(228)
(536)
(574)
(311)
خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع الإيمان ، بحارة الإيمان، عيديد ، تريم، 16 صفر الخير 1445هـ، بعنوان:
اللسان وعظيم أثره وخطره ومجرى التقوى فيه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله، الحمد لله القريب المجيب، الحسيب الرقيب، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له على كل شيء شهيد، (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ).
وأشهدُ أن سيدنا ونبينا وقُرَّة أعيننا ونورَ قلوبنا محمدًا عبدهُ ورسوله، أكرمُ داعٍ، وأعظمُ مُلَبٍّ ومُستجيب، أجاب نداء الله وحمل نداء الحقِّ إلى الخلق، فظفِرَ كُلُّ مُلَبٍّ مُستجيب، وأوَّاهٍ مُنيب، وخاب وأعرض كل ضَلولٍ كذوب، مُغتَرٍّ بالسراب، مخدوعٍ بالفاني الذي يزولُ عما قريب.
اللهم أدِم صلواتك على الهادي إليك والدّالِّ عليك خاتم النبوة سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن سارَ في دربهِ ووَالاهُ فيك، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلينَ سادات الدعاة إليك، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتكَ المُقرَّبينَ وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعدُ عِباد الله: فإني أوصيكم وإيّايَ بِتقوى الله، تقوى الله التي لا يَقبلُ غيرها، ولا يَرحمُ إلا أهلها، ولا يُثيبُ إلا عليها، (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).
يا أيها المؤمنون: مَعدِن التّقوى ومصدرها القلب ومَجْراها في جميع الأعضاء، ومِن أعظم ما تجري عليه جارية التقوى، وعلامتها لسان هذا الإنسان فيما ينطِق، وفيما يذوق ويطعم، فإنها أساسٌ في حقيقةِ تقواهُ لِمولاه جلَّ جلاله، وذلكم أنَّ انطلاق الناس في الحياة مبنِيٌّ على ما يسْتقِرُّ في قلوبهم، مِمّا تصوَّروهُ واعتقدوه وآمنوا به، مِمّا ثَبَت في بواطنهم، فاستسلموا له إيمانًا أو كفرًا أو إلحادًا، صِدقًا في ذلك أو كَذِبًا، قوةً في ذلك وضعفًا، هي التي تتحكّمُ في مجرى أقوالهم وأفعالهم ونظراتهم ومآكلهم ومشاربهم.
يا من أيقنَ أنه في حياةٍ الذي خلقها له ملأها بالعِبر، وعجائب الصناع والبدائع -جلَّ جلاله- وأنهُ ليس بيده أوّلها، وليس بيد هذا الإنسان آخرها، (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)، الذي يُوقِنُ أنَّ في مراحل هذه الحياة أطوار يمرُّ بها، تدُلّ على أن المُكوِّن غير حاصر هذا الإنسان في طوْر من الأطوار، وفي بداية تكوينهِ الجِسماني المتعلِّق بعالم الصُّوَر والحس، يبدأ مِن نُطفة إلى عَلَقة إلى مُضغة إلى هيكل عظمي، ثم يُكسى لحماً، ثم تأتي نشأة أخرى كما ذكر الرحمن جلّ وعلا، وكل هذا معلوم للإنسان ومحسوس له في هذا العالم، وتأتي مرحلة الطفولة، وتأتي مرحلة التمييز، وتأتي مرحلة البلوغ والشباب، وتأتي مرحلة الكهولة، وتأتي مرحلة الشيخوخة، كُلُّ مرحلة منها لها علائم ولها خصائص ولها شؤون تُلازمها وتكون فيها غالباً، وكل ذلك مُبيِّنٌ عظمة المُكَوِّن الخالق أنَّ هذا الإنسان عُرضةٌ للتَّطَوُّر من حال إلى حال.
ألا وإن كان بعد الهيكل العظمي وكِسوته باللحم نشأة أخرى، فإن النشأة الأخرى بعد خروج الروح من هذا الجسد أعظم وأجل، إلى وقت النفخ في الصور، وبالنفخة الثانية يقوم الجميع، ثم إنما هي الجنة أو النار، وينادى في ساعة بعد أن يَخرج من كُتب خروجه من النار ممّن في قلبه أدنى مثقال ذرة من إيمان، ينادي المنادي يا أهل الجنة خلودًا فلا موت، ويا أهل النار خلودًا فلا موت.
يا من آمن بهذه الحقائق يجب أن تكون صادقًا في إيمانك، وما تُقرأ آية الصدق إلا بتحكم هذا الإيمان في أقوالك، وما يَصدر من لسانك وفي مطعوماتك، وما تُدخله لِماضِغَيْك وفَكّيْك، وما تُوصله من فمك إلى بطنك، لِتُحاسب عليه وتُسأل عنه، وكل ما شئت فمثله تعمل، ومن أكل الحلال أطاعت جوارحه شاء أم أبى، ومن أكل الحرام عصت جوارحه شاء أم أبى.
أيها المؤمن بالله جلَّ جلاله، لابُدّ أن يتحكم الإيمان في لسانك، وتُدرك قول صاحب الرسالة: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، ولا بد أن تَكُفّ عن ما حرّم الله عليك من غيبة ونميمة، ومن كذب ومن سب ومن شتم ومن لعن، ومن ذكر المُهيّجات على الشر وسوء ما يهيّج على البغضاء، وما يهيّج على الشحناء، وما يهيّج على أخذ حق الغير، وما يهيّج على بعث الغرائز والشهوات، يجب أن تصون اللسان عنهم، وذلك اللغو، وذلك الرّفَث الذي حرّمه الله تبارك وتعالى علينا، وأكّد علينا أن إذا صمنا أو حججنا، أن نبتعد كل الابتعاد عن الرّفَث؛ لِيَثبُت منّا هذا البُعد في بقية أحوالنا وأطوارنا؛ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت" وهل يُكبُّ الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم!
ألا وإن الأصفياء لربك والذين اختارهم لقربه وهيأ لهم حسن المصير، (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ) ، ابتدأ بالهداية إلى الطيّب من القول؛ ليجعلها العنوان والمدخل للهداية إلى الصراط الذي اختاره الله، صراط الحميد جلَّ جلاله، الصراط المستقيم الذي عُلِّمنا أن نسأل الله الهداية إليه في كل ركعة نصليها لله (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)
فيا أيها المؤمن بالله جلّ جلاله، إن كنت على حال لم يصل الإيمان فيه إلى التحكّم في أقوالك، حتى جئت إلى هذه الجمعة، مؤمنا مُلبّيا لنداء الله جلّ جلاله، وكنت في الصباح مع أهلك أو بعض أصدقائك تتكلم بما لا يرضي الرب جلّ جلاله، فخذ من جُمْعتِك جَمْعًا على حقيقة الإيمان، تنصرف من الجمعة واللسان مؤدب مهذب، يخشى الجبّار الذي ملَّكَه النُطق سبحانه ومكَّنَه منه، وإلّا لم يتمكن اللسان من نطقٍ بحرفٍ واحد، وسبحان الذي أنطق كل شيء، جلّ جلاله وتعالى في علاه، ألا فاحذر أن تقول بلسانك ما يُوجِب هُونك، وما يُوجِب فضيحتك وخزيك في يوم القيامة، إنّ الرجل لَيَتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يُلقي لها بالًا، لا يظن أن تَبلُغ به ما بلغت، يهوي بها في النار أبعد من الثريا والعياذ بالله جل جلاله وتعالى في علاه.
أيها المؤمن بالله تحقّق بحقائق الإيمان، فهذه غنيمة العمر، وأعلى ما تَكسبه في الأيام التي تمُّر بك في هذه النشأة التي أنت فيها، وفي هذا الطَوْر من العمر الذي أنت فيه، خصوصا من حينِ بلوغِك، إلى حين خروج روحك من جسدك، (فَلَوْلا إذا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ * وأنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ).
أيها المؤمن بالله جلّ جلاله وتعالى في علاه، تهذيب الأقوال وتربية الأبناء والبنات عليها خصلة المؤمنين التي بها في التربية يتميزون، وفي السير إلى الله تبارك وتعالى يُعرفون ويُعلمون، بهذا التهذيب للألفاظ والتأديب لهذه الألسن، لتَصلُح بمخاطبة الرحمن ومجاوبته عند السؤال: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ).
