فوائد من خاتمة تفسير سورة الزخرف - 10 - بين الغفلة والإدراك: تأملات في قوله (فذرهم يخوضوا ويلعبوا)

اقرأ: الدرس العاشر من دروس التفسير في رمضان:
كيف نوازن بين واجب الدعوة والنصح وبين الأمر بـ "فذرهم يخوضوا ويلعبوا"؟ من يملك الشفاعة يوم القيامة؟
تفسير سورة الزخرف -10- من قوله تعالى: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83)} إلى الآية 89 آخر السورة
للعلامة الحبيب عمر بن حفيظ، صباح الإثنين 10 رمضان 1446هـ
للاستماع والحفظ، أو قراءة نص الدرس مكتوباً :
للمشاهدة:
https://www.youtube.com/live/DR0oSay6Uvo
فوائد من الدرس:
(فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83)) إنّ أكثر وعامّة ما يشتغل به الناس من المُكلّفين ومعهم الجانّ على ظهر هذه الأرض، مِن كل ما لم يتصل بالمقصد الحَسن، ولم ينتظم ويتوافق مع منهج عالم السرِّ والعلن؛ خوض في الباطل ولعب في الحياة.
مُهِمّة مَن علّمه الله الحقيقة وأدركها:
- أن يحمده ويشكره عليها
- ويؤدّي للنّاس ما قدر من النّصح والإرشاد والإنقاذ لهم.
- ثم عليه أن يذرهم، يتركهم فيما يلجّون به وفيه من باطل وغرور وزور (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ).
فهذا مسلك الأنبياء ومَن أحسن اتّباعهم من الأولياء والعلماء والصالحين.
إذا أُكرِمتَ بالإيمان وكنت في خير أمّة، ثم تيسّر لك سبيل مثل هذا المجلس؛ سبيل جماعة في صلوات تُشرع فيها الجماعة من الفرائض والمسنونات؛ ومجلس علم وفعل خير؛ فاغنم ذلك! فهذا غنيمة الحياة وهذا الذي يترتّب عليه الدّرجات في الدّار الآخرة.
* دلائله واضحة وظاهرة وجميع كائناته؛ حتى ذات الذي ينكر ويكابر ويلحد ويجحد مُذكِّرات به ودلالات عليه؛ بل الجاحد وجحوده من دلالات عظمة الله، ووجوده نفسه من علامات وجود الله!
كلّه بتكوينه من النطفة وتحويلها إلى علقة ومضغة وإلى عظام وإلى كِسوتها لحم ثم سمع وبصر، ودم وعروق وخلايا، وعظام فيها تفصيلات وانكسارات وعطَفات، وشم وذوق وبصر وسمع؛ كيف جئت؟! أنت دليل عليه وسمعك وبصرك وكلّ ما أنت!
(وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰه)
- مَن استقام في عقله ومداركه وفهمه وعلمه؛ أدرك أنه لا إله إلا هو، فعبده كما يعبده الملائكة في السّماء.
- ومَن انحرف في تفكيره وفي نظره وفي أسلوبه والعياذ بالله؛ صَدّ عن سواء السبيل، وهم المخالفون من الإنس والجن فقط.
- أما بقيّة الكائنات من النباتات والحيوانات والجمادات فكلها مُسبّحة بحمده مُقدسة له (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ).
كيف يُعرف الإيمان لولا وجود الكفر؟! وكيف يُعرف الصّلاح لولا وجود الفساد؟! فكلّ شيء بِحكمة: وجود الصّلاح ووجود الفساد، كله بحكمة عظيمة من الله تعالى؛ ليَصير النّاس إلى أن يحكم الخالق بينهم فيما كانوا فيه يختلفون.
يقول: (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) النّاس في نهاية المطاف وعند الموت، يرجعون إلى الأحزاب أو الدول أو المؤسسات؟ كلهم من أولهم لآخرهم مرجعهم إليه، وإن كانوا الآن في قبضته وتحت قهره؛ لكنهم في حُجب من أفكارهم الخاطئة وتصوراتهم الباطلة وستنكشف هذه كلها، بمجرد ما يصل الروح إلى الحلقوم يكشف الستارة وينظر لِعالَم الغيب الذي كنت به تكذب.
(وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ)؛ أُعطي الشفاعة وأُمكِن منها من شهد بالحق.
- (شَهِدَ بِالْحَق)؛ أيقن بـ لا إله إلا الله، فآمن به وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
- شهادة وقف فيها على حقيقة اليقين والذوق.
فما يمكن أحد يشفع عنده إلا من أذن له؛ ولا يأذن إلا للأنبياء والعلماء والشهداء، ومن شهد بالحق.
يقول الله لحبيبه ﷺ: (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ): أنا ما جئتكم إلا للهدى وللخير والإرشاد والإنقاذ، ولا يأتي مِن قِبَلي إرادة سوء ولا ضر ولا شر بأحد قريب أو بعيد، ولكن من صَد وكابر وقاتل؛ فأرده وأصده وأُجاهده في الله، أما من قِبَلي لا يأتي إلا السلام.
(ولئن سألتهم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ) خالقكم، مُكوِّنكم، مُوجدكم، مُنعم عليكم، تنصرفون إلى غيره؟ إذا هو الخالق فكيف تأفكون؟ تقلبون الحقيقة، تخرجون عن البرهان الواضح!
يا من لا إله غيره ارزقنا الولع بألوهيتك وأدب مع ربوبيتك؛ حتى تتولى ربوبيتك عبوديتنا، ونرقى مراقي شهودك الأسنى بمرآة حبيبك المصطفى الأسمى ﷺ.
نص الدرس مكتوب:
14 رَمضان 1446