توديع رمضان بحسن المعاملة مع الرحمن ووجوب حياتها في أهل الإيمان
خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع الروضة بعيديد، مدينة تريم، 21 رمضان 1443هـ بعنوان: توديع رمضان بحسن المعاملة مع الرحمن ووجوب حياتها في أهل الإيمان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
الحَمْدُ لله، الحَمْدُ للهِ يملأ القلوبَ بالإيمانِ واليقين، للمُتَوَجِّهين والمُقبِلين. وأشهدُ أن لَّا إلهَ إلا اللهُ وَحْدهُ لا شريكَ له، يُحِبُّ المُحسنين، عظيمُ الجزاءِ لِمَن أقبلَ عليه، شديدُ العقابِ لِمَن أعرضَ عنه سبحانه وتعالى وتكبّرَ على أوامرِهِ وما جاء مِن لديه. وأشهدُ أنَّ سيّدَنا ونبيَّنا وقُرَّةَ أعيننِا ونورَ قلوبِنا مُحَمَّداً عبدُهُ ورسولُه. أكرَمُ الخلقِ عليهِ وخيرُ الهادين إليه. اللّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على عَبدِك المصطفى الأسوة العُظمى والقدوة الكبرى لكلِّ مؤمنٍ بك متوجِّهٍ إليك مُسْتعدٍّ للقائك. خاتمِ أنبيائك وسيدِ رُسُلك، وعلى آلهِ المُطَهَّرين وأصحابِهِ الغُرِّ الميامين، وعلى مَنْ وَالاهُمْ فيك واتَّبَعهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعلى آبائه وإخوانه مِنَ الأنبياءِ والمرسلين وآلِهِم وصحبِهم وتابعيهم، وعلى ملائكتِك المقرَّبين وعلى جميعِ عبادِكَ الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
أما بعدُ عبادَ الله: فإني أُوْصيكُم وإيايَ بِتَقْوى الله. وإن لم يتَّصِل قلبُ المؤمنِ بمعاني التقوى ويتذوَّقُها في خلالِ هذا الشهرِ بَعدَ مرورِ الأسابيعِ عليه، فمتى يلحقُ بذلك الركب، ومتى يُدرِكُ سرَّ ذلكم الوصل مِنَ الرب، ومتى يُدركُ شرفَ المعاملة مع الإلهِ الحقِّ والاقتداء بنبيِّه المُجْتَبى الأصدق؟
أيها المؤمنون بالله: تَرقَّبوا أحوالَ قلوبكمِ في شهرِ السعادة وما حَلَّ لكم وفيكم مِن أثرِ الصومِ ومِن أثرِ القيام ومِن علاماتِ القبول لدى إلهِكم جَلَّ جَلالُه بما ينسكبُ في قلوبِكم مِن أنوارِ تقواه وذوقِ المعاملة مع عالمِ ظاهرِ الأمرِ وخفاياه، تعالى في عُلاه.
أيها المؤمنون بالله: إنَّ أواخرَ أيامِ رَمَضَان، أيامُ العطايا والامتنان والفضلِ والإحسان مِن الكريمِ المنان والإلهِ الرحمن، كان خيرُ الخَلْقِ وسيدُهُم، الناطقِ بالهُدى والحقِّ صلى الله عليه وسلم، يجتهدُ اجتهاداً، ويَزِيْدُ مَزيداً، ويَعُمُّ نشاطُه وهمَّتُه وَوِجهتُه، أهل بيتِه ومَن حواليه من الصحابة، محرِّكاً عزمَ الأمة في كلِّ مَن آمن به، إلى اغتنامِ هذه الأيام والليالي، معاملةً مع مولى الموالي.
أيها المؤمنون بالله: إنَّ من حُلول أثرِ التقوى في القلب، إدراكَ شأنِ المعاملة مع الإلهِ سبحانه وتعالى، شأنُ المعاملةِ معاملةُ العبدِ لربه، معاملةُ المخلوقِ لخالقه، معاملة الإنسانِ لإلهِه الذي منه مُبتدأه، وإليه مَرْجِعُه ومصيرُه ومثواه ومُنْقَلَبُه.
أيها المؤمنون بالله: لا بُدَّ مِن إحياءِ والعثورِ على حياةِ سرِّ المعاملةِ مع الإلهِ الحق، في المشاعرِ والأذواقِ، وفي النفوسِ والعقولِ والقلوب، لننتهجَ نهجَ الذين آمنوا بالغيب، فَتَنَقَّوا عن العَيب، استعداداً للقاءِ عالمِ الشهادةِ والغَيب، جَلَّ جَلالُه الناظر إلى القلوب، جامعِ الأوَّلين والآخرِين، لِيومٍ تعظُمُ فيه النعمةُ على المُقبِلين، ويشتدُّ العذابُ والكُروب على المُعْرضين والمُتَولِّين والفاسقين، وهم الذين جَمَعَهم سوءُ المعاملة مع مَن خلق ورزق، وللعبادةِ استحَقّ، الإلهُ الحقّ الواحد جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه. أساءَ المعاملة مَن كَفَر، وأساءَ المعاملة مع الله مَن فسق، ومَن على الذنوب أصرّ، فَلَهُم سوءُ المصير، ولهم سوءُ الحساب. لم يُدركوا حقيقةَ المحيا ولا الممات، وغَرَّهُم ما يَعرِضُ في خلالِ هذه الحياة من الترَّهات والبطالات والشؤونِ الزائلات الفانيات. فأساؤوا المعاملةَ مع ربِّ الأرضِ والسماوات وعالِمِ الظواهرِ والخَفِيَّات.
ومِيْزَتُكَ العظيمةُ أيها المؤمن.. حُسنُ معاملةٍ مع جوادٍ كريم وربٍ رحيم وإلهٍ عظيم، مُحسنٍ مقتدرٍ بيدِه ملكوتُ كلِّ شيء، ولا خيرَ مِن معاملة الله بالإحسان. و ﴿هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾. ابتدأَ بالإحسانِ بالإيجادِ والخَلْقِ والرزقِ والتهيئةِ والتصوير وتسخيرِ الأسباب والكائنات، بما لا يُحيطُ به عقلُ كلِّ مخلوقٍ مِنَ الأولين والآخرين، ﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾. وخَبَأَ لِمَنْ قَبِلَ هذا الإحسانَ وأحسنَ المعاملة، إحساناً فوقَهُ وأعظمَ منه وأجلَّ وأكرمَ وأكبر، في دارِ الخُلد التي لا موت فيها ولا مرضَ فيها ولا هَرَمَ فيها ولا قذرَ ولا وسخَ فيها ولا همَّ ولا غمَّ ولا كدرَ فيها. وأكبرُ من هذا: رِضَى الربِّ عنهمُ ورؤيتِهم إياهُ مِنْ غَيْرِ حَاجِبِ.
أيها المؤمنون بالله: يقولُ ربُّنا سبحانه الذي خلقَ وفطر: ﴿وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ﴾. ﴿وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ﴾. وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ. ﴿هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾. هل جزاء الذي أحسنَ إلينا بالخَلْقِ والإيجاد والنعمةِ والإمدادِ وتسخيرِ الأسبابِ والكائناتِ مِن حيث نعلم ومِن حيث لا نعلم، إلا أن نعبدَه وحده، وأن نُوْقِنَ به، وأن نُوَحِّدَه، وأن نهابَه وأن نرجوهُ وأن نطيعَ أمرَه ونَمْتَثِلَ وننتهي عن ما نهَى عنه ونَنْزَجِر.
﴿هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾. ومن قامَ بحقِّ الإحسانِ على ظهرِ الأرض فأحسنَ المعاملةَ مع ربِّ السماوات والأرض فإنَّ اللهَ أعدَّ للمحسنين ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطرَ على قلب بشر. وإنه يحب المحسنين. وبهذه العاطفةِ وبهذه المشاعر، وبهذا الذوقِ الغائرِ في القلب والروح، خاطبَ اللهُ خيرَ بيتٍ، أمهاتِ المؤمنين، على لسانِ سيدِ المرسلين، وقال ﴿فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً﴾. ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا. وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا﴾.
بعدما بَسَط بِساط الإرادة والاختيار في الشرف الأعلى أو النزولِ عن ذلك، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾.
فمَن كانت عندها هذه الإرادة المنحطَّةِ عن هذا المقامِ الأعلى، فغيرُ لائقةٍ ببيتِ النبوة والاقترابِ مِن ذاتِ المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. يقول سبحانه وتعالى ﴿وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا﴾.
خطابُ الرب، أيها المؤمنون، يُنازِل قلبَ كلِّ مَن آمنَ به، وبهذه المنازَلَة إذا أدركَها المؤمن وتصفَّى بتصفيةِ الصيامِ والقيام، في ليالٍ مضت، يستقبلُ بعدَها العشرَ الأواخر مِن هذا الشهر، فيعرف معاني الاستقامةِ والمبادرة والمزيدِ مِن الاجتهاد ومعنى ما كانَ مِن حالِ القائدِ الهادي المُقتدى الدالِّ على الحقِ رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخلَ العشرُ الأواخر من رَمَضَان، شَدَّ مِئْزَرَه وأحيا ليلَه وأيقظَ أهله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وصحبه وَسَلَّمَ.
وما شَدُّ المئزر، المُكنَّى بهِ عن الاجتهادِ والإقبال الكُلِّي على الرب جَلَّ جَلالُه واغتنامِ ساعاتِ ليالي العشر وأيامِها في مَرضاةِ الحقِّ مِن ذِكرٍ وتلاوةٍ ومناجاةٍ للربِّ وحضورٍ معه وإقبالٍ عليه. كيف استُبدِل هديُه بقوةِ الحركة في مواطنِ الغفلة وفي الأسواق؟ ووجودِ الغفلات وتسرُّبِها إلى بيوتِ كثيرٍ من أُمَّتِه وأتباعِه في ليالي العشر، حتى تمرَّ بهم في تقصيرٍ ربما زادَ على تقصيرِ أحدِهم في أول رَمَضَان أو في وسطه. ما هذا الانعكاس؟ وما هذا القلبُ للواجب وللحقيقة؟ وما هذه المخالفة لخيرِ الخليقة، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وصحبه وَسَلَّمَ؟ إنها ليالي التبتُّل إلى الذي خاطبَ خاتمَ الرسل وقال ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً﴾. وقال في ندائه إلى ربِّه جَلَّ جَلالُه ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً﴾، انْقَطِعْ إليه انقطاعاً عن كلِّ ما سواه. إن لم تتعلم هذا المعنى في هذه الليالي فمتى يكونُ منك أيها المؤمن؟ هل ملأ عقلَك وخيالَك ما أُوحي إليك مِنْ قِبَل نفسِك وبواسطةِ نفسِك مِن قِبَلِ شياطينِ الإنس والجن، حتى أخذوا مشاعرَك كلَّها فَفَقَدْتَ الشعورَ بِحُسنِ المعاملة مع عالمِ السرِّ وأخفى وتذوُّقِ الإقبال الكليِّ عليه والخلوةِ معهُ سبحانه وتعالى ومعاني الاعتكاف التي يُشيرُ إليها اعتكافُه وحرصُه عليه. ولما كان في بعضِ سنواتِه في السفر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتكفَ في العام الذي يليه عشرين يوماً بدلَ العشرِ الأواخر، صلواتُ ربي وسلامُه عليه. نِعْمَ القدوةُ زينُ الوجود، نِعْمَ القدوة حبيبُ الواحدِ المعبود، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وصحبه وَسَلَّمَ. فهل مِن مجالٍ وفُسحةٍ في مشاعرِك لإدراك عظمةِ هذه القدوة تملأك بِصدقِ الإقبالِ والتوجُّه إلى الكبيرِ المتعال في هذه الأيام والليال؟ أو قُل لي متى تُقْبِل؟ أو قُل لي متى تَقْبَل؟ أو قُل لي متى تُوَاصِلْ؟ أو قُل لي متى تُوَاصَلْ؟ أو قُل لي متى تَصِلْ؟ أو قُل لي متى تَعقِل وتُدرِك ويدخلُ إلى شغافِ قلبِك معنى الخطابِ مِن إلهِك وربِّك جَلَّ جَلالُه؟ لا بُدَّ من إحياء سرِّ المعاملة مع الله في قلوب المؤمنين والمؤمنات، لِيَرْقَوا المستوى الذي يليقُ بالإيمانِ بخالقِ الأرض والسماوات. ﴿وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً﴾.
﴿لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾. يقولُ الله، جزاؤُنا وثوابنا وما عندنا والقربُ منا ورضوانُنا وجنتُنا ونعيمُنا، ليست بأمانيِّ يهودٍ ولا نصارى ولا مُتَمَنِّيْن مِن المسلمين على غيرِ بصيرة. ﴿لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾. ولكن، ما الميزانُ يا رب؟ ما الحقيقةُ يا رب؟ ما الأصلُ والأساسُ يا رب؟ قال جَلَّ جَلالُه وتعالى في عُلاه: ﴿لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ﴾. هذه الحقيقة. هذا الحق. هذا الأساس.ِ ﴿مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً﴾. لا يحسب أن يركنَ إلى صديقٍ أو صاحب، أو إلى حزبٍ وهيئة أو إلى وزارةِ أو حكومة. ولن يجدَ له من دونِ الله ولياً ولا نصيراً. ﴿مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً. وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾.
ليس الأمرُ بالأماني ولكن حقائق ومباني على أساسٍ ثابتٍ قويمٍ يقومُ الأمرُ عليه. ﴿مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً﴾.
ألا إنه يُحيي لياليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَبِمَ تُحْيَى الليالي وكيف نُحييها ونقومُ بحقِّها؟ واختار كثيرٌ مِن سلفِ الأمة ختمَ القرآن خصوصاً في الليالي العشر، والتعظيم لكتاب الله ولخطابِه ولوحيِه وتنزيلِه ولِمَا أوحى إلى رسولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في تَضَرُّع، في بكاء، في خشية، في إنابة كانت تشهدها مساجدُ المسلمين، بل وبيوتُ المسلمين، دموعٌ جارية مِن عيونٍ خاشعةٍ خاضعة متهيِّئةٍ للقاءِ الربِّ جَلَّ جَلالُه ورؤيةِ وجوهِ النبيِّينَ والصديقينَ والشهداءِ والصالحين.
أيها المؤمنون بالله جَلَّ جَلالُه: وما أيقظ نبيُّكم أهلَه ليذهبوا إلى الأسواق ولا لِيُعَافِسُوا الرجال ولا لِيُبْدُوا شيئاً من زينتهم، ولا ليُخرِجوا شيئاً من الزينة التي طاردت الناسَ في زمانِكم حتى ادَّعت مَن ادعت مِن نسائكم أنها تريد أن تستترَ وتتحجبَ فجاءت بحجابٍ مُزَخْرَفٍ منقوش وخرجت به مُزَيَّناً. في تبعيَّةِ من؟ وفي الاهتداءِ بهديِ مَن؟ وفي المرجعيَّة لمَن؟ إنه فَقْدُ ذوقِ المعاملة، فَقْدُ ذوق المعاملة مع الرحمن. إنه الاغتشاش، الاغتشاش والانخداعُ بأفكار الغافلين والفاسقين والكائدين في شيءٍ مما يتعلقُ بمظهرِ الإنسان في هذه الحياة. والله أعلم بالإنسان ومظهره ومَخْبَرِه وسرِّه وعلَنِه وحِسِّهِ ومعناهُ جَلَّ جَلالُه، وهو الذي شَرَع الحياء وهو الذي شرع غضَّ البصر، وهو الذي شرعَ أن ﴿يدنين عليهن من جلابيبهن﴾، وهو الذي شرع سترَ الزينة ﴿ولا يبدين زينتَهن﴾. ما هذا الغزو المعنوي والانكبابُ بالسوء من قِبَلِ أعداءِ الله على بلادِ المسلمين وعلى منازلِ المسلمين وعلى ما بقي من الالتزام عند المسلمين؟ ما هذا الدخولُ لِجَيْشِ عدوِّ الله إلى أسواق المسلمين في العشر الأواخر من رَمَضَان؟ إنها فتنةُ فَقْدِ ذَوْقِ المعاملة مع الإله. إنها فتنةُ الانكبابِ على تصديقِ كلٍّ غافلٍ لاه. إنها الغفلةُ عن حقائقِ الشرفِ والعزةِ والكرامةِ والرفعةِ في الدارين. إنها فَقْدُ ذوقِ لذةِ خطابِ ربِّ الدارين وإله الكونين جَلَّ جَلالُه وَتَعَالَى في عُلاهُ. فأين العلاج، وما المنهاج؟
أيقظِ اللّهُمَّ قلوبَ أمةِ نبيِّك مُحَمَّد وارزقنا حُسنَ المعاملة، لِتحلوَ لنا المقابلة وننجو عند المساءلة ونُدرك مِن عطاياك الكبيرة في دارِ النعيم ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر. اللّهُمَّ بارِك للأمة في خواتيم شهرِها وأصلِح جميعَ أمرِها واكشفِ اللّهُمَّ شدائدَها وضُرَّها، وحوِّل أحوالَها إلى أحسنِ الأحوال.
