إدراك المؤمنة لواجبها في الحياة والاعتبار بالموت

إدراك المؤمنة لواجبها في الحياة والاعتبار بالموت
للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة الحبيب عمر للنساء في عزاء الحبابة مريم بنت الحبيب محمد الهدار تريم - حضرموت عصر الاربعاء 7 جماد الآخر 1434هـ. بعنوان: إدراك المؤمنة لواجبها في الحياة والاعتبار بالموت.

نص المحاضرة:

بسم الله الرحمن الرحيم

لله الحمد وله المنة لا إله إلا هو منه المبتدأ وإليه المصير، له الملك وله الحمد يحيي الميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير.

اجتمعتُنَّ في هذه التعزية، ذكرى انتقال هذه المرأة التي اختارها الله سبحانه وتعالى للقياه في بلد حبيبه ومصطفاه محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، بعدما مرَّت بها الحياة في مواطن وأماكن واتصال إمَّا بوالدها الكريم أو بزوجها الحبر العليم أو بأرباب التكريم، أو بما قذف الله تعالى في قلبها من صفات طيبات صالحات أو توجهات أو تعلقات بالمراتب العُلى أو بخيار الملأ، فقضت نحبها في البلدة المباركة التي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يكون الشفيع شفاعة خاصة لمن مات بها، بلدته الكريمة المدينة المنورة وكان لها تشوُّف الى المدينة، والتفات إلى تنقل من أي مكان كانت فيه، لم يقر لها قرار في الأردن ولا في جدة حتى تطمئن قلبها بالمدينة المنورة، فكتب الله لها الجوار الكريم نسأله سبحانه وتعالى أن يجعل مستقر روحها في مجاورة الحبيب العظيم وأمها الزهراء البتول وأرباب الدرجات العلى.

وهكذا تأتي شؤون طيِّ صفحات هذه الحياة وهي تنطوي من الصغير ومن الكبير وما لأحد تحديد للأعمار، وما لأحد تدخل في طولها ولا في قِصرها، ولكنها آجال مقدرة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنَّ رُوحَ القُدُسِ نفثَ في رُوحِي ، أنَّ نفساً لَن تموتَ حتَّى تستكمِلَ رزقَها وأجلَها، فاتَّقوا اللهَ، "وأجمِلُوا في الطَّلَبِ" أي بطلب الأرزاق الحسية مع صدقكم فيما رُغبتم فيه، وطُلب منكم ان تطلبوه وتقوموا به من أمر الله جل جلاله في هذه الدنيا من الامتثال لما أمر والاجتناب لما نهانا عنه سبحانه وتعالى، ولا أحكم من الله ولا أعلم من الله ولا أرحم من الله، فكيف نقدم على أوامره أوامر غيره؟ أو على نواهيه نواهي سواه سبحانه وتعالى، ومن ذا الذي سيكون له الأمر والنهي أحكم أو أعلم أو أعظم أو أرحم أو أكرم من رب العالمين خالقنا جل جلاله. 

فعلى كل من أدرك مثل هذه المناسبة الكريمة، وحضر في مثل هذا المحضر أن يدرك واجبه في الحياة واعتباره بمرور الصغار والكبار ومن هم أطول منه عُمراً ومن هم أقل منه سناً وعمراً ومن هم في سنه في كل يوم وفي كل ليلة يُرَحَّلون يُرَحَّلون يُرَحَّلون، يُخرَجُون من هذه الدار، يُخرَجُون من هذه الدار إلى البرازخ إلى القبور؛ إمَّا روضات من رياض الجنة ونعم العيش عيش أهلها، وإمَّا حفر من حفر النار يصيح أهلها بالويل والثبور، لا ينقذهم منقذ ولا يغيثهم مغيث، هذه نهايات كل صغير وكبير من الناس، من سمع ومن لم يسمع، من قَبِلَ ومنْ لم يقبل، من توجَّه ومن لم يتوجه، من انتبه لنفسه وأناب إلى الله، ومن بقي في غيِّه أو في ضلاله أو في شيء من عصيانه لأمر ربه جل جلاله في ليله أو نهاره.

فيا أيتها المُجتَمِعَات في هذا المكان المبارك الذي كان والدها عليه رحمة الله قد جلس فيه قبل بناية هذا البيت، وجلس في هذه البقعة وهذا المكان قبل بناية هذا الدار؛ قبل بناية دار المصطفى بجواره، في تضرُّعه وفي قراءته وفي انشراح صدره بالبقعة وما فيها وما يكون فيها عليه رحمة الله تبارك وتعالى، واجتمعتُنَّ في هذا المجمع لتتذكرنَّ هذا المرجع، هذا المرجع للصغير والكبير وما راحت هذه السيدة الشريفة إلا لتُخَلِّفَ لنا من مراحها ومن غدوها إلى البرزخ دروساً نعتبر بها، وَنَدَّكِر بها ونعلم أنه المصير الحتميّ على الصغير والكبير منَّا والذكر والأنثى، وأنَّه هناك تتبيّن الحقائق للناس ما الذي ينفع، وما الذي يرفع، وما الذي يُسعد وما الذي يُقرِّب، وما الذي يَحسُن عاقبته ويحسُن نتيجته، وما الذي يكون بعكس ذلك من الأقوال ومن الأفعال ومن الأحوال.

إذ اجتمعتن في مثل هذا المجمع تذكّرن هذه الحقيقة ولِقَاء ربِّ الخليقة، حتى نخرج عن غرورنا الذي يأخذ الكثير منا، ثم يخرجون من الدنيا على عِوج، أو على إفلاس ، من التزوُّد بأشرف الزاد، أو على مخالفة أقرّوها في دارهم أو في أولادهم في مناسبة زواجهم أو في غيرها من المناسبات في شيء من ألبستهم إذا تشبهوا بفاجرات أو كافرات، أو مالوا إلى شيءٍ من هذه التشبهات الفاسدات، أو خرجوا عن الحِشمة والحياء والآداب، أو أرادوا اللحوق بفريق الغفلة عن الله سبحانه وتعالى، ومن تشبهَ بقومٍ فهو منهم، وكان أسلافنا يُكررون لنا قولهم: من تغير زيِّه تغيرت سيرته، ومن تغيرت سيرته تغير دينه والعياذ بالله تبارك وتعالى، فلابد من ملاحظة أمرنا في ديننا من خلال الزي، ومن خلال اللباس ومن خلال ما ترتاح إليه النفوس والقلوب. 

ألا وإنَّ لربنا سبحانه وتعالى مراداً منَّا في شرعه المصون، لا ينبغي أن نخالفه بأهوائنا ولا نخالفه بفكر صغير ولا كبير ولا ذكر ولا أنثى، فما نحن عبيد لأحد من أهل الشرق ولا من أهل الغرب ولا من جميع الخلق، لكننا عبيد للخالق المُوجِد الفاطر البارئ المنشئ الرحمن الرحيم جل جلاله وتعالى في علاه، ما لنا حق أن نغفل عن منهجه ولا أن نخالف شريعته ولا أن نستبدل بها غيرها، (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء:65].

وكان من شأن شرع الله تعالى فيما يتعلّق بالنساء وفيما يتعلّق بواجبهم وموجب سعادتهم في الدنيا والآخرة مِما بَلَّغَ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، كان مِمَّا حمل قلب والدها عليه رحمة الله حبيبنا محمد الهدار على أن يضع منظومته هذه التي عندكم منها ومن فصولها ومن أبياتها، وكان مع الوالد محمد بن سالم بن حفيظ عليهم رحمة الله تبارك وتعالى يتدبرون الأبيات لنشرها لتنبيه القلوب، لإثارة الفطرة السليمة، للتنبيه على توجيه الرب جل جلاله فيما يتعلق بشأن المرأة، دخولها وخروجها، عطرها، ومن تقابل ومن تجالس، زيها ولباسها مناسباتها في البيت ومناسباتها في الزواجات، ومن شأنها في الأسفار وفي الإقامة إلى غير ذلك، في وقتٍ ظهر فيه دُعاة سوء وظهر فيه من يستهزئ بالحجاب ، ومن يستهزئ بالستر، ومن يستهزئ بالحشمة، وظهر فيه الذين يستهزئون بمسلك الصالحات ومسلك العفيفات الطاهرات عليهم رضوان الله تبارك وتعالى، ويدعون إلى السفور ويدعون إلى التبرُّج ويدعون إلى الغفلة ويدعون إلى مخالفة أمر الشريعة والعياذ بالله تعالى، وإلى اختلاط الرجال بالنساء إلى غير ذلك مما ترون له بعض الآثار القائمة اليوم في كثير من بلدان المسلمين؛ بسبب الإهمال، بسبب الإغفال للتربية، بسبب عدم الانتباه، بسبب موت القلوب، بسبب عدم تذكر ما أنزل علام الغيوب على حبيبه المحبوب صلى الله عليه وعلى آله وسعه وسلم. 

