فوائد مكتوبة: تفسير سورة طه (3) أنس المناجاة وشرح الصدر مع النبي موسى عليه السلام

العلامة الحبيب عمر بن حفيظ:

في كريم المُكالمة الربانية لسيدنا موسى يقول الرحمن سبحانه وتعالى لعبده الكليم: 

(وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ (17)) ما هذا الذي تحمله بيمينك؟ وكان فيه مؤانسة وتقرير، وتهيئة له لرؤية الآيات والغرائب والعجائب. 

(وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي) أُحرِّك أغصان الأشجار ليسقط منها الورق الذي تأكله الأغنام فترعى.

إنما استرسل سيدنا موسى في خطاب الرَّب جلَّ جلاله مع أنه يكفي قوله: (هِيَ عَصَايَ)، لكن استرسل فقال: (أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ)؛ لِما قابله مِن الأنس مِن حضرة الرحمن، قال له (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ) فذاق حلاوة المناجاة ولذّتها، فأخذ يزيد في الكلام استلذاذًا بخطاب الرحمن، وحِرْصًا أن لا ينقطع عن مناجاة هذه الحضرة فيما يحس به مِن لذة، وهو يخاطب رب العالمين.

الصورة

 

(وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ (18)) حاجات أُخر: 

  • - منافع ومصالح في هذه العصا، 
  • - كما أعرف بها عُمق ماءٍ أريد أن أعرفه، 
  • - أضرب بها مَن يناولني أو يعاديني أو يتعرض إليَّ مِن كلب أو سبع، إلى غير ذلك مِن المنافع. 

قال له الرب تعالى: (قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَىٰ (19)) وفي هذا أنواع من التربية والإعداد، وفيها أن هذا الذي تدَّعي فيه لك مآرب ونفع؛ ارْمِه، أنا الذي أنفع، وهذه أسباب ما تعدو ذلك، فكن معي، اجعل قلبك معلَّق بي. 

(فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ) فقلبَها له سبحانه وتعالى وعمل مِن الأشياء التي يُعجِز عنها خلقه؛ 

  • - ليزداد ويقوى إيمان سيدنا موسى ويقينه، 
  • - ولئلَّا يهتزّ منها بعد ذلك إذا ألقاها في حضرة فرعون وكما يأمره الحق تعالى
  • - ولإقامة حجته في أنه جاء مِن عند الله.

قال تعالى: (سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَىٰ) وعادت كما كانت عصا، سبحان الله القوي القادر يخلق ما يشاء، يفعل ما يريد، هذه صفة الألوهية والربوبية؛ قدرة طليقة، ويغترّ الناس في الحياة يجدون تراتيب الأسباب والمُسببات يظنون أنها فعَّالة، هي ليست فعّالة بل هو الله الذي رتبها هكذا، ومتى أراد أن يخرقها يخرقها، متى ما شاء، وهي نفسها حتى المرتّبة هذه آيات مِن الآيات العجيبة.

الصورة

 

(قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25))؛ لأنَّ المهام الكبيرة العظيمة ما تؤدّى وتُقام على وجهها إلا بشرح الصدر من الله. 

- (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) بانشراح الصدر تقوى على أن تنظر في الأمر؛ تُحْسن النظر، وتحْسن التعامل، وتصل إلى الغاية والنهاية بلا انفعالات ولا غلَبات تغلبك يمنة ولا يسرة.

- عرض الله لنا دعاء سيدنا موسى عليه السلام أن يشرح الله صدره للقيام بالأمر، وخاطبَ نبينا من دون ما يعرض دعاءه، بل عرض لنا عطاءه قال: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)، موسى (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي) وحبيبنا قال له: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) وهكذا مقام الحبيب الأعظم ﷺ عند ربه. 

- وعرض علينا في القرآن دعاء سيدنا الخليل إبراهيم اهتماماً باليوم العظيم يوم القيامة: (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ)، ما عرضَ لنا دعاء الحبيب في هذا، قال له: (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللهُ النَّبِي وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ) يوم لا نُخزيك ولا نُخزي من معك!

الصورة

 

(قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) نسأل الله أن يشرح صدورنا، ويُيَسِّر أمورنا حتى نقوم بالأمر كما يُحِب على ما يُحِب، ولا ينتابنا غفلة ولا تقاعس، ولا تصديق كاذب ولا فاسق ولا قاطع عن الله تبارك وتعالى، ونؤدّي الأمر في هذه الحياة القصيرة على ما هو أحب وأرضى للرب جل جلاله.

الصورة

 

(كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا)؛

  • - الأنبياء والمرسلين يفقهون أنَّ مِن مُهمات المؤمنين بالله على ظهر الأرض وخصوصاً الدعاة إليه أن يُكثِروا التسبيح والذكر للرحمن. 
  • - كثرة التسبيح والتقديس والتنزيه لله صِلة بالقوي الأعلى، مِن شأنها أن يُنزِّه الله شأن هذا العبد، وأن يحميه وأن يحرسه. 
  • - الذكر ركن من أركان السير إلى الله والوصول إلى الله، والتبليغ لشرع الله تعالى، لذا المُعلم والمُذكِّر والداعي إذا كان نصيبه من الذكر أكبر؛ أثره أكبر، وكلامه أنوَر بسبب كثرة ذكره.
الصورة

___

للاستماع والحفظ، أو قراءة الدرس مكتوباً:

https://omr.to/q-taha3

للمشاهدة:

https://www.youtube.com/live/zZE-czbYeYU?t=1573

 

تاريخ النشر الهجري

20 رَجب 1446

تاريخ النشر الميلادي

19 يناير 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية