فوائد من: تفسير سورة طه (2) تأملات في معية الله وأثرها على العبد

قال تعالى: (وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)) فما الجهر إلا راجع إلى نشاطكم، وإلى استئناسكم وإلى ما يُنازِلكم، فتجمعون بين الجهر والسِّرّ، "مَن ذكرني في نفسهِ ذَكرتهُ في نفسي، ومن ذكرني في ملأٍ ذَكرتهُ في ملأٍ خير مِنهم"؛ لا لِيسمع حاشاه جل جلاله؛ فهو يَسمع الخاطر الذي يخطر على قلبك من قبل أن ينطق لسانك.

قال سبحانه: (اللهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ (8))

  • - لا معبود بحقٍّ إلا هو، ومَن أفرده بالعبادة بحق وصدق فإنه يُخلص له في القصد؛ يتحقّق بأن لا مقصود إلا الله، فلا يقصِد إلا وجه الله في جميع ما يَعبده به.
  • - ومن تحقق بذلك أيقن أنّه وعمله وما وُفِّق له وجميع ما حواليه مما سوى الله لا يقوم بشيء منها بذاته قط؛ فلا موجود بذاته إلا الله، كل موجود كان عدماً ويَقبل العدم، لو أراد أن يُعدمه المُوجِدُ لأعدمه أي وقت؛ فلا موجود إذاً إلا الله.
  • - ومن تحقّق بذلك استحيا أن يشهد غير الحق في أحواله وشؤونه، وحينئذ يُوقن ويتحقّق أن لا مشهود إلّا الله، وكلها مندرجة في معنى لا إله إلا الله.

     

الصورة

من عجائب تسيير الله تعالى للشؤون التي يُجريها في الخلق، أراد أن يُنبئ موسى ويُهيّئه لِمقام التّكليم الخاص الذي عُرِف به من بين الأنبياء ﷺ أنّه كليم الله، جاءت ببداية القصة أنه يريد أن يُقبس فما طلعت له النّار، يرى النار يأنس إليها ويطمئن:

  • - ليكون سبباً لحصوله إلى هذا المقام الشريف الذي هيّأه الله، فسبحان المُسبّب.
  • - لا تدري يوصلك إلى ما أراد بأيّ سبب من الأسباب، وأمر يكون وراء الحِس ووراء العقل ووراء الفكر.

(وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ) أين أمّ موسى لتُرضع موسى؟ وما علاقة هذا بأن يتحوّل المستضعفين إلى أقوياء؟ وأن يُدكّ عرش فرعون الباغي والطاغي؟ سبب بعيد غريب، المُسبّب يفعل ما يشاء ويُدبِّر بحكمة عظيمة، فوق عقول الإنس والجن والملائكة وكل المخلوقات؛

- فحَقُّ المؤمن أن يستسلم لهذا الإله، وأن ينتظر فرجه وخيره من أيّ سبب يأتي، وأكثر ما يحصل من الخيرات للعباد تأتي من حيث لا يحتسبون، بل أكثر النّصُرات للأنبياء وللصالحين في الغالب بعدما يحصل اليأس وما يُظَن أن هناك سبب فيأتيه النصر.

الصورة
  • - لا تيأس؛ أنت أمام إيمان بإله قويّ، متين قدير عظيم، فعّال لما يُريد
  • - تَعلّق به، ثِق به، أخلص لوجهه، اصدق معه، توكّل عليه، استند إليه
  • - لا تيأس؛ مادام إلهك الله وأنت مؤمن به، وأنعِم بالله جل جلاله.

     

  • - إن الله لا يعجل لعجلة أحد من خلقه، قضى أقضِية وقدّر قَدر، كلها تأتي في أوقاتها بحسب حكمته.
  • - لا يعجل لعجلة أحد من خلقه؛ فكُن مطمئن وواثق، وما قاله سبحانه وقاله رسوله فهو الحق الصدق الصِّرف الذي لا يتخلف أبداً!
  • - أما ما يقوله المحلِّلون، ما يقوله المفكِّرون، يقولون شيء ينقص وشيء يزيد، وشيء يأتي وشيء لا يقع أصلاً! كلام خلق، لكن إذا هو تكلّم، إذا رسوله تكلم حق!

 

الصورة

(فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)) ما معنى لذكري؟

  • - لتكون ذكَّاراً لواحد
  • - لتأنس بي كل ما ذكرتني فتقيم الصلاة
  • - (لِذِكْرِي)؛ لذكر المواقيت التي وقّتُّ فيها الصلاة إذا جاءت
  • - (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) لتتوسع في معاني ذكرك لي، حتى يشمل ذكري ذكرك إياك حِسّك ومعناك، وتتفانى في عظمتي؛ هذا معنى عظيم!
  • - فوق ذلك كله: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) لتنال ذكري إياك، فأذكرك أنا بما أنا أهله، وحينئذ تحوز: ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) يقول بعض العارفين: إن أنواع عبادتنا لله ما بين أقوال وأفعال وأحوال:

  • - فأعظم وأفضل الأقوال "لا إله إلا الله" (إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إلا أنا)
  • - وأفضل الأعمال الصلاة؛ الصلاة لله، والصلاة بالله (وَأَقِمِ الصَّلَاة)
  • - وأفضل الأحوال طمأنينتك بشهود الله (لِذِكْرِي)

 

الصورة

إنما يُخلّص المكلفين من الإنس والجن من سُلطة الأهوِيَة المُردية عليهم:

  • - إيمانهم بالساعة، والمرجع إلى الله، والدار الآخرة.
  • - على قدر قوة الإيمان بالله يتغلّب على الهوى، حتى أهل اليقين التام يملكون هواهم بدل أن يملكهم الهوى، ويكون هواهم تبعًا لما جاء به الهادي إلى سبيل السواء ﷺ: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئتُ به"، وكل من لم يتمكن من قلبه الإيمان بالساعة والإيمان بالآخرة والإيمان بالمصير؛ فهواه مُغَلَّبٌ عليه، وهواه غالب عليه، ومُسلَّط عليه.
  • - من أنعم الله عليهم بالإيمان به وبالرسل واليوم الآخر والساعة: فحقٌّ لهم أن لا يبيعوا أنفسهم لأحد ممن على ظهر الأرض، في أفكارهم ولا في خططهم، يصدونهم عن حسن استعدادهم للقاء الله.

نسأل الله بأسمائه الحسنى وكلماته العُلى، أن يُنقِّي قلوبنا عن الشوائب، وأن يرزقنا الصدق معه في جميع الشؤون، وأن يُثبِّتنا فيمن يهدون بالحق وبه يعدلون، وأن يتوفانا على الإيمان واليقين والمحبة، وأن يجمعنا بسيد الأحبّة في أعلى رتبة.

تاريخ النشر الهجري

09 رَجب 1446

تاريخ النشر الميلادي

08 يناير 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية