كلمة شهر رمضان 1436هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
إلى إخواننا في الله في كل مكان، نوجه كلمة شهر رمضان للعام السادس والثلاثين بعد الأربعمائة وألف من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله لنا ولكم في أيام وليالي هذا الشهر الكريم المبارك، الذي يغتنمُه المسلمون في العمل الصالح، مِن محافظةٍ على صلاة الجماعة، ومجالِس الذكر، ومجالِس التلاوة، ومجالس العلم، ومجالس التطبيقِ للشريعة، في فِطرٍ أو عَشاءٍ أو سُحورٍ أو لِباسٍ أو َمنامٍ أو مَشيٍّ في الطريق.. إلى غير ذلك؛ لِيَحيَوا كما أحبَّ اللهُ وكما أحبَّ رسولُه؛ فإن عامةَ من في الأرض كما ذكرَ الله أنهم يضلُّون عن سبيل الله، أنهم يَحيون على ما تريد الأنفسُ والأهواء، وعلى ما يُخطِّط الكافر والفاجر وإبليس وجندُه؛ فتكون نوعيةُ حياتهم مخالفةً للشريعة، مخالفةً للآداب النبوية، مخالفةً للسنة.
والذي يَحيا على مسلك السنة ومسلك الهدى؛ هذا غريبٌ بين الخلقِ في هذا العالَم، وطوبى للغرباء ( بدأ الإسلام غريباً وسيعودُ غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء) رواه مسلم.
فالإقبال على ذلك بالصدقِ في هذه الأوقات التي فتحَت الفتنُ فيها أبوابَها، يُذَكِّرُ بحديثِ المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: ( العبادةُ في الهرجِ كهجرةٍ إليَّ) رواه مسلم والترمذي. أي الاستقامة على ما يُحِبُّ الله وقتَ الهرج، وقد فسر صلى الله عليه وسلم الهرجَ بالقتل؛ وهو الذي يتحدث عنه الناس ويشاهدونَهُ اليوم هنا وهناك، ومُثيروه والمُتسبِّبون فيه إن هدأ شيءٌ من أماكنهم أو أوقاتهم في فترة فسيثورُ ما ثوَّروه على الآخرين في أوقات أُخَر في أماكنهم؛ لأن الدنيا تكاد أن تكون دارَ جزاء. ولكن مَن سَلَّمَ نفسَه من الدماء، والسِّبَاب، والتَّسَبُب في ما يَضرُّ الناس، وصدقَ مع الله، فهو الذي يعيشُ في أي مكانٍ وفي أي زمان في بحبوحةِ العنايةِ الإلهية ملطوفٌ به في كُلِّ ما يُنازلُ البَرِيَّة. ثم يخرجُ سالِماً لا ينالُهُ من ذلك سوءٌ في الدنيا ولا في الآخرة.
فهو ما بين السرَّاء والضرَّاء صابرٌ وشاكر وفي كِلا الأحوالِ رابح وفائز، لا نادم ولا خاسر؛ ولكن مَن خالفَ اللهَ هو الخاسر، ومَن عملَ بغيرِ شريعةِ النبي محمدٍ هو الهالِك (( وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ۚ)) (( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )).
ثم إننا فيما نمشي فيه؛ كلُّ ما قام مِنَّا على وجهِ الإقبالِ على الله، والوِجهةِ إلى الله، والصدقِ مع الله؛ فأقدامُنا فيه على قدمِ سنَدِنَا من رجالِ الله تعالى إلى حضرةِ النبوة والرسالة. فإن كان هناك هُدىً وبصيرة في المسار، فهُدَاهُم وبصيرَتُهُم، عليها نمضي وعليها نمشي، وهي بصيرةٌ مأخوذةٌ من المنبعِ الأكبر (( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّه عَلَى بَصِيرَة أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ))
فيَعَلَم المُشَارِك والخَادِم في هذهِ المجالات والمُسَاهِم فيها؛ أنه مهما صدقَ وأخلص ففي ميدانِ جهادٍ من ميادينِ الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، فليُهَاجِر برُوحه وعقلِه ووجهتِه إلى رسول الله، ويجعل هجرتَه إلى الله ورسوله. مِن ماذا؟ مِن غوغاء وضوضاء وفوضى هذا العالَم، وانحطاطِه وسُفلِيَّاتِه وظنونِه وأوهامِه.
هَاجِر.. اُدْخُل في ميدان الحق ورسوله، حقائق وصفاء وتُقى ونقاء، وعبادة للرب، ومِنهَاج ارتضاه الله لأعيُنِنَا ولأَذَانِنَا ولألسنَتِنَا ولبطُونِنَا ولفُروجِنَا ولأيدِينا ولأَرجُلِنَا ولقُلُوبِنَا. فنُنْزِلُ ما أنزلَ اللهُ للقلوبِ في القلوب، ونُنْزِلُ ما أنزلَ اللهُ للأعيُن إلى الأعين.
وقل لكل مَن كَسَّلَك وخَذَّلَك وحَاجَّك في هذا المجال والمَيْدَان: (( قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ))! نريد نكون مع الله، ولله، وعلى درب الله ((أتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ)). اللهم ارزقنا ذلك يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.
فقَولُنَا إذاً لأنفسنا، ولمن حوالَينا مِن كل مَن يعقل، بل لكلِّ الإنسِ والجن والحيوانات والنباتات والجمادات.. قولُنَا لهم: (( آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)).
هذا قولُنَا.. نقولُه ونحن مأمورونَ بقولِه؛ فنقولُه بقوة، ونقولُه بثقة، ونقولُه بعزيمة، ثم شأنُهم وما يفعلون، فمن قَبِل وأَقْبَل.. مرحبا به، هو مِنَّا ونحنُ مِنْهُ (( فإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا)) يا مرحباً بالمهتدين.. (( وإن تولَّوا )) كل مَن تولَّى منهم، وكلَّ مَن أصرّ على أن يُنَقِّص ويُقَصِّر شأن الوجهاتِ هذه والأعمال هذه، وكل من أراد أن يُخَذِّل عنها، ((فإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ۖ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )). فكلُّ مَن صدقَ في الدربِ فالذي يقومُ بالكفايةِ لهُ وعنهُ ويكفيهِ شرَّ من يُناويه "الله".
وعلى هذا الدربِ مشى حبيبُ الربِّ سيدنا محمد نورُ القلبِ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. وهل مِن أمنية لنا شريفة في الحياة غيرَ أن يثبتَ القدمُ على القدم؟ غيرَ أن نقتديَ ونهتديَ ونَأْتَم بالأشرفِ الأعظم، والنور الأفخم، والحبيبِ الأكرم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، والله ما في الحياةِ مِن طرفِها إلى طرفِها أمنيةٌ فوق هذا، ولا أعظم مِن هذا، ولا خيرٌ مِن هذا، ولا فيها ما يُعْشَق سِوى هذا؛ عندَ كُلِّ ذي روح، أدركت سِرَّ قُدُّوس سُبُّوح. نسأل اللهَ أن يُرَوِّحَ أرواحَنا بنسيمِ قُرْبِه ومعرفتِه وحُبِّه، إنه أكرمُ الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبارك الله لنا ولكم فيما بَقِي من ليالي وأيام الشهرِ الكريم، وقد انتصف بنا الشهر، وأقبلت علينا ليالي العشر الأواخر، التي كان لنبيِّنا فيها شأن، فليكُن لنا فيها شأن في تبعيَّةِ سيدِنا المصطفى مِن عدنان، وليكُن مِن ذلك الشان ما يعودُ بعوائدِ قوةِ الإيمان وطُهر الجنان، والمشاركة مع الأهل والأقارب والجيران والإخوان في تبعيةِ مَن كان إذا دخلت العشرُ الأواخر شدَّ مِئزرَه، وأيقظ أهلَه، وأحيا ليلَه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
ونستودعكم الله، ونوصيكم بصدقِ الابتهالِ إلى الله في هذه الليالي، في النصرِ على الأنفس، وشياطين الإنس والجن، ونصرِ الأمة المحمدية في شرق الأرض ومغاربها على أعداء الله، وكلِّ مَن يريد النَّيلَ من دينِها، والإساءة إلى شريعة الله، ومنهاج نبيه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، (( إذ تَستَغيثُونَ رَبَّكُم فاستَجابَ لكُم )) ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
16 رَمضان 1436
تاريخ النشر الميلادي
مشاركة
اضافة إلى المفضلة
كتابة فائدة متعلقة بالمادة
آخر الكلمات
23 ربيع الثاني 1445
بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرفِ الأنبياء والمسلمين،...
14 ربيع الأول 1445
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا...