نظام الحق في علائق المؤمن بأصناف الخلق
خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع الروضة بحارة الروضة، عيديد، مدينة تريم، 27 شوال 1446هـ بعنوان:
نظام الحق في علائق المؤمن بأصناف الخلق

كيف يحقق المؤمن تصحيح علاقته مع الخالق والمخلوقات؟ (فوائد مكتوبة من الخطبة):
لتحميل الخطبة (نسخة pdf):
نص الخطبة مكتوب:
الحمد لله، الحمد لله الملك الحق العليم الخبير السميع البصير، الذي منه المبتدأ وإليه المرجع والمصير.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
ونشهد أن سيدنا ونبينا وقُرّة أعيُننا ونور قلوبنا محمداً عبده ورسوله، ونبيه وصفيه وحبيبه وخليله، البشير النذير والسراج المنير، سيد أهل السماوات والأرض وأعظمهم قدراً لدى العلي الكبير.
اللهم أَدِمْ منك الصلوات عنا على عبدك المختار سيدنا محمد وعلى آله وأهل بيته وصحابته وأتباعه بإحسان إلى يوم وضع الميزان، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين سادات أهل الهدى والعِرفان، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا رحمن.
أما بعد،،
عباد الله، فإني أوصيكم وإياي بتقوى الله. تقوى الله التي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثيب إلا عليها.
ثمرة تصحيح العلاقة مع الله :
أيها المؤمنون، اتَّقوا الله في علائِقكم بهذا الإله، التي إذا صحَّت وصَفت لم تكن للعبد المؤمن به علاقة بشيء من الكائنات إلا على الوجه الذي يرضاه، وعلى ما أحبه تعالى في عُلاه.
وحينئذٍ يتحقّق العبد بحقيقة الإيمان والصدق مع عالم السر والإعلان، فتكون علائقه بنفسه وما سوى نفسه من الكائنات قائمة على هذا الأساس الذي لا ينهار ولا يهتاس، على أساس ما أحب، وعلى أساس ما رضي، وعلى أساس ما شرع جل جلاله وتعالى في عُلاه.
تنظيم علائق الإنسان :
ولقد نظم تعالى لنا هذه الروابط والصِّلات والعلاقات بيننا وبين أنفسنا، وبيننا وبين أهالينا وأسرنا وذوي أرحامنا وجيراننا، وبيننا وبين أهل بلداننا، وبيننا وبين أهل مِلتنا ودينه الحق الذي لا حق سواه، وبيننا وبين جميع أهل الملل الذين لم يؤمنوا به وبرسوله على اختلاف أصنافهم.
العلاقة مع الحيوانات :
بل وبيننا وبين الحيوانات؛ ومنها ما هُيِّئ بتقديره وترتيبه وتكوينه للركوب أو للأكل منه أو للحَمولِ عليه، ومنها مُهيّأ لغير ذلك من المصالح، ومنها ما يدخل في ملك الإنسان ومنها ما لا يدخل، ومنها في البر ومنها في البحر.
وجعل بيننا وبينها صِلات، حرم علينا فيها أن نؤذي شيئًا بغير حق أو نقتل إلا ما أباح لنا ذبيحته من الأنعام بقصد الطعام لهذا الإنسان إكراماً له، أو ما كان من الفواسق والمؤذيات المُضِرات بالإنسان، تشريعاً منه جل جلاله لتكريم هذا الإنسان.
وما عدا ذلك، فلو كانت زَجْرَةٌ بغير حق لحيوان خُوطِبَ بها المُكلّف وحُوسِبَ عليها يوم العرض بين يدي الرب جل جلاله وتعالى في عُلاه.
كما حرّم تنفير الصيد في الحرم، فحرّم أيضاً تنفير أي حيوان بغير حق من كل ما لا يؤذي ولا يضر ولم يدخل في أخذ شيء مما لك ولا مما هو مُتعلق بك جل جلاله وتعالى في عُلاه.
الروابط مع الجمادات :
وبيّنَ لنا الروابط والصلات بالأزمنة والأمكنة، وبالجمادات بأصنافها، وبالنباتات والزروع والثمار، وما أُعِدَّ للأكل وما كان فيه الفوائد لهذا الجسم على ظهر هذه الحياة والأرض، وما كان منه مُلكاً وما كان مُلكاً للغير، "مَن ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ طُوِّقَهُ مِن سَبْعِ أرَضِينَ".
ونُدِبنا لأن نُعَمِّر الأماكن والبيوت والمنازل بل والطرقات بذكرِه، وقد جاءنا في الحديث: "إذا مر الذاكر لله بطريق نادى الطريقُ الطريقَ الآخر: هل مر بك اليوم أحد يذكر الله؟ فقد مر بي رجل يذكر الله".
علاقتنا المشروعة مع الألبسة :
أيها المؤمنون بالله، ومن هنا تعلَم علاقتنا المشروعة والموضحة في الشريعة بالألبسة وأنواع الثياب وما نكسو به أجسادنا أو نتزين به رجالاً ونساءً، وما حرّمَ وما أَحلَّ من ذلك، وما نَدَبَ للزينة للمساجد أي للصلوات لإقامة السجود للرب الذي هو فخر الخلق، ولا فخر للعبد أعظم من عبودِيَّته للإله الحق جل جلاله وتعالى في عُلاه.
وفرَّق في هذا أيضاً بين ما يُلبس لله وما يُلبس لأجل الشهرة، "ومن لبس ثوب شهرة كان حقاً على الله أن يُذِلَّه على رؤوس الأشهاد يوم القيامة".
وحرَّم على الرجال أن يمدوا ويطيلوا أُزُرَهم أو سراويلهم أو قمصانهم أو شيئاً مما يلبسون إلى ما تحت الكعب، وحرَّم إسبال الإزار خُيلاء، وحرَّم عليهم الحرير وأباحه للنساء، وعلَّمهم الزينة له جل جلاله.
واجبنا تجاه المرئيات والمسموعات :
ومن هنا تَعلَم العلاقة بيننا وبين المرئيات والمسموعات مما يتعلق بالجمادات وغيرها، وأن علينا رقابة من قِبَلِ من يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور، ومن قال لنا في بيانه وصريح قرآنه: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا).
استعمال السنن في أحوالنا :
أيها المؤمنون بالله، فاصحَبوا كائنات الله بما أحب الله وبما شرع الله، وسمُّوا الله على كل ما تلبسون وعلى كل ما تأكلون وتشربون وعلى كل ما تدخلون وتخرجون، واستعملوا سُنن الأمين المأمون؛ في أحوالكم والشؤون، في الظهور وفي البطون.
فذاكم المجال الرحب لتقوى الله ونيل الثواب والوَهْب، ولدفع الآفات والشرور وكل محذور في البطون والظهور، شره في الحياة أو عند الوفاة أو في البرزخ أو في يوم البعث والنشور.
معنى حقيقة الإسلام :
إن المكوِّن لجميع الكائنات واحد لا خالق سواه، وإليه مرجع الكل، وهو القائل: (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ).
فويل لعبيد الأهواء والشهوات، وويل للمنطلقين في الحياة بالأهواء واتباع ما خالف منهج الخلاق وما خرج عن سويّ الأخلاق وما بَعُدَ عن الوفاق مع ما جاء به سيد أهل الصدق محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
مسلك المؤمن في تقواه :
أيها المؤمنون، هذا الإسلام لله؛ إذا أُسلِم الوجهُ والقلب فالإسلام منبسِط فيما تقول وفيما تنظر وفيما تسمع وفيما تلمس وفيما تسعى رجلاك، وفيما يتحرك بدنك ويتعامل مع سائر الكائنات وأصناف الخلائق.
أيها المؤمنون بالله، وبهذه الموازين يُضبَط مسلك المؤمنين على ظهر الأرض، وكان مسلك أوائلنا أن يَدَعُوا تسعة أعشار الحلال مخافة الوقوع في الحرام، وكم من كلمة منعتهم عن قولها التقوى، وكم من نظرة منعتهم عن النظر بها التقوى، وكم من مسموع صرفهم عن استماعه التقوى.
فلله در أهل التقوى في السر والنجوى، أولئك الذين وعوا سر الخلق والوجود، وعرفوا حق الإله المعبود، وجعلوه المرجع والعمدة والمقصود، جل جلاله وتعالى في عُلاه.
فلا يزدادون بحركة ولا سكون إلا طمأنينة وسكينة، وإيماناً ويقيناً، وقرباً ونوراً، وبهجة وسروراً، وزيادة في معرفة الرب والاتصال بعبده المُقرّب، الذي أوجب علينا أن لا نحب من بريَّتِه من أجله شيئاً كما نحبه، كما نحب هذا العبد المقرب والحبيب الأطيب صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
توصيات :
-
فأقيموا موازين ربكم في قلوبكم وأعضائكم،
-
وراعوا شأن هذه الصلات،
-
واحذروا من الوقوع في ورطات الغفلات المؤدية إلى الوقوع في السيئات.
والتي تقوم بها العلاقات على مخالفة أمر الخالق فتجلب لأصحابها بؤساً وشدائد وآفات وهموماً وأكداراً، في الدنيا ويوم يبعثون ويقومون بين يدي الحق جل جلاله وتعالى في علاه.
خاتمة الخطبة الأولى :
اللهم أكرمنا بصدق الإقبال عليك، وحققنا بحقائق الإسلام لك والإيمان بك والصدق معك والإحسان في معاملتك، واعمُر أوقاتنا بموجبات السعادات وما تُنال به الحسنى والزيادات، يا عالم الظواهر والخفيات.
والله يقول وقوله الحق المبين: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
وقال تبارك وتعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
(فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ * يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ).
(نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ * أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ * أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُقِينَ * عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَىٰ فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ * أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ)، لك الحمد شكراً ولك المنُّ فضلاً.
(أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ)، بل أنت يا رب، فلك الحمد ولك الشكر على كل ذرة من ذلك عدد خلقك ورضا نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك.
(نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ).
(أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ * إِلَّا مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وثبَّتنا على الصراط المستقيم، وأجارنا من خزيهِ وعذابه الأليم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الملك الحق المبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأولين والآخرين وجامع الخلائق ليوم الدين.
وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرة أعيُنِنا ونور قلوبنا محمداً عبده ورسوله، الطاهر التقي الأمين.
اللهم أدِم صلواتك على عبدك المجتبى سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين وأصحابه المنتجبين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد،،،
عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله. فاتقوا الإله الرحمن، وأقيموا الميزان في علائقكم بهذه الأكوان ومِن أبدعِها الزمان والمكان.
فضل أشهر الحج :
وها أنتم متصلون بأشهر الحج والأشهر الحرم من جُملة الزمان، وما خُصِّصَ بالفضل من قِبَل إلهكم في خلال أشهر السنوات وأسابيع الأشهر وأيام الأسابيع، (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ)، كما قال الرحمن جل جلاله.
وارعوا حق الليل والنهار، وارعوا حق الأيام والأسابيع والأشهر، وأحسنوا خواتيمها.
وها هي تتوالى عليكم، خرجتم من رمضان وفيه فاز الفائزون وربح الرابحون، وفيه خاب المُعرضون وخسر الخاسرون.
وها أنتم تودعون الشهر الذي يليه أول أشهر الحج، ثم تستقبلون شهراً حراماً من أشهر الحج وهو شهر ذو القعدة، (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ)، لا تُخِلُّوا بميزان ربكم في التعامل مع جماد ولا مع نبات ولا مع حيوان ولا مع إنسان، واتقوا الذي علم السر والإعلان، واقتدوا بسنة سيد الأكوان.
تعظيم مساجد الله :
ومن أعظم ما جعل الروابط بيننا وبينه من الأماكن ما نسبه إليه من بقَعٍ طُهِّرَت على ظهر الأرض كالمساجد، سماها بيوته ونسبها إليه وأمر بتعظيمها، فقال: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ).
وقال نبيه ﷺ : "إنَّ للمساجدِ أوتادًا ، الملائكةُ جُلَساؤهم، إن غابوا يَفتَقِدونهم، وإن مَرضوا عادوهم، وإن كانوا في حاجةٍ أعانوهم".
وفي رواية: "وإذا ماتوا شيَّعوهم".
حج بيت الله الحرام :
أيها المؤمنون بالله، وأعظم المساجد بيت الله العتيق، المسجد الحرام، ومسجدُ خير الأنام محمد، ثم المسجدُ الأقصى، طهّرهُ الله وحرَّره وخلّصهُ من أيدي أهل الزيغ والظلم والافتراء، اللهم آمين، فهي المساجد الثلاثة المخصوصة.
وقد جعل الله من أركان الإسلام وفرائضه على من آمن حج البيت الحرام، وجعله أول بيت وضع للناس: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ).
(وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى).
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ).
(وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ).
(ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ).
إعطاء المساجد حقها :
فعَظِّموا حُرمات الله، وأعطوا المساجد حقها، ولا تدخلوا بيوتكم إلا باسم الله، وقَدِّموا الأيْمان عند الدخول واليسار عند الخروج، ولا تنسوا أذكار حبيب الرحمن التي شرعها لنا.
تقويم حسن العلاقة بالله :
أيها المؤمنون، أقيموا صِلتكم بالله لئلا تكون لكم صلة بشيء من خلقه إلا على ما أحب وعلى ما شرع وعلى ما بين لنا على لسان رسوله الصادق خير الخلائق ﷺ .
اللهم بارك للأمة في المساجد الثلاثة ومواطن العبادة والعلم، وبارك لهم في بيوتهم ومنازلهم، واجعلها محل طاعة وقراءة للقرآن تتراءى لأهل السماء كما تتراءى النجوم لأهل الأرض، وقوِّم علائقهم على تقواك؛ فلا يحبوا ولا يوالوا من خالفك وعاداك، ولا يبغضوا ولا يكرهوا من أحبك ووالاك، بل يستقيمون على ما ناداك ودعاك حبيبك محمد، نُحِبُّ بحُبِّكَ الناسَ ونُعادي بعداوتِكَ مَنْ خالفَكَ مِنْ خَلْقِكَ.
(وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا).
(الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا).
(وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَٰكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ).
خاتمة الخطبة الثانية :
ألا وأكثروا الصلاة والسلام على هاديكم إلى الحق حبيب الرحمن محمد، سيد أهل الصدق.
اللهم إنك جعلتَ الصلاة عليه نوراً فنوِّر بها قلوبنا وقبورنا، وإنك وعدت من صلى عليه مرة أن تُصلي عليه عشرة، وأنزلت في كتابك تكريماً وتعظيماً وتمجيداً وتفخيماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللهم صل وسلم على الرحمة المهداة والنعمة المسداة، عبدك المختار سيدنا محمد،
وعلى الخليفة من بعده الفائز بخالصِ حبه وودّه، مؤازرِه في حاليي السعة والضيق، خليفة رسول الله سيدنا أبي بكر الصديق.
وعلى ناشر العدل في الآفاق، والمُتخلّق بكريم الأخلاق، المنيب الأواب، حليف المحراب، الوقّاف عند آيِ الكتاب، أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب.
وعلى من استحيت منه ملائكة الرحمن، محيي الليالي بتلاوة القرآن، أمير المؤمنين ذي النورين سيدنا عثمان بن عفان.
وعلى أخ النبي المصطفى وابن عمه، ووليه وباب مدينة علمه، إمام أهل المشارق والمغارب، أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب.
وعلى الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة في الجنة وريحانتي نبيك، بنص السنة.
وعلى أمهما الحوراء فاطمة البتول الزهراء، وعلى خديجة الكبرى وعائشة الرضا وأمهات المؤمنين.
وعلى الحمزة والعباس وسائر أهل بيت نبيك الذين طهَّرتهم من الدنس والأرجاس.
وعلى أهل بيعة العقبة وأهل بدرٍ وأهل أُحد وأهل بيعة الرضوان وسائر الصحبِ الأكرمين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
الدعاء :
اللهم تدارك الأمة وأعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اكشِف الغمة وأذل الشرك والمشركين، اللهم أعْلِ كلمة المؤمنين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم رُدّ كيد المعتدين الظالمين الغاصبين القاتلين بغير حق المنتهكين لحرمات الأموال والأراضي والأنفس.
اللهم اهزمهم وزلزلهم ومزِّقهم كل مُمزق، وادفع عن المسلمين جميع شرورهم يا حي يا قيوم.
اللهم تدارك الأمة، واختم لنا شهرنا بخير، وأَقْدِمْ لنا شهرنا ذا القعدة بخير وصلاح ونصر للهدى والحق.
اللهم حوِّل الأحوال إلى خير الأحوال، اللهم حوِّل الأحوال إلى أحسن الأحوال، اللهم حوِّل الأحوال إلى أفضل الأحوال.
اللهم ادفع عنا البلايا واكشف عنا الرزايا، وارزقنا اللهم ولايتك وولاية المؤمنين من عبادك الصالحين.
اللهم وطهِّر قلوبنا عن الالتفات إلى ما سواك والتعلق بمن عداك، نزِّه قلوبنا عن التعلق بمن دونك، واجعلنا من قوم تحبهم ويحبونك، واقبلنا في جمعتنا واصرفنا منها وقلوبنا عليك مجتمعة، ودعواتنا عندك مسموعة، وما وفقتنا له من الأعمال الصالحة مُتقبلة ومرفوعة.
اللهم لا تكِلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحد من خلقك طرفة عين، وتولنا بما توليت به محبوبيك في جميع الشؤون، وأثبِتنا فيمن (يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ).
واغفر لجميع آبائنا وأمهاتنا ووالدينا ومشايخنا في دينك وذوي الحقوق علينا، وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات.
اللهم اسقنا الغيث والرحمة مع اللطف والعافية والبركة ولا تأخذنا بالسنين، اللهم اسقنا الغيث والرحمة مع اللطف والعافية والبركة ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث والرحمة مع اللطف والعافية والبركة ولا تجعلنا من المحرومين.
اللهم والطُفْ بنا وبالأمة فيما تجري به المقادير، وكن عوناً لنا ونصيراً في كل ما إليه نصير، وثبتنا على ما تحبه منا وترضى به عنا يا من منه المبتدأ وإليه المصير.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ).
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
نسألك لنا وللأمة من خير ما سألك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، وأنت المستعان وعليك البلاغ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر.
29 شوّال 1446