والله يقولُ وقولُهُ الحقُّ المُبِيْن ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾
وقال تبارك وتعالى ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾
أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
﴿بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46) إِنَّ ٱلمُجرِمِينَ فِي ضَلَٰل وَسُعُر (47) يَومَ يُسحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِم ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقنَٰهُ بِقَدَر (49) وَمَآ أَمرُنَآ إِلَّا وَٰحِدَة كَلَمحِ بِٱلبَصَرِ (50) وَلَقَد أَهلَكنَآ أَشيَاعَكُم فَهَل مِن مُّدَّكِر (51) وَكُلُّ شَيء فَعَلُوهُ فِي ٱلزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِير وَكَبِير مُّستَطَرٌ (53) إِنَّ ٱلمُتَّقِينَ فِي جَنَّٰت وَنَهَر (54) فِي مَقعَدِ صِدقٍ عِندَ مَلِيك مُّقتَدِرِ (55) ﴾
وقال تعالى: ﴿ أَفَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ (33) وَأَعۡطَىٰ قَلِيلٗا وَأَكۡدَىٰٓ (34) أَعِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلۡغَيۡبِ فَهُوَ يَرَىٰٓ (35) أَمۡ لَمۡ يُنَبَّأۡ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ (36) وَإِبۡرَٰهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰٓ (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰ (38) وَأَن لَّيۡسَ لِلۡإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ (39) وَأَنَّ سَعۡيَهُۥ سَوۡفَ يُرَىٰ (40) ثُمَّ يُجۡزَىٰهُ ٱلۡجَزَآءَ ٱلۡأَوۡفَىٰ (41) وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلۡمُنتَهَىٰ (42) وَأَنَّهُۥ هُوَ أَضۡحَكَ وَأَبۡكَىٰ (43) وَأَنَّهُۥ هُوَ أَمَاتَ وَأَحۡيَا (44) وَأَنَّهُۥ خَلَقَ ٱلزَّوۡجَيۡنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰ (45) مِن نُّطۡفَةٍ إِذَا تُمۡنَىٰ (46) وَأَنَّ عَلَيۡهِ ٱلنَّشۡأَةَ ٱلۡأُخۡرَىٰ (47) وَأَنَّهُۥ هُوَ أَغۡنَىٰ وَأَقۡنَىٰ (48) وَأَنَّهُۥ هُوَ رَبُّ ٱلشِّعۡرَىٰ (49) وَأَنَّهُۥٓ أَهۡلَكَ عَادًا ٱلۡأُولَىٰ (50) وَثَمُودَاْ فَمَآ أَبۡقَىٰ (51) وَقَوۡمَ نُوحٖ مِّن قَبۡلُۖ إِنَّهُمۡ كَانُواْ هُمۡ أَظۡلَمَ وَأَطۡغَىٰ (52) وَٱلۡمُؤۡتَفِكَةَ أَهۡوَىٰ (53) فَغَشَّىٰهَا مَا غَشَّىٰ (54) فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ (55) هَٰذَا نَذِيرٞ مِّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلۡأُولَىٰٓ (56) أَزِفَتِ ٱلۡأٓزِفَةُ (57) لَيۡسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ (58) ﴾
بَارَكَ اللهُ لِيْ وَلَكُمْ في القُرْآنِ العَظيم، ونَفعَنا بِمَا فيهِ مِنَ الآياتِ والذِّكْرِ الحكيم، وفَتَحَ لنا بابَ الفهمِ عنهُ فيما أوحاهُ إلى رسولهِ الكريم، وثبّتَنَا على الصراطِ المستقيم، وأجارَنا مِنْ خِزْيِهِ وعذابِهِ الأليم. أقولُ قَولي هذا وأستغفِرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولوالدِينا ولجميعِ المسلمينَ فاستغفروهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ، باسِطِ موائِدِ الإفضالِ لأهلِ الإقبال، وأَشْهَدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ له، فِي خزائنِه مِن العطايا الجِزال ما لا ينتهي إليه الفكر ولا يتصوَّرُه البال، وأشهدُ أن سيدَنا ونبيَّنا وقرةَ أعيننا ونورَ قُلوبِنا محمداً عَبدُهُ ورَسُولُه، خَيْرُ شاكرٍ وذاكر، ومُنِيبٍ وصابر، قدوةً لمن اقتدى، وهو نبيُّ الهدى، صلى الله وسلم وباركَ عليه وعلى آله وصحبِه السعداء، ومن والاهم وبهديه اقتدى، وعلى آبائِهِ وإخوانِهِ مِنَ الأنبياءِ والمُرْسَلين أنوار الصدق والحقِّ والهُدى، وعلى من والاهم وبِهَديهم اهتدى، من آلهم وصحبهم وتابعيهم على المدى، وعلى ملائكة اللهِ المقربين، وجميعِ عبادِ الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمته إنهُ أرحمُ الراحمين.
أما بعد عبادَ الله فإني أوصيكُم ونفسيَ بِتقوى الله. فاتقِ الله، أن تمُرَّ عليك ليالي رَمَضَان وأيامُه وأنت غير ذائقٍ لسرِّ المعاملة مع عالِمِ ظاهرك وباطنك وسرِّكَ وعلنك، الذي خواطرُ قلبِك عندهُ كالعلانيةِ مِن قولِك، لا فرق بين سرٍّ ونجوى ولا ظاهر ولا باطن. ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾. وهو مع ذلك كثيرُ التجاوز، عظيمُ الصَّفح، واسع العفو، جليلٌ كريمٌ رحيم، يُجازي بالحسنة عشرةَ أمثالها، إلى سبعمائةِ ضعف، إلى أضعافٍ كثيرة، ولا يجزي بالسيئة ولا يكتبها إلا سيئة، وقد يعفو وقد يجودُ ويغفر ويصفَح، جَلَّ جَلالُه، فلا يَهْلِك على اللهِ إلا هالك، ذلك الشارد الذي شَرَد، بشيءٍ من تُرَّهات أهواءِ نفسه وشهواتها. إنهُ الذي خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين. عامِلِ الله وارقُبِ الله، وارجُ الله، واصدُقْ مع الله. فما أحسنَ المعاملة مع عالِمِ سرِّك ونجواك والذي هو أعلم بك من نفسك ومن جميع من حواليك من خلقه. جَلَّ جَلالُه وَتَعَالَى في عُلاه. اِقْبَلْ مِنَّتَه، واقبل رحمته، واقبل نعمته، واقبل ما بعث به إليك أحبَّ خلقه إليه، وأكرم عباده عليه، عبدَهُ المصطفى المختارَ مُحَمَّدا. اقبلْهُ أتمَّ القبول، ونفِّذه في النية والفعل والمَقُول، وأحسِن الإقبالَ في هذه الليال، فإنها فرصةُ الاتصال، وذوقُ لذةِ الوصال، بل الوصول إلى الكبير المتعال، جَلَّ جَلالُه وَتَعَالَى في عُلاه. إلى متى وأنت في معاملةِ نفسك؟ والخَلق من حواليك ومعاملة الجهات والهيئات والشركات والمؤسسات. ما عَرَفْتَ معاملة رب الجميع؟ ما عرفتَ معاملة من بيده نواصي الجميع؟ ما عرفتَ معاملة ملك الجميع؟ ما عرفتَ معاملة من هو أقدر عليك من نفسك ومن كل أحد، وهو أرحم بك مِن نفسك ومن كل أحد؟ إنه الواحدُ الأحد الفردُ الصمد. عامِل الله، وأحْضِرْ مشاعرك في صلواتك وفي قراءتك. والعشرَ الأواخر العشرَ الأواخر، وما فيها من العطاء الفاخر والغيث المتواتر. اُصدُق مع مولاك، وأقبِل بكلِّيتك على ربك وأحسِن مَسْعاك. فإن السعيَ الحسن يشكرُه الله بإحسانٍ لا يُحَدُّ ولا يُعَدّ، ﴿وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً﴾. فأولئك كان سعيُهم مشكوراً. ﴿وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ﴾. ﴿فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾.
أحسِنْ معاملةَ مَن بيدِه ملكوتُ كلِّ شيء، اللّهُمَّ أحيِ حقائقَ هذه المعاملة فينا وأهلينا وأولادنا ورجالنا ونسائنا وصغارنا وكبارنا مُنْتَهِجِيْنَ نهجَ الاقتداء بنبيِّ الهدى، يا عالمَ ما خفيَ وما بدا.
وأكثِروا الصلاةَ على خيرِ الأنام، أكرمِ إمام، مُقْتَداكُمُ المصطفى عليهِ الصلاةُ والسلام، فإنَّ ربَّ العرش يصلِّي على مَن صلى واحدةً على هذا المصطفى، عشرَ صلوات، وإن أولى الناس بهذا المجتبى يوم القيامة أكثرُهم عليه صلاة. وإنَ اللهَ أمرنا بأمرٍ بدأ فيه بنفسه وثَنَّى بالملائكة، وأيَّهَ بالمؤمنين، فقالَ مُخبِراً وآمراً لهم تكريماً ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾.
اللهُمَّ صَلّ وسلِّم على الرحمةِ المُهْداة والنعمةِ المُسداة، أكرمِ من عامَلَك وعاملْتَهُ بما لا يستطيع أحدٌ أن يُدرك كُنْهَهُ وحقيقته، وعلى الخليفة مِن بعدهِ المختار، صاحبِهِ وأنيسِهِ في الغار، مؤازِرِ رسولِك في حالَي السعة والضيق، مُحْسِنِ المعاملةِ لك سيدنا خليفةِ رسولِ الله أبي بكرٍ الصديق. وعلى الناطقِ بالصواب حليفِ المحراب، القائمِ بالهيبة للوحي والكتاب، ناشرِ العدلِ في الآفاقِ على مسلكِ الهُدى والصواب، أميرِ المؤمنين سيدِنا عُمرَ بنِ الخطاب. وعلى مُنْفِقِ الأموال مُبتغي رضاك، والمتبتلِ في الأسحارِ والقائم في الليالي راجٍ منك ما أنت أهلُه مما تؤتيه أَوْلِيَاك، ذي النورينِ جامعِ القرآن، أميرِ المؤمنينَ سيدِنا عثمانَ بن عفّان. وعلى ليثِ بني غالب، وأسدِكَ الغالب، جامعِ المفاخرِ والمناقب، أخ النبي المصطفى وابنِ عمه ووليِّه وبابِ مدينةِ عِلمِه، إِمامِ أهلِ المشارقِ والمغارب، أميرِ المؤمنين سيدِنا عليّ بن أبي طالب. وعلى الحسنِ والحُسين سيدَي شبابِ أهل الجنةِ في الجنة، وريحانَتَي نبيِّك بِنَصِّ السُنَّة، وعلى أمِّهما الحوراء فاطمةَ البتول الزهراء، وعلى خديجةَ الكبرى وعائشة الرضى، وأمهاتِ المؤمنين وبناتِ المصطفى الأمين وعلى آسيةَ وعلى مريمَ ابنة عمران، وعلى الحمزة والعباس عَمَّي رسولِك وأهلِ بيته المطهرين عن الدَّنس والأرجاس، وعلى أهلِ بيعةِ العقبة، وعلى أهل بدرٍ وأهل أُحُد وأهلِ بيعة الرضوان، وعلى سائرِ الصحب الأكرمين ومَنْ تَبِعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعلينا مَعَهُم وفيهم بِرَحْمَتك يا أرحمَ الراحمين. اللهمَّ أعزَّ الإسلام وانْصُر المسلمين. اللّهُمَّ أذلَّ الشركَ والمشركين. اللّهُمَّ أعلِ كلمةَ المؤمنين. اللّهُمَّ دَمِّرْ أعداءَ الدين. اللّهُمَّ إنك جعلتَ في السنة الثامنة من هجرة نبيك في مثل هذه الأيام فتح مكة. ونسألك يا مَن فتحتَ مكة لنبيك المختار مُحَمَّد، وأقامَ فيها الحقَّ والهدى والدين، إلى آخر الزمان، أن تَنْظُر إلينا وتفتح قلوبَنا بأنوار المعرفة واليقين، وأن تفتحَ للأمة سبيلَ الخلاصِ والإنقاذ مما تورّطوا فيه من الغفلات وتسلُّطِ الفجارِ والكفار وانتشار الجهالات وفَقْدِ حُسنِ المعاملة معك، يا عالِمَ السر والإجهار. اللّهُمَّ حوِّل أحوالَهم إلى أحسن الأحوال. افتح علينا فتحاً مبينا في صلاح الشؤون ودفع البلايا والفُتون وصلاحِ الظُّهور والبطون، يا مَن يقول للشيء كن فيكون. اجعلنا مِن أسعدِ الناس برمضان وليالي العشر الأواخر، وانظِمنا في سِلكِ كلِّ مُنِيب أوابٍ ذاكرٍ شاكر، وكل ذي قلبٍ منقَّى طاهر. اللّهُمَّ لا حرمتنا ذوقَ سرِّ المعاملة، ولا قطعتنا عن شريفِ المقابلة والمُنَازَلة. اللّهُمَّ ارزقنا الاتصال بالوحي والكتاب وسنةِ الهادي إلى الحق والصواب. اللّهُمَّ اجعلنا عندك من خواصِّ أولي الألباب، الواعين لنصِّ الخطاب، والمتفكرين في آيات السماوات والأرض، والمتهيئين ليوم العرض، والمستجيرين بك من عذاب لا يُطاق. اللّهُمَّ أجِرْنا مِن عذابك يوم تبعث عبادك، وأجِرْنا مِن خزي الدنيا وعذاب الآخرة، وأجِرنا من كلِّ سوءٍ في الدارين. اللّهُمَّ فرِّج كروب الأمة، واكشف الغمة، وعامل بمحضِ الجود والرحمة، واشمُل بمغفرتك والدينا ومولودينا وأهالينا، وذوي الحقوق علينا، واشملنا بكمال المغفرة، والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، يا غافر الذنوب والخطيئات. اللّهُمَّ إنك عفوّ تحب العفو فاعف عنا. اللّهُمَّ إنك عفوّ تحب العفو فاعف عنا. اللّهُمَّ إنك عفوّ تحب العفو فاعفُ عنا. وكُنْ لنا بما أنت أهلُه، ظاهراً وباطنا. صَفِّ قلوبنا، ونَقّ مشروبنا، وأنِلْنا مطلوبنا، وادفع عنا البلايا من حيث أحاط بها علمُك في الظواهر والخفايا. يا أرحم الراحمين.
﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾
نسألُك لنا وللأمة مِن خيرِ ما سألك منه عبدُك ونبيُّك سيدُنا محمد، ونعوذُ بك مما استعاذك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، وأنت المُستَعان، وعليك البلاغ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ ﴿وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾.
عبادَ الله:
إنَّ اللهَ أَمَرَ بِثَلاثٍ وَنَهَى عَنْ ثَلاث: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾
فاذكُرُوا اللهَ العظيمَ يَذْكُرْكُمْ، واشْكُرُوهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُم، وَلَذِكْرُ اللهِ أكبر.
21 رَمضان 1443