أيها المؤمنون بالله جلّ جلاله، وقد أُعطِيتم النّطق، والمَهْدِيُّ إلى الطيب من القول، يستلذ القرآن وتلاوته، وتلاوة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستلذ خير القول لا إله إلا الله ويكثر منها، ويدأب لسانه عليها، حتى يكون لها ذاكراً، إذا نزلتهُ غَمرة الموت قال لا إله إلا الله، فكانت آخر كلامه من الحياة، فدخل الجنة مع السابقين إليها؛ ذلك فضل الله لمن تأدّب ولِلّسان هذَّب، وأقام مراقبة الله تبارك وتعالى فيما يَصدُر له من قولٍ وكلمةٍ ولفظٍ، فلا يَصدُر إلّا ما يُرضي الرب جلّ جلاله وتعالى في علاه، ذلكم مسلك من اتقى الله، ذلكم مسلك من آمن بالله واليوم الآخر، فانظر ذلك في نفسك، وأقم عليه أهلك وأولادك، واعتادوا الكلام الطيب فيما بينكم، واحذروا من اعتياد غيبةٍ أو نميمةٍ أو سبٍّ أو شتمٍ بين عشائِركم وأهليكم وأولادكم، فإنّكم عن ذلك مسؤولون وبه مخاطبون، اللهم املأنا بالإيمان واليقين، واجعلنا في الهداة المهتدين، واجعل نور تقواك ينتشر من قلوبنا إلى ألسننا وأعضائنا السبعة، ولا نقول إلا ما هو أطيب، وما تحب وترضى يا حي يا قيوم.
والله يقول وقوله الحق المبين (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)
وقال تبارك وتعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ * وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)
(وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ)
(وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)
(وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء) ، (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) ، (مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وثبّتنا على الصراط المستقيم، وأجارنا من خزيهِ وعذابه الأليم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه الغفور الرحيم.
الحمد لله عالم ما يُخفي الإنسان وما يُبديه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له، اِستَوَت عنده علانيةُ القول وما تُخفي الصدور، وأشهد أن سيدنا ونبينا وقُرّة أعيننا ونور قلوبنا محمداً عبده ورسوله، (وَمَا یَنطِقُ عَنِ ٱلهَوَىٰ * إِن هُوَ إِلَّا وَحْیࣱ یُوحَىٰ)، أشار إلى لسانه الأطيب الأطهر، وقال للصحابي "اكتُب، فوالَّذي نَفسي بيدِهِ ما خرجَ منهُ إلَّا الحقٌّ"
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك الأصدق، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن بمحبته تحقَّق، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الذين جعلتهم لأهل الخير السُّبَّق، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى ملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين، يا كريم يا حق.
أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله وارفعوا علم وشعار التقوى في بيوتكم، واجعلوه في أحوالكم منشوراً خفّاقاً بتقواكم في ألسنتكم مستجيبين لأمر الله موقنين بما قال، وبما أنزل على خاتم الإنباء والإرسال، لا تستهويكم أقاويل الضلال والفساق وأهل الشك والشرك والجدال، أولئك الذين عامة أقوالهم وصورهم تُظلِم الضمير وتبعثُ على الغفلة والبعد عن العلي الكبير، (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّه) وليكن لكم شغلٌ بالكتاب العزيز والسنة الغراء، وزَيِّنوا بها صدور أبنائكم وبناتكم ليحفظوا ما تيسر لهم من القرآن بعضهِ أو كله، وما تيسر من حديث حبيب الله خاتم رسله.
وأكثروا من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير بالليل والنهار، فإن أحب الكلام إلى الله سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، يقول نبينا: "أَفْضَلُ مَا قُلْت أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّه" وإنها لرأس القول الطيب (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ).
ألا وإن نطقتم بالصدقة وبالمعروف وبالإصلاح بين الناس وبالدعوة إلى الله فقد استكملتم تربية الألسن بمنهاج عالم الظاهر والباطن، وقد تحررتم من رِقِّ النفوس والشياطين والأهواء، فَزَيِّنوا بواطنكم وزَيِّنوا ألسنتكم بهذه الزينة التي جعلها الله لنا، من تلاوة كتابه وكلام رسوله ومن ذكره تبارك وتعالى، ومن القول بالمعروف والإصلاح بين الناس والأمر بالصدقات والدعوة إلى الله، واسمعوا قول الرب: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ)، لا أحد أحسن قولا من هذا (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، ومعنى أنه قال (إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ): أنه إذا توجَّهتْ إليه خطابات مختلف البرامج والهيئات والجهات من الشعوب ومن الدول من الشرق والغرب بما يخالف منهج الله.. رَدَّها وأعلن إني من المسلمين، وقال إنني من المسلمين، (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).
وإذا اقتَرَنَ اختيار القول هذا باختيار الطعام وما يدخل البطن فقد قامت علامة تحقُّقٍ بحقائق تقوى الجبار جل جلاله والاستعداد للقائه، فَخُذ من الجمعة قوة إيمان، يستقيم به لسانك وتَتّقِ الله فيما يدخل بطنك، فإنما هي محاسبة من إلهك من أين اكتسبته وفيما أنفقته.
أيها المؤمنون بالله جلّ جلاله: وقد مُنّ عليكم بهذه الشريعة والدين العظيم، والنبي الهادي إلى الصراط المستقيم، فلَبّوا النداء واسلكوا سبيل الهدى، وراقبوا عالم ما خفي وما بدا، تسعدوا مع السعداء هاهنا وغدا.
اللهم لا صرفت من جمعتنا أحداً إلا ممتلئ القلب بالإيمان، إيماناً يحمله على الصدق معك في السر والإعلان، في امتثال الأوامر واجتناب الزواجر ومع الإخلاص لوجهك يا كريم يا منان، يا أرحم الراحمين.
وأكثروا الصلاة والسلام على أصدق الخلق لهجة وأبهرهم نوراً وبهجة، محمد بن عبد الله، فإن أولانا به يوم القيامة أكثرنا عليه صلاة، ومن صلى عليه واحدةً صلى الله عليه بها عشرا، واسمعوا خطاباً من الرحمن بدأ بنفسه وثَنى بالملائكة وأَيَّهَ بكم معشر المؤمنين، فقال مخبراً وآمراً تكريما (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك الهادي إليك والدّالِ عليك سيدنا محمد، وعلى آله وأهل بيته الأطهار، وعلى أهل بيعة العقبة وأهل بدر وأهل أحد وأهل بيعة الرضوان، وعلى السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، خصوصا من فضلتهم وشرفتهم، خليفة رسولك مؤازِرِهِ في حال السعة والضيق، خليفته أبي بكرٍ الصديق، والناطق بالصواب حليف المحراب المُنيهِ الأوّاب، أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب، والناصح لله في السر والإعلان، من استحيت منه ملائكة الرحمن، أمير المؤمنين ذي النورين سيدنا عثمان بن عفان، وأخِ النبي المصطفى وابن عمه، ووليه وباب مدينة علمه، إمام أهل المشارق والمغارب، ليث بن غالب، أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب، وريحانتي نبيك قرة العين الحسن والحسين، وأمهم الحوراء فاطمة البتول الزهراء، وأخواتها الكريمات وأمهات المؤمنين، وأهل بيت نبيك الذين طهرتهم من الدنس والأرجاس، وجميع تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم أعلِ كلمة المؤمنين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم إنا نشكو إليك ألسناً اتبعت هواها وإغواء عدوها فضلت عن سبيلك ونطقت بالباطل والشر، ونشكو إليك أشد الشكاية ألْسُناً اِستُؤجِرَت من قبل أعدائك لتقول الباطل، ولتزرع الفتن بين الأمة، ولتفارق الصفوف وتغير القلوب على بعضها البعض، اللهم أنقذهم من هذه البلايا والرزايا، واجعل ألسنتنا مُسْتَخدَمَةً مُسْتَعمَلَةً فيما يُرضيك يا خالقها، وفيما يُقربنا إليك يا بارِئها ومُنشِئها، وأعذنا من كلمة تهوي بصاحبها في النار سبعين خريفاً وأبعد من الثُّريا.
اللهم أجرنا من كل موجب الحسرة والندامة، وارزقنا اللهم القول الطيب، واهدنا إلى الطيب من القول واهدنا إلى صراطك يا حميد، وتولنا بما أنت أهله يا مبدئ يا معيد، ولا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحد من خلقك يا فعالاً لما يريد، نسألك التقوى في القلوب والألسن، والأعين والأسماع والأبصار والبطون والفروج والأيدي والأرجل، حتى نستقيم على تقواك ونظفر برضاك، ونحب لقاءك وتحب لقاءنا حين نلقاك، يا حي يا قيوم يا ملك الأملاك.
أصلح شؤون المسلمين وادفع البلايا عنهم، وحوِّل أحوالهم إلى أحسن الأحوال، ورُدّ عنهم كيد إبليس وجنده من شاطين الإنس والجن، اللهم فرِّج كروب الأمة واكشف الغمة وأجلِ الظلمة وادفع النقمة وابسط بساط الجود والخير والنعمة، وعاملنا بما أنت أهله يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)
نسألك لنا وللأمة من خير ما سألك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، وأنت المستعان وعليك البلاغ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
عباد الله، إن الله أمر بثلاث ونهى عن ثلاث، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر.
16 صفَر 1445