الآداب الباطنة في إخراج الزكاة -6- (قبس النور المبين)
فوائد من درس قبس النور المبين من إحياء علوم الدين، للعلامة الحبيب عمر بن حفيظ، مواصلة شرح كتاب أسرار الزكاة، مساء الأربعاء 18 محرم 1446
في تذكُّرنا للوظائف والآداب التي تتعلق بالزكاة والإعطاء والصدقة والإنفاق، يذكر الإمام الغزالي الوظيفة السادسة: أن يستصغر العطية؛ استصغارها:
- - من حيث أنها منسوبة إليه
- - ومن حيث اكتسابه للإنفاق
- - ومن حيث أنها من جملة ما ملَّكه الله تبارك وتعالى وأعطاه إياه
- - ومن حيث أنها في مقابلة ما يريده وما يطلبه من الحق ليست بشيء
في الأمة من يشاطر ربه في مُلكه وما أدخله تحت يديه -يخرج النصف-، كما كان من سيدنا عمر في أيام تجهيز جيش العسرة، جيش تبوك، وقد يتعدى ذلك من وقت إلى وقت فيحصر ممتلكاته فيخرج النصف، ومنهم من يخرج الكل كحال سيدنا أبي بكر الصديق في نفس الغزوة.
- - الذي يُوفَّق فيخرج الزكاة والصدقة ويشهد أن الله المُتفضِّل عليه بذلك، ويرجو منه قبوله، ولا يرى لنفسه فضلاً؛ تعظم ثواب صدقته لأنه تأدب مع الرب.
- - والذي نسب لنفسه شيئاً من ذلك عنده شرك خفي، فيحبط من عمله بمقدار العُجب، والعُجب من محبطات الأعمال.
- من محبطات الأعمال الرياء، وهو قصد الخلق بعبادة الخالق جل جلاله، العمل لأجل الناس، والرياء في قلوب الناس أخفى من دبيب النمل، لكن أخفى منه العُجب، ونقول: يا رب انظر إلى قلوبنا فلا تُبقِ فيها ذرة من رياء ولا من عُجب.
- نجاح المؤمن في أعماله باجتماع ثلاثة أشياء:
1. إخلاص القصد والنية لوجه الرب.
2. أن يعطي العمل الذي يقوم به ما يستحقه من الهِمة والإحسان والإتقان.
3. أن يفوِّض الأمر فيه لله، ولا يرى لنفسه استقلالاً بشيء أصلاً.
من أجل التهيئة للقبول فسح المجال، فقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، "خذوا عني مناسككم": ارتبطوا بي حتى تجيء عواطف القبول عليكم من الرب بسبب التبعية.
- العُجب محبط للأعمال، اللهم طهِّرنا منه، اللهم صفِّنا منه يا ربنا، إن أحبابنا مَن حضروا وجاؤوا ومن يستمعون إلينا يرجونك ويرجون القرب منك، فلا تُخلِّط عليهم أنفسهم ولا تُلَبِّس عليهم أوهامهم، ويغفلون عن عُجب في بواطنهم يُسبب حبط العمل، اللهم طهّر قلوبنا تطهيراً.
يا رب، نشهد المِنَّة لك من أجل نُحظى بالمرافقة، لخير فريق وأعلى رفيق، نريد نرى وجهه ﷺ، نريد نقبِّل كفّه، نريد نحضر محاضره، نريد نُحشر معه، نريد نرِد حوضه، نريد نستظِل بلواء الحمد الذي يحمله، فيا من بيده أمر الدنيا والآخرة ولا يكون شيء إلا بأمره، حقِّق لنا ما رُمنا من فيض فضلك العظيم، ثبِّتنا على الصراط المستقيم، واجعل لأحبابنا هؤلاء تصفية لقلوبهم عن ذرات شوائب الرياء والعُجب، ومن صفَّى الرب قلبه عن شوائب الرياء والعجب رفع له الرتب، وقرَّبه مع من قرَّب، وسقاه الكأس الأحلى الأعذب، فصار حاله أطيب وأطيب.
المعصية كل ما استُعظِمت صَغرت عند الله، ولا يتم المعروف إلا بتصغيره وتعجيله وستره، فخير المعروف تعطيه لأخيك المسلم تراه في نفسك أنه صغير وتُعجّله له وتستره، ما تقول: "أعطيناك" ولا "نعطيك" ولا أمام الناس ولا شيء من هذا الكلام.
قال ﷺ: "والله لا يؤمن من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم به"، ما آمن: غير متحقق بحقيقة الإيمان، فهذه الأخلاق لابد أن تعود إلى المؤمنين وتنتشر من جديد؛ وبها النصرة، الله ينصر أصحاب هذه الصفات، أصحاب هذه الأخلاق.
نسأل الرحمن يُصفِّي لنا كل جنان، ويرزقنا شهود المِنَّة وعظيم الامتنان لمولانا الكريم المنّان، اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدّقنا ولا صلينا، فأنزلن سكينة علينا وثبِّت الأقدام إن لاقينا، اللهم صفِّ قلوبنا عن محبة ما تكره ومَن تكره، حتى لا نحب إلا ما أحببت ولا نكره إلا ما كرهت، فنكون عبيد حق لك، نتحقق بالعبودية لك يا ربنا، ونلقاك على حال ترضاه ووجوه مُنوَّرة بأنوار رضاك عنها.
06 ربيع الثاني 1446