فوائد من: تفسير سورة الأنبياء (2) بين فضل المرسلين وغفلة المسرفين

 الحبيب عمر بن حفيظ:

 

خير الخلق:

(وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) فمن اليقين عند كل مؤمن أنَّ خير خلق الله على ظهر الأرض أنبياؤه ورسله، لا يمكن أن يكون مُفكّر ولا صانع ولا مخترع قريبًا منهم في الفضل، ولا قريبًا في المكانة؛ هم أفضل، وهم أكمل، وهم أعظم، وهم أجل، وهم أجمل، وهم أقرب، وهم أطيَب، اصطفاهم الله؛ فخير الخلق أنبياؤه ورُسُله ﷺ.

(وَمَا جَعَلْنَاهُمْ) الرسل الذين مضَوا من قبل (جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ)، بل هم أجساد كأجساد بني آدم، تحتاجُ للطعام والشراب والنوم.. الأعراض البشرية التي لا تؤدّي إلى نقص في مراتبهم العليّة، كذلك الأولياء والعلماء، والأعراض البشرية التي لا تؤدي إلى نقص في مراتبهم حالّة فيهم وقائمة، ولكن نزَّهَهُم عما يؤدي إلى نقص من شؤون البشريات فلا يحومون حوله.

جعل الله الأنبياء معصومين، وجعلهم ذوي فِطانة، وجعلهم يمرضون ولا يأتيهم مرض يُنفِّر الناس، فلا يَعرِض لأحد منهم عمىً ولا برص ولا ما تنفر منه الطِّباع، لأن الحكمة في اصطفائهم أن يُقرِّبوا الخَلق إلى الخالق، وأن يجذبوهم إليه، فيحتاجون أن يُنزَّهوا عن كل مُنفِّرات الطبع، وعن كل ما لا يليقُ بالمروءة والشرف والكرامة.

غفلة المسرفين:

(ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ) كلهم هلكوا أُمّة بعد أُمّة؛ هذه سُنة الله في الوجود، لكن الناس يغفلون غفلةً شديدة، ويغترّون بالأمر الآني والوَقتي وكأنه كل شيء، ويغفلون عن الماضي الطويل وعن المستقبل الكبير! فيغترّون بمن ظهر فيهم بمظهر؛ مِنَ الأدعياء والمُخادعين والكاذبين، فيمشون وراءهم! 

 وإلا فإن الربَّ الذي خلق أنزل نورًا وحُكمًا ومِنهاجًا، ومع هذا المنهاج لا نحتاج لأحد يقول لنا: اعملوا كذا واتركوا كذا! خالِقُنا قال: افعلوا ولا تفعلوا، انتهت المسألة، ولكن الناس يغترّون بمن أظهر لهم أشياء واخترع لهم اختراعات وجاء لهم ببعض الأجهزة ويذهبون وراءها.

بل تغلبهم شهواتهم إلى أن الذي سيأتي لهم بالمال والرزق مستعدون يؤلِّهونه ويستعبدونه، كما يفعل الدجال، ولأجل الخبز يذهبون وراءه ويكفرون بالله، ويؤمنون به لكي يأكلوا، لا حول ولا قوة إلا بالله، فهكذا ينحط الإنسان عن قِيَمهِ وإنسانيته وكرامته بغلبة الشهوات والأهواء.

الصورة

 

معاني (فيه ذكركم):

(لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ)

  • - الذكر بمعنى: الشرف والكرامة والصِّيت
  • - والذكر بمعنى: أنكم تُذكرون به، إما بالخير أو بالشر
  • - والذكر بمعنى: حديثكم الذي تتحدثون به
  • - والذكر بمعنى: ذكر ما تحتاجون إليه لنيل السعادة، وكل ما يُعَرَضَ لكم في أمر دينكم ودنياكم 
  • - (أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ)؛ وأخذ بعضهم أيضًا من هذه الآية يقول: ذِكري في الكتاب؛ حقيقتي ومآلي والحُكم عليّ موجود في الكتاب.
الصورة

 

لماذا الغرور؟

(وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ)

بمعنى: أنا الغني عن كل شي، أهلِك ولا أبالي، وأُسعِد ولا أبالي، لماذا الغرور؟ لماذا الزور؟ لماذا الإعراض؟ لماذا الاستكبار؟! أمامكم من بيده ملكوت كل شيء! إن كنت مُغتر بعلم فقد جاء من ادّعى العلم قبلك، إن كنت مغترٌ بقوة، قد جاء من هو أقوى منك قبل.. فأهلكناهم، أين ستذهب؟ اعقل!

الصورة

 

حكمة خلق السماء والأرض:

(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ) أما أولو الألباب فيتفكّرون في خلق السماوات والأرض: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).

أمَّا الكفار فمعنى الفلسفة الموجودة عندهم أن السماوات والأرض خالقها خلقها عبث، إلا أننا نتحيّل ونتوصّل إلى تحصيل أغراضنا وشهواتنا وانتهت المسألة؛ لا والله، ليست المسألة هكذا!

  • - ما خلقها إلا (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ)
  • - إلا لتكون مجالًا للفكر والعقل والاستبصار والتذكُّر وإدراك الحقيقة،
  • - إلا ليصير المآل؛ إمَّا نعيمًا مؤبًدًا وإمَّا عذابًا مؤبدًا، ما خلقها عبثًا!
الصورة

 

دعاء للأمة:

اللهم أعزنا بدينك، وأعِزّنا بطاعتك، وأعزنا باتباع رسولك، وفرِّج كروب المسلمين في المشارق والمغارب، اللهم انصر رسولك محمدًا واجعلنا في خواصِّ أنصاره، وأظهر رايته في جميع الأقطار، واجعلنا من حامليها على خير الوجوه التي تُحبها وترتضيها، وأهلنا وأولادنا وأحبابنا وطلابنا والمسلمين، اللهم جنِّب المسلمين الفتن والمِحن، وتولنا في السر والعلن، وارفع عنا جميع الآفات والفتن.

الصورة

 

لقراءة الدرس كاملاً أو المشاهدة

 

تاريخ النشر الهجري

29 مُحرَّم 1447

تاريخ النشر الميلادي

23 يوليو 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية