(228)
(536)
(574)
(311)
خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع الإيمان، بحارة الإيمان، بعيديد، مدينة تريم، 9 جمادى الآخرة 1445هـ بعنوان:
سبيل الأنبياء وهداهم أمام الحوادث والمعتدين وواجب المؤمنين الواضح في تبعيَّتهم
الخطبة الاولى:
الحمد لله الحي القيوم المالك القادر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الإله العظيم المنان الغافر، والمهيمن القوي المتين القاهر، هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، ويجعل مأوى من أبى الهداية إلى الصراط المستقيم نار الجحيم.
وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرة أعيننا ونور قلوبنا محمداً عبده ورسوله، ذو الدين الحق والنهج القويم والخُلق العظيم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على عبدك المجتبى الكريم، سيدنا محمدٍ أفضل الصلاة والتسليم، وعلى آله وصحبه ومن سار على منهجه وصراطه المستقيم، من كل ذي قلبٍ سليم، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين صفوة الرحمن الرحيم، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى ملائكة المُقرَّبين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد،،،
عباد الله،، فإني أوصيكم وإياي بتقوى الله، فاتقوا الله وأحسنوا يرحمكم الله (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف:56].
اتقوا الله فيما يمرُّ بكم من أعمار، اتقوا الله فيما تتعاملون به مع حوادث الليل والنهار، اتقوا الله مع ما تسمعون وتشاهدون، في أنفسكم وفي المسلمين في مختلف الأقطار، اتقوا الله في كل ذلكم وقوموا بما يلزم عليكم ويتوجَّه إليكم من أمر إلهكم وخالقكم -جل جلاله وتعالى في علاه- فإنه يُداولُ الأيام بين الناس (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ) [آل عمران:140] (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ)[الأنفال:37]، وليتميّز من يتضرَّع إلى الله ومن يلجأ إلى أعداء الله، أو إلى خلق مثله كأنه لا يقول لا إله إلا الله، ولا يُوقِن أنّ سِوى الله لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرًا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا.
أيها المؤمنون بالله، البأساء تُصيب الأمَّةَ في مختلفٍ من الابتلاءات والاختبارات الربانية، ليتذكر من يتذكر وليتوب من يتوب، وليحيى التضرُّع للرحمن، وليرجع من يرجع إلى تقوية الإيمان، وإلى إقامةِ تقوى عالم السر والإعلان، وأولئكم هم المُستفيدون الصابرون الشاكرون الذاكرون، الذين علموا ما قال من يقول للشيء كن فيكون.
(وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ..) [البقرة:155-156] :
ومن كان لله لا يلجأ إلى غير الله
ومن كان لله يُقلع عن معاصي الله
ومن كان لله يتضرّع إلى الله
ومن كان لله يتحرّر من تبعية أعداء الله
(قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) [البقرة:156] أي مصيرنا ومرجعنا إليه، فهم المستعدون للمرجع والمصير، بتقويم المسير وتنقية الضمير، واتباع البشير النذير، السراج المنير، وتحكيم أمر الله ومنهجه وهو العلي القدير -جلّ جلاله وتعالى في علاه-
(قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، وسمعت ما ينطوي عليه هذا القول، وما يعنيهِ هذا القول، وما يقتضيهِ هذا القول، (قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ)؛ لسنا مبيوعين لأنفس ولا لأهواء، ولا لشعوب ولا لسلطات، ولا لدول كفر ولا غيرها، إنا لله :
ومن كان لله لا يرجو إلا الله
ومن كان لله لا يخاف إلا الله
ومن كان لله يطيع الله
ومن كان لله لا يُقدِّم نظاما على نظام الله
ومن كان لله يقلع عن معصية الله ويبتعد عن الذنوب بأصنافها
(قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) ومن أيقن بالرجوع إليه استعدّ للقاء بالتُقى، واستعد للقاء بطُهر الباطن، واستعد للقاء بأداء الأمائن، واستعد للقاء ببذل الوسع والطاقة فيما يرضي ربه، وفيما دعاه إليه نبيه ﷺ.
(قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، أهل هذا القول المُحقَّق بذوقهم وفعلهم وحالهم، (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة:157] اللهم اجعلنا منهم، لا يضِلون عند الفتن ولا عند البلايا والمحن، (أُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) استناروا بنور الله، وأقاموا لشرع الله، واتبعوا سنة صفي الله، وحبيبه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
وهذا لسان هذه الحوادث الحادثة لكم تُذكِّر الأفراد منا والأُسر والمجتمعات والشعوب والدول، لكل قابل منهم للتذكُّر، لكل مستعد أن يتذكر، والقابلية بالأصلِ عند كل عاقل سميع بصير، ولكن القيام بها وأداء حقّها عند من سبق له من الله التوفيق، (وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود:88].
