توجيهات من جامع تريم: من رمضان إلى أشهر الحج - 6 شوال 1446هـ

توجيهات للعلامة الحبيب عمر بن حفيظ من جامع تريم: من رمضان إلى أشهر الحج - عصر يوم الجمعة 6 شوال 1446هـ

 

من موسم إلى موسم:

استقبلتنا أشهر الحج، قال ربنا تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ)، فنخرج من موسم إلى موسم، والأشهر المعلومات: شهر شوال، وشهر ذي القعدة، وعشر من ذي الحجة.

- تأتي عشر من شهر ذي الحجة من أفضل أيام العام، اختلفوا هل هي أفضل أو العشر الأواخر من رمضان، عشر ذي الحجة قال فيها نبينا محمد ﷺ: "يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة بقيام ليلة القدر"، الله يبلغنا إياها ويجعلنا من أهلها.

كسوة رمضان:

الشأن الآن وقد خرجنا من رمضان لكسوة رمضان التي خلعها الله للصائمين وللقائمين، عليك خلعة منها أو لا؟ وإذا عليك خلعة منها كيف محافظتك عليها وانتباهك منها؟

خلعة في تحقيق الإسلام، خلعة في تحقيق الإيمان، خلعة في محبة الرحمن جل جلاله، خلعة في التقوى. 

قال تعالى: (قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ولباس التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ)؛ 

كل لباس آخر - غير هذه الألبسة المعنوية -  ينزعونه منك، ولا يبقى لك إلا الكفن عند الموت، لكن هذا اللباس ما أحد ينزعه منك إذا مت عليه، لباس إيمان، لباس تقوى، لباس توبة، لباس مغفرة!

علامة المغفور له:

- علامة العين المغفور لها: أنها بعد رمضان تكره النظر إلى ما حرم الله، تكره النظر إلى مسلم بعين احتقار، تكره النظر إلى العورات، تكره النظر بالشهوات إلى النساء الأجنبيات، تكره النظر بعين الاستحسان إلى الدنيا؛ هذه عين مغفور لها، عليها كسوة المغفرة من رمضان.

- كذلك السمع: الأذن إذا خرجت من رمضان تكره استماع الآلات المحرمة، وتكره استماع الكلام الخبيث، واستماع الغيبة والنميمة؛ هذه علامة أنها أذن غُفِر لها، وسمع مغفور له في رمضان، فهذه علامته بعد رمضان يكره هذه الأشياء، ويحب استماع القرآن.

حالك مع القرآن:

إذا قد أصلح الله بينك وبين القرآن في رمضان؛ بعد رمضان حالتك مع القرآن تكون غير الحالة التي كنت عليها، ولا أقل مِما رتّب سلفنا حزب قرآن بين المغرب والعشاء، وحزب قرآن آخر الليل، ويجعل المؤمن على نفسه ولو جزءاً من القرآن - إذا لم يكن أكثر من ذلك - يقرأ فيه كلام الله ولا يهجره، فإن الهاجرين للقرآن محل الشكوى من رسول الله إلى الرحمن: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) والعياذ بالله!

الذين كان لهم قبول في رمضان في تلاوة القرآن تتعشّق قلوبهم بعد رمضان القرآن، ويحبون أن يأخذوا نصيبهم من تلاوة كتاب الله تعالى، الذي كل حرف منه بعشر حسنات، قال نبينا ﷺ: "لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف".

- قال سيدنا علي أن هذا حاصل لمن قرأ القرآن ولو على غير طهارة في خارج الصلاة، أما إن كان بطهارة فله خمس وعشرون حسنة على كل حرف، أما إن كان في صلاة نفل وهو قاعد - مع قدرته على القيام - فله بكل حرف يقرأه من القرآن خمسون حسنة، أما إذا قرأه في الصلاة مُن قيام: فله بكل حرف مائة حسنة، وكل حسنة خير من الدنيا وما فيها.

- وهذه مائة من الحسنات على حرف واحد من كلام الله تعالى، ما تكمل "بسم الله الرحمن الرحيم" إلا وقد اجتمع لك ألف وتسعمائة حسنة من هذه الآية وحدها، وكل واحدة من هذه الحسنات خير من الدنيا وما فيها، فهذه تبقى وتفنى الدنيا وما فيها؛ فما أعظم كلام الحق سبحانه وتعالى وما أعظم تلاوته!

هَم المؤمن:

وقال للحبيب علوي بن شهاب - رحمه الله - بعض زائريه: عسى ما عندكم ضيق ولا هم؟ قال: أيكون عندنا ضيق وهم وعندنا القرآن كلام الله؟ وعندنا كلام العارفين والصالحين وكتبهم؟ من أين يجيء لنا الهم ومن أين يجي لنا الضيق؟ ابحث عن واحد ممن لم يعرف قدر كلام الله ولا عرف قدر كلام الصالحين وتأتيهم الهموم والغموم!

قال الحبيب علي الحبشي: "من أين يخطر على قلبي الكدر والحَزن ** وأنا معي خير خلق الله جد الحَسن

عندنا القرآن الذي نزل عليه والسُنة التي جاء بها، والصلاة عليه، فمن أين تأتي لنا الهموم؟ ولكن تأتي وتحصل من الغفلة عن الله سبحانه وتعالى، ومن تواردات المصائب في الدنيا.

قال ربنا: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)، وقال نبينا ﷺ: "ما أصاب المؤمن من وصبٍ ولا نصبٍ ولا همٍ ولا غمٍ حتى الشوكة يُشاكها إلا كان له أجر"؛ فالمؤمن بتذكُّره لهذا الأجر تذهب عنه الهموم والغموم، وتتحوّل له المصائب إلى درجات يرتقي بها عند الله.

قال نبينا عليه الصلاة والسلام: "عجباً لحال المؤمن إن حاله كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، أو أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك إلا للمؤمن"، ما يقدر عليه الكفار والفجار، هُم وغصص الحياة الدنيا في تعب، وعذاب الآخرة أشد وأكبر والعياذ بالله.

معاودات العيد:

الحمد لله على نعمة الإسلام، والحمد لله على نعمة الإيمان، يقوى إن شاء الله إسلامنا وإيماننا من آثار الصيام والقيام والتلاوة والمعاودات بيننا هذه، فيها خير وفيها بركة وفيها زيادة لنور القلب، معاودات المؤمنين بالعيد العظيمة، وتفقّد الإنسان لأرحامه والجيران، ومروره عليهم مهنئاً لهم معاوداً بالعيد، كم لها من تأثير على القلوب في تنويرها وتطهيرها، وزيادة الأخوة والمحبة في الله تعالى.

الدعاء للأمة: 

الله يحرر بيت المقدس ويحفظ لنا الحرمين الشريفين ويحفظ بلداننا وبلدان المسلمين، ويحفظ المسلمين ومساجدهم ومستشفياتهم وديارهم ومنازلهم في كل مكان، الله يحوِّل حال المسلمين إلى خير حال، ولا بد من توجُّه، ولا بد من صِدق، ولا بد من رجعة إلى الرب جل جلاله.

يا رب اجعل خِلع القبول مخلوعة علينا أجمعين، على كل فرد منا وعلى أهلينا وعلى أسرنا وعلى المسلمين، اقبلنا على ما فينا، واجعل في صدورنا انشراح، واجعل لنا عن جميع المعاصي والذنوب انتزاح، واجعل لنا راقي شرب من أحلى راح، في الإيمان والمعرفة والمحبة، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

الله يعيد رمضان علينا وعليكم في صلاح لأحوالنا وأحوال الأمة وكشف للغمة، الله يظهر آثار القبول علينا في أقوالنا وأفعالنا ونياتنا ومقاصدنا بعد هذا الشهر؛ فلا يبقى في مناسبة زواج ولا غيرها عادة من عادات من عادات اليهود ولا من عادات النصارى ولا من عادات الفجار والكفار، وكفى بعادات الأخيار سرور وأنس وحبور وفرح وما أحله الله لنا من الآلات، ونترك ما حرم الله علينا.

الله يعمرنا بالإيمان واليقين واتِّباع سيد المرسلين، الله يدفع البلاء عنا وعن جميع المؤمنين، الله يكتب لنا ولكم كمال القبول ونيل غايات السول، ويقبل بوجهه الكريم علينا، ويجعل لنا كل يوم خير من اليوم الذي قبله، حتى تكون أسعد أيامنا يوم يلقى كل واحد منا وربه راضٍ عنه.

 

تاريخ النشر الهجري

16 شوّال 1446

تاريخ النشر الميلادي

14 أبريل 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

آخر الأخبار