الآداب الباطنة في إخراج الزكاة -5- (قبس النور المبين)

فوائد من درس قبس النور المبين من إحياء علوم الدين، للعلامة الحبيب عمر بن حفيظ، مواصلة شرح كتاب أسرار الزكاة، مساء الأربعاء 11 محرم 1446

 إن مما جعل الله تبارك وتعالى لنا من المعاملة أن نُبِرهن عن محبتنا له بالبذل والإنفاق لوجهه على محبته، قال تعالى في صفوَة هذه الأمة: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)

- هذا البذل والتضحية منه الواجب، وهو: الزكاة، والنفقة على الوالدين المحتاجين، والنفقة على العاجز عن الكسب من الأبناء والبنات، والنفقة على الزوجة.

- وما هو مستحب: من صِلة لأرحام، ومن مواساة لمحتاجين، ومن تفقُّد للجيران إلى غير ذلك.

الشأن أن يكون هذا الإعطاء والبذل قائماً على نظر صحيح وقصد صحيح، النظر الصحيح: أن يعلم أنه مخلوق لهذا الإله، والمال الذي ملكه خلق الله تعالى، وهو الذي ملّكه إياه وسخّره له وأقدره عليه، وإذا تكرَّم عليه بالتوفيق للصدقة فقد أعظم عليه المنَّة والنعمة، وجعل الذي يأخذ منه هذا البذل والتضحية؛ وسيلة وسبباً لرفع الدرجة عند الله، ولحمل زاده إلى الدار الآخرة.

 * قيل عن حقيقة المنِّ والأذى:

  • - المنُّ أن يذكرها، والأذى أن يظهرها
  • - قال سيدنا سفيان: مَن منَّ فسدت صدقته، قيل كيف المنُّ؟ قال: يذكره ويتحدث به.
  • - المنُّ أن يستخدمه بالعطاء، والأذى أن يُعيِّره بالفقر.
  • - المن أن يتكبر عليه، والأذى أن ينتهره أو يوبّخه.

كل هذا ظواهر للمرض القلبي الذي في قلبه، تظهر منه هذه الأشياء!

قال ﷺ: "ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يُزكّيهم: المنَّان الذي لا يُعطي شيئاً إلا مَنَّه، والمُنفق سلعته بالحلف الفاجر -يحلف هذه البضاعة تساوي كذا، وهذه قيمتها كذا.. كذب- والمُسبل إزاره"، يعني الخيلاء والكبر، رجل ينزل ثيابه تحت الكعب.

 أصل المَن: أن يرى نفسه محسناً ومنعماً ومتفضلاً وواهباً ومعطياً، ناسياً أنه عَدَم أصله، وأن المُلك مُلك ربه والخلق خلقه، وأنه الذي وفقه ولو شاء لجعل حاجته إلى الغير، ولو شاء أفقره في أي لحظة، وحقه أن يرى أن الفقير هو المُحسن إليه بقبول حقّ الله منه وهو طهرته ونجاته؛ لو لم يقبله منه لبقي مُرتهناً به ومعاقباً، هذا الذي ساعدك له المنَّة والفضل عليك، لولاه ما نِلت الثواب، لولاه ما ارتفعت لك الدرجة، لولاه ما حصلت على ثواب العطاء؛ فهو المحسن إليك ولست أنت المحسن إليه.

 قال رسول الله ﷺ: "إن الصدقة تقع بيد الله عز وجل قبل أن تقع بيد السائل"، ليتحقّق أنه مُسَلِّم إلى الله حقه والفقير آخذ من الله رزقه، ومهما جهل بأن رأى نفسه مُحسناً تفرَّع على ظاهره: التحدث به وإظهاره، طلب المكافأة بالشكر والخدمة والتوقير والتعظيم والتقديم؛ هذه ثمرات المنَّة في الباطن.

وأما الأذى (وَلَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ):

ظاهر الأذى: التوبيخ والتعيير؛ تخشين الكلام، تقطيب الوجه والاستخفاف.

باطن الأذى أمران:

1- كراهيته لرفع اليد عن المال، شدة ذلك عن نفسه، ما يريد شيء يخرج من ماله، يصعب عليه.

2- رؤيته أنه خير من الفقير.

من كره بذل الدرهم في مقابلة ما يساوي ألفاً فهو شديد الحماقة! ومعلوم أن هذا يطلب بالصدقة رضا الله وثواب في الدار الآخرة، وهذا أشرف مما بذله بِكَم؟ ولو عرف فضل الفقر على الغِنى لما استحقر الفقير بل تبرّك به!

كان بعضهم يضع الصدقة بين يدي الفقير ويمثُل قائماً يسأله يقول: تفضل، اقبل هذا، تفضلوا.. فيكون في صورة السائل، وبعضهم يبسط كفه ليأخذ الفقير وتكون يد الفقير العليا.

صدقة ونفقة من دون شهود المِنة لله مثل صلاة بلا خشوع ولا خضوع، ما تنفع صاحبها، وصدقة مع شهود المنة لله والفضل له: صلاة بخشوع وخضوع.

نحتاج نتعلم كيف نُحسن إلى بعضنا البعض لكن من أجله هو، نعلّم بعضنا البعض لكن من أجله هو، وننصح بعضنا البعض لكن من أجله هو، نساعد بعضنا البعض لكن من أجله هو سبحانه وتعالى، ونشهد منته علينا، ونعزم عزيمة الصدق أن نقوم بأمره في أيام دورتنا وما بعدها، ونرجع إلى أهلينا نبرّ من أجله هو والمنة له، نصل الأرحام من أجله هو والمنة له، نحافظ على الجماعة في الصلوات من أجله والمنة له، نقرأ أورادنا في الصباح والمساء من أجله والمنة له، نأخذ نصيبنا من تدبر القرآن كل يوم ولو يسير من أجله والمنة له.

إن خرجت بهذه المعرفة والذوق والصبغة فأنت فائز؛ في الخير حائز، ولك شريف الجوائز، وتجتمع مع أهل هذا المقصد في البرزخ وفي القيامة، في مثل ظل العرش، تحت لواء الحمد، على الحوض، عند المرور على الصراط، وقت دخول الجنة، وتجتمع معهم في وسط الجنان إلى ساحة النظر إلى وجه الله الكريم.

اللهم وجميع الحاضرين والسامعين والمُتعلقين والمُحبين وأهل الوجهة إليك في الشرق والغرب، أدخِلنا في دائرة مَن يريد وجهك، ويربح في هذه الحياة الدنيا قربك ورضاك ومعرفتك، ويربح في الآخرة مرافقة نبيك ﷺ، والنعيم الأبدي السرمدي والنظر إلى وجهك الكريم.

يقول ﷺ في دعاء أنه إذا أراد الله بعبد خيراً علَّمه هذا الدعاء ثم لم ينسه إياه: "اللهم إني ضعيف فقوِّ في رضاك ضعفي، وخُذ إلى الخير بناصيتي، واجعل الإسلام منتهى رضاي، اللهم إني ضعيف فقوِّني، وإني ذليل فأعزني، وإني فقير فأغنني بك عمن سواك".

ومن ارتبط بهذا الحبل: الوعد هناك، صاحب الرسالة يقول لأنصاره: "إني منتظركم"، وهو بنفسه أيضاً منتظر من أمته في كل زمان من يرِد على الحوض، وأيضاً منتظر من هذا الجمع من يرِد إلى حوضه. هو بنفسه؛ لأن همه بأمته كثير ورحمته بهم عظيمة، لياليه كان يبكي فيها في الليل ويقول: "أمتي، أمتي"، وكيف حالهم من بعدي؟ كيف حالهم في القيامة؟

ارضهِ اللهم في ساعتنا هذه بقبول جمعنا ومن فيه، وبنظرك إلينا بعين الرحمة، وغفرك لما مضى، وحفظك لنا فيما بقي، وأن تأذن بجمعنا يوم الجمع في زمرة هذا الحبيب، يا قريب يا مجيب، يا حي يا قيوم، وأصلح أحوال أمته في المشارق والمغارب، وارفع عنهم المصائب، واجعلنا أحبابك هؤلاء من جندك الموفين بعهدك، الظافرين بمحبتك وقربك ومعرفتك وودك.

لمشاهدة الدرس كاملا:

https://youtube.com/live/D00em5auwzk

 

يتضمن الدرس:

  • 0:00 كيف نبرهن على محبتنا لله؟ 
  • 1:51 قيام البذل والإعطاء على نظر صحيح وقصد صحيح 
  • 3:58 ما هو المن والأذى بالصدقة؟ 
  • 6:02 ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة
  • 6:45 اختباط مفاهيم الستر وثياب الرجل والمرأة
  • 10:04 ما هو أصل المن بالصدقة؟ 
  • 11:45 بماذا يجب أن يتحقق المتصدق؟ 
  • 13:27 ثمرات المنة بالصدقة في الباطن
  • 14:23 قصة قول الأنصار للنبي ﷺ: المن لله ورسوله
  • 18:41 منزلة الأنصار عند رسول الله ﷺ
  • 20:38 3 أمثلة لمنزلة الأموال عند الناس
  • 27:53 عجبا للخليقة لماذا الاغترار؟ 
  • 28:24 دعاء إذا أراد الله بعبد خير ألهمه إياه
  • 29:49 ما هو ظاهر وباطن الأذى في الصدقة؟ 
  • 31:16 ماذا قال ﷺ عن أكثر الناس أموالا؟
  • 32:20 فضل الله علينا في جميع أعمالنا
  • 33:01 ما هو دواء المن في الظاهر ؟ 
  • 34:57 إخلاص سيدتنا عائشة في الصدقة
  • 36:27 إذا خرجت بهذا فأنت فائز
  • 38:27 مشروع سماوي كبير
  • 40:03 قصة أعرابي رد الغنيمة للنبي
  • 43:16 حقيقة إرادة وجه الله 
  • 46:31 دعاء القلب الرحيم بأمته ﷺ

____

T.me/HabibOmar

تاريخ النشر الهجري

24 مُحرَّم 1446

تاريخ النشر الميلادي

30 يوليو 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية