله لِتحُلّ البركة في أبنائنا وبناتنا. وكذلك ما يكون من إطعام طعام أو سقي من شراب، كل ذلك داخل في البركات، كما يتّصل به سُنة العقيقة لمن تمكن منها في اليوم السابع، وإلا ففي السبع الثانية أو في السبع الثالثة وهكذا إلى أن يبلغ الابن أو البنت، فإذا بلغ ذهب وقت العقيقة لآبائهم فبقي عندهم أن يعقُّوا عن أنفسهم إذا لم يعقّ عنهم آباؤهم، وهي سُنة من سُنن نبينا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

سُنة الأذان في أذن المولود

وإذاً وجب علينا أن ندرك المُراد من الأولاد ومقاصد المؤمنين في أولادهم، ومن هنا جاءتنا السُنة أيضًا بالأذان في أذن المولود إذا وُلد، ليكون أول ما يطرق سمعه: ذكر الله -جل جلاله وتعالى في علاه - ،ذكر الله وذكر رسوله عليه الصلاة والسلام: "الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله" إلى آخر الأذان.

أسرار التربية والرضاعة

وجب بكل ذلك أن نعلم سرّ التربية، وأن لا ترضعه إلا أمه أو امرأة تقيّة صالحة، وأن لا ترضعه حتى تُسمّي الله، وأن لا تغفل عن ذكر الله أثناء رِضاعه. فإنه إذا كانت الأم ذاكرة لله أو تالية للقرآن أو مُصلّية على النبي ﷺ عند الرضاع، فإنه يتصل بهذا الرضاع نور،:

  • نور القرآن، 
  • نور الذكر، 
  • نور الصلاة على النبي محمد ﷺ، 

فيرتضع مع الألبان معانٍ، يرتضع مع الألبان نورًا،  تتروَّح بها روحه.

وبذلك كانوا من أيامهم في بطون أمهاتهم يسمعون القرآن ويسمعون الذكر ويسمعون الصلاة على النبي، ويخرجون وكذلك يجدون البيت كله مُشتغلاً بنصيب من ذكر الله وذكر رسوله وتلاوة القرآن. قال نبينا: "البيتُ الذي يُقْرَأُ فيه القرآنُ، يتراءى لأهلِ السماءِ كما تَتَراءَى النجومُ لأهْلِ الأرضِ".

تعليم الأطفال وحمايتهم

وهكذا يأتي  الحِرص حتى إذا بلغ سن التمييز علّموه الطهارة والصلاة، وعلّموه الأحكام؛ التي يستعدُ بها للدخول في دائرة العمل بشريعة الله -جلّ جلاله-، ليتصل بأسرار الخلافة عن الله -تبارك وتعالى-.

وينشأ ناشئ الفتيان منّا                على ما كان عوّده أبوهُ

ومن أهم المهمات في هذه التربية: الحرص عليهم في أيام طفولتهم؛ مِن سماع ما لا يصلح سماعه، ومِن نظر ما لا ينبغي نظره، ومِن مصاحبة ومجالسة مَن لا ينهض حاله، مَن لا يزداد به النور، مَن لا يعاون على الحضور مع الله -تبارك وتعالى-.

فإن الصحبة أكثر ضررًا وتأثيرًا على الأطفال والناشئة من أيّ شيء آخر، ومسموعاتهم ومنظوراتهم، ما ينظرون وما يسمعون من خلال آبائهم وأمهاتهم أو من خلال الأجهزة، هذه، ما ينظرونه وما يسمعونه مؤثر على قلوبهم، على أرواحهم، على نشأتهم، على أفكارهم، على وجهاتهم، وهم أمانة في أعناقنا، وهم أمانة عند آبائهم وأمهاتهم.

آداب الطعام والشراب

ولهذا يبدأون من قبل سن التمييز وهم يعلمونهم

 الأكل باليمين والبسملة** حتمًا بكل حين

ولا يبادر قبل أكل صاحبه** ويأكل العيش الذي بجانبه

ويعلِّمونهم آداب الطعام وآداب الشراب، ويبدأون يعلمونهم ذكر الله -سبحانه وتعالى-، ويحرصون على أن تكون ما يحتاجون إليه من الألعاب ونحوها مضبوطة بضوابط الشرع ومع قوم طيبين وصالحين، حتى تتم النشأة على الخير والصلاح والبر والتقوى.

وصف السلف الصالح

قال الإمام عمر المحضار -عليه رحمة الله- في ذكر وصف السلف الصالح ونشأتهم: 

هم أقوام غذوا  في المحبة من صغرهم         

وعاشوا في مخافات وغابوا في فِكرهم

قال من أيام الصغر وهم يشربون كأس المحبة لله تعالى والمودة من الله تعالى بما يعلمهم آباؤهم وأمهاتهم. 

هم أقوام غذوا  في المحبة من صغرهم         

وعاشوا في مخافات وغابوا في فِكرهم

فيسعد كل من كان في عمره نظرهم

   في البكرة صباح أو عشية في مساهم

بركة الجوار للصالحين

وهكذا كان مما أَنِس به جد  هذا  المولود: الحبيب علوي المشهور الذي أقام هذا البناء بالعشر  بجانب المحضار، لما أقام ذلك البناء وليسكن في ذلك المكان، قال سمع الشاعر يُلقي الشعر بلهجتنا الدارجة العامية يقول: 

يا من حضر يسمع صلوا على المختار 

والله ما يندم من جاور  المحضار

وكان لجوار  مسجد المحضار شأن، وهكذا الجوار للأخيار ولأماكن الخير  ومواطن الخير من نِعم الله -سبحانه وتعالى- على المجاور. 

وهكذا حتى أنه ﷺ جعل من أسباب شفاعته الخاصة الوفاة في أحد الحرمين، مجرد حضوره إلى الحرم المكي أو المدني تنفتح له باب شفاعة خاصة. يقول: "من مات بأحد الحرمين كنت له شفيعًا" أو قال: "شهيدًا يوم القيامة" إلى غير ذلك.

وصف المدينة المنورة

وهذا بسِّر المجاورة؛ 

  • المجاورة للحرم
  • المجاورة للحجرة الشريفة 
  • ولمقبرته ﷺ. 

وهكذا، قال الإمام الحداد، لما وصف وصولهم إلى المدينة: 

مع الفجر وافينا المدينة طاب من

صباح علينا بالسعادة سافرِ

يقول: 

فلما بلغنا طيبة وربوعها

شممنا شذى  -طيب عبق- يزري بعرف العنابرِ

وأشرقت الأنوار من كل جانب

ولاح السنا من خير كل المقابرِ

ما في قبر في العالم أعظم من هذا القبر ولا من هذه المقبرة. 

ولاح السنا من خير كل المقابرِ

وهكذا..

 إلى مسجد المختار ثم لروضة

بها من جنان الخلد خير المصائرِ

إلى حجرة الهادي البشير وقبرهِ

وثم تقر العين من كل زائرِ

وقفنا وسلمنا على خير مرسل

وخير نبي ما له من مناظرِ

فردَّ علينا وهو حي وحاضر

فشرف من حيٍّ كريمٍ وحاضرِ

زيارته فوز ونجح ومغنم

لأهل القلوب المخلصات الطواهرِ

 

واجب الآباء والأمهات

انظروا كيف يتربى اليوم أبناؤنا وبناتنا، وأي المشاعر يكتسبون؟ وأي الأذواق يذوقون؟ ارعوا حق الله في هذه الأمانة.. ارعوا حق الله في هذه الأمانة، وأدّوا الأمانة على وجهها، لا تعلّقون أبناءكم ولا بناتكم بالتُّرّهات والبطالات ولا بالأزياء الساقطات ولا بتعظيم الفاجرين والكفار والبعيدين عن الله تعالى.

