(533)
كلمة شهر رجب 1444هـ

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّم على عبدِه الأمين، سيدِنا محمد وعلى آلِه وأصحابِه والتابعين، وعلى آبائه وإخوانِه مِن الأنبياء والمرسلين، وآلهم وأصحابهم والتابعين، وعلى الملائكةِ المقرَّبين، وجميعِ عبادِ الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرمُ الأكرمين وأرحمُ الراحمين. أما بعد..
فإلى أحبابنا في الله حيثما كانوا وأينما كانوا، نوجِّهُ رسالةَ شهر رجب من العام الرابع والأربعين بعد الأربعمائة وألف مِن هجرة المصطفى محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ونقول:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وإنَّ مِن وظائفِ إهلالِ مثلِ هذا الشهرِ المبارك، شهرِ رجب، ارتباطَنا بالإيمانِ بالغَيب، وارتباطَنا ونحن على الأرض بالسماءِ وأخبارِ السماء، وبما يُذكر في هذا الشهرِ الحرام مِن إسراءِ ومعراجِ نبيِّنا المصطفى محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وصحبِه وسلم، وذلك يقومُ عليه أساسٌ في الإيمان، ويُبنَى به حصنٌ مما يكيدُ عدوُّ الله ومَن يستخدُمهم للنَّيلِ مِن حقائقِ الإيمان، ومِن العملِ على انحرافِ الفكر، وسوءِ استخدامِ العقل، لتنقلبَ الحقائق، ولتضعُفَ الصلاتُ بالخالق -جل جلاله وتعالى في علاه- مِن قلوبِ مَن قَبِلَ التلبيسَ مِن المؤمنين بالله تبارك وتعالى؛ فيجبُ أن نعلمَ عظيمَ منَّةِ الله علينا في وصولِ نعمةِ الإسلام والإيمان إلينا، وإدراكِنا لهذه الحقيقة، أننا خلقٌ وجميعُ الكائناتِ مِن حوالينا، خلقَنا خالقٌ قديرٌ عليمٌ عليٌّ عظيمٌ حكيمٌ مدبِّرٌ صانعٌ، وتفضَّلَ بإرسالِ الرسلِ وإنزالِ الكتب، لنهتديَ إلى الحقيقة، ونغنمَ الأعمارَ القصيرة، فيما يوجب سعادةَ الأبد، والمصيرَ إلى دارِ الكرامة ورضوانِ الخلاق جل جلاله وتعالى في علاه..
فنحتاجُ الدخولَ مِن بابِ الاستغفار، الذي هو طلبُ مغفرةِ الذنوب، والإكثار منه، وفي طيِّهِ سرٌّ أشار إليه صلى الله عليه وسلم، بقولِه: إن الحقَّ تعالى، إذا استغفرَه العبدُ وتابَ إليه، يقول: علمَ عبدي أنَّ له ربّاً يؤاخذُ على الذنبِ ويغفره. وسرُّ هذا العلم والمعرفة في الإيمانِ عظيمٌ كبير، يجب أن يقوَى عند المؤمن، ومِن كثرةِ الاستغفارِ الموجبةِ لحضورِ القلبِ مع الغفار، وتقويةِ وتأكيدِ العلمِ بأنَّ لنا ربّاً يغفرُ الذنبَ ويوآخِذُ عليه إذا شاء.
وأنَّ حركتَنا في الحياةِ يجبُ أن تكونَ محكومةً بمنهجِه تعالى في علاه، وأنَّ الحلالَ ما أحلَّ، والحرامَ ما حَرَّم، وأنه صاحبُ الحقِّ في التحليلِ والتحريمِ لخلقِه دونَ سواه، ولذا قال: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ)
امتلاءُ قلوبِ أبنائنا وبناتنا بتعظيمِ هذا الإله، وتعظيمِ المصيرِ إليه، وتعظيمِ طاعتِه، والحذر مِن معصيتهِ حصنٌ به يأمنونِ مِن أن تُرَوَّجَ على قلوبهم مكائدُ إبليس وشرِّه، وتلبيساتُ أتباعِه والعاملين معه للإضلالِ فيما ذكرَ الحقُّ في كتابِه عن إبليس، أنَّ مهمتَه ما وظَّف نفسَه فيه بقوله: (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)
وقوله: (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا)
ومع ذلك، فإنَّ الخلّاق يختارُ مَن يُحصِّنُهم فلا يجعلُ لعدوِّهم إبليسَ سلطاناً عليهم: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ)
وقال جل جلاله: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ)
فوجبَ علينا في شهرِ رجب، أن نُكثرَ الاستغفار، بحضورِ القلبِ مع الغفار، وتأكيدِ اليقينِ بأنَّ لنا ربّاً يغفرُ الذنبَ ويؤاخذُ عليه، (وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّه)، وفي ذلك تحصينٌ كما ذكرنا، واستعدادٌ لأداءِ الأمانة، وقيامٌ بالوفاءِ بالعهد، وفي ذلك دفعٌ لما يدورُ ويجري مِن التلبيسات والتدليسات في واقعِ الناس.
نظرَ اللهُ إلينا وإليكم، وأعاننا على القيامِ بالمهامِ كما يحب، وجعل سبحانه وتعالى لنا في هذا الشهرِ ارتقاءً يشملُ صغيرَنا وكبيرَنا وذكرَنا وأنثانا، حتى نستعدَّ لشعبان، بتلقِّي فائضاتِ الامتنان، ونتهيأ جميعاً لرمضان، ويجعل اللهُ لنا في هذه الأشهرِ خيراتٍ كبيرات، وفتحاً لأبوابِ الفرجِ للمؤمنين والمؤمنات، إنه أكرمُ الأكرمين.
بسرِّ الفاتحةِ إلى حضرة نبيِّه الأمين سيدِنا محمد صلى الله عليه وسلم..
ونستودعكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
تاريخ النشر الهجري
07 رَجب 1444
تاريخ النشر الميلادي
28 يناير 2023
مشاركة
اضافة إلى المفضلة
كتابة فائدة متعلقة بالمادة
آخر الكلمات
08 جمادى الآخر 1444
بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيم الحمد لله ربِّ العالمين، الآخذِ بأيدِي المتوجِّهين إليه، وأشهدُ أن...
08 ربيع الثاني 1443
بعد توديعِنا لشهرِ ربيعٍ الأول ذكرى ميلادِ نبيِّنا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم؛ وتذَكُّرِنا واجبَ السموِّ بالرَّابِطِةِ به والاتصالِ إلى معالي ورفيعِ درجاتِ الذَّوقِ والوَجدِ والوصُولِ والوِصَالِ؛ فنُوجِّهُ كلمةَ شهرِ ربيعٍ الثاني في واجبِ تحقيقِ التَّحَرُّرِ والسُّموِّ في الفكرِ والتَّصَوُّرِ والمَسَارِ، وذلكم أنَّ شرفَ المؤمن بعبوديَّتِهِ لإلهِه الواحدِ القهَّار، والتَّخَلُّصِ مِن كُلِّ رِقٍّ وعبوديَّةٍ لأيِّ شيءٍ سواه -كائنا ما كان-. ولا تقومُ حقيقةُ العبوديةُ وتصحُّ إلا بإدراكِ حقائقَ في الوجودِ والمعاني بها الصدرُ ينشرح. وبذلك يتمُّ التَّحَرُّرُ مِن الرِّقِّ والعبوديَّةِ لِكُلِّ ما سِوى الحَقِّ تبارك وتعالى؛ إذ يتبيَّنُ وجهُ الحَقِّ في الفكرِ والتَّصَوُّرِ والمَسَارِ ويتَّضِح.