(535)
(339)
(364)
في كريم المُكالمة الربانية لسيدنا موسى يقول الرحمن سبحانه وتعالى لعبده الكليم:
(وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ (17)) ما هذا الذي تحمله بيمينك؟ وكان فيه مؤانسة وتقرير، وتهيئة له لرؤية الآيات والغرائب والعجائب.
(وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي) أُحرِّك أغصان الأشجار ليسقط منها الورق الذي تأكله الأغنام فترعى.
إنما استرسل سيدنا موسى في خطاب الرَّب جلَّ جلاله مع أنه يكفي قوله: (هِيَ عَصَايَ)، لكن استرسل فقال: (أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ)؛ لِما قابله مِن الأنس مِن حضرة الرحمن، قال له (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ) فذاق حلاوة المناجاة ولذّتها، فأخذ يزيد في الكلام استلذاذًا بخطاب الرحمن، وحِرْصًا أن لا ينقطع عن مناجاة هذه الحضرة فيما يحس به مِن لذة، وهو يخاطب رب العالمين.
(وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ (18)) حاجات أُخر:
قال له الرب تعالى: (قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَىٰ (19)) وفي هذا أنواع من التربية والإعداد، وفيها أن هذا الذي تدَّعي فيه لك مآرب ونفع؛ ارْمِه، أنا الذي أنفع، وهذه أسباب ما تعدو ذلك، فكن معي، اجعل قلبك معلَّق بي.
(فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ) فقلبَها له سبحانه وتعالى وعمل مِن الأشياء التي يُعجِز عنها خلقه؛
قال تعالى: (سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَىٰ) وعادت كما كانت عصا، سبحان الله القوي القادر يخلق ما يشاء، يفعل ما يريد، هذه صفة الألوهية والربوبية؛ قدرة طليقة، ويغترّ الناس في الحياة يجدون تراتيب الأسباب والمُسببات يظنون أنها فعَّالة، هي ليست فعّالة بل هو الله الذي رتبها هكذا، ومتى أراد أن يخرقها يخرقها، متى ما شاء، وهي نفسها حتى المرتّبة هذه آيات مِن الآيات العجيبة.
(قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25))؛ لأنَّ المهام الكبيرة العظيمة ما تؤدّى وتُقام على وجهها إلا بشرح الصدر من الله.
- (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) بانشراح الصدر تقوى على أن تنظر في الأمر؛ تُحْسن النظر، وتحْسن التعامل، وتصل إلى الغاية والنهاية بلا انفعالات ولا غلَبات تغلبك يمنة ولا يسرة.
- عرض الله لنا دعاء سيدنا موسى عليه السلام أن يشرح الله صدره للقيام بالأمر، وخاطبَ نبينا من دون ما يعرض دعاءه، بل عرض لنا عطاءه قال: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)، موسى (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي) وحبيبنا قال له: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) وهكذا مقام الحبيب الأعظم ﷺ عند ربه.
- وعرض علينا في القرآن دعاء سيدنا الخليل إبراهيم اهتماماً باليوم العظيم يوم القيامة: (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ)، ما عرضَ لنا دعاء الحبيب في هذا، قال له: (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللهُ النَّبِي وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ) يوم لا نُخزيك ولا نُخزي من معك!
(قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) نسأل الله أن يشرح صدورنا، ويُيَسِّر أمورنا حتى نقوم بالأمر كما يُحِب على ما يُحِب، ولا ينتابنا غفلة ولا تقاعس، ولا تصديق كاذب ولا فاسق ولا قاطع عن الله تبارك وتعالى، ونؤدّي الأمر في هذه الحياة القصيرة على ما هو أحب وأرضى للرب جل جلاله.
(كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا)؛
___
للاستماع والحفظ، أو قراءة الدرس مكتوباً:
للمشاهدة:
https://www.youtube.com/live/zZE-czbYeYU?t=1573
20 رَجب 1446