فوائد من تفسير سورة الزخرف - 4- تأملات في حقارة الدنيا وعظمة الآخرة

الدرس الرابع من دروس التفسير في رمضان:.
ماذا لو كانت بيوتنا من فضة وذهب؟ يخبرنا الحق سبحانه في سورة الزخرف أنه كان بإمكانه منح هذا لو أراد، لكن لماذا لم يفعل؟
تأمل: ماذا سيحدث لو كان كل الناس أغنياء أو كلهم فقراء؟ لِمَ جعل الله هذا التفاوت؟
تفسير سورة الزخرف -04- من قوله تعالى: {بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (29)} إلى الآية 35
للعلامة الحبيب عمر بن حفيظ ، صباح الثلاثاء 4 رمضان 1446هـ
للاستماع والحفظ، أو قراءة الدرس مكتوباً :
للمشاهدة:
فوائد من الدرس:
ما مِن مُستقبل أسوأ من مُستقبل المعاندين الجاحدين الكافرين، أخبث مستقبل وأشدّ مُستقبل هو مُستقبلهم: عذابُ النار، والبُعد عن الجبَّار، واللعنة الدائمة، والعقاب الشديد؛ فأيّ مُستقبل أخبث من هذا المُستقبل؟!
(أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) قال أنا ما ائتمنتكم حتى على أتفهِ الأشياء، حتى على أرزاقكم الحِسّية، جعلت هذا غني وهذا فقير من دون اختياركم، أنا الذي قسمت! وتأتون إلى النبوة والرسالة تريدون تقسمّونها أنتم؟! ما ملّكتكم حتى تقسيم العطايا الدنيّة والحقيرة واليسيرة!
(وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا)؛ لمَا تأمّل العاقل أحوال العباد على ظاهر الأرض تعجّب، وقال:
النّاسُ للنّاسِ من بدوٍ ومِن حَضَرِ ** بعضٌ لبعضٍ وإن لم يشعروا خَدَمُ
- لتستقيم الأمور في المعيشة على ما قدَّر العزيز الغفور، ولو جعلهم كلهم على مستوى واحد كيف ستقوم الوظائف؟
(وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)؛ الخير من كل ما يجمعونه ويتكالبون عليه ويتنافسون عليه، مِن جمع الأموال والسلطة والنفوذ والسُّمعة، رحمتي للمؤمن خير من هذا كله:
- أُوَفِّقه في الدنيا لدين الحقّ الذي لا أقبل غيره، وأتوفّاه على الدين الذي ارتضيته، وأصرِف عنه العذاب في القيامة، وأدخله الجنة.
فماذا يساوي هذا المُلك الذي في الدنيا أمام هذه الرحمة؟!
(وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)؛
- - لو أوتيَ الإنسان مُلك الأرض كلها من شرقها إلى غربها، من أيام آدم إلى أن تقوم الساعة، وحُرِمَ نعمة الإسلام لكان خاسئًا حسيرًا ذليلًا ذميمًا حقيرًا، يبوء بالنّكال والعذاب والشِدّة والخيبة.
- - ولو مُنع الإنسان أنواع النعم التي في الدنيا وأُعطيَ الإسلام لكان سعيدًا معظَّمًا مهنَّئًا، فائزًا بالنعيم الدائم والفوز الأكبر.
(وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)؛ مَن أوتيَ القرآن فرأى أن غيره أوتيَ خيرًا مما أوتيه؛ فقد أعظم الفِرية! هذا مفترِ على الله، هذا إنسان خائب! القرآن خير من الدنيا.
(وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ):
- - إنما رحمة مِنّي أُغني هذا وأُفقر هذا، يقول لنا الله هذه المُتع الدنيوية حقيرة في نظري، فإياكم يا من آمن بي أن تجعلوا لها اعتبارًا هو ساقط من عيني؛ لا اعتبار عندي بهذه المظاهر والزخارف والمُتع الفانية.
- - مِن حقارتها عندي لولا أني أريد أن يهتدي من يهتدي من عبادي لجعلتُ كل مظاهر الحياة الدنيا للكفار، ومن كفر صببتها عليه؛ حينئذٍ سيكفر عامة الناس، ولا يبقى إلا أقل القليل.
"لو كانت الدنيا تَعدِل عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافرًا منها شربة ماء"؛ لو كان لها من الوزن مقدار هذا لما سقى كافر منها شربة ماء، لكن لهوانها تركهم يلعبون بها!
دخل سيدنا عمر بن الخطاب إلى مشربة فيها رسول الله ﷺ، ورآه على حصير أثّر خطوطًا في جنبه الشريف، ونظر فما وجد في البيت غير قِربة ماء، فدمعت عيناه، فقال ﷺ: "أولئك قومٌ عُجّلت لهم طيّباتهم في حياتهم الدنيا، أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟"
نسألك اللهم خير الحياة وخير الوفاة وخير ما بينهما، ونعوذ بك من شر الحياة وشر الوفاة وشر ما بينهما، أحيِنا حياة السعداء؛ حياة من تُحب بقاءه، وتوفَّنا وفاة الشهداء؛ وفاة من تحب لقاءه.
نص الدرس مكتوب:
____
08 رَمضان 1446