فوائد من: تفسير سورة طه (1) حقيقة السعادة وميراث الخشية

العلامة الحبيب عمر بن حفيظ:

 انتهينا إلى أوائل سورة طه -صلى الله على سيدنا طه-:

  • - من المشهور بين الأمة أنه اسم من أسمائه الكريمة ﷺ 
  • - يقول بعض أهل التفسير: هو من أسماء الحق
  • - وبعضهم يقول قسم
  • - وبعضهم يقول: ياء النداء
  • - وبعضهم يقول هو إشارة إلى اسم الطاهر الهادي: (طه) أي يا طاهر يا هادي.
  • - ومن المعلوم أن الله أتبعه بالخطاب له، فهو أيضًا يتناسب مع أن يكون اسم من أسمائه ﷺ.

(مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2)) أي: إنّما يتصوَّرون باطلًا من الشقاء؛ وإن الشقاء بعيدٌ عنك وعن من اتّبعك؛ فأنت أصل السعادة ومظهر السعادة وأنت أسعد الخلق.

  • - وأنّ حقيقة السعادة لأي مخلوق أن نتعرّف إليه، وأن نُكرِمه برضانا وقُربنا
  • - وإن هؤلاء لا يعقِلون حقائق السعادة ولا هذا المعنى الثابت القوي القويم الصادق الحق الدائم.

* لا سعادة على الحقيقة لمخلوق إلا بمعرفة الخالق ومحبته وتعظيمه، وبالنسبة للمكلّفين امتثال أمره جلّ جلاله واجتناب نهيه، هذه حقائق السعادة وبها نسعد، أسعَدنا الله بأعلى السعادات. 

الذين يظنون أن السعادة في توفّر المال أو في صحة الجسد أو في توفر وسائل الراحة؛ واهمون وخاطئون، وإنّ كثيرًا مِمَّن يعيش على ظهر الأرض مِن مُلاّك الأموال يعيشون من أتعس الناس نَفْسًا وحِسًّا وشعورًا وهدوءًا، وهم أبعد عن الطمأنينة، وهم أبعد عن الهدوء، وهم أبعد عن حقيقة الراحة، يعملون ما شاءوا من مُشتهيات الأبدان مأكلًا أو مشربًا أو مسكنًا أو مركبًا أو منكحًا، ولا يزدادون إلا تعبًا، ولا يزدادون إلا قلقًا، ولا يزدادون إلا ضيقًا.

الصورة

 

ما السعادة بحقيقتها في أموال ولا في مُلك ولا في شيءٍ من هذه الظواهر والمظاهر؛ مَن أُكرم من قِبل خالقه بمعرفته تعالى، وتحقيق العبودية له، والقيام بأمره؛ فهو المسعود وهو صاحب السعادة، وتظهر الحقيقة: (يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ)؛ فليس السعيد فيهم بصاحب المُلك في الدنيا، ولا بصاحب المال في الدنيا، ولا بصاحب الجند والعسكر في الدنيا، ولا بصاحب الأجهزة والاختراع في الدنيا؛ ولكن من مات على "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، من سلِم من النار وأُدخِل الجنة.

لا نَحتاج إلى أحدٍ من أهل الشرق والغرب يُعَلِّمنا ما معنى السعادة وما معنى الشقاوة وبمَ تُكسَب السعادة، الله الخالِق عَلَّمَنا ذلك، وأرسلَ الرُّسُلَ بذلك، وبَيَّن: 

  • - أن السعادة: أن يَرضى عنك.
  • - أنَّ السعادة: أن يَتَعَرَّفَ إليك فَتَعرِفه.
  • - أنَّ السعادة: أن تُدرِك الحقيقة في أنك عَبدٌ مَخلوقٌ وتُوَفَّق لطاعَتِه.
  • -  لِيَكون مآلُك نَعيمُه الأعظَم ورِضوانُه الأكبر وَجودُهُ الأفخم، "مما لا عَينٌ رَأَت ولا أذنٌ سَمِعَت ولا خَطَرَ على قَلبِ بَشَر" هذه السعادة!
الصورة

(إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3)) أي: لكن تذكرة لمن يخشى، وسيتوفر أهل الخشية في أمتك على مدى القرون:

  • - حتى جاءنا: "أمّتي كالمطر لا يُدرى خيرٌ أوله أم آخره"
  • - وجاءنا أيضاً: "في كل قرن من أمة سابقون"
  • - وجاءنا: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من ناوأهم، لا يضرهم من خذلهم، لا يضرهم من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون"  فسلَّ الحق تعالى نبيهم ﷺ.

(إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ (3)) اللهم اجعلنا ممن يخشى، واجعل القُرآن تذكِرةً لَنا، هذا القُرآن الجامِع لأسرار الكُتُب المُنزَلَة، الواسع في المعاني والمَعارِف، نِعمَةَ الله تبارك وتعالى علينا.

(تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ (3))

  • - تُذَكِّرُهُ حَقائِق الأشياءِ والأمور.
  • - تُذَكِّرُهُ حقائق ما جَرَى في عالَم الأرواح.
الصورة

(إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ (3))، إنما يَخشى مَن عَرَف؛ فَمِن ضَرورَة المَعرِفة: الخشية والرجاء والمحبة والتعظيم والإجلال، فعلى قَدرِ مَعرِفَة الله تَخشاه، على قَدرِ معرفة الله تَرجوه، على قَدرِ مَعرِفَتِك لله تُحِبه، على قَدرِ مَعرِفَتك لله تُعَظِّمه وتُقَدِّسه وتُسَبِّحُه وتُنَزِّهُه جل جلاله، يا رب تَعَرَّف إلينا وَوَفِّر حَظَّنا من سِر المَعرِفة.

(الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ (5))، هذا الاستواء حقيقة المراد به من جميع الوجوه لله هو الأعلم، وكل ما تعلَّق من المعاني بالاستواء، كل ما تعلّق بمستحيل على الله؛ من حيث حصرٍ ومن حيث جسمانية وما إلى ذلك؛ فمردود وباطل (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)، وكل ما لم يختلف ويتناقض مع أوصاف الحق تبارك وتعالى وأمر شرعه؛ فمقبولٌ من حيث العموم، وتعيين وتحديد ما أراد الله بذلك، فلا يُحيط به غيره سبحانه وتعالى.

الصورة

(وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا)، نسألك بأسمائك الحسنى وكلماتك العُلى أن تجعلنا ممن يخشع، وأن تجعلنا ممن يتذكر، تجعلنا ممن يتنوَّر ويتبصر، تجعلنا في خواص أمة حبيبك الأطهر ﷺ، وأن تجعلنا مِن رفقائه وأن تُسعدنا بلقائه وأن تحشرنا تحت ظل لوائه.

____

 لقراءة الدرس كاملاً أو المشاهدة:

https://omr.to/q-taha1

 

#الحبيب_عمر_بن_حفيظ #تفسير #سورة_طه #القرآن #درس_التفسير #جلسة_الإثنين #معاني_ودلالات #تفسير_القرآن #habibumar #habibumarbinhafidz #tarim #quran 

تاريخ النشر الهجري

03 رَجب 1446

تاريخ النشر الميلادي

01 يناير 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية