أسرار الصوم -1- مدرسة التقوى ومرتقى المحبة الإلهية (قبس النور المبين)

فوائد من درس قبس النور المبين من إحياء علوم الدين، للعلامة الحبيب عمر بن حفيظ

 الحمد لله على نعمة "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، حقِّقنا اللهم بحقائقها، وثبِّتنا على طرائقها، واجعلنا من خواص أهلها، ومن أعلى ما يتفرع عنها مراقبة هذا الملك الديّان، والانتهاء والانزجار عما نهى عنه، والغلبة والاستيلاء والقهر لأنواع الشهوات التي تمّ بها الامتحان، وجعلها الله مادة الامتحان للعباد والاختبار لهم، فتارك ما نهى الله عنه فائز من المِنّة الإلهية بحظ عظيم، قال بعض العارفين: "أفضل الطاعات ترك المعاصي".

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الصيام مُربٍّ ومُنَمٍّ ومُزَكٍّ للإيمان في القلوب، ومُمرِّن على ترك أنواع القواطع، من خلال ترك الطعام والشراب والمفطرات للصوم من الفجر إلى غروب الشمس، ففيه تمرين على مراقبة العلي العظيم، وترك حتى ما من شأنه أن يكون مباحاً في الوقت الآخر، بل به قوام الحياة يُترك، فكيف ما عدا ذلك كيف لا يُترك من أجله؟

جعل الله الصوم حِصناً لأوليائه وجُنّة، يحميهم من كل ما يُنزِل بهم عن رفيع مقاماتهم أو يمنعهم مواصلة الاعتلاء في عالي درجاتهم؛ فالصوم حصنٌ حصين.

جعل الله باباً من أبواب الجنة الثمانية مُخصصاً بأهل الإكثار من الصيام يُسمى "باب الريّان"، يُنادى من كان يعتني بالصيام، فإذا دُعي الصائمون أُغلِق فلم يدخله غيرهم.

فيه الإشارة إلى أمرين: إلى ما حصل مِن ظمأ هؤلاء من أجل الله في الهواجر، وما حصل لهم بذلك من رَيّهم بأنواع المعارف واللطائف وكؤوس المحبة، فمن ظَمِئ من أجل الله رَوِيَ من معرفة الله، فله باب الريّان.

في الصوم تدريب للمؤمن على أن يغلب الهوى ولا يغلبه، لِما يحصل له من ترك الأشياء المهمة لأنه يخشى الله ويشهده ويراقبه.

  • والنفس كالطفل إن تُهمله شبَّ على ** حب الرضاع وإن تفطمهُ ينفطمِ
  • فاصرِف هواها وحاذر أن تُولّيهُ ** إن الهوى ما تولى يُصمِ أو يَصِمِ

الصوم مُتميّز بخاصية النسبة إلى الله سبحانه وتعالى: "إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به"، قال هذا فيما حكاه عنه نبيه ﷺ، "يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي"، هذا هو السر، فترك ما تشتهيه النفس من أجل الله شأنه شأن، ومنزلته عند الله عالية المكان.

"من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه"، جاء في النظر الحرام: "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس"، قال الله في الحديث القدسي: "من تركها من مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه"؛ مباشرة يجد عِوَض عجيب وهو في الدنيا قبل الآخرة، فغاضّو البصر عن المُحرّمات يذوقون في الدنيا من حلاوة الإيمان ما تتضاءل أمامه لذائذ جميع شهوات الأجساد، والمخبوء أكبر: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ).

لابد أن نتعلم حُسن المعاملة مع هذا الدين؛ نكسب من إفضاله وجزيل نواله لذة قرب وحقيقة محبة، ندخل بها في الأحبة.

  • يا الله بذرة من محبة الله ** نفنى بها عن كل ما سوى الله
  • ولا نرى من بعدها سوى الله ** الواحد المعبود رب الأرباب

يُستجلى وصولك إلى شيء مِن ذرات المحبة بأن: يَفرُق قلبك عن حُب من لا يُحِب وحُب ما لا يُحِب، وتصدُق في محبة من يُحِب.

قال ﷺ: "للصائم فرحتان: فرحة عند فطره"؛ بتمام التوفيق له من الله وإكمال صوم يومه رجاء للقبول، وفرحاً باستجابة الدعاء عند الفطر، 

  • - "وفرحة عند لقاء ربه"، إذا قبل منك الصوم فهذه بشارة من سيد القوم، حبيب الحي القيوم؛ أنك تلقى الجليل على حال جميل 
  • - "فرحة عند لقاء ربه"، يكون حالك جميل طيب فكيف تفرح إلا برضوانه؟ فتلقاه وهو راضٍ عنك.

إنما نتعرّض بالاستجابة لنداء الله ورسوله، وعملنا في هذه الحياة بمرضاة الله؛ ليحسُن لقاءنا وترتفع مراتبنا في شأن لقاء الرب، فجميع ما نسعى إليه استعداد للِّقاء، الغاية لقاؤه وهو راضٍ، الله يُكرمنا وإياكم حتى يجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أعمارنا آخرها، وخير أيامنا يوم لقائه، نلقاه وهو راضٍ عنا.

اللهم ارزقنا ترك جميع ما تُحِب تركه مِنا، حسّاً ومعنىً، ظاهراً وباطناً، بأعضائنا وقلوبنا، في جميع شؤوننا، يا عالم ظهورنا وبطوننا بحقك عليك جنِّبنا كل ما تكره، ارزقنا ترك ما تكره محبةً لك وتعظيماً لك، مخلصين لوجهك صادقين معك، موفين بعهدك ذائقين لوِدِّك يا رحمن.

اللهم أكرِمنا بشرف ترك كل ما لا تحب، من نية وقول وعمل وقصد وحركة وسكون، يا الله.

https://omr.to/ihya180146

لمشاهدة الدرس كاملا:

https://www.youtube.com/live/FJ2MhW9TqI8

____

T.me/HabibOmar

تاريخ النشر الهجري

13 رَجب 1446

تاريخ النشر الميلادي

12 يناير 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية