فوائد مكتوبة من الدرس (3) في كتاب فتح الكريم الغافر (شرح فصل: الصوم، والبلايا والمحن، وترك الشواغل)
فوائد مكتوبة: من الدرس (3) في شرح كتاب فتح الكريم الغافر في شرح جلبة المسافر، للعلامة الحبيب عقيل بن عمران، شرح العلامة الحبيب عمر بن حفيظ، عصر يوم السبت 15 ربيع الأول 1445هـ في صلالة، عمان
____
مَثّل أحوال وشؤون وأوصاف السير إلى الله بالسفينة كما ذكرنا، وذكر لنا أن حرابها التقوى، وذكر لنا أن وكيلها الطاعة وبذل الأرواح، وذكر أن حبالها الزهد في هذه الدنيا، ويذكر لنا الآن أن سككها الصوم بالهواجر، فهذه سكة الطريق للسفينة في السير إلى الله تبارك وتعالى.
الهواجر جمع هاجرة، أي خصوصا في أيام الصيف وطول الحر، ومما ينسب لسيدنا علي أنه قال: حُبّب إلي من الدنيا ثلاث: إكرام الضيف، والصوم في الصيف، والضرب بالسيف (أي في سبيل الله تبارك وتعالى)، وشيخ شيوخ المؤلف الشيخ أبي بكر بن سالم كان في أيام مجاهدته يجلس تسعين يوم في أشهر الصيف أشد أيام الحر يصوم فيها ويفطر على بعض البسر القاسي غير الطري، ويكتفي بذلك عند الفطور ويواصل صومه.
صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وهو صوم الخليل إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وهو صيام حسَن، قال عنه عليه الصلاة والسلام: صام الدهر وأفطر الدهر! لأن ثواب صيام كل يوم بعشرة، فالثلاثة بثلاثين وهي أيام الشهر فكأنما صامه كله وهو فاطر فيه عدا الثلاث الأيام، وصيام داوود يصوم يوم ويفطر يوم، ونبينا صلى الله عليه وآله وسلم لا تكاد تحب أن تراه صائما إلا رأيته، ولا مفطرا إلا رأيته، إلا أنه لا يكون أقل من صوم ثلاثة أيام من كل شهر، فإن صادف شيء من الغزوات أخّر أيام الصوم بعد ذلك، ولذا كان يصوم أكثر شعبان؛ إذ أن ما فاته في باقي الأيام يقضيه في شعبان عليه أفضل الصلاة والسلام.
قال بعض الصالحين: دنياك بطنك، وعلى قدر ملكك للبطن على قدر زهدك في الدنيا، والمعنى أن كثرة المآكل والمشارب والتولع بها.. يولد عند الإنسان قوة الشهوات التي هي عدة العدو في الصد والتكسير والتخذيل.
يحتاج المؤمن أن يكون على ترتيب حسن في شأن مطعوماته ومشروباته، فأول ما يعتني أن تكون حلالا، ثم بعد ذلك يأخذ منها المتوسط والمتيسر الذي هو دون الشبع ودون التقتير، وهكذا قالوا لا يجوز ترك الأكل بحيث يتضرر في بدنه وفي صحته، ولا يسترسل في الطعام فيعود الضرر كذلك؛ فإن المعدة بيت الداء، ولا يزالون يكتشفون أن أكثر الأمراض التي تصيب الإنسان متعلقة بمعدته وما يدخل إليها.
وذكر النبي طريق الوسط في ذلك قال: ثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه.
ثم إن لأرباب المجاهدات شؤون غرائب في هذا الشأن، والذي يتوجه على المؤمن أن لا ينسى نفسه من الصيام، وأن يبتعد عن الإفراط في الشبع؛ ليكون ذلك أعون له على الاستقامة، قال: العبادة حرفة؛ حانوتها الخلوة وآلتها المجاعة، أي تجنب الإفراط في الشبع.
كثرة الأكل تقلل الفهم والعلم، وكما قيل: البطنة تذهب الفطنة، أي وعي الإنسان وإدراكه، ويكون فيها مع البطنة أي كثرة الأكل تقل العبادة والنشاط ويقل حضور القلب، فتفتر أعضاؤه ويثقل بدنه، وتغلبه عيناه فيكثر نومه.
وفي كلام بعض صالحي الأمة: من أكل كثيرا.. شرب كثيرا، ومن شرب كثيرا.. نام كثيرا، ومن نام كثيرا.. حرم كثيرا، ومن حرم كثيرا.. جاء يوم القيامة فقيرا.
يستعين الإنسان في تناوله الطعام ثلاثة امور أساسية:
١- الأول: الحرص أن يكون على حلال.
٢- والثاني: أن ينوي به التقوي على طاعة الله.
٣- والثالث: أن يعمل بالسنن والآداب الواردة فيه والأذكار.
من آداب الطعام: الأكل باليمين، ومضغ اللقمة مضغا مُحكما، وإذا سقطت لقمة من يده.. يميط ما بها من أذى ويأكلها ولا يدعها للشيطان، ويلعق أصابعه بعد انتهاء الطعام، والغسل قبل تناول الطعام وبعده.
والأكل بأصابع يده اليمنى، فإن كان الطعام متماسكا فبالسبابة مع الوسطى والإبهام، فإن كان متناثرا يضيف إليهم الخنصر، فإن احتاج إلى الخامس فلا بأس، والأولى في المتماسك أن يأكل بالاصبعين ويدفع اللقمة بالإبهام، وذلك حتى تستوي السنة في اللقمة أن لا تكون كبيرة ولا صغيرة، كبيرة كأكل أهل النهم والشهوات، ولا صغيرة كأكل المتكبرين من يصغرها تكبرا.
ومن الآداب أيضاً: أن لا ينظر إلى أفواه الحاضرين وهم يأكلون، وأن لا يذكر شيئا مستقذرا تنفر منه النفوس عند تناول الطعام، وإذا حضره عطاس أو تثاؤب فليقم أو يلتفت بعيدا عن السفرة وأعيُن الآكلين، وبعد الطعام يأتي بالدعاء: الحمد لله الذي رزقني هذا الطعام من غير حول مني ولا قوة، اللهم كما أطعمتني طيبا فاستعملني صالحا، فمن قال ذلك.. غفر له ما تقدم من ذنبه، وإن الله يحب من عبده أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها.
قال في الحديث: الشيطان يجري من بني آدم مجرى الدم فضيّقوا مجاريه بالجوع والعطش، وليس الجوع هو المقصود بذاته، وإنما كسر شهوة النفس، وتضييق مجاري الشيطان أي إمكانية تسلّطه على الإنسان إذا لم يكثر تناول الشهوات.
ذكر المؤلف رحمة الله عليه أن الطلوع لهذه السفينة يصاحبه أنواع من الابتلاءات والاختبارات، قال تعالى: {ولنبلونكم بشيء من الجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين} يتعرض السائر إلى الله تعالى لأنواع من الاختبارات ليجوزها فيحوز الفوز الأكبر.
بعض السلف كانوا يستوحشون إذا مر عليهم عام ما أصابهم فيه نقص في مال أو في نفس! يخاف من ذلك! ويروى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب امرأة فقيل أنها لم تمرض قط.. فتركها وأعرض عنها وقال لا خير فيها.
وكما أن فرعون ادّعى الربوبية وقيل أنه مع ادعائه لم تأته حُمى ولا مرض، ولو جاءه مرض لانشغل به ولا فكر بما ادعاه، وكثير من الناس عندهم الابتلاءات ولو لم يصبهم لقامت عندهم النفس وقالوا كما قال فرعون! وبعد ادعائه بأربعين سنة قال: ما علمت لكم من إله غيري! ولما أدركه الغرق آمن فقيل له الآن وقد عصيت قبل..
يا صابراً أبشر وبشِّر من صبر ** بالفتح والفرج الكبير وبالظفر
نال الصبور بصبره ما يرتجي ** وصفت له الأوقات من بعد الكدر
قال شكا ابن عطاء الله إلى شيخه أبو الفتاح المرسي ما يجده من الهموم والأحزان، فقال له أن أحوال العبد أربع لا خامس لها: نعمة وبليّة وطاعة ومعصية، وعليه مهمة مع كل حالة، فإن كنت في نعمة فمهمتك الشكر، وإن كنت في بلية فعليك الصبر، وإن كنت في طاعة.. تشهد المنة له سبحانه، وإن كنت في معصية فعليك بالاستغفار والتوبة، قال قمت من عنده وكانت الهموم كأنها ثوب نزعته، أي أنه جمعه على الله تبارك وتعالى، وربطه بالمؤثّر فذهبت عنه الآثار.
يقول سيدنا أبوبكر العدني:
كم أمور في ابتداها هائلة ** ثم عقباها السلامة والهنا
إلى أن قال:
والتعنُّت لا محالة والغلو ** أن تضيّع صفو يومك في غدا
عندك صفو ونعمة وسرور وفرح بالله.. تضيّع هذا تقول غدا وبعده ماذا يمكن يحصل لي! اغنم صفوك الذي أنت فيه!
قال: إن مستقبلك يحكمه العفو ** مثل ما أحكم أمور الابتدا
ينبغي للمريد إذا حصلت له المعونة بفضل الله أن لا يتقاعس ولا يتأخر، ولا يهمل ولا يتمهل ولا يميل إلى الكسل والقعود، بل يشمّر عن ساق الجد فإن الباب انفتح له فليدخل، ولا يشتغل بالقواطع وأنواعها والتسويف، وقوله لا يناظر: أي لا ينتظر ولا يشتغل بالغير ولا يؤخر، وقال سيدنا الإمام الحداد:
يا طالب التحقيق قم وبادر * وانهض على ساق الهمم وخاطر * واصبر على قمع الهوى وصابر * واصدق ولا تبرح ملازم الباب
ما تيسر مطلب أنت تطلبه بنفسك! تطلبه بنفسك وتظن أنك بقوتك وفكرك وحيلتك تظن أنك ستحقق الأمر وتصل إليه، ما تتوفّق ولا تبلغ فيه غاية!
ولكن ما تطلبه بربك سبحانه وتعالى وتبذل وسعك.. يكون بين يديك وتتيسر أمورك له، قال ولا تعسّر مطلب أنت طالبه بربك، فاجعل طلبك للأشياء كلها به لا بك، حتى يسعفك ويتحفك جل جلاله، فهذه سنته مع عباده.
قال: (إياك نعبد وإياك نستعين)، يعني لا هو بأنفسنا، بل بتوفيقك ومعونتك، لا بقدرتنا وقوتنا وحدنا، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فالشريعة مقتضاها (إياك نعبد) والحقيقة (وإياك نستعين).
من الآن اغنم الفرصة واصدق معه لا تتأخر، وجذ بسيف العزم (سوف)، أي بسيف العزم اقطع (سوف.. سوف) وقيل أن أكثر عذاب النار من سوف؛ لأنهم كانوا يقولون سوف نتوب سوف نرجع سوف سوف.. ومرت الأيام وماتوا وانتقلوا للعذاب.
صاحب المطلب العظيم لا يهاب الأخطار، ويقدّم ولا يبالي ما يلاقيه في سبيل ذلك.
ذكر دعاء سيدنا أبو الحسن الشاذلي، قال: نسألك عز الدنيا والآخرة، عز الدنيا بالإيمان والمعرفة، وعز الآخرة باللقاء والمشاهدة في القرب ونيل الرضوان الأكبر.
للاستماع إلى الدرس كاملاً:
https://omr.to/fathalkarim3
للمشاهدة:
https://www.youtube.com/live/J6nXQUCEvtw
لتحميل كتاب: (فتح الكريم الغافر في شرح جلبة المسافر) pdf:
https://omr.to/fathalkarim-pdf
فعاليات موسم الاحتفال بذكرى المولد النبوي في صلالة، عمان - ربيع الأول 1445 YouTube Playlist - Celebrating the Prophetic Birth at Salalah:
https://youtube.com/playlist?list=PLW_g96PMCVLIxlAiSs7mUrdwlfveyC36D&si…;
08 ربيع الثاني 1445