اللقاء التعارفي للحبيب عمر بن حفيظ مع شباب مخيم "معاً نصنع الفارق"

التقى العلامة الحبيب عمر بن حفيظ في مدينة تريم عصر يوم الأربعاء 18 شوال 1446هـ، بشباب مخيم "معاً نصنع الفارق" الذي تنظمه مؤسسة العون التنموية، ضمن برنامج المخيم، حيث ركّز اللقاء على أهمية العمل التنموي والخيري من منظور إيماني عميق.

وفي بداية اللقاء، قدم ممثل مؤسسة العون التنموية نبذة تعريفية عن المؤسسة وأنشطتها، وهي تعمل بشكل أساسي في المجال التنموي مع التركيز على التعليم، وأوضح أن المؤسسة استحدثت مخيم "معاً نصنع الفارق" بهدف تعزيز التواصل مع شركائها، وتقوية الروابط الإنسانية بينهم، والانتقال من العلاقات الإدارية البحتة إلى مستوى أعمق من التعاون والألفة.

كلمة الحبيب عمر بن حفيظ:

افتتح الحبيب عمر كلمته بالترحيب بالحضور مُثنياً على جهودهم في مجال العمل التنموي والخيري، وتضمنت كلمته عدة محاور رئيسية:

أولاً: العمل الخيري عبادة وصِلة بالله:

أكد الحبيب عمر أن مجال العمل التنموي والخيري هو مجال رحب لتقوية الصلة بالرحمن جل جلاله، مستشهداً بالآية الكريمة: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾.

وأشار إلى أن بذل المحبوب الأدنى (المال والمتاع) من أجل المحبوب الأعلى (الله تعالى) هو برهان صادق على محبة الله، واستشهد بالحديث النبوي: "الخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله".

ثانياً: العلاقات الإنسانية وأهميتها في العمل التنموي:

أثنى الحبيب عمر على فكرة المخيم كوسيلة للخروج من النمط الإداري البحت والاهتمام بالجانب الروحي والعلاقات الإنسانية، مؤكداً أن هذه العلاقات عندما تُبنى على أساس إيماني تكون أقوى وأكثر فاعلية.

وقال: "وسط هذه الحركة أمر يتعلق بالروح، بالقلب، بالروابط المعنوية بين المخلوق والخالق جل جلاله، بها تقوم أيضاً العلاقة التي بواسطتها تنتظم الحركة في الحياة لإنجاز المقاصد والأهداف".

ثالثاً: نشر الإسلام من خلال الأخلاق والسلوك:

أكد حفظه الله على أن الخُلُق الحسن هو مِن أهم وسائل نشرِ الإسلام ودعوة الناس إليه، مستشهداً بقصة عن رجل صيني يعيش في إندونيسيا غير مسلم بكى على فراق مسلم كان جاره لعشرين عاماً، لأنه وجد فيه الخُلق الحسن والأمانة.

وذكر الحديث الشريف: "لا يوضع في الميزان يوم القيامة شيء أثقل من الخُلق الحسن"، موضحاً أن الخلق الحسن أثقل ما يرجح كفة الميزان.

رابعاً: التجرد من العصبيات:

دعا إلى الخروج من مضيق العصبيات - سواء الفكرية أو القبلية أو المذهبية أو المناطقية - والارتقاء إلى مستوى الحق الإنساني والإيماني الأصيل، مؤكداً أن عظمة الإسلام تكمن في إعطاء كل ذي حق حقه دون أن يتعارض ذلك مع الحقوق الأخرى.

خامساً: الإخلاص والنية الصادقة في العمل:

شدد الحبيب عمر على أهمية الإخلاص لله في العمل التنموي والخيري، قائلاً: "كلما ارتفعت الهمة إلى إرادة وجه الحق جل جلاله، كانت سبباً لرفع قدر الإنسان عند ربه والثقل في ميزانه، وكذلك حتى لاتساع المجال والفرص له في الحياة نفسها".

سادساً: التواصي بالحق والصبر:

اختتم الحبيب عمر كلمته بالتذكير بسورة العصر وأهمية جمع الصفات الأربع المذكورة فيها: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، مستشهداً بقول الإمام الشافعي: "لو تأمل الناس هذه السورة لكفتهم".

