فوائد من: تفسير سورة مريم (4) التأمل في المشهد العظيم: دعوة للإيمان والعمل الصالح
العلامة الحبيب عمر بن حفيظ:
اتَّحدَ المُنصِفون الصادقون من آدم وأولاده إلى السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان؛ اتَّحدوا وتحابوا وتآلفوا واجتمعوا، بل بعضهم لبعضٍ مُحِبٌّ كمحبة نفسه وزيادة على محبته لنفسه؛ ولكن مَن داخلهم الأهواء مِن أتباع الأنبياء اختلفوا وتنازعوا.
(فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37)) كل الذين كذّبوا الأنبياء وخالفوهم، ولقد خُتم الأنبياء بسيدهم نبيّنا الذي به تشرفنا وكنَّا به خير أمة؛ فمن يعيش على ظهر الأرض من المُكلَّفين مُكذبًا بهذا النبي وكافرًا به فويلٌ له من مشهد يوم عظيم، أفرادًا وجماعات وأحزاب وهيئات وشعوب ودول؛ كل من كفر بنبينا ويلٌ له من مشهد يوم عظيم؛ أولئك الذين ضيّعوا مستقبلهم، كل من بلغته منهم الدعوة فأبى وكفر ويلٌ لهم من مشهد يوم عظيم.
اليوم العظيم: واسع الأطراف يجتمع فيه الأولون والآخرون، عظيمةٌ أحواله، كم عسى أن يُدرك هؤلاء من عظمة ذاك اليوم وأهواله وشدائده مع اتساعه.
(فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37)) من مشهد؛ مشاهدة وحضور يومٍ سماه العظيمُ عظيمًا، ذلك يوم جمع الأولين والآخرين؛ يوم القيامة.
(فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37)) وهذه دعوة الله تعالى العقلاء من المُكلفين من الإنس والجن، أن يُحسنوا النظر لأنفسهم في مستقبلهم الكبير الخطير؛ المستقبل مُستقبل الأبد والخلود، يجب علينا أن نحرص على أن نكون فيه من الفائزين ومن الناعمين ومن المُنعَّمين، ومن الظافرين بالمُلك الكبير والرضوان من العلي الكبير، و "ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ".
قال: (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا (38)) في القيامة قال الله أنا أُمكّنهم من إسماعٍ وإبصارٍ لمختلف أهوال القيامة في وقت واحد، ويسمعون جميع أهوال القيامة ويُبصرون جميع شدائدها.
(أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ..) يعني ما أسمعهم! وما أبصرهم! وما أوعاهم لهذه الحقيقة وانجلائها وظهورها، ولكن ماذا يُفيد هنا الإدراك؟ ماذا يُفيد هنا السمع والبصر لمن كان في الدنيا له عين لا يُبصر بها وأذن لا يسمع بها وقلب لا يفقه به؟ ما يُفيده!
قال ﷺ: "الويل لمن لا يراني يوم القيامة يا عائشة"، قالت: ومن لا يراك يوم القيامة، قال: "من ذُكِرْتُ عندَه فلم يُصَلِّ عليَّ"، يا رب صلِّ عليه وعلى آله وأصحابه وأهل حضرة اقترابه من أحبابه؛ يعني مَن لم يكن يَحمِلُ قلبه مشاعرَ نحو خُصوصيتي ومَزِيَّتي ومَحَبتي ومَوَدّتي؛ يَسمعني أُذكَر ولا يَهتز لِلصلاة عَلي، يارب صلِّ على سيدنا المصطفى محمد واجعلنا من أكثر أمته صلاةً عليه، واجعل صلواتنا عليه مقبولةً عندك وبارك لنا فيما تُصَلي على من صلى عليه.
لَٰكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (38)) دُعاة الإلحاد، دُعاة الإفساد، دُعاة المخدرات ونشرها، دُعاة الشذوذ الجنسي، دُعاة تبرج المرأة وإبراز زينتها لِفتنة المجتمعات، استحوذ عليهم إبليس وأنساهم ذكر الله، وظنوا أن المقصودَ هي الدنيا وحدها ولا يؤمنون بما سوى ذلك.
(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ)، (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ)؛ في هذه الحياة الدنيا ذا مُغتَر بِصِناعَته، وذا مُغتَر بأسلِحَته، وذا مطامِعُهُ كَسب الأموال والثروات بِكَيف ما أَمكَن، وذا مطامعه أنْ يَقود الناس وليس أهلًا للقيادة، ويفرض نفسه ليقود الناس ويدَّعي أنَّه يَعرِف مَصالِحَهُم ويَعرف فوائدهم وهو بِنفسه ما صَلُح في نفسه.
(رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ)، ولماذا من البداية لا تُبصرون؟
- فَسَح لكم الإِبصار،
- وأرسلَ الأنبياء الأخيار،
- ووضَّح لكم خَير توضيحٍ للمسار،
- وأخبركم عن الحقيقة وعن المَصير.
فلماذا لم تُبصِروا؟ الآن أبصرتم! كان معكم: فُرصة الإبصار التي تَنفع، فُرصة الإبصار التي تُنجي، فُرصة الإبصار التي يَفوز أصحابها!
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا..) عظيم التصديق لكل ما أوحيناه، عظيم الصدق في أقواله وأفعاله وأحواله ونياته ومقاصده، خَير الخَلق بعد نبينا محمد؛ إبراهيم الخليل.
لَيَوَدَّنَ رجالٌ قُتِلوا في سبيل الله شهداء أن يبعثهم الله علماء؛ لِمَا يرون من مكانة العُلماء والصدِّيقين؛ مكانتهم فوق!
اللهم كما جمعتنا وأحبابنا والمستمعين إلينا في هذه الدار على تأمل كتابك وخطابك فاجمعنا في زمرة سيد أحبابك، في دار اقترابك ودار إكرامك وعطائك بلا حساب، ولا تُفارِق بيننا في ذلك المآب.
لقراءة الدرس كاملاً:
https://omr.to/q-mariam4
04 ربيع الثاني 1446