فوائد من الدرس السابع في كتاب تنوير القلوب في معاملة علام الغيوب (صفة السمع والبصر لله تعالى)
فوائد من الدرس السابع في كتاب تنوير القلوب في معاملة علام الغيوب، للشيخ محمد أمين الكردي، في مسجد جور بكر، مدينة بخارى، أوزبكستان 24 شوال 1445هـ، شرح العلامة الحبيب عمر بن حفيظ:
-
كل صفة من أوصاف الله تعالى إذا سمعناها واعتقدناها، علمنا أنها الصفة اللائقة بالله، وأن ما يقابل ذلك من صفات المخلوقين فهي صفات ناقصة حادثة قابلة للزوال، محدودة محصورة، أما بالنسبة للحق تبارك وتعالى: فإن المعنى فيها لا يكون إلا ما هو لائقٌ بجلاله وما هو لائقٌ بكماله سبحانه وتعالى.
-
صفة السمع للمخلوقين لا علاقة لها بصفة السمع بالخالق، ولا مشابهة ولا مقاربة ولا مماثلة، السمع هو الصفة القائمة بذات ربنا اطِّلاعٌ منه سبحانه وتعالى على الموجودات؛ لا يتعلق بمجرد الأصوات، فهو يسمع الصفات ويسمع الخواطر ووقوعها في القلوب، ويسمع طيران الطير في الهواء، ويسمع رفع النملة لرجلها ووضعها على الأرض؛ وهذه لا أصوات لها.
- هذا السماع يمثِّله العلماء؛ أن لو وضعنا نملة سوداء وسط صخرة صماء ثم غصنا بها إلى أعماق البحر وجاءت ظلمة الليل؛ فإن الرحمن الخالق يراها ويرى عروقها ويسمع دبيبها سبحانه وتعالى، فهذا السمع والبصر فيما يتعلَّّق بذات الحق الأكبر -جل جلاله- فنِعم السميع البصير.
-
نفى الحق السماع المعنوي عن القوم المُعْرضين، قال تعالى: (لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ): يُشير إلى أن المُهمة الكبيرة لما أعطى المكلفين من الأسماع والأبصار أن تدلُّهم على المعاني والحقائق، وأن يتوصَّلوا بها من الظاهر والجسمانيات إلى الأرواح والمعنويات، فاذا لم يستعملوها ولم يصلوا بها الى هذا الكمال فكأنهم لم يسمعوا وكأنهم لم يبصروا.
- مراتب السماع بعد ذلك ترتقي فقال تعالى: (فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)، وقال: (وإذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ).
-
أعلى الكمالات فيما يتعلق بالسمع الموهوب للكائنات والمخلوقات سمع المصطفى محمد ﷺ، وبذلك أسمعه الله ما لم يسمع غيره جل جلاله، وكان من مجْلى ذلك وأظهره في ليلة الاسراء والمعراج، فأسمعه ما لم يُسمع سيدنا الأمين جبريل وما لم يُسمع بقية الكائنات الاخرى كلها؛
فسمعتَ ما لا يُستطاع سماعهُ ** وعقلتَ ما عنه الورى قد ناموا
من حضرة عُلوية قدسية ** قد واجهتك تحية وسلامُ
ودنوتَ منه دنوّ حقّ أمرهُ ** فينا على أفكارنا الإبهامُ
-
الاستماع إلى القرآن بفهم اللغة العربية أقرب إلى فهم المعاني المرادة، وكان قُربةً إلى الله تبارك وتعالى أن تتعلم اللغة من أجل وعي كلام الله وخطابه سبحانه وتعالى الذي وصل إلينا معبَّرا باللسان العربي المبين.
-
بصره تعالى لا يتعلَّق بنور ولا بظُلمة؛ يستوي النور والظلمة، يستوي القريب والبعيد، يستوي الصغير والكبير، يستوي فيه جميع الكائنات؛ فيُبصر سبحانه الصور ويبصر المعاني ويبصر الأشياء كلها، يبصر ما في قلبك ويبصر ما في ضميرك، ويبصر تواضعك ويبصر كِبرك من دون أن يظهر عليك شيء من أثر الكِبر، يبصر الإخلاص ويبصر الرياء.
- جعل الله لنا في عالم الخلق بصائر من وراء البصر ندرك بها بعض المعنويات، هذا الحال للبصائر يتحوَّل في القيامة إلى نفس البصر، كما أنه -في عالم الدنيا- بالنسبة للمُقربين والنبيين تخرق أنوار بصائرهم أبصارهم، فقد يشاهدون معنويات وأمور غيبيات بالبصر، وهو شأن البصيرة، شأن القلب.
- يقول سيدنا عثمان للذي دخل عليه: "أيدخل أحدكم علينا وعلى عينيه أثر الزنا"، لاشيء يُرى في عينه، الرجل كان يمرُّ في الشارع فوجد امرأة فتأمل محاسنها، وجاء يدخل المسجد، سيدنا عثمان يلتفت إليه: "أيدخل أحدكم علينا وعلى عينيه أثر الزنا؟ تُب وإلا عزّرتك" وخاف الرجل قال: ما هذا؟ أوحيٌ بعد الرسول؟ قال: "لا ولكن فراسة صادقة، سمعتُ النبي يقول: اتقوا فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الله"
-
يُذكر عن سيدنا الخليل إبراهيم في قوله: (أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ) هو بالبصيرة يشاهد عظمة إحياء الموتى، فأراد في مرتبة حق اليقين أن يخرق نور البصيرة بصره؛ ليشاهد هذا الأمر المعنوي في إحياء الموتى بالبصر، مقام كبير، قال فيه: (لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي).
- جزى الله المؤلف خير ورزقنا كمال الإيمان والتعظيم والإجلال لهذا الإله، وزادنا بذلك معرفة وزادنا بذلك يقينا، ورزقنا التمكين في علم اليقين وعين اليقين، ورحم من رحم منا وأكرمه بالوصول إلى مراتب أهل حق اليقين، حتى ننال أعلى حقائق السعادة في الممات وفي المحيا، وندرك سر المرافقة لأحيا خلقك وأبصر خلقك وأسمع خلقك وأحب خلقك إليك وأكرمهم عليك سيدنا المصطفى محمد ﷺ.
للاستماع إلى الدرس السابع والمشاهدة، أو قراءته مكتوباً:
19 ذو الحِجّة 1445