في ختام اللقاء، دعا الحبيب عمر للحاضرين للتوفيق والسداد، وأن يجري الله على أيديهم الخير الكثير للمجتمع والأمة، وأن يحميهم من كل سوء. شاكراً لهم ترتيب هذا اللقاء، راجياً لهم التوفيق من الله.


 

وإليكم نص اللقاء مكتوب:

أسعد الله مساءكم بالخيرات، ورعانا وإياكم بعين العنايات، أهلاً وسهلاً، نظر الله إلينا وإليكم، وأجرى الخير على أيديكم على ما يحب كما يحب، يجعله عدة لكم من الحياة المنقضية إلى الحياة الباقية إن شاء الله.

وما غنيمة الإنسان من حياته الفانية إلا ما كسبه للحياة الباقية، وهذه الميزة التي تميز بها المؤمن في هذه الحياة؛ امتداد نظره إلى ما لا يمتد إليه نظر الغافل ولا الكافر.

في منتهى نظر الكافر يقول الله: (فَأَعْرَضَ عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ). إلى هنا ينتهون، ما يتجاوزون هذا الحد، لكن المؤمن نظره أكبر وأبعد كثيراً، حياة الستين والسبعين سنة هذه، وأقلهم ما يجوز ذلك، ما تساوي شيئاً عند حياة الأبد والخلود والدوام والاستقرار، والفارق كبير.

لهذا يقول الله في الآية الأخرى: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ). فعدّهم في ميزانه تعالى لا يعلمون، لأن الغاية والنتيجة أن هذا العلم يقف بهم عند حدود ما توصلهم إلى سعادة الأبد، ومن لم يصل إلى سعادة الأبد فما يُعَدّ عالماً، علم ما يوصل إلى سعادة الأبد أي علم هذا؟ ما هو بعلم! (لَا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ).

ومع ذلك فهذا المؤمن يُحسن التعامل لكسب الخير وإعداد المستقبل الأكبر، مع أصناف الموجودين على ظهر الأرض من الكفار وغيرهم.

كان النبي ﷺ يذكر حلفاً مرة اتفق عليه مجموعة في الجاهلية، لكن في نصرة المظلوم، في نصرة المظلوم، في إيصال الحق لأهله، يقول: "حضرت حلفاً في دار عبد الله بن جدعان، لو دُعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت"، يقول لو أن جماعة من العقلاء الناس حتى غير المسلمين، ولكن فكروا في ما يحفظ حُرمة الإنسان وكرامته وإعطاء الحق لأهله، ونصرة المظلوم، لقمت معهم في هذا الجانب، وهو بنبوته ورسالته ﷺ، فما أوسع هذه الملة والشريعة والدين.

الله يجري على أيديكم خيراً كثيراً، إن شاء الله ينفع البلاد والعباد بميزتكم التي هي امتداد النظر إلى ما وراء هذه الحياة.

أهلاً وسهلاً بكم، جمعنا الله وإياكم على الخير، وإن شاء الله يعيدنا الله إلى رمضان ورمضانات كثيرة في صلاح البلاد والعباد والأمة إن شاء الله أجمعين.

شرح الله صدوركم، ونوّر قلوبكم، وأخذ بأيديكم. وأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم.

التراث عندكم يُحبون استعمال العود للطيب، وعندهم فيه تفاؤل يقولون: العود للعود، نعود ان شاء الله، ويجيئون به في بعض المناطق في اليمن وغيرها في آخر شيء يقولون: بعد العود لا قعود، لكن عندنا العود للتفاؤل بالعود.

كلمة من ممثل مؤسسة العون التنموية:

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا وحبيبنا وقرة أعيننا محمد الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

حقيقةً كم يسعد المرء بمثل هذه المجالس، ونسأل الله عز وجل أن يجمعنا بكم على خير دائماً وأبداً. يقصر البيان، ويعجز البنان، ولا يدري ماذا ينطق اللسان ليصف هذه الفرحة وهذا الجمع، ونسأل الله أن يشملنا برحمته العظيمة.

حقيقةً، سيدي الكريم المربي الفاضل، العلامة الحبيب عمر بن حفيظ، نأتيكم في هذه الزيارة ممثلين عن مؤسسة العون للتنمية وشركاء مؤسسة العون للتنمية الذين نفاخر بهم ونودهم ونسعد أيضاً بصحبتهم.

مؤسسة العون للتنمية هي مؤسسة مانحة أُسست في العام 2006م لتحتوي أعمال الخير والبر والإحسان للأسرة المباركة أسرة آل بن محفوظ، فجزاهم خيراً وبارك في رزقهم إن شاء الله.

وتعمل في المجال التنموي وعلى وجه التحديد مجال التعليم.

ولنا رفقة نعتز بصحبتهم في مسيرة العون منذ العام 2006م، هم شركاء المؤسسة من مختلف المديريات وأيضاً من محافظة عدن موجودين معنا في هذه الزيارة، ولكون تواصلنا معهم دائماً يكون إدارياً، أحببنا أن تكون هناك مساحة للألفة والتقارب، فابتكرنا نشاطاً أسميناه مخيم "معاً نصنع الفارق" لزيادة الانسجام والتعرف عليهم، وحتى يكون التواصل بيننا على الوجه الآخر غير الإداري.

فمن ضمن أنشطة وبرامج هذا المخيم زيارة لشخصكم الكريم، وحقيقةً نحن في رحابكم في هذه السانحة الجميلة نطلب من سماحتكم كلمات للعاملين في المجال التنموي والخيري تكون لنا نبراساً ونوراً بإذن الله في التعامل مع المعوزين والمحتاجين وذوي الهموم، حتى نعمل وفق الهدي النبوي ﷺ. جزاكم الله خيراً ونسعد بالاستماع إليكم.

 

كلمة الحبيب عمر بن حفيظ:

الحمدلله الذي سيَّركم في هذا السبيل، وهو من السبل التي لما تتصل بحقيقة الإيمان بالإله الذي خلق، ومعرفة تفرُّده بالألوهية والربوبية، ومرجعية الأولين والآخرين إليه، هي من خير المجالات في رفعة قدر هذا الإنسان عند الرحمن إذا أخلص لوجهه.

والحق فيما أثنى عليه من صفات عباده يقول: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا). قنوات الاتصال الباطني بين القائم في عمل الخير والذي يقصد وجهه لذلك، وهو الله: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ).

وفي آيات يقول الله: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ). أي بدافع حبهم لله تعالى، (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا). في تفسير أيضاً قال التفسير على حبه: مع حاجتهم إليه ومحبتهم له، على حد قوله: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)، لكن التفسير الآخر: على حبه: على حب الله، لأنه لما خلقنا الله تعالى وطلب منا بحكم الإيمان محبته، جعل الدليل على محبته أن ما حُبِْب إلى النفوس يُبذل من أجل المحبوب الأعلى.

وحبَّب إلى النفوس المال والمتاع والدنيا، فبذلها من أجله أقوى برهان على صدق محبته هو، فإن تبذل المحبوب الأدنى لأجل المحبوب الأعلى برهان صحيح على أنك تحب هذا المحبوب الأعلى، فكان هذا هو العلامة.

فالمجال الذي أنتم فيه مجال رحب لتقوية أسرار الصِّلة بالرحمن جل جلاله، لأن المبدأ الذي جاء عندكم في الملة الكبيرة العظيمة: "الخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله"، حتى جاء العظيم الثواب ولو في إنقاذ وغياث وإدراك حيوان، فضلاً عن إنسان يكون من كان، فكيف عن المسلم، وكيف عن المحتاج.

فإذا يحدثنا النبي ﷺ أنّ الله غفر لفاسق من فساق بني إسرائيل وعاصي كان كثير الذنوب، لكن وقع في قلبه رحمة كلب اشتد عليه العطش وما وجد شيئاً، دلّه على البئر، وخرج يتسلل في حجرها إلى أن وصل، ما شرب، طلع، حصل الكلب يلهث ويتتبع مكان البلل، قال: أصابه من العطش مثل الذي أصابني، خلع الخف من رجله ونزل ملأه ماء، وحمله في فمه وتسلق وطلع وسقى الكلب. قال: "فغفر الله له"، ذنوب وأوزار كثيرة محاها بسقيه شربة ماء لهذا الحيوان، حيوان من الحيوانات، فكيف بإنسان!

يعرض لنا ﷺ هذه الأمثلة والنماذج لنعرف فضل إغاثة هذا الإنسان، "الخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله".

فمجالكم رحب وجميل لأنكم أيضاً فكرتم في عقد مثل هذا المُخيم، والخروج من النمط الإداري الذي يشترك فيه جميع المؤسسات وجميع الجمعيات وجميع الوزارات وجميع الحركة في الحياة، لكن وسط هذه الحركة أمر يتعلق بالروح، بالقلب، بالروابط المعنوية بين المخلوق والخالق جل جلاله وتعالى في علاه.

بها تقوم أيضاً العلاقة التي بواسطتها تنتظم الحركة في الحياة لإنجاز المقاصد والأهداف، قد تكون بدوافع كثير منها مجرد العقل والإنسانية والفطرة، وهذه تحصل بين المؤمنين وبين الكفار وغيرهم، ولكن المؤمن عنده زيادة أنه يمكن أن تكون علاقات يراد بها وجه الله أيضاً، ويتقرب بها إلى الله، فهذا تكون أقوى، وهو الشيء الذي قد تم بين أوائلنا أول ما برز نور الرسالة.

قال تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

ثم ألمح في الآية بعدها إلى وجود هذه الرابطة حتى في الأجيال التي تأتي من بعد، تتكوّن بينهم الرابطة الصحيحة الإيمانية، ويقومون بحق أخوة الإيمان، ثم لا ينسون الذين قبلهم من الذين وصل الخير على أيديهم إليهم، يقول: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ).

فهذه الرابطة بيننا وبين الأجيال الماضية من حملة النور هذا وحملة الإيمان، ولولا آباؤنا وأمهاتنا المؤمنين والمؤمنات، ولولا بيئتنا، ولولا علماؤنا ما وصل إلينا الإيمان، ولا كنا مؤمنين: (اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ)، هذه الرابطة بالماضيين.

وبالحاضرين معنا: (وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا)، بذلك عند انتزاع الغل يصفو الفكر لصحة التعاون، لصحة الوصول إلى الأهداف التي بها صلاح المجتمعات، صلاح البيئات، صلاح الناشئة أيضاً الذين هم أمانة كبيرة في أعناق الكبار، كل ذلك يُقوِّي الانطلاقة عند الإنسان.

المجال الذي أنتم فيه وثيق الرابطة بهذه الأذواق والمقاصد الرفيعة، إذا وجَّه الإنسان همته ونيته لأن يرتبط بهذا المعنى الكبير، فيعلم أنه في تنظيمه وترتيبه وإقامته بالعمل أيضاً متقرب إلى الله جل جلاله، وعابد للرحمن سبحانه وتعالى.

يتحول المسألة مِن مُجرد عمل وترتيبه ومجرد وسيلة إلى حقيقة مُتصلة بالمقصد، وهو العبادة للرحمن جل جلاله، من خلال السعي في مصالح الناس وإيصال الخير إليهم.

وحينئذ هذا الصفاء الذي يُكتسب بالفكر يخرج الناس من مضيق العصبيات ومضيق الانحصار لأجل أي سبب فكري، قَبَلي، مذهبي، مناطقي، لأن في عظمة هذا الإسلام والشريعة هناك حق للرَّحِم، هناك حق للقرابة، هناك حق للمنطقة، هناك حق للجار، ولكن مع ذلك هناك أساس يحملك على أن تعطي كل ذي حقِّ حقَّه.

وهذا لا يحول أداء هذه الحقوق عن أداء الحق الأصل الإنساني الإيماني، وإعطاء كل ذي حق حقه. فحينئذ يكون عند هذا الإنسان ارتقاء، وهو سبب نشر الخير في الأمة.

وعلى مدى القرون حتى الذين أدركوا حقائق الإسلام أو انتقلوا من الكفر إلى الإسلام، تجد أكثرهم ليس سبب في القناعات العقلية، ولا وجود الأدلة والبراهين، بل الأكثر وجود نسمة من هذه العاطفة والمحبة والخُلق الكريم.

حتى وصف الله صاحب الرسالة يقول: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)، وبخلقه العظيم هذا وإلى الآن نحن نجد حتى الذين يسلمون في العصر، السبب القوي في إسلامهم وجود خُلُق، ووجود شذا من هذه الروحانية الإيمانية التي تحمل للناس في قيمها هذا السمو الرفيع.

عندنا يقولون قبل ستين سنة أحدهم خرج من جاوة، من آل سيئون، فطبيعة الحال أصحابه وجماعته هناك تأثروا على فراقه وخروجه، لكن الذي لفت النظر كان واحد صيني وغير مسلم، ويبكي كثيراً إذ ما قرر أنه سيرجع إلى حضرموت ويستقر، فبعدين واحد يسأله يقول له: أنت تبكي على هذا؟ لكن دينك ثاني ليش تبكي عليه؟ قال: نعم، لكن هذا لي معه عشرين سنة كان ساكناً جنبي، كنت مطمئناً على أولادي وعلى مالي عنده، أكثر من أحد من أصحابي يسكن جنبي، رأيته لما رأيت منه ما قد مد عينه إلى وسط بيتي في خلال هذه الفترة، والمواساة تجينا منه دائماً، أنا مطمئن على أولادي وعلى عرضي وعلى مالي عنده أحسن من واحد من أصحابي صيني، فلهذا يبكي عليه.

فكان هذا هو الجمال لحقيقة الدين وحقيقة الإسلام، وهو سبب نشر الإسلام. ثم يقول ﷺ: "لا يوضع في الميزان يوم القيامة شيء أثقل من الخُلق الحسن". أثقل ما يرجّح كفة الميزان الخلق الحسن. الصلوات توضع، الجهاد يوضع، القراءة توضع، كلها في ميزان الحسنات، لكن الثقل في ميزان الحسنات الخُلق، "أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة الخلق الحسن".

وهكذا فالمجال الذي أنتم فيه مجال قوي للاتصال بهذه المعاني الرفيعة، وبإمكانكم تخلقون من هذا أو تكوِّنون العلاقة الشريفة القويمة بينكم للتساعد هذا الواسع النزيه الذي يُراد به وجه الله تبارك وتعالى، بل وتؤثِّرون على غيركم ومن حواليكم أيضاً ممن يرونكم أو يشاهدونكم أو يجالسونكم أو يتصلون بكم.

فكلما ارتفعت الهمة إلى إرادة وجه الحق جل جلاله، كانت سبباً لرفع قدر الإنسان عند ربه والثقل في ميزانه، وكذلك حتى لاتساع المجال والفرص له في الحياة نفسها، مع وجود هذه الأمانة ووضع الأشياء في محلها وأخذ الضوابط الحسية بتراتيبها، وفوقها كنز وأمانة إيمانية من باطن الإنسان بينه وبين ربه، تصبغ عمله بالصبغة (صِبْغَةَ اللهِ ومَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ).

فالله يأخذ بأيديكم ويجري على أيديكم إن شاء الله الخير الكثير في هذا المجال، وينفع بكم الوضع والحال في هذه المناطق، ويمتد الخير إن شاء الله ويتزايد ويتضاعف.

بارك الله في جهودكم ووجهتكم وأعمالكم، ورزقنا وإياكم الإخلاص والصدق وأداء الأمانة على الوجه الأحب إليه سبحانه وتعالى، والذي تكون ثمرته أكبر لنا من تحصيل الخير في الدنيا وفي الآخرة.

فيا رب ثبتنا على الحق والهدى ** ويا ورب اقبضنا على خير ملةِ

مرحباً بكم وبمجيئكم وبوصولكم، الله يجعلها زيارة مقبولة، زرتمونا اليوم ولا شك أن الدوافع لأجل زيارة ما بيننا وبينكم شيء من العلائق الحسية ولا المادية ولا السياسية، جئتم لله سبحانه وتعالى والحمد لله، ونحن فرحنا بكم وبمجيئكم لأجل الله جل جلاله.

