(339)
(535)
(364)
فرصتنا ما دمْنا في هذه الحياة وغنيمتنا:
كل ما يجري في هذا الوجود والكون ما يضرّك شيء ولا يحجزك عن ربحك هذا، ومشاكلهم وحروبهم وآفاتهم وسياساتهم لا تقدر تمنعك عن ربحك هذا، تقدر تزداد إيمانًا، تزداد عملًا صالحًا، وارقَ واكسب، وخُذ من المواهب والعطاء، وخُذ لك من الزاد الشريف وارتقِ.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا (96))، ولم يزل الحق يُذكِّرنا بما يكْسب وينال ويُحَصِّل أرباب الإيمان والعمل الصالح، أرباب التصديق، بما أوحى إلى أنبيائه؛ مِن خيراتٍ ومَبَرّاتٍ عظيماتٍ جليلاتٍ كبيراتٍ دائمات، وهي فائتةٌ على كل مَن لم يؤمن، ويُسيِّبها ويُحْرَمها كل مَن لم يُصدِّق ولم يعمل الصالحات.
فما الذي يُحصِّلون مقابل هذه العطايا؟ وما الذي يكْسبون بدل هذه المزايا؟!
أكل أم شرب أم طعام، أم نكاح أم رئاسة، أم ثياب أم منازل أم طائرات؟ مُنْتهٍ مُنْقضٍ، زائلٍ مُتبدِّلٍ مُفارَق! فماذا حصَّلوا إذا فقدوا هذه الخيرات؟! ما أخسرهم!

كل الذين تحابُّوا في غير الله يتباغضون؛ أكثرهم في الدنيا قبل الآخرة، والكثير منهم في الآخرة؛ مِن عند الموت وهو يكره كل أصحابه الذين ساعدوه على المناكر وعلى الكبائر، وعلى الخروج عن أمر الله الخالق الفاطر.. يكرههم، يقول: هم السبب، وإذا تلاقوا في القيامة يسب بعضهم بعضا، ما هي العبرة لهذه المحبة؟!

المتحابون في الله محبتهم دائمة؛ لأنها مِن أجل الدائم، يموت ويزداد محبةً للذين أحبَّهم في الله، ويتفرّغ بعد الموت للدعاء لهم أكثر ويذكرهم أكثر؛ لأنه أحبهم مِن أجل الواحد الباقي جل جلاله، وبعد ذلك في القيامة على منابر مِن نور، وفي ظل العرش؛ هذه المودَّة المعتبرة، هذه المودة الطيبة المحسوبة.

"نسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وحُب عمل يقربنا إلى حُبك،" يا رب العالمين.
لما أسلم بعض الروسيين سألوه عن سبب إسلامه قال: تأمّلت التاريخ؛ أنَّ كل العظماء وأهل النظريات والأنظمة؛ يبدأون بقوة، وما تمر الأيام إلّا ويَنقُص أتبَاعهُم، ويَنقُص الثناء عليهم، وينقص المُحِبون لهم؛ إلّا محمد ﷺ، ألف وأربعمائة سنة يُحبونه ويُكرِّمونه، ومُعظَّم كلامه، ومُحترم أقواله وأفعاله، وذلك يزيد، وذِكرُه في كل محل!
17 جمادى الآخر 1446