فوائد من محاضرة: أسرار تلبية القلوب نداء الحق تعالى ومجالاته وآثاره على مدى العصور
العلامة الحبيب عمر بن حفيظ:
(وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ)؛ ذكر بعض أهل الذوق والعارفين لما قرأ الآية: انظر يعيب علينا التفاتنا إلى النصر المُعجّل هذا، (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا)، أنتم مُعلقين بها، يعاتبنا يقول ما تلتفتوا لفوق وما تؤثروني على كل شيء؟ وخذوا هذا في الدنيا: (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا) هي المُحبَّبة إلى قلوبكم وكان الأولى أن تخلُص محبتكم لي!
(إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ) النصرة الكبرى:
- - نصرة أن تأمن من فتنة القبر وعذابه
- - نصرة أن تأمن من فضيحة يوم القيامة
- - نصرة أن تُؤتى كتابك بيمينك
- - نصرة أن ترافق حبيب الرحمن
- - نصرة أن تَرِد على حوضه المورود
- - نصرة أن تُدخل وأهل بيتك إلى جنات الخلود؛ هذه النصرة الكبرى!
وجميع الانتصارات في الدنيا بالنسبة لهذه إنما هي مُقَدِّمات يسيرات، ليست بشيء أمام النصر الكبير!
(فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) ومهما اشتدّت الفتن وانتشر الفساد فالترشيح أمامك لِتظفر بهذا العطاء الكبير من الإله الكبير جلّ جلاله، وتدخُل دوائر السعادة الأبدية لتكون مِمّن صنعتهم يد العناية الربانية.
(فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)، نقرأها بصيغة المستقبل وفعل المضارع الذي يقتضي الاستمرار، في كل قرن، في كل شهر، في كل أسبوع، في كل يوم من الأيام.
(يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)، هذه هي أول أوصافهم: حنان ورأفة ورحمة، وعاطفة جيّاشة تملأ أرواحهم.
(أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ):
- - لا يجد المؤمن منهم إلا ذلّتهم وتواضعهم، وسعيهم في إرادة خيره وعطفهم عليه، ومعاملته إياهم كأنفسهم وكبارهم خير مما يعاملون به أنفسهم.
- - لا يجد الكافر منهم استدراجاً لهم ولا كيداً بهم، ولا مكراً بهم بتصديق لشيء من أطروحاتهم ولا لشيء من دعواتهم.
(أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ):
- - لا يُغرَون بما عندهم ولا يغترّون، ولا يَرهبون مما عندهم ولا يخافون.
- - يريدون منهم أدنى انحراف لا يجدون، يريدون منهم أدنى استمالة لا يجدون.
آثَروا الله ورسوله على كل ما سواه، فلم يأخذوا مِما ينزل ببالهم ولا بفكرهم ولا بخواطرهم ولا بمجتمعاتهم ولا بالظروف والأحوال، إلا ما اجتهدوا أنه الأحبّ إلى الله ورسوله، والأرضى لله ورسوله، ولا يخافون لومة لائم، ومَن يُبالي بلومة لائم ممن هو شبيه البهائم بل أضلّ؟
يلومونا على طاعة الله، يلومونا على تحقيق العبودية لله، يلومونا على التبعية لمحمد بن عبد الله ﷺ، ويُحبّون أن يُزَيّنوا لنا تبعية أفكارهم، أفكار من لا خلاق له، أفكار من لا يؤمن بالله واليوم الآخر، أيُرتجى أن يأتي على يديه سعادة؟ أيُرتجى أن يأتي على يديه خير؟ لا والله، بل هم في دوائر: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ الله).
كان ﷺ يقول في دعائه كل يوم: "نُحِبّ بحبّك الناس ونعادي بعداوتك من خالفك من خلقك".
(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا)، وحرام أن يتربّى في بيوتنا مَن يسبّ المؤمنين، من يكره المؤمنين، أحياء أو أموات، مَن تقصر هِمّته عن ولاء وموَدّة المؤمنين أحياءً أو أموات!
(وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) ويرفض ولاء الدينار والدرهم، ويرفض ولاء الجاه والمظهر، ويرفض ولاء الكفار والفجّار وإبليس والنفس الأمّارة! لهم الغَلَبة والرِّفعة والعِزّة في الدنيا ثم في الآخرة.
_______
محاضرة مكتوبة بعنوان: أسرار تلبية القلوب نداء الحق تعالى ومجالاته وآثاره على مدى العصور.
في مجلس البردة الأسبوعي في مسجد الروضة المباركة في عمان، الأردن، ليلة الجمعة 13 جمادى الأولى 1446هـ
لقراءة المحاضرة كاملة أو المشاهدة:
(نسخة إلكترونية pdf):
https://omr.to/M130546-burdah-pdf
14 جمادى الآخر 1446