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ) [الأحزاب:59] لا يؤذين بالنظرة الحرام، ولا يؤذين بشهوات أهل الفسق من الطغام من شرار الأنام، ولا يؤذين بتشوف القلوب إليهم، أو تشوُّف الأعين إلى شيء من زِينَتَهُنَّ، (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ)، (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ) [النور:30-31]، ذكر الله المحارم في هذه الآية، وقال لا تُظهِر شيئًا من زينتها إلا على المحارم، والذي يظهر على المحارم مُحدّد أيضًا بحدود و مُقيَّد بقيود، وما بقي بعد ذلك إلا ما شرَّع الرحمن هو الذي يسع الجميع والذي يتحقق به السعود.

فيا مؤمنات ويا مسلمات: تذكَّرنَ في هذا المجمع انتقال هذه المرأة الشريفة عليها رحمة الله تبارك وتعالى بما كان لها وبما كان في صحائفها لتُذَكِرَكُنَّ بانتقالها، وبالنيات الصالحة التي معها ومع والدها ومع زوجها الحبيب زين في إرادة دعوة الخلق، ودلالتهم على الحق وإرشادهم إلى الهدى، وتخليصهم من الاستجابة لدعوات الزور والغرور والشرور والمحذور مِن كُل مَن خرج عن منهج الله ومنهج رسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. 

هذه الهموم تنازل قلوب المؤمنين والمؤمنات الصادقين منهم، يهتمون بقيام الأمر كما يحب الله سبحانه وتعالى، ويتواصون بالحق ويتواصون بالصبر في حياتهم، ينظرون إلى أين وإلى أي ممشى يمشي بناتهم وأبناؤهم في خِضَم هذه الحياة، والدعوات والدعاة على أبواب جهنم واقفين من أجابهم إليها قذفوه فيها بذلك أخبر الصادق المصطفى خير البشر، بذلك أخبر من لا ينطق عن الهوى: "دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها". 

إذا كان بالتخلي بتوقير الشيبة وتوقير الكبار والأَسَنَّ منَّا وحقيقة رحمة الصغار، يقول النبي: "من لم يُوَقِّرْ كبيرَنا ويرحمْ صغيرَنا فليس منا"، وفي اللفظ الآخر: "ليس منَّا من لم يُوَقِّرْ كبيرَنا، ويرحمْ صغيرَنا! ويَعْرِفْ لعالِمِنا حقَّهُ"، وانظر لقوله عالِمِنا؛ العالم المنسوب إلى محمد صلى الله عليه وسلم، نسبة الصدق ونسبة التبعية والتخلي عن الهوى، فهؤلاء العلماء إذا لم يُعرَف لهم حقهم كان ذلك خروج عن الدرب النبوي، "ليس منَّا من لم يُوَقِّرْ كبيرَنا، ويرحمْ صغيرَنا! ويَعْرِفْ لعالِمِنا حقَّهُ"، إنَّ أيادي وإنَّ أفواه وإنَّ ألسُن تُعَلِّم أبناءنا وبناتنا عدم توقير الكبير، والخروج عن طاعة ولي الأمر وعن طاعة العلماء وعن طاعة الصالحين، فلنحذر من ذلك! ويربّوهم على الجراءة على المحارم والجراءة على المُفسِدَات، ويريدون أن يَبَدِّلُوا لهم وجهة الدين ووجهة المرجعية في الدين إلى ما يضعون لهم من مفاهيم حتى عن دينهم، وإنَّما يُعرَفُ الدين من أهله وبسنده إلى حبيب الله وخاتم رسله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

استفيدي من هذا المجمع يا حاضرة فيه، ما المقصود مجرد حضور وذهاب، ولا من أجل تراك فلانة أو فلتانة، من أجل أن تؤدي حق بينك وبين الله، من أجل أن تتذكري، ومن أجل أن تهب عليك نسمة في المجمع من نسائم الرحمة الربانية تتطهرين بها، تَتَصَفَّيْن بها، تُقِيمين بها الأمر في الحياة على ما يرضي الله جل جلاله وتعالى في علاه.

ما الذي أصاب المسلمين والمسلمات من اختيار الكلام السيئ أو الشِّعر الخبيث في المناسبات، ومحبة الأغاني بدل محبة الأناشيد الطيبة، هذا غناء وهذا غناء؛ لكنْ هذا بكلام عَذِبْ رطب صالح قويم متفق مع التقوى، متفق مع الدين، وهذا غناء بكلام ماجن بكلام خليع بكلام ساقط هابط، من الذي يستحسن السيئ ومن الذي يستقبح الحَسن، وقد قالوا: الشعر حديث، حسنه حسن وقبيحه قبيح، طيبه طيب وخبيثه خبيث، وهكذا يذهبوا يبعدون عن الشعر الذي يشار إليه بقول النبي: "إنَّ من الشِّعرِ لَحِكمةً"، ويحبون الشعر الذي قال فيه النبي: "لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ له مِن أنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا"، هذا الشعر الهابط الساقط، ومن الذي يُحَسِّن إليهم الأزياء السيئة والأزياء القبيحة والأزياء المخالفة للمروءة وللحياء، هل ترتفع المرأة؟ هل تزيد علمها؟ هل يزيد عقلها؟ إذا كشفت شيء من بدنها أمام النساء، وهل هذا إلا مُقدمة لِأَنْ تتكشف أمام الرجال، وهل جاوزنْ المكروه إلى الحرام، أَخلَلنْ بالمروءة أولًا وتَسَاهَلنْ، ثم تَعمَلنَ المكروه وتَسَاهَلنْ. 

واليوم أصبحن واقعات في الحرام الصريح المناقض للأمر الإلهي النبوي إلى حدود كشف الفخوذ والعياذ بالله تعالى، وهي عورة بالنص في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام وعند كشف العورات: "لعنَ الله الناظِرَ والمَنظورَ إليه"، ويأخذ الإنسان لعنة ربه مقابل ماذا؟ مقابل أي شيء لا يستفيد منه ولا يستزيد خير منه، ولا يَصلُح لهُ به بال ولا حال ولا حاضر ولا مآل، بل رُبَّمَا كَدَّر عليه إيمانه، وربما كدر عليه باطنه وقلبه، وربما عرّضه لغضب الله وربما شوَّش عليه حالته عند الخاتمة، يا الله بها يا الله بها يا الله بحسن الخاتمة.

ومن الذي يضمن حسن الخاتمة لنفسه، ما لنا إلا الرجاء في ربنا وما لنا إلا الإستعداد بصدق الوجهة إلى الله سبحانه وتعالى حتى يُحسِن خواتيمنا، يموت المرء على ما عاش عليه ويبعث على ما مات عليه، فعلى أي شيء نعيش حتى نموت عليه؟ يجب أنْ نعيش على تعظيم أمر الله، يجب أنْ نعيش على تقوى لله سبحانه وتعالى، وانظُرن كيف ضيّعوا حق المجالس ورُبَّما حتى مثل مجلس الموت هذا، ومجلس العزاء تأتي هذه الغافلة ظَنَّت إلِّا أنَّه عادة من العادات تأتي، وإلِّا من أجل قريبتها وإلِّا لتجبر خاطر فلانة وفلتانة، تأتي لا ذكر، لا تَذَكُّر، لا تَوَجُّه إلى الله في شأن الميتة، ولا تَوَجُّه إلى الله في شأنها هي، ورُبما جلست أمام المرآة تُمَشِّط نفسها، الناس في ذكر موت، في ذكر استعداد للآخرة، في ذكر أمر محزن، ليس في وقت سيدخلونها على زوج أو في وقت من أوقات الزينة، إنَّما هو وقت تحافظ على ثوب أسود وتؤخر نفسها عن القراءة عشر دقائق.. ربع ساعة تفوتها من عمرها والناس يُسَبِّحُون أو يَحمَدُون، ورُبَّما دخلت والناس في ذكر الله: كيف الحال كيف الحال وتُعَزِّي، تُعَزِّين وقت الذكر للرحمن الرحيم؟ لم تذكري ولم توهبي للميتة ولم تتضرعي إلى الله في شأنها، ضيعتي عمرك وضيعتي نفسك! وما هو معنى تتقيدين بثوب أسود وتجلسين للزينة في المكان من أجل أن تبدلي ثوب، وقال بعضهم أنَّها في اليوم الثاني تريد تُغَيِّر الثوب غير اليوم الأول واليوم الثالث تريد ثوب ثالث، من قال لكِ هذا؟ من أين جئتِ بهذا؟ من أين أخذتِ هذا؟، كانت المرأة من الصالحات من عهد النبي وبعده إلى الوقت القريب تجلس في الثوب الستة الأشهر والخمسة الأشهر والأربعة الأشهر، ولا نقص قَدرُهُن ولا فَضلُهُنْ وهنَّ العزيزات وهنَّ الرفيعات؟ من أدخل في عقولنا الفخر بالثياب؟ هؤلاء أهل الهباب وأهل السراب الذين ليس لهم قدر في الدنيا ولا يوم المآب، ضحكوا على عقولنا ولماذا نتبعهم؟ ولماذا نصدقهم؟ لا والله.

والفخر ليس بالحرير والذهب ** ولا بلبس سُندس ولا قصب

ففي نساء الفرس والنصارى ** من الحلي ما غلى مقدارَ

احضري بثوب أسود أو أصفر أو أحمر أو حيث ما هو، لكن بقلب أخضر مُنور مُطهر، بخضوع بخشوع برجوع إلى المولى تعالى، بتضرع للميتة التي ستصيرين إلى مصيرها، لا ندري في القريب أو بعيد والبعيد قريب (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا) [المعارج:6-7]، كما قال الله تعالى: (أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ) [النحل:1]، (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ) [الحج:7]

خُذ النصيب والكسوة النورانية من مثل هذا المجلس، اخرجي بفائدة، واجب نتذاكر في أنفسنا، وحرام علينا نُشَيِّخْ على أنفسنا الفَسدة والغافلين عن الله، ونترك مشيخة المقربين والصديقين والصالحين، وما قرّروه لنا علماءنا وصلحاءنا وأولياءنا، وأهل تراثنا المنير الطيب من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى شيوخنا الذين أدركناهم، نترك كلامهم كله ونتأثر بكلام آخر!

تفرجي ابنتك انظري إليها متأثرة بالنت، انظري إليها متأثرة بالتلفاز، انظري إليها متأثرة ببعض المجلات، وأنتِ غافلة غافلة غافلة لا تعلمين ماذا يبنون وسط قلب ابنتكِ من ظلمة يخرجون بها النور من قلبها والعياذ بالله تعالى، تسلم قلبها لفاسد ولفاسق ولفاجر، ذِكرَهَا للنبي قليل، كيف صار حال عذارانا اليوم في وقتنا هذا؟ لم نعد نستطيع أن نذكر الفرق بينه وبين العذارى قبل عشرين سنة، أمَّا قبل أربعين سنة فالمسافة بعيدة جدًا! بعيدة جدًا جدًا جدًا والفوارق كبيرة، من أين نتأثر؟ بمن نتأثر؟ من الذي يؤثر علينا؟ ما خُلِقنَا لهم خُلِقنَا لله (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56] يقول ربكِ سبحانه وتعالى.

تأمّلي وتفكّري، لا تُضيّعي الأوقات إمَّا في عزاء أو في مولد، تترك الناس في المولد يصلون على النبي وهي أمام منظرتها تجلس عشر دقائق ربع ساعة ثلث ساعة، ضاع الوقت وكُتِبَت في الصحف كذا وكذا من الصلوات على النبي وهذه لا شئ حولها، وإذا دخلت وإذا بهم جاءوا بهم في المولد إما قيلة أو قهوة أو بسكوت شيء من هذه الأشياء، اشتغلوا بها وهاتِ هاتِ والقارئة وحدها تقرأ ولا تعلم ماذا تقول، ما هكذا الموالد، ما هكذا الذكر، ما هكذا مجالس العزاء، راجعن أنفسكن، تذكرن واجبكن، انتبهن من أنفسكن! قُمن بواجب، تجعلن الأعمار تمر عليكن بهذا الخلل والخبل، وماذا يكون من بعدكن يأتي من بناتكن. 

عسى ردة من ربنا، عسى نظرة من نظرات إلهنا، تُرجِعَنا إلى السيرة، نعبد الله على بصيرة، ونلحق بخير قطيرة، قطيرة أهل المعرفة بالله وأهل الخشية من الله وأهل الإنابة إلى الله، لو فكرنا عيوننا كم تقطر من خشية الله ومن محبة الله والشوق إليه أو من المعرفة بالله، وأين دموعنا من هذا؟ وتركناها لِمَنْ؟ كثير من العجم وغيرهم بَكَّائين من خشية الله، ونحن غرَّتنا التلفزيونات وغرَّتنا البطالات وغرَّتنا التُرَّهَات، ومن ماذا نشتكي أرادوا دنيا فوق الدنيا، قد كان الكثير من آبائنا نحن الموجودين ما يجدون عشر الطعام الذي نجده هذا، ولا يجدون عُشر الفرش التي نجدها هذه، ولا يجدون عشر الملابس التي معنا هذه، آبائنا لا هو أجدادنا ولا من قبل، آبائنا المباشرين ما كان عندهم عشر هذه الثياب ولا كان عندهم عشر هذه الفرش، ولا كان عندهم عشر هذه الديار اليوم التي رتبناها، أنا أعرف من حوالينا كم من من سكان في بيت واحد مثل هذا كل أسرة في غرفة كل أسرة في غرفة، البيت فيه ثلاث غرف فيه ثلاث أسر موجودة وسط الغرف، كل غرفة فيها أسرة، وبعضهم لديهم مجلس على قولهم غرفة من الغرف، ليلة لهذا وليلة لهذا، والذي تكون ليلته يدخل فيها والثاني يذهب مع الرجال ينام وامرأته مع النساء تنام، هكذا كانوا إلى وقت قريب، والآن قلوب مُعلقة قليل قليل أردنا وأردنا وأردنا! ولا شكرنا النعمة الحاضرة ولا استشعرنا الواجب علينا ولا قمنا بانتباهنا من السيرة.

يا مؤمنات ما هكذا الحياة! يا مؤمنات ما هكذا طاعة الله! يا مؤمنات هل يوجد قلب خاشع، هل يوجد ذكرى المتذكرة! هل يوجد مُتبصِّرة بليلة المضوى لقبرها، والله إنَّ الباكين في قبورهم كثير ولا نريد أحد منا يرجع إلى البكاء في قبره، ولكن ليضيع الأمر ولا بالى سيبكي في القبر والعياذ بالله، وإذا جاء ليلة المضوى إلى القبر وبكى لا أحد سيأتي له بتلفاز ولا سيمد له خيط من النت، ولا سيأتي له بصاحبة سوء ولا أحد سيؤنسه ممن كان يضحك معه على طريق الشر والعياذ بالله. 

انتبهن من أنفسكن، قُمن بحق الله، قمن بحق رسوله، قمن بحق البلاد التي أنتم فيها، قمن بحق السلف الصالحين، قمن بحق القرآن الذي بين أظهرنا، ما بكينا من تلاوة القرآن ولا تدبرناه ولا عرفنا حقنا فيه، وفينا هاجرات للقرآن، انظري لابنتكِ لا أعلم تحصل كم درجات في المدرسة والقرآن مهجور عندها، لها خمس أيام ما فتحت المصحف، وإذا فتحت لا تتأمل ولا تبكي ولا تعرف، لماذا نعيش هذه الحياة؟ هذه حياة صادقين؟ هل هذه حياة مُتحقّقين بالإيمان؟ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال:2]، وانظروا أهل الصدق شحبوا بأصواتهم فينا على مدى الأزمان وأدوا وبلغوا رسالة الله، وقامت الحُجة ووضحت المحجة، ومن أقبل فرح وشكر المآب والمرجع، ومن أعرض (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ) [طه:124].

فعسى الثبات وعسى التوفيق، ونخرج إن شاء الله من هذا المجمع بإنابة إلى الله وتوفيق لما يرضاه، وتواصي بالحق وتواصي بالصبر، ننتبه من ربنا سبحانه ومن عظمته ومن أمره ومن تعظيمه، في لباسنا وفي بناتنا وفي زواجاتنا وفي مناسباتنا، لا أحد سيدخل إلى قبورنا من الذين يُحَسِّنُون لنا هذا الأمر ولا ذاك الأمر، ولا سيكون إلا العمل يتبع بني آدم إذا مات: ماله وأهله وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع ماله وأهله ويبقى عمله، ويبقى عمله، ويبقى عمله، يُذكِّر نفسه الإمام الحداد يقول:

وخلفوكِ وما أسلفت من عمل ** فالمال مستأخر والكسب مصطحب

وأخشي رجوعا إلى عدل توعد من ** لا يتقيه بنار حشوها الغضب

والبعد عن جنة الخلد التي حُشِيت ** بالطيبات ولا هم ولا نصب 

واللهم اجعلنا من أهل الجنة وجميع الحاضرين، اجعل أعمالنا أعمال أهل الجنة ونياتنا نيات أهل الجنة، ومساعينا مساعي أهل الجنة، يا رب يخرجن وعليهن نور التقوى، يا رب ينصرفن من المجمع وعندهن إنابة إليك وعندهن إقبال عليك، وعندهن صدق في القيام بأمرك، اجعلنا يا مولانا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، ومن جمعتنا بسببها اغفر لها، ارحمها، ارفع درجاتها، اجعل مستقر روحها في الفردوس الأعلى، اللهم رافقها بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين، تحمّل عنها وعنا جميع التبعات، بدل سيئاتها وسيئاتنا إلى حسنات تامات مثلات، اجعلها أبرك الليالي عليها وأزهاها عندها، وزدها من فضلك يا رب وزدها من كرمك يا رب، وامتعنا بزوجها الحبيب زين في عافية وسرور وأنس وحبور، طوِّل عمره في نفع وانتفاع وفي عطايا وساع من حضرتك، يا ذا الجود ويا ذا العطاء ويا ذا الإفضال ويا ذا الإحسان، وجميع أولادها وجميع أحفادها وأسباطها اجعلهم في البررة والخيرة، وإخوانها وأخواتها وجميع أسرهم، بارك في الجميع وفي الحاضرين بركة تجعل الكل في دائرة الشفيع مع المُقربين، وتؤمننا بها من العذاب يوم الدين، ولا تخزنا يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد. 

ونُجدِّد إليك توبة يا ربنا نتوب كلنا في المجمع، عن أنفسنا وعن أهلنا وعن أولادنا وأبنائنا وبناتنا وطلابنا وأصحابنا، يا تواب اجعلها توبة نصوحا مقبولة عندك، توبة الصادقين لا ننكث عقدها ولا نخلف وعدها، اللهم ثبتنا على ما تُحِب في الأقوال وفي الأفعال وفي العقائد والنيات، واختم لنا بالحسنى واجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله، ذكِّرنا بها، ثبتنا عليها، اجعلنا نموت عليها متحققين بحقائقها، ناطقين بها عند الموت حتى تكون آخر كلامنا، وتحشُرنا في زمرة كُمّل أهلها آمين يا الله. 

وأعل درجات حبيبنا محمد ومشايخنا في الدين واجمعنا بهم في دار الكرامة، وأقر أعينهم بما تؤتي أهلهم وأولادهم ومُحبيهم، وأهل الإسلام والإيمان في المشارق والمغارب، يا مُحوِّل الأحوال حوِّل حالنا والمسلمين إلى أحسن حال، وعافنا من أحوال أهل الضلال وفعل الجهال، واجعلها ساعة قبول وساعة إجابة وساعة توفيق، وكُل منا يتطهر قلبه، وكل منا يزكو لُبه، وكل منا يغفر ذنبه، وكل منا يكشف كربه، وكل منا يسترعيبه، وكل منا يصلح شأنه، وكل منا يصدق مع ربه، وكل منا يكون مآله الحسنى، يا رب اجعل مآلنا الحسنى وزيادة، وأصلح لنا كل عادة وتولنا بما توليت به المحبوبين من أهل العبادة، واختم لنا بالحسنى وانت راضٍ عنا.

بسر الفاتحة إلى حضرة النبي

تاريخ النشر الهجري

08 جمادى الآخر 1434

تاريخ النشر الميلادي

18 أبريل 2013

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية