(536)
(208)
(568)
خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع الشيخ حسين مولى خيلة، بحارة خيلة، مدينة تريم، 2 رمضان 1444هـ بعنوان:
برمجة المؤمن لوقته وعمره بنور الوحي والتنزيل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله، الحمد لله مُكرِمنا بشريعتِه الغرَّاء، بها نَجري في مجاري القُربِ منه سِرًّا وجهرًا، وتنتظمُ بها أوقاتُنا لنعمُرَها بما يوجِب لنا لديهِ قدرًا، ويُعظِم لنا منهُ أجرًا، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، خلقَ الليلَ والنهارَ لمن أرادَ أنْ يذَّكرَ أو أرادَ شُكورا، ونصبَ لمن أقبلَ عليه جُودًا منه وفضلًا كبيرا، وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا وقرةَ أعيُننا ونورَ قلوبِنا محمدًا عبدُه ورسولُه، بعثهُ رحمةً للعالمين بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إليه بإذنهِ وسِراجًا مُنيرا.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على عبدِك المجتبى المصطفى سيدِنا محمدٍ، خيرِ قدوةٍ وأعظمِ أسوة، وعدتَ على اتِّباعِه مغفرتَك والمحبة، وعلى آلِه الأطهار وأصحابه الأخيار، وعلى مَن سار على دربِهم على مدَى مُضِيِّ الليلِ والنهار، وعلى آبائه وإخوانه مِن الأنبياء والمرسلين، معادنِ الصدقِ والحقِّ والنورِ والأسرار، وعلى آلِهم وصحبِهم وتابعيهم، وعلى ملائكتِك المقرَّبين وجميعِ عبادِك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
أما بعد عبادَ الله؛ فإني أوصيكم وإيايَ بتقوى الله، فاتَّقوا اللهَ عبادَ الله، وأحسِنوا يرحمْكُم الله، إنَّ رحمةَ الله قريبٌ مِن المحسنين.
وإنَّ مِن أعظمِ حِكَمِ الصيامِ أن تتنوَّرَ القلوبُ بنُورِ تقوى الملكِ العلام، وأن تراقبَه في الضياءِ وفي الظلام، كما قال جل جلاله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون}.
أيها المؤمنون بالله: وإنَّ مِن مجالي وشؤونِ ومظاهر التقوى اغتنامَ العمر، وتنظيمَ الإنسانِ لوقتِه وساعاته، وكيفية أن تمرَّ به أيامُه ولياليه، وفيما يصرفُها وما يرتِّب فيها مِن الأعمالِ والأقوالِ مقرونةً بالنياتِ والمقاصدِ والأحوال.
أيها المؤمنون بالله: كلٌّ يمضي على ظهرِ الأرض مِن المُكلفين، ومنهم من يَتقنَّنُ ويَتبرمَجُ ويمُضِّي الوقتَ مرتبًا فيما تُملي عليه نفسه أو هواه، أو يُمليه عليه غيرُه من شياطين الإنس والجن، أو الغافلين أو الفاسدين، ومنهم مَن يمرُّ به العمر والوقت وهو مرتب شؤونَه وأحوالَه بمقتضى وحيِ الرحمن وبلاغ سيدِ الأكوان، يقيمُ الفرائض ويجتنبُ المحرَّمات، ويسارعُ إلى الطاعات والنوافلِ والمستحبات والسنن والقُربات، ويتباعدُ عن الشبهاتِ والمكروهات، ويحرِّر النيةَ فيما يُزاولُه مِن المباحات، فيُبرمجُ العمرَ بنُورِ الوحيِ والتنزيل، ودلالةِ الهادي إلى أقومِ سبيل، فيستقيم في حياته, ويغتنم لحظاتِه وساعاتِه وأنفاسَه وأيامَه ولياليه، فيلقى بارئَه تعالى بحالٍ جميل، ووصفٍ فضيل، يقابَلُ بالبشرى مِن الربِّ جل جلاله عند الرُّجعَى إليه، ويقال له: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي}.
أيها المؤمنون بالله: جاءتِ الشريعةُ لتعلِّمَنا كيف نُقضِّي الأوقات، وكيف نَعمرُ الاعمار، وكيف نغنمُ الساعاتِ والأنفاسَ على ظهرِ هذه الأرض، فما مِن نفسٍ إلا وهو يُبعِدُكَ عن الدنيا ويقرِّبُك إلى العقبى والأخرى؛ فإنَّ أنفاسَك معدودةٌ تبدأ في العدِّ التنازلي كما يقولون، مِن حين أن تخرجَ مِن بطنِ أمِّك، ومِن حين أن تنفصلَ عن بطنِ والدتك، يبدأ النفَسُ الأول لنقصان نفسٍ مِن أنفاسِ عمرِك، والنفس الثاني لنقصِ نفسَين، والنفس الثالث لتنقصَ مِن عمرِك ثلاثة أنفاس، والنفس الرابع لينقصَ مِن عمرك أربعة، وهكذا يوما فيوما وليلة فليلة ونفسا فنفسا.. حتى تأتي إلى النفسِ الأخير لا تملكُ أن يزدادَ شيء مِن العدِّ الذي قدْ أُعِدَّ لك، وقد كُتبت أنفاسُك ولحظاتُك وأنت في بطنِ أمك, يا ربي ما العمر والأجل إلا كذا كذا نفسا كذا كذا ساعة كذا كذا شهرا كذا كذا سنة إلى لحظةِ النفس الأخير في مكان كذا.. في وقت كذا.. على حالة كذا..
أيها المؤمنون بالله؛ ينبغي للمكلَّفين أن يدركوا هذا الأمر، والحق يقول: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} خِلفةً: يخلف بعضُها بعض، يخلف الليلُ النهارَ والنهارُ الليل، مذكرا لنا الليل والنهار بربِّ الليل والنهار، ومكور النهار في الليل والليل في النهار جل جلاله وتعالى في علاه، ومِن هنا نطقتِ الحكمة: كلُّ نفَسٍ مِن أنفاسِك جوهرةٌ لا قيمةَ لها، إن أنت عرفتَ كيف تصرفُها وفيما تصرفُها.
فيا أسفاه على ساعات وأيام وليالي كثيرات مِن أعمار شبابِنا وناشئَتنا مصروفةً إلى ما يضر، ومصروفة إلى ما لا يعني ومصروفةً إلى الفضول، ومصروفةً إلى ما يوجبُ الحسرةَ والندامة، أولئك الذين لم يتصوَّروا قيمةَ العمر ولا قدرَ الحياة على ظهرِ الأرض التي كانَ الحكمةُ فيها ما قالَ الخالقُ لها: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُور}.
وجاءتنا الشريعةُ الغراءُ بالصلواتِ الموقوتاتِ في الأوقاتِ المعيَّنات وقال ربنا: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} وفي ذلك وضعُ الأساسِ للمؤمن في برمجةِ حياتِه، وفي كيفيةِ قضاءِ أيامِه ولياليه، ففجرٌ عند طلوعِه قبل أن تطلعَ الشمس، وقتُ قيامٍ مُبرَمَجٍ على أن يقفَ بين يديِ الملكِ العلام، {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}.
وظهرٌ عند زوالِ الشمس، ويتميزُ مِن بين أيامِ الأسبوع الجمعة عن بقيةِ ظهريات الأيام؛ فيعلو فضلُها وتكون خيرَ الأيام، يقول صلى الله عليه وسلم: "خيرُ يومٍ طلعت عليه الشمس يومُ الجمعة" ، فإذا كانت الجمعةُ في رمضان.. ففضلُ الجمعة في رمضان على بقيَّةِ رمضانَ كفضلِ رمضانَ على بقيَّةِ الشهور، فجُمَعُ رمضانَ مُميَّزَة. وجُمَعُ رمضانَ مفضَّلَة معظَّمة، يجب على المؤمنِ أن يسارعَ ويُبكر، وأن يتعجَّلَ ويبادِر، وأن يسمعَ ويُنصت، وأن يعتكفَ ما استطاعَ مِن ساعاتِ الجمعةِ في مسجدٍ يُصلَّى فيه الجمعة؛ فذلك مِن أفضلِ القرُبات وأعظمُ الدرجاتِ عند الربِّ جل جلاله، وهي التي شُرِعت طولَ السَّنة، وإذا صادفت رمضانَ أو يومَ عرفةَ أو نحوها مِن فواضل الأيام.. تضاعفَ أجرُها، وأشرقَ نورُها وتزايدَ فضلُها.
أيها المؤمنون بالله جل جلاله: جاءت الصلواتُ الخمسُ تُدرِّبُنا وتُمرِّنُنا على تنظيمِ الوقتِ واغتنامِ العمر، وأن تأتيَ الساعاتُ في هذه المواقيتِ بكرةَ النهار ووسطَ النهار، وتوديعَ النهارِ بصلاةِ العصر، واستقبالَ الليل بصلاةِ المغرب وصلاةِ العشاء قبل طيِّ صحيفةِ اليومِ والليلة، قبل أن ينام الإنسان، ومَن نام قبل العشاءِ الآخرة.. فلا أنامَ الله عينَه، وكان صلى الله عليه وسلم يَكرهُ النومَ قبلَها -أي العشاء الاخرة- والحديث بعدها -أي في غير العلم والذكر والمهمات في الدين-.
أيها المؤمنون بالله: كان ذلكم مِن جملة تعليمِنا البرمجةَ التي عليها زاحمَنا عليها ونافسَنا فيها أربابُ الغفلات والمجُون، وأربابُ الفساد والفسق.. فتحكَّموا عندَ كثيرٍ مِن المسلمين في أوقاتِهم وكيفيَّة قضائها، وكيفيَّة أن تمشيَ عليهم، وما يعملون فيها.
أيها المؤمن بالله جل جلاله: جعل الله سبحانه وتعالى الزكاةَ بميقات، فجعل زكاةَ الفطرة لكلِّ مَن أدرك جزءًا مِن رمضان وجزءًا مِن شوال.. على كلِّ بالغٍ عاقلٍ مستطيعٍ عن نفسِه وعن مَن تلزمُه نفقتُه، ولو وُلد قبلَ المغرب في آخرِ يومٍ مِن رمضان بدقائق.. فإنه تلزمُ على وليِّه أن يخرجَ زكاةَ الفطرةِ عنه، ووُقِّتت الزكاةُ بالفطرة.
ووقتت بقية الزكوات.. أما الثمار والحبوب فعند حصادِها ولَها أوقاتٌ لا شكَّ معينة، قال تعالى: {وآتوا حقه يوم حصاده} وأما ما كان مِن المعادن والركاز فساعةَ تحصيلِه وفورَ تحصيلِه.
وما كان بعد ذلك مِن الدنانير والدراهم وأموالِ التجارة.. فمؤقَّتة بالعام، العام الهجري الذي جعله تعالى ذا أربعةِ أشهر حرم، فهو العام الذي تلزمُ به الزكوات، فمن كان يضبطُ تجارتَه على عامٍ شمسيٍّ فعليه أن يقدِّمَ أحدَ عشر يوماً في الزكاة، ولا يؤخِّرها، وليُعجِّل في كلِّ سنةٍ بأحد عشر يوما؛ فهي الفارق بين العامين، وإنه لا يجوز تأخيرُ الزكاة إذا وجبت، وإذا حال الحول.. وجب إخراجها لأهلِها، كما لا يجوز تأخير زكاة الفطر عن يومِ العيد، بأن تغربَ الشمس ولم تصل إلى يد المحتاج والفقير والذي هو مستحق لها.. فيأثم من أخرها، فكذلك الزكوات يجب ألا تؤخر وأن تُخرَجَ في وقتها، ولا تُؤخَّر بحساب تلك الأيام للأشهر الشمسية فإن الله يقول: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم} فلا يجوز أن تُستبدَلَ في صومٍ ولا زكاةٍ ولا حجٍّ أشهراً أخرى بغيرِ هذه الأشهر؛ فهي الأشهرُ عند الله يومَ خلقَ السماواتِ والأرضَ منها أربعة حرم.
فاعجب لمسلمين وصلتِ البرمجةُ في عقولهم إلى أن لا يدري أي شهرٍ هذا بالأشهر القمرية وهو مسلم! وإنما يعرف الأشهرَ الشمسية؛ لأن النصارى وأشباهَهم يُوقِّتون أوقاتَهم بها، فهو تبعُ لهم! لم يدرِ بعد ذلك بمعرفةِ الأشهرِ التي هي عند الله يوم خلقَ السماوات والأرض منها أربعة حُرم ذلك الدين القيم.
أيها المؤمنون بالله جل جلاله وتعالى في علاه: ووُقِّت الصومُ بميقاتٍ جعله الله تعالى أياماً معدودات مِن هذا الشهر الفضيل الكريمِ الذي يضاعِفُ فيه ثوابَ العمل إلى سبعين ضعفاً إلى ست مئة ضعف إلى ألف ضعف كما جاءنا في الأحاديث عن نبيِّنا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فتُضاعَف الحسنةُ في رمضان إلى ألف حسنة، فتكون حينئذٍ الصدقةُ بألف صدقة، والآيةُ بألف آية، والركعةُ بألف ركعةٍ في غير رمضان، والتسبيحةُ بألفِ تسبيحة في غير رمضان، موسمُ متاجرةٍ ومرابحةٍ للمخلوق مع خالقه.. وللعبد مع إلٰهِه وسيِّده.. إن عرف قدرَ التجارةِ الغالية المُربحةِ النافعةِ التي تستمرُّ أرباحُها وثمراتُها أبدَ الآبدِين.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون} خذ أنموذجًا مِن رِبحِ هذه التجارة: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَار} قال سبحانه وتعالى: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْن}.
أيها المؤمنون بالله: الحمد لله الذي بلَّغكُم شهرَ الصيام والقيام، وإن مئاتٍ وألوفا مِن المؤمنين نظراءكم ظنُّوا أن يحضُروا هذا اليومَ فلم يحضروه، وخرجوا مِن هذه الدنيا وهذه الحياة والعمر بما كانوا قد عملوه وما كسبُوه وما اقترفوه فيها.
أيها المؤمنون بالله جل جلاله: إذْ بلغتم هذا الأوانَ والتوقيتَ مِن ربِّكم جل جلاله الذي أشار إليه في كتابه: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا} وقال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجّ} وقال: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه} اللهم اجعلنا ممَّن يصومُه إيمانا واحتسابا متحقِّقا بحقيقة الصوم.
وما حقيقةُ الصومِ إلا تعظيمُ الحيِّ القيوم، وتعظيمُه بامتثالِ أمرِه، والدخولِ في الصوم الذي فرضَه مع اجتنابِ المحرَّمات التي نهَى عنها، فإنَّ مُبلِّغَنا فريضةَ الصيام عن ذي الجلال والإكرام عبدُه خير الأنام.. يقول لنا: "مَن لم يدَع قولَ الزور والعملَ به.. فليس لله حاجة في أن يدعَ طعامَه وشرابَه" يعني أنَّ الرحمن لم يفرِض الصومَ صورةً ولا عبثاً ولا لعبًا بمجرد تركِ الطعام والشراب.. إنما فرضَه لنتَّصل بروح المراقبة وسرِّ التقوى والوفاء بالعهد الذي بيننا وبينه، وللاستعداد للقائه، فهو صومٌ مُذكِّر.. وهو صوم مُنوِّر.. وهو صوم مُطهِّر.. وهو صوم مُزكي.. وهو صوم مُرقِّي.. يحوزون به الأجرَ العظيم، وينالون به تنقيةً لقلوبِهم في هذه الحياة، وتعظيماً للمولى تعالى في علاه، فلا يكذبُ أحدُهم فكيف بمن يأتي في ليالي أو أيام رمضان ويفتح البرامجَ الغريبة الساقطة الهابطة! في جواله أو جهازه أو مَن يفتح مقاهي الانترنت في مثلِ هذا الشهر غير مستحيٍ! غير عابئٍ! غير مُكترِثٍ! غير مُبالٍ! مَن برمجك هذه البرمجةَ يا أيها الأحمق ويا أيها الغبي؟! أتظن أن تدركَ بها دُريهماتٍ تأتيك مِن ذا أو ذاك!! والله لما ضيَّعتَ مِن الثوابِ العظيمِ والأجرِ الكبير.. أجلُّ وأكبر، وإنَّ دراهمَ توردُك الحسرةَ والندامةَ.. بئست الدراهم ما أشأمَها عليك، وما أقبحَها لك في الدنيا والاخرة، اتقِ اللهَ وأعطِ الشهرَ حقَّه.
واعلم هذا التوقيت الذي جعله الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين.. يعلمون الأشهرَ الحرم، ويعلمون قدرَ العشرِ من ذي الحجة، ويعلمون فضلَ رمضان، ويعلمون ستا من شوال، ويعلمون أولَ ليلة من رجب وليلة المعراج منه، وليلة النصف مِن شهر شعبان، إلى غير ذلك مما ارتبط بالدينِ القويم، والصراطِ المستقيم، والتأثرِ بالوحيِ والبلاغِ مِن النبيِّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، وهو الذي كان يجتهدُ في رمضان ما لا يجتهدُ في غيره، ويجتهد في العشرِ الأواخر مِن رمضان ما لا يجتهدُ في غيرها من رمضان.
اللهم ثبِّتنا على دربِ هذا المصطفى، وتولَّنا به في الظاهرِ والخفاء، واكشف به عنا الشدائدَ وعن أمته، واجعل رمضان هذا مِن أبرك الرمضانات على أمَّته، إئذن بكَشفِ الشدائد والبلايا والرزايا وتفريجِ الكروب، ورفعِ الآفات والعاهات ودفعِ الخطوب، وحوِّل الأحوال إلى أحسنِها يا مقلِّبَ الأبصارِ والقلوب.
والله يقول -وقوله الحق المبين-:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون} وقال تبارك وتعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم} أعوذ بالله من الشيطان الرجيم{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكرِ الحكيم، وثبَّتنا على الصراط المستقيم، وأجارنا مِن خزيِه وعذابِه الأليم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولوالدينا ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله باسطِ فُرَصِ الأعمار للأخيار، وجاعلِها سبباً لوُرودِ النار لمَن لم يتَّقِه فيها وصرفَها في الذنوب والأوزار، وأشهد ألَّا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، يولجُ الليلَ في النهارِ ويولجُ النهارَ في الليل، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا وقرةَ أعيننا ونورَ قلوبنا محمداً عبدُه ورسولُه، ونبيُّه وصفيُّه، وحبيبُه وخليلُه، سيدُ المرسلين وخاتمُ النبيين، وأولى مَن يُقتدى به في كلِّ شأن وفي كلِّ حين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على عبدِك المجتبى المصطفى الأمين، سيدنا محمد وعلى آلِه وأهلِ بيتِه الطاهرين، وأصحابِه الغُرِّ الميامين، وعلى مَن والاهم فيك واتَّبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحم الراحمين.
أما بعد؛ عبادَ الله.. فإني أوصيكم ونفسيَ بتقوى الله، فاتقوا اللهَ عبادَ الله، وراعوا كيفيَّة مُرورِ الأوقات عليكم، وفي أيِّ شيء تمر، وإنَّ ساعاتِ كلِّ يومٍ وليلةٍ أربعاً وعشرين ساعة تُعرَض على كلِّ مكلَّف في الآخرة في أربعٍ وعشرين غُرفة، الساعة التي عَمَرها بطاعةِ الله يجدَها ملآنةً نورا، والساعة التي مرَّت به في غير طاعة ولا معصية يجدها فارغة، فيتحسَّر كثيرًا على فراغِ تلك الغُرف بفراغِ تلك الساعات، أما الساعة التي عصَى اللهَ فيها.. فيجدها غرفةً مملوءةً ظلمات بعضها فوقَ بعض -والعياذ بالله تبارك وتعالى- فإذا كان يتحسَّر على ساعةٍ فارغة.. فكيف بساعةِ المعاصي والذنوب! إنها البلايا.. إنها الرزايا.. إنها العذاب.
أيها المؤمنون بالله؛ ولقد هيَّأ الله المُكفِّرات وأسبابَ المغفرة لهذه الأمة، وجعل مِن أعظمِها رمضان، وجاءنا في صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد بن حنبل عن نبيِّنا صلى الله عليه وسلم: "الصلاة إلى الصلاة، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفاراتٌ لما بينهنَّ إذا اجتُنبتِ الكبائر" يا مَن حُفِظ مِن الكبائر.. ما أعظمَ لُطفَ اللهِ بك، ويسَّر لك مِن تكفيرِ الصغائر، ويا مَن وقعتَ في كبيرة.. لا دواء ولا علاج ولا مَخرج إلا أن ترجعَ إلى الذي بيدِه الأمرُ وتتوبَ إليه، وتتذلَّل بين يديه، وتندمَ على ما كان منك وتُقلِع عن المعصية، ثم يكفِّر عنك سبحانه الكبائرَ كما يُكفِّر الصغائر إذا رأى صدقَك في التوبة إليه، وندمكَ على ما صدرَ منك، وعزمَك الصادقَ ألا تعودَ إلى شيءٍ منها، وتجتنبَ مواطنَها، وتجتنبَ مظانَّها، وتجتنبَ الأسبابَ المؤدية إليها، ورفقاءَ السوء الذين يؤدُّونك إليها، ممَّن حولك من البشر، أو مما يخالطك مِن وساوس الجن، أو ما يكون أمامَك في هذه الأجهزة مِن الصور والكلمات الخبيثة التي تُيسِّر لك الشر، وتزيِّن لك السوءَ والفساد، وتُبعدك عن ربِّك الأعلى، وتُبعدُك عن السعادة وحقيقتها في الدنيا وفي الآخرة.
أيها المؤمن بالله: قُدوتك المصطفى كان يجتهدُ في رمضان ما لا يجتهدُ في غيره، مَن كان ضعيفَ التلاوة في رمضان للقرآن.. أين اجتهادُه؟ وكيف اقتدى بعبدِ الله المصطفى خيرِ عبادِ الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
أيها المومن بالله: مَن كان حتى في رمضان يهوى مجالسَ الغفلة ومجالسَ الغيبة والنميمة.. أين اجتهادُه في رمضان؟ أين اتِّباعُه لمن أُنزِل عليه القرآن؟ من الذي تحكّمَ في عقلِه وتحكَّم في اختياراتِه؟ ومن الذي برمجَ له الحياةَ على مثلِ هذه البرمجة؟!
ويجتهد نبينا في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها مِن رمضان، فاسأل أسواقَنا كيف تكون في العشر الأواخر؟! وأي اجتهاد فيها؟! وخصوصا إذا كانت في الغفلة! وخصوصا إذا كانت في اختلاط رجالٍ بنساء! وخصوصا إذا كانت بامتدادِ الأعين التي قال عنها خالقُ الأعين: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُور} والذي أنزل أمرًا صريحًا في كتابِه لنفعِ عبادِه وحراستِهم: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُون}.
يا صاحبَ العقل الذي اختلَّ ببرمجةِ المُفسدين.. تعطي الدراهمَ مِن جيبِك لامرأتِك لتخرجَ في السوق فتنظر إليها كذا كذا عينٌ خائنة! وتظنُّ بذلك أنك محسنٌ، وأنك في صلاح! إنك في غفلة، إنك في فتحِ بابِ فساد، إنك في سببِ انهيارٍ للقِيَم، ما يكون هذا الحالُ ممَّن عرف قدرَ القِيَم، وقدرَ العشرِ الأواخر التي كان يعتكفُ فيها نبينا، فلا يخرجُ إلا يومَ العيد صلوات ربي وسلامه عليه، ألا تُشبَّه واقتد، وخذ مِن الربح العظيم؛ السجدة في رمضان بألف وخمسمائة حسنة، السجدة في رمضان يُعطى الساجدُ لها شجرة في الجنة يسيرُ الراكب في ظلِّها خمسمائة عام، اغنمِ السجدات واغنمِ التلاوة، وطهِّر هذا القلبَ ليراه الحقُّ مصفًّى لا غشَّ فيه ولا كراهيةَ لمؤمن، ولا تحامُلَ على أحدٍ مِن أهل لا إله إلا الله، ولا قطيعةً لرحم ولا عقوقاً لوالدين.
أيها المؤمن؛ وإنَّ أربابَ الخمور والمخدرات والمسكرات ممن يمنع الله عليهم مغفرتَه حتى في رمضان ولياليه الزاهية، ومغفرة آخر ليلة لجميع المؤمنين.. وعتقه فيها مثل ما أعتق مِن أول الشهر إلى آخره.. لا يغفر لأهل الخمور وتناوُل المسكرات والمخدِّرات، والذين قفزوا على هذه المحرمات والعياذ بالله تبارك وتعالى، وقالوا شبواً، وشبَوا إلى مواطنِ الهلَكة والبُعد عن الرب جل جلاله بفعلِ مُفسدين على ظهرِ هذه الأرض، يحبُّون نشرَ هذه البلايا ليَصِيدوا بها مِن المؤمنين مَن يُفوِّتوا عليهِ الدرجات، ويوقعوه في الزلات والمخالفات، ورجاؤهم أن يُنزَعَ منه الإيمانُ مِن أصله فيموتَ كافرا، وإلا فعلى الأقلِّ أن يتعرَّضَ لعذاب لا يطيقُه.
أيها المؤمنون بالله: ما خُلقنا مِلكًا لشرقيٍّ ولا غربي، ولا لمبرمِج مِن آل الشرق ولا مِن آل الغرب، خَلقَنا ربُّ المشارق والمغارب، وما نصبَ لنا قدوةً إلا أطيبً الأطايب، والأنبياءً والمرسلين، والعبادَ المتَّقين الصالحين، ليس في سواهم أُسوة، ليس في غيرِهم قدوة، {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} {فلا تُطعِ المُكذِّبين} يقول جل جلاله وتعالى في علاه: {ولا تُطِع منهم آثمًا أو كَفُورًا} {وإنْ تُطعْ أكثرَ منْ في الأرضِ يُضِلّوك عنْ سَبيلِ الله}.
أيها المُحرَّر مِن الرِّقِ لغير الله: كيف ترضَى أن تُسترَقَّ لعدوٍّ مِن أعداء الله؟! يُملِي فِكرَك بما يوجبُ ضُرَّك! وبما يحُول بينك وبينَ نعيمِ ربك! كيف ترضى أن تكون عبدًا لدولة أو لحزب.. يأمرونك بشيء حرَّمه اللهُ عليك وتقتحمُه! أخلقوك هم؟ أم إليهم مرجعُك ومآلُك؟ لا وعزةِ الرب؛ سيتبرَّؤون منك وتتبرأ منهم، وكثيرا ما يكون هذا في الدنيا قبل الآخرة، أما في الآخرة.. فالأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين، فلا تخالِل إلا الأتقياء، ولا تطِع إلا مَن دلَّك على ما يُرضي الربَّ جل وعلا.
واغنمِ الأيام؛ فقد بلَّغك اللهُ رمضانَ عسى أن تربح، وأن تنجحَ وتُفلح، وتدخلَ مداخلَ الظافرين بالعطايا الكبيرات، اللهم بارِك لنا في ليالي رمضان وأيام رمضان، وساعاتِ رمضان ولحظاتِ رمضان، واجعلنا ممَّن يصومُه إيمانًا واحتسابا، فتَغفرُ له ما تقدَّمَ مِن ذنبه، ويقومُه إيمانا واحتسابا.
قال أهل العلم: من واظب على الجماعة في الصلوات.. وصلَّى كلَّ ليلة مِن صلاةِ قيامِ رمضان -المسماة بصلاة التراويح- عشرين ركعة مِن أول الشهر إلى آخره.. محافظًا على الوتر.. فقد صحَّ أنه قام رمضان، وإذا كان ذلك إيمانا واحتسابا.. غُفر له ما تقدَّمَ مِن ذنبه، ومَن فطَّر فيه صائمًا.. كان مغفرةً لذنوبه، وعِتقا لرقبتِه من النار، وكان له مثل أجر الصائم من غير أن ينقصَ مِن أجره شيئا، ومَن فطَّرَ صائما مِن كسبٍ حلال.. صلت عليه الملائكةُ ليالي رمضان، وصافحَه جبريلُ ليلةَ القدر، ومن صافحه جبريلُ يرقُّ قلبُه وتكثر دموعُه، هكذا صح في حديثِ نبينا صلى الله عليه وآله وسلم.
ألا فاغنموا القرآنَ والقيامَ والصيام، وواصلوا الأرحامَ وبِرُّوا الوالدين، وأحسِنوا إلى الجيران، وتعرَّضوا للفَيضِ الواسعِ مِن حضرةِ الرحمنِ في هذه الليالي والأيام، اللهم اجعله مِن أبرك الشهور علينا وعلى الأمة، مِن أبركِ الرمضانات على المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات.
وأكثروا الصلاةَ والسلامَ على مَن به جُعلتم خيرَ أمة، وعرفتم عن الله ما يرضيه عنكم وما يُسخطه عليكم فتبيَّنت لكم المُهمَّة، نبيُّكم المبعوث بالرحمة، فإنَّ أولى الناس به يوم القيامة أكثرُهم عليه صلاة، ومَن صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشرَ صلوات، وإنَّ الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته وأيَّهَ المؤمنين، فقال مخبرًا وآمرًا لهم تكريمًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} اللهم صلِّ وسلِّم على المبعوث بالرحمة، عبدِك المصطفى محمدٍ إمام الأئمة.
وعلى الخليفة مِن بعده وصاحبِه وأنيسه في الغار، مؤازرِه في حالةِ السعة والضيق، خليفةِ رسولِ الله سيدنا أبي بكر الصديق
وعلى الناطقِ بالصواب، ناشر العدل حليف المحراب، المنيب الأواب أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب. وعلى مَن استحيت منه ملائكةُ الرحمن، مُحيي الليالي بتلاوةِ القرآن، أمير المؤمنين ذي النورين سيدنا عثمان بن عفان، وعلى أخي النبي المصطفى وابن عمه، ووليِّه وبابِ مدينةِ علمِه، إمام أهل المشارق والمغارب، أمير المومن سيدنا علي بن أبي طالب.
وعلى الحسن والحسين، سيدَي شباب أهل الجنة في الجنة، وريحانتَي النبيِّ بنصِّ السنة، وعلى أمِّهما الحوراء، فاطمةَ البتولِ الزهراء، وعلى خديجةَ الكبرى وعائشةَ الرضا، وأمهاتِ المؤمنين، وبناتِ نبيِّك الأمين، وعلى الحمزةَ والعباس، وعلى سائرِ أهلِ بيتِ نبيِّك المطهَّرين، مَن طهَّرتهُم مِن الدنسِ والأرجاس، وعلى أهلِ بيعةِ العقبة، وأهل بدرٍ وأهل أحد وأهلِ بيعةِ الرضوان، وعلى سائر الصحب الأكرمين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا معهما فيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلامَ وانصُرِ المسلمين، أيقِظ قلوبَ المؤمنين، ادفع عنهم شرَّ المفسدين والظالمين والطاغين، اللهم إنه تمكَّنَ منهم عدوُّهم ففرَّق شملَهم، ونشرَ الفسادَ بينهم، فحوِّل أحوالَ المسلمين إلى خيرِ حال، ورُد عنهم سُلطةَ الكفار وأهلَ الضلال، وحوِّل الأحوالَ إلى أحسنِها يا مُحوِّل الأحوال.
اللهم اجعلنا مِن أسعدِ الناس بهذا الشهرِ الكريم، وما تبسط فيه مِن بُسطِ القبولِ والتكريم، اللهم هَب لنا مِن خيرِك العظيم ومَنِّك الجَسيم، ما نرقَى به مع كلِّ ذي قلبٍ سليم، إلى أعلى مراتبِ القربِ منك يا عليُّ يا عظيم، يا رحمنُ يا رحيم، لا تصرِفنا مِن جُمعتنا إلا بقلوبٍ عليك أقبلَت، وإليك توجهََّت ومعك صدَقت، ولوجهِك الكريم أخلصَت.
اللهم اغفر لنا ووالدينا ومشايخنا وذوي الحقوق علينا وقراباتنا وجيراننا، والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات بأوسعِ المغفرات، يا واسعَ المغفرة، اللهم إنك عفوٌّ تحب العفوَ فاعفُ عنا، وفِّر حظَّنا مِن كلِّ منَّة وادفع عنا كلَّ بليَّة ومحنَة.
اللهم اقبَل صيامَنا واقبل قيامَنا واقبل تلاوتَنا للقرآن، واقبل منا ما وفَّقتنا له مِن الطاعات والقُربات، وجنِّبنا الذنوبَ والسيئات صغيرِها وكبيرِها يا أرحم الراحمين، اللهم اختِم لنا بالحسنى وتولَّنا بما أنتَ أهلُه حِسًّا ومعنى، وعامِلنا بفضلِك ظاهرًا وباطنا.
اللهم اجعل آخرَ كلامِ كلِّ واحدٍ منا مِن حياته الدنيا لا إله إلا الله، متحقِّقا بحقائقِها ظاهرا وباطنا يا أرحم الراحمين، ربنا اغفر لنا ولإخوانِنا الذين سبقُونا بالإيمان ولا تَجعل في قلوبِنا غلًّا للذين آمنوا ربَّنا إنك رؤفٌ الرحيم.
عبادَ الله: إن اللهَ أمرَ بثلاث ونهى عن ثلاث:
إنَّ اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذي القربى، وينهَى عن الفحشاءِ والمنكر والبغي؛ يعظُكم لعلَّكم تذَّكَّرون.
فاذكروا اللهَ العظيمَ يذكُركم، واشكُروه على نعمِه يَزدْكم ولذكرُ اللهِ أكبر.
03 رَمضان 1444