أدّوا الأمانة، أعطوا الأمانة حقّها، وارعوا حق الله في هذه الأمانة؛ فإن أبناءنا وبناتنا أمانات عندنا، يجب أن نُربيهم على تعظيم الله وتعظيم رسوله محمد ﷺ، وأن نهيئ لهم ما به يكتسبون قوة الإيمان وقوة اليقين والمحبة والولاء لله ورسوله الأمين وللعباد الصالحين.

الدعاء

نظر الله إلى أبنائنا وبناتنا وملأهم بالإيمان واليقين والهدى، و عصمهم من الزيغ والردى، ووقاهم شرور الزمن وأهله وكل شر أحاط بعلمه جل جلاله، وحماهم من جميع الفتن والمِحن ما ظهر منها وما بطن.

ضاعف البركة في هذا المولود وفي أبيه وأمه وفي أهاليهم ووالديهم وفي جميع قراباتهم، بركات تامات متناميات أبديات. اللهم اجعله قُرة عين لحبيبك سيد الكونين ولأم الحسن والحسين ولأبيهما ولهما ولذريتهما الغرّاء ولسلفه الأكرمين، واجعله قرة عين لكل مؤمن. وزده من فضلك ما أنت أهله، واجعله في خواص العلماء العاملين والهداة المهتدين، الداعين إلى الله على بصيرة، السائرين في خير سيرة.

وعُمّ من في المجمع ومن حضر  بنظر من عندك وعناية وخيرات كبيرة ومِنن وفيرة، ونور في قلوبهم وفي ذواتهم وفي ديارهم ومنازلهم وفي أهليهم وفي أولادهم، واجعل الكل من المجتمعين مع أهليهم وأولادهم في دار الكرامة ومستقر الرحمة، إنك أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

ودعاء حملة العرش:

  •  (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)[الطور:21]. 
  • (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ ۚ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ)[غافر:8-9].

نتائج السيئات التي تُعمل في الدنيا نتائجها في القيامة: 

  • إعطاء الكتاب بالشمال،
  •  وخِفّة ميزان الحسنات، 
  • والفضيحة عند ظهور الفضائح،
  •  والخسران عند لقاء الحق، 

هذه السيئات -والعياذ بالله تعالى- والسقوط في النار وعدم المرور على الصراط. (وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ)، فمن وُقي شر السيئات في الدنيا ما يُعطى كتابه إلا بيمينه، ويربح وينجح عند العرض على الله، ويرجح ميزان حسناته، ويمر على الصراط أسرع من لمح البصر. وُقي السيئات. (وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [غافر:9].

اللهم اجعلنا منهم، فسر  بنا في الصراط المستقيم، وبارك لنا في خاتمة شهرك المحرم، أول شهور السنة السابعة والأربعين بعد الأربعمائة والألف من هجرة نبيك الأمين.

اللهم واجعل هذا الولد ممن ترعاهم عين عنايتك في جميع الأطوار، وتولّهُ في جميع آناء الليل وأطراف النهار، في جميع الشؤون في الظهور والبطون، وادفع عنه جميع الآفات، وتولّهُ في الظواهر والخفيات، وبارك في جميع أبنائنا وبناتنا بركات تامات، وبلِّغنا فوق الأمنيات وعظيم السعادات في الغيب والشهادات في الدنيا والآخرات.

بسر الفاتحة إلى أرواح الآباء والأمهات، والأجداد والجدات، وإلى أرواح أصولهم وفروعهم إلى خير البريات، وأن تعود  العوائد على كبيرنا وصغيرنا بخير الرحمات والعطايا الربانيات العظيمات في لطف وعافية، وبنية صلاح شؤون المسلمين في المشارق والمغارب، و دفع جميع المصائب والنوائب، والختم بأكمل حُسنى وهو راضٍ عنا في خير ولطف وعافية.

بسر الفاتحة 

إلى حضرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

 

العربية