وهذا النمط إذا فُقِد من الأمة تودع على الأمة، إذا ما عاد بقي التعارف إلا لأجل الأغراض الدنيوية ولأجل السياسات انتهت الأمة، ولكن الحمد لله، التزاور في الله، التجالس في الله، حتى في الحديث الصحيح يقول الله في القيامة: أين المتحابون في؟ أين المتجالسون في؟ أين المتزاورون في؟ اليوم أظلهم بظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي.

فالتجالس في الله والحمد لله، أهلاً ومرحباً بكم، وإن شاء الله نكون من المتجالسين في الله والمتحابين في الله تبارك وتعالى.

ويجري الله على أيديكم الخير الكثير إن شاء الله لكم وللمجتمع وللأمة، جعلنا الله ممن يتواصون بالحق والصبر، (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، لأنه حكم بالخسران في النهاية والعاقبة للإنسان كله، لجميع بني الإنسان إلا من جمع الأربعة خصال، (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).

حتى كان لإمام الشافعي يقول: أين الناس من هذه السورة لو تأملوها كفتهم! تكفيهم هذه وحدها، (آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، والبقية يخسرون غير هؤلاء، من جمع الأربع صفات ( إلا اللذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)، جعلنا الله وإياكم منهم.

الحمد لله على ما وفقكم من عقد هذا المخيم ومن انطلاقاتكم في هذه الأعمال، وزادكم الله توفيقاً وإخلاصاً لوجهه، وعملاً لنفع عباده على ما يرضيه سبحانه وتعالى، وتولّاكم الله في جميع الأحوال، ورزقنا القبول والإقبال، إنه أكرم الأكرمين.

مداخلة:

حقيقة سيدي الكريم نتمنى زيارتكم للمكلا، وندعوكم أيضاً في مؤسسة العون.

حضرني الشاعر حين قال متسائلاً بالله قولي يا حليمة ما جرى حين احتضنتِ محمداً مهما جرى، حين احتضنتِ محمداً خير الورى، بالله يقول كيف نبضك وقتها لما فؤادك والحبيب تجاورا.

جعلنا الله متخلقين بأخلاق هذا النبي المصطفى ﷺ، وشاكرين لكم حقيقة هذه الفسحة من وقتكم الكريم. وشكراً لكم، حياكم الله.

الحبيب عمر بن حفيظ:

فيا رب اجمعنا وأحبابنا لنا في دارك الفردوس أطيب موضعِ

أنجح اللقاءات في الدنيا ما أثمر اللقاء في الجنة، (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا) يعني أيام الدنيا (مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ)، وندعو البر الرحيم يقينا وإياكم عذاب السموم، ويجمعنا في دار الكرامة والنعيم، اللهم آمين.

نتوجّه إلى الرحمن أن يكرمكم بالتوفيق الكامل التام، ويأخذ بأيديكم ويجري على أيديكم الخير، ويحميكم من كل موجب حسرة وندامة في الدنيا ويوم القيامة، ويربطنا وإياكم بسنة المصطفى ﷺ وما جاء عنه، حتى يكون مقتدانا فننال رضا مولانا، في حقائق يقول: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ).

اجعلنا ممن اتبعه ونال المحبة من الرحمن، وغفرت له الذنوب والعصيان.

اللهم خذ بأيديهم وتولنا وإياهم في ظواهرنا وخوافينا، لا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحد من خلقك طرفة عين، سخر لنا الأسباب والكائنات، واجري على أيديهم منافع كثيرات كبيرات، ودفعاً للآفات والبليات عن أنفسهم وأهليهم وعن الوادي وعن الأمة وعن يمننا، حيث ما كانوا وأين ما كانوا.

اللهم إنا وإياهم في قبضتك حيثما كنا، فلاحظنا واياهم بعين عنايتك حيثما كنا، اللهم إنا وإياهم في قبضتك حيثما كنا، فلاحظنا وإياهم بعين عنايتك أينما كنا، اللهم إنا وإياهم في قبضتك حيث ما كنا وأين ما كنا، فاجعلنا في رحمتك حيث ما كنا وأين ما كنا، وأصلح شؤوننا بما أصلحت به شؤون الصالحين، وعجِّل بتفريج كروب المسلمين أجمعين، بسر الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ.

 

تاريخ النشر الهجري

23 شوّال 1446

تاريخ النشر الميلادي

21 أبريل 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

آخر الأخبار