شرح عقيدة أهل السنة والجماعة -10- الإيمان بالحوض والشفاعة والنظر إلى وجه الله الكريم

عقيدة أهل الإسلام-10- الإيمان بالحوض والشفاعة والنظر إلى وجه الله الكريم
للاستماع إلى الدرس

شرح الحبيب عمر بن حفيظ لكتاب عقيدة أهل السنة والجماعة للإمام شيخ الإسلام عبد الله بن علوي الحداد، ضمن دروس الدورة التعليمية الحادية العشرين بدار المصطفى.

نص الدرس مكتوب:

وأنه تعالى حكيم في فعله، عدل في قضائه، لا يُتصور منه ظلم ولا جور، ولا يجب عليه لأحد حق، ولو أنه سبحانه وتعالى أهلك جميع خلقه في طرفة عينٍ لم يكن بذلك جائراً عليهم ولا ظالماً لهم  فإنه ملكه وعبيده، وله أن يفعل في ملكه ما يشاء، وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ، يثيب عباده على الطاعات فضلاً وكرمًا، ويعاقبهم على المعاصي حكمةً وعدلاً، وأن طاعته واجبةُ على عباده، بإيجابه على ألسنة أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام. 

ونؤمن بكل كتاب أنزله الله، وبكل رسول أرسله اللّه، وبملائكة الله، وبالقدر خيره وشره، ونشهد أن محمداً، عبد الله ورسوله، أرسله إلى الجن والإنس، والعرب والعجم، بالهدى ودين الحق؛ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، وأنه بلغ الرسالة، وأدي الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة؛ وجاهد في الله حق جهاده؛ وأنه صادق أمين، مؤيد بالبراهين الصادقة والمعجزات الخارقة، وان الله فرض على العباد تصديقية وطاعته واتباعه؛ وأنه لا يقبل إيمان عبد وإن آمن به سبحانه حتى يؤمن بمحمد صلى اللّه عليه وسلم، وبجميع ما جاء به وأخبر عنه من أمور الدنيا والآخرة والبرزخ.

 

الحمد لله القادر القوي العظيم ، جامع الأولين والآخرين للقضاء والفصل بينهم، الذي أرسل إلينا أصدق الخلق نُطقا، وأبْينهم واحلاهم منطِقا، أحسن الناس خُلقا وخلْقا، عبده المصطفى محمداَ بالهدى والدين القويم، فهدى به من شاء إلى صراطه المستقيم، ونسأل مولانا أن يديم منه عنا الصلاة والسلام في كل نفَس، وعلى آله وصحبه أهل مقام الأعز الأنفس وعلى من اقتدى بهم، واهتدى بهديه واتبع ما له أسَّس، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين من لهم الرحمن طهَّر وقدَّس، وعلى آلهم وأصحابهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين . 

وقد حدّثنا الإمام في السمعيات من الإيمان مما جاء به سيد الأكوان عن أمور في البرزخ والآخرة ، ومنها: الصراط والميزان . قال: (( وبحوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ))، فإن الله جعل لكل نبي حوضا في القيامة، يرِدُ عليه المؤمنون من أمته، ويتباهى الأنبياء أيهم أكثر وروداً عليه ، وقد وصف لنا  حوضه الشريف، وجاءت لنا فيه الأحاديث الكثيرة عنه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، جعلنا الله من الواردين على ذاك الحوض، فمثَّل  سعة الحوض في روايات: 

  • جاءت كما بين الكعبة و بين بيت المقدس ، 
  • وجاء في صحيح مسلم « أبعد من عَدْن إلى أَيْلَةَ ». 
  • وجاء « من عَدَن إلى عمان البلقاء »

فمثَّل بهذه المسافات وأخبر: 

  • أن طوله كمثل عرضه 
  • وأن عليه أكواب كعدد نجوم السماء  
  • وأن من شرب منه لم يظمأ ولم يحزن أبداً  
  • وأن أول من يرد عليه فقراء المهاجرين  
  • وأنه يُذاد أقوام عن حوضه أعاذنا الله 
  • وأنه يسقي ويأمر بالسقيا علي بن أبي طالب لجماعات وفئات من المؤمنين . 

وهكذا جاءتنا الأخبارعن نبينا المختار، والله يوردنا على حوضه المورود، الذي يشرب منه المؤمنون قبل دخولهم الجنة ، وجاء في بعض الروايات وصفه «أن شرفاته على النار وشرفاته الأخرى على الجنة» ، فأصح الأقوال : «أن موضعه بعد المرور على الصراط  وقبل دخول الجنة، وقيل قبل ذلك»، فمن مرَّ على الصراط ورد على الحوض ، ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً ولم يحزن ( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ) [فاطر:34].

(( يشرب منه المؤمنون قبل دخول الجنة، وماءهُ من الجنة )، كما جاء أيضا في صحيح مسلم ، أنه يشْخَبُ فيه مِيزابانِ من الجنة ، وجاء في تفسير الكوثر -أحد معاني الكوثر-، أنه نهر أعطاه الله إياه في الجنة ، منه يمشي ميزابان يصبان في الكوثر، فيخرج من نهر الكوثر هذان الميزابان ، أحدهما من ذهب والآخر من فضة فيصُبان في الحوض فيشرب منه الناس، سقانا الله، ثم يخاطب فيمن ذِيدوا عن حوضه ويقول : أمتي ، وفي رواية : أصحابي ، فيقال : «إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ» ، ونعوذ بالله من مخالفته في هديه وممشاه ومسيره ، ورزقنا الله الاستنان بسنته.

وهكذا، وقد عُرض عليه من الأفواج التي ترد على حوضه ، وعُرض فوج كبير من أهل الجنة ، قال : فظننتها أمتي ، فقيل : هذه أمة موسى، ولكن انظر، فإذا سَوَادٌ أعظم قد سