جلسة طلاب الدورة ال31 من مناطق ساحل حضرموت

استضاف العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في يوم الأربعاء، طلاب الدورة التعليمية الحادية والثلاثين بدار المصطفى بتريم، من مدن ساحل حضرموت: المكلا والشحر والريدة والحامي وغيرها، في مجلس مبارك ضمن سلسلة لقاءاته مع طلاب الدورة.

تحدّث معهم عن أهمية الاستفادة مما تبقّى من أيام الدورة، والثبات على ما تلقّوه من علم وتزكية، وأجاب عن تساؤلاتهم المتعلقة بواقعهم ودعوتهم، وقدّم لهم مجموعة من التوجيهات منها:

بقي معكم القليل من أيام الدورة، تزَوَّدوا فيها بقوة الإيمان واليقين والعزيمة الصادقة؛ يطَّلِع الرحمن تعالى على قلوبكم.

ماذا تنوونَ في خاتمة الدورة؟ 

ماذا تعزمون عليه بعد الدورة؟ 

وكيف تدومون على التّواصل في الله والتعاون على مرضاته تعالى؟

  • - أن تسلَموا من آفات ما يجري ويدور في واقعنا، 
  • - ومما يُنشَر في الوسائل وفي المجالس والأسواق، 
  • - ومِما غزا بيوتنا وديارنا مِما يخالف منهج الله ورسوله، 

 حتى تحيا دياركم ومنازلكم بسُنن النبي محمد ﷺ، وبهَديِهِ في الطعام والشراب والمنام واللباس، والتواصل بينكم، شرح الله صدوركم ونوَّر الله قلوبكم.

 

سؤال عن الثبات بعد الدورة والتحصين من التأثيرات السلبية:

وسُئِل الحبيب عمر بن حفيظ من بعض طلاب المكلا، عن كيفية الثبات بعد الدورة، والوقاية من الأطروحات السيئة وانتشار الأجهزة والتأثر بأهل السوء، فأجاب حفظه الله:

أخذ الله بأيديكم وثبَّتنا وإياكم على ما يُحِبّه منا ويرضى به عنا، كُلّنا نعلم أنّ خالقنا الكريم بفضله أنزل الكُتُب وأرسل الرسل، ودعانا إلى ما يوجِب الفوز والسعادة في الدارين، وأن اختبرنا أمام ذلك جعل لنا نفوساً أمّارة تجنح وتشطح إلى شهواتها، بما فيها المانعة من الخير، وبما فيها الموقِعة في نكبات الضر والشر في الدنيا والآخرة، وجعل هذه النفوس بوابات لشياطين الإنس والجن، فخلق إبليس رأس الغواية والضلال، وجعل له جنوداً مُجنَّدة ألوف وملايين من الإنس والجن، وهؤلاء يُضادّون دعوة الله على لسان رُسُله ووحيه.

قال تعالى: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا)، هم الذين يظهرون في كل ما خالف منهج الله ورسوله، عبر اللقاءات والمُصاحبات والمُزاملات وعبر مجالات التواصل، وكل شيء برز أمامنا يؤخِّرنا عن الاستجابة لدعوة الله ورسوله أو يدعونا إلى مخالفته فهو من جهد هؤلاء ومن وحي هؤلاء (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوه فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ).

فوجب على كل من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فهُدي للإيمان وخرج من دائرة الكفر، أن يعلم أنَّ خيره وخير أهله وخير الأمة كلها في اتّباع أمر الله وأمر رسوله، والإعراض عن كل ما خالف وكل ما خرج عنه كائناً ما كان.

ويُحافظ على ذلك بدوام الذِّكر لله تعالى من خلال تلاوة القرآن، ومن خلال الأذكار المُرتّبة في النوم والقيام وفي الصباح والمساء والدخول والخروج، قال تعالى: (وَمَن يَعْشُ) أي يغفل (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)، فإنما يستطيعون بالغفلة أن يدخلوا علينا.

فالواحد منا إذا أُكرِم بمثل هذه المجالسات في الدورة، تذكَّر وتبصَّر وتنوَّر وتقوّى عنده إجابة داعي الله وداعي رسوله. 

يجب عليه أن يحافظ على ذلك من خلال الاستمرار على تأمل القرآن وعلى الذكر وعلى المحافظة على الجماعة في الصلوات الخمس، والتواصل مع إخوانه الذين حضروا معه الدورة ومن يعينهم على ذلك من أهل بلادهم، فيجعلون صِلات في الله ومن أجل الله؛ تحميهم من التأثُّرات السلبية والتأثرات السيئة بما يدور في المجتمع، بما يدور في شوارعنا، بما يدور في أسواقنا، بما يدور في وسائل التواصل الاجتماعي - كما سمّوها - بما يدور في كل ما يُنشر ويُذكر بيننا، حتى تصِح الاستجابة منا لله ولرسوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ).

فبذلك كلّه تبقى المحافظة على صدق الوجهة إلى الله، وعلى الاستمساك بالعروة الوثقى والاعتصام بحبل الله تبارك وتعالى كما أُمِرنا.

قال جل جلاله: (فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ) والطاغوت: كل ما خرج عن منهج الله ومنهج رسوله فِكراً وسلوكاً ومعاملة وتصوُّراً، كل ما خرج عن منهج الله ورسوله هو الطاغوت، (فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) 

(اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)، فيدوم هذا لهم في أيامهم ولياليهم، وكل ما يعرض لهم من الظلمات يخرجهم إلى النور، (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ)، كل يوم يخرجونهم من نور يعطونهم ظلمة، إذا استجابوا لهم تداعوا شيئاً فشيئاً حتى ينقطع عنهم النور وتكثر الظلمة، والعياذ بالله تعالى.

(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ)، يخرجون من الظلمة إلى النور، (وَإِخْوَانُهُمْ) إخوان الشياطين (يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ) غي بعد غي وظلمة بعد ظلمة.

فنحن يجب علينا أن نعرف عظمة خالقنا وأن مرجعنا إليه، ولن نرجع لأصحاب الاتجاهات ولا لأحزاب ولا لدول ولا لشيء من الأنظمة الموجودة في العالم، كلها منقضية فانية زائلة، سنرجع إلى الحي القيوم الذي أوجدنا وسيكون الحساب عنده (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم)، فلا يجوز أن ننخدع بشيء مما يعرضونه علينا، ونتعاون ونتكاتف على ذلك بمثل ما ذكرنا من الوسائل، الله يُثبِّت قلوبنا ويرعانا بعين العناية.

وقال بعد الاستماع لأخبار الدعوة في الشحر:

بارك الله فيكم ووفَّقكُم وأخذ بأيديكم، التعاون على مرضاة الله أساس في الاستقامة وفي نصرة هذا الدين وفي الوفاء بعهد الله جل جلاله.

والرباط الذي أسّسه الحبيب عبدالله بن عبد الرحمن ابن الشيخ أبي بكر بن سالم، عَلَم من أعلام الوراثة النبوية والدعوة المحمدية، والاتصال بسند العلم والتزكية المأخوذ عن أئمة هذا المسلك والطريقة واحداً بعد الثاني، وهو الذي خرج بفراشه من الشحر ومكث في تريم في رباط تريم ثلاث سنوات على نفس طيّة الفراش لم يفتحه، فرجع بالفراش على الطيَّة التي طواها عليه من الشحر! لأنه ما فتح الفراش من أجل أن ينام، ما فتحه هو نفسه! فسافر وهو ما يعرف الغرفة التي بجنبه، ما قد دخل إليها، غرفته والصلوات والمطالعات والدروس والحلقات وإلى الغرفة فقط! ما اشتغل بشيء من الفضول حتى ما دخل الغرفة التي بجنبه ولا غيرها من غرف الرباط، من إكبابهم على مُهِمتهم التي جاءوا من أجلها وتفرَّغوا لها، وصار يكتفي بغفوات من النوم، ما عاد احتاج إلى فكّ الفراش إلى أن رجع إلى الشحر!

وبالصدق والإخلاص نفع الله به وأقام هذا الصرح القوي الكريم في البلد، الله يُثبِّت قلوبكم ويرعاكم بعين العناية.

التعامل مع انتقادات المجتمع:

وقدَّم أحد طلاب الريدة سؤال عن كيفية التعامل مع انتقادات المجتمع، فأجاب الحبيب عمر بن حفيظ:

رعاكم الله وأخذ بأيديكم، واجب المؤمن أن يكون مستعد لانتقادات النفس، وانتقادات شياطين الإنس والجن، وانتقادات الغافلين، وانتقادات أنواع أهل الأهواء، وما من نبي ولا رسول بعثه الله إلا وجماعته وأهل بلده وقريته: أحد يقول أنه ساحر، وأحد يقول أنه مجنون، وأحد يقول أنه كذّاب...

(كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ)، طائفة بعد طائفة، وأمة بعد أمة، نفس الكلام يكرِّرونه!

ولما قالوا لبعض الصالحين: إن الناس في البلاد يقولون عليك أنك ساحر، قال: سمعتهم؟ قال: نعم، قال: دعني أسجد شكر لله، وسجد، قال: شبّهونا بالأنبياء! حتى ما كانوا يقولونه عن الأنبياء قالوه عنا! الحمد لله رب العالمين، فأنا أسجد شكراً لله تعالى.

دَع الناس يا قَلبي يَقولون ما بدا ** لَهُم واتَّثِق بِاللَه رَبّ الخَلائِقِ

ثم الواجب علينا مع ذلك كله - مع المستهزئين ومع المنتقدين وحتى مع الكافرين - أن نتخلَّق بالأخلاق التي دعانا الله ورسوله إليها، وأن نحرص عليهم، وأن نتكلم أيضاً بالعقل وبالحكمة، وأن نستقيم على المنهج حتى يهدي الله بنوره من يشاء ويرد من يشاء.

ولا نساعد شياطينهم بإيغار الصدور وإيجاد التباعد والتفرُّق بيننا والتمزّق، ما يجيء مِن قِبلنا ولا من جهتنا، قال الله لحبيبه: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ).

فجواب من انتقد أو سب: الابتسامة والكلمة الطيبة وإيصال الخير إليه (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).

ولما قاموا ببعض الحركات - بعض الناس في عالم الدنيا هم ولكن أسلوب التعامل - قاموا ببعض الحركات، فأمرت الدولة الجنود أن يضربوهم، فكانوا إذا استقبلوا أحداً من الجنود يرمونه بالورود! يرمونه بالورود! فما رضي أحد من الجنود أن يضرب عليهم، وخالفوا أوامر القادة قالوا نحن كيف نضرب هؤلاء؟ يرموننا بالورد يستقبلوننا.. لماذا نضربهم؟ حتى سقطت الدولة بسبب المعاملة! حتى سقطت الدولة وقاموا طلعوا بسبب المعاملة والأخلاق.. فكيف إذا كان لا مُراد حكماً ولا دولة ولكن مُراد منهج الرحمن والقرب منه ونشر الخير والهدى بأخلاقه ﷺ.

فيا رب ثبتنا على الحق والهدى ** ويا رب اقبضنا على خير ملةِ

وصايا ودعاء في ختام الجلسة:

 الله يجعلنا مُتحابّين فيه، مجتمعين على ما يرضيه، إن شاء الله تختتم الدورة بصبغات قوية تنال قلوبكم وأرواحكم وخِلع تُخلَع عليكم. 

وتخرجون بالهِمم في أداء أمر الله تعالى وأمانة رسوله ﷺ في الدعوة إلى الله، في خدمة المقاصد الثلاثة:

  1. العلم المسند عن أهله، 
  2. التزكية للنفس والتطهير لها من آفاتها، 
  3. الدعوة إلى الله تعالى والتعليم والدلالة على الخير.

 الله يشرح صدوركم وينوِّر قلوبكم، ويجعلنا وإياكم من جنده، وأهل محبته وودّه، ويصلح لنا ولكم وللأمة الشأن كله، و يُعجّل الفرج للأمة، ويكشف الضر والشر عنا وعن جميع الأمة، ويحوّل الأحوال إلى أحسنها بسر الفاتحة إلى حضرة النبي ﷺ.

 الأربعاء 5 صفر 1447هـ الموافق 30 يوليو 2025م

 

 لمشاهدة الجلسة كاملة :

 

لمشاهدة قائمة فعاليات الدورة التعليمية ال31 بدار المصطفى بتريم YouTube Playlist:

 الجلسة الأولى (مع طلاب الدورة من وادي حضرموت) 

 

 

تاريخ النشر الهجري

08 صفَر 1447

تاريخ النشر الميلادي

02 أغسطس 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

آخر الأخبار