يا أيها المؤمنون بالله، سَلوا الله أن يدخلكم وأهل دياركم ومجتمعاتكم في المُوفّقين، لما يحبه منهم ويرضى به عنهم، في مختلف الظروف والأحوال، ولقد قال سيدنا شعيب -عليه السلام- لقومه حين قالوا له (أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ * قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ)[هود:87-88] ما أنا بمتظاهر بغير ما يبطنه قلبي من الصدق مع ربي، والإنابة إليه والعمل بطاعته، (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ) أنا أؤدي جهدي وأبذل قدرتي ومستطاعي، شأن الأنبياء وأتباعهم فيما آتاهم الله وفيما أقدرهم عليه.
(إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ) اللهم وفِّقنا ووفِّق أهلينا، وفِّق ابناءنا وبناتنا، وفِّق أصحابنا وقراباتنا، وفِّق طلابنا وذوي موداتنا لما تحب كما تحب على ما تحب وحتى تدخلنا فيمن تحب في عافية، يا حي يا قيوم، (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ)، وأساسٌ في منهج النبوة ومن يمشي عليه
(عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) فلا اعتمادي على قوتي ولا ما استطعت، وأنا قائم بما استطعت، وباذلٌ ما استطعت، ومُعِد لما استطعتُ، ولكن لا أتوكل إلا عليه، لا على ما استطعت، فضلاً على غيري من إنس وجن، شعوبا ودول، صغارا وكبار، لا أتوكل على أحد منهم ولا أستند على أحد منهم؛ هذا شأن الأنبياء، هذا شأن أتباع الأنبياء.
ولما جاء مقاتل قوي حسن الرمي وقوي الفتك بالعدو مُجرّب في الحروب، يعرض نفسه على رسول الله ﷺ وهو خارج إلى بدر؛ أريد أن أقاتل معك وأنصرك، قال: "أتشهد أن لا إله إلا الله وأنا رسول الله " قال: لا، قال: "فارجع من حيث أتيت، إنا لا نستعين بمشرك" صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
يبذلون ما استطاعوا ويوقنون أن الذي أمرهم أن يبذلوا ما استطاعوا وبذلوا ما استطاعوا من أجله كفيل وضمين لهم فيما لم يستطيعوا، أن يكفيهم وأن يتولاهم وأن يدافع عنهم، (إِنَّ اللَّهَ يَدفعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا)، (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) [الحج:38].
قال (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) ولا تغيب عن أذهان الأنبياء وأتباعهم سنة الله القوي المتين على ظهر هذه الأرض، كلما طغت فئة وكلما أوغلت في الأرض طائفة في ظلم وفساد وتعدٍّ قطعها الله -تعالى-، (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) [الأنعام:45] (وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ * وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) [هود:89-90] -جل جلاله وتعالى في علاه-
هذا مسلك الأنبياء الذي يجب أن نقوم عليه، يجب أن نتوكل على الله، ويجب أن نصدق مع الله، ويجب أن نُعظِّم أمر الله وشرع الله، وأن نُنفِّذه، ويجب أن نعلم سنة الله في الوجود، ويجب أن ننيب إلى الله، وأن نستغفره ونتوب إليه، وهو القائل (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا) [الأنعام:43]
وإن جماعات من الكفار ومن المطرودين أو المبعودين أو المحرومين من المسلمين لا يفقهون هذا القول ولا يعونه، ولا يرون له أساسا ولا صِحة في الواقع، ويقولون كما قال معادوا الأنبياء للأنبياء: (قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا)[هود:91] وما شعيب بضعيف وهو رسول القوي، وما شعيب بضعيف وهو القائم بأمر القوي، وما شعيب بضعيف وهو المُنفِّذ لأمر القوي، ولكن هكذا معتقدات الكفار ومن وافق الكفار، ونعوذ بالله أن يوافق مسلم كفارا في معتقداتهم.
(وَإِنَّا لَنَرَىٰكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَٰكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ * قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ) تحسبون الحساب لقوى عشائرية؟ وقوى قبلية؟ وقوى مادية، وتنسون خالق القبائل والعشائر والقوة؟! مالك القوة؟! من بيده القوة؟! كله من فوقكم (أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ) (وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [هود:92] فما الأمر؟ الأمر سبيل واضح من عهد آدم إلى أن جاء النبي الخاتم، مسلكٌ قويم يقوم عليه الصادقون المخلصون، يتضرّعون إلى الله وينيبون إليه ويطيعونه وينفذون أمره، ويرفضون أمر من خالفه في مظهر أو قول أو فعل أو زي أو معاملة مِن جميع مَن خالف الله -سبحانه وتعالى- من الإنس والجن، ويوقنون أن لله حكمة في كل ما يحصل وأن العاقبة للمتقين.
(وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ) [هود:93] سيعلم الناس عما قليل من الكذابون على ظهر الأرض المُوغِلون في الكذب، ومن الصادقون، إن الصادقين قوم يبدو أنهم مُستضعفون على ظهر الأرض وما هم بِضُعفاء، إنهم أذلاء لله (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ) [المائدة:54] لهم خلواتٌ مع رب الأرض والسماوات، ولهم آدابٌ في الظواهر والخفيات مع عالم الظواهر والخفيات، أولئك هم الأقوياء على ظهر الأرض، أولئك هم الصادقون على ظهر الأرض، عليهم رضوان الله تعالى، أولئك هم الصادقون.
(وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) [هود:93] (فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ) [يونس:102] كما قال الله لنبيه يقول للكفار من هذه الأمة، وهكذا جاءت سنة الله (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ)[التوبة:52]، (وَقُل لِّلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ * وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ * وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)[هود:121-123].
اجعلنا من أهل تقواك في الظهور والبطون، واجعلنا في أتباع الأمين المامون، واجعلنا في قوم يهدون بالحق وبه يعدلون، واجعلنا من أهل الصدق معك يا حي يا قيوم، واربطنا بنبيك المعصوم.
الله يقول وقوله الحق المبين (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأعراف:204] وقال تبارك وتعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)[النحل:98] أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
(وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ * وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ * سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ)[آل عمران:145-151]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ثبتنا على الصراط المستقيم، وأجارنا مِن خزيه وعذابه الأليم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله القوي القادر، وأشهد أن لا إله إلا الله العزيز الفاطر القاهر، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، المُنتقى المُجتبى المُصطفى الطاهر، اللهم صلِّ وسلم وبارك وكرم على سيد الأوائل والأواخر، عبدك المصطفى محمد ذي الوجه المنير الزاهر، وعلى آله وصحبه الأكابر، وعلى من تبعهم بإحسان إلى اليوم الآخر، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين سادات أهل الصدق معك في الباطن والظاهر، وعلى آلهم وصحبهم وتابعهم وملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد،،،
عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فأحيوا تقوى الله، وأحيوا الإيمان بالله، وأحيوا التضرُّع إلى الله، فهذه مُهِمّاتكم أمام الحوادث.
أيها المؤمنون بالله: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) أي لا يغرّكم تقلُّبهم في البلاد، ولا يغرّكم تهديدهم بمحاصرات ولا قطع تغذية وغير ذلك، (لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[الأعراف:96]
(فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا)[الأنعام:43] أحيُوا التضرُّع، علِّموهُ أبناءكم وبناتكم، علِّموهُ أهل دياركم، ما تضرُّعهم إلى الله في هذه الليالي والأيام؟ كثير من المسلمين كُلما جلس مجلس مع إخوانه فتح ملفات الحوادث وما يحصل والحروب وفلان وفعله وتركه، وليس له خمس دقائق يُناجي الله فيها أن يرفع الكرب، لا هو ولا زوجته ولا بنته ولا أخته، يا هذا! يا هذا من خلقك ولماذا خُلِقت؟ أم مجرد فضول؟ لقلقة باللسان؟ أين التضرُّع؟ ابكِ لربك، تضرع لمولاك، هو الذي يَنصُر ومن نصر لا يُخذل، وهو الذي يَخذل ومن خَذل لا يُنصَر، ارجع إلى الله، تضرع إلى الله، (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ)[الأنعام:44-43] ابتلي من ابتلي بفتح المُواتاة للأسباب الظاهرية، يقول -جل جلاله- (حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الأنعام:43-44] الحمد لله رب العالمين.
أحيوا التضرع، قَوُّوا الإيمان، وثبِّتوا الأقدام على التقوى من أنفسكم وأهليكم، إن كان أطاع بعض حكام المسلمين وبعض شعوبهم الذين كفروا فلا يجوز لعامة الشعوب ولا للفرد المؤمن ولا للأسرة المؤمنة أن يطيعوهم، إن كان هؤلاء أطاعوهم فلم أنت تطيعهم في برامجهم الخبيثة؟
تلعب على إيمان قلب أختك وبنتك وزوجتك في البيت؟ لا تُطِعهم.
حبَّبوا إليك الكلام الماجن الخليع، وكرَّهوا إليك ذكر الله شعرا أو نثرا؟ لا تُطِعهم.
إن أطاعهم بعض حكامك أو بعض المنحرفين من الشعوب لا تطيع الذين كفروا، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ)[آل عمران:149] لا تطيعوهم، ينشرون بينكم الربا ينشرون بينكم المخدرات لا تطيعوهم، أطيعوا الله الذي خلقكم، (إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ)[آل عمران:100] فلا تطيعوهم وأطيعوا الله.
ارفضوا الأزياء الخبيثة التي أوردوها إليكم ليهدموا قِيمكم وأخلاقكم، لا تطيعوا الكَفرة والفَجَرة، أطيعوا محمداً القائل: "الحياءُ شعبةٌ من الإيمانِ"، أقيموا الحياء في أزيائكم وأزياء بناتكم وأهليكم، أطيعوا الله ولا تطيعوا الكفار ولا تطيعوا أعداء الله، وتجنّدوا لله واصدقوا معه ينصركم، (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُم)[محمد:6-7]
وأكثروا الصلاة والسلام على قائدكم وإمامكم وهاديكم ومُرشدكم، مختار الله لأن يكون الأسوة والقدوة لكم، محمد بن عبد الله، صلوا عليه ليلاً و نهاراً، سِراً وإجهاراً، فإن أولاكم به يوم الهول الأكبر ويوم الطامة الكبرى أكثركم عليه صلاة، ومن صلى عليه واحدة صلى الله عليه بها عشرا.
ولقد أصدر رب العرش بياناً أعلن فيه إعلاناً، مُبتدئاً بنفسه ومُثنِّياً بملائكته ومُؤيهاً بالمؤمنين، فقال تعظيماً وتكريماً (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56]
صلِّ يا ربنا على البشير النذير والسراج المنير، عبدك المصطفى سيدنا محمد نور الأنوار وسر الأسرار، وترياق الأغيار ومفتاح باب اليسار.
وعلى الخليفة من بعده وصاحبه وأنيسه في الغار، مؤازرهِ في حاليي السعة والضيق؛ خليفة رسول الله سيدنا أبي بكر الصديق.
وعلى الناطق بالصواب، حليف المحراب، المُنيب الأوَّاب، أمير المؤمن سيدنا عمر بن الخطاب.
وعلى محيي الليالي بتلاوة القرآن، من استحيت منه ملائكة الرحمن، ذي النورين أمير المؤمنين سيدنا عثمان بن عفان.
وعلى أخي النبي المصطفى وابن عمه، ووليه وباب مدينة علمه، إمام أهل المشارق والمغارب، أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب.
وعلى الحسن والحسن سيدي شباب أهل الجنة في الجنة، وريحانتي نبيك بنص السنة، وعلى أمهم الحوراء فاطمة البتول الزهراء، وعلى خديجة الكبرى وعائشة الرضا، وأمهات المؤمنين وبنات سيد المرسلين ومريم وآسية.
وعلى الحمزة والعباس وسائر أهل بيت نبيك الذين طهرتهم من الدنس والأرجاس، وعلى أهل بيعة العقبة وأهل بدر وأهل أحد وأهل بيعة الرضوان.
وعلى سائر أصحاب نبيك الكريم، وأهل بيته الطاهرين؟ وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعِزّ الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم أعلِ كلمة المؤمنين، اللهم دمِّر أعداء الدين، اللهم اجمع شمل المسلمين، اللهم رُدّ كيد الظالمين والمفترين والمغتصبين والمعتدين، واجعل اللهم تدميرهم في تدبيرهم ورُدّ كيدهم في نحورهم، وخالف بين وجوههم وكلماتهم، وادفع عن المسلمين جميع شرورهم يا قوي يا متين.
عليك اعتمادنا، إليك استنادنا، بين يديك نرجوك ولا نرجو سواك، بين يديك نخافك ولا نخاف سواك، فاسلك بنا مسالك المتقين المتضرعين المنيبين المتقين الخاشعين، المُقبلين بالكلية عليك، والموفين بالعهود استعدادا للوقوف بين يديك.
اللهم خذ بأيدينا ونواصينا إليك، أخذ اهل الفضل والكرم عليك، فرج كروب الأمة واكشف الغمة، وأجلِ الظلمة، وادفع النقمة، وابسط بساط الرحمة.
اللهم أتمم علينا النعمة وكن لنا في كل مهمة، ورد كيد أئمة الكفر والضلال والزيغ على ظهر الأرض، اللهم لا تُمكِّنهم في أحد من المسلمين، اللهم اجمع شمل الأمة بعد شتاتها، وألِّفْ ذات بينهم وارزقهم الإنابة إليك والخشية منك والاستعداد للقائك، اللهم اغفر لموتانا وأحيانا، وأصلح ظواهرنا وخفايانا، وبلِّغنا من الخيرات مُنانا وفوق مُنانا في دنيانا وأخرانا، يا عُدّتنا وذخيرتنا ورجاءنا.
يا الله عجِّل بالفرج للمسلمين وادفع البلاء عن جميع المؤمنين، وحوِّل الأحوال إلى أحسنها يا قوي يا متين، يا حي يا قيوم يا الله.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)
(رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)
(رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا)
(رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)
(رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)
عباد الله، إن الله أمر بثلاث ونهى عن ثلاث: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر.
10 جمادى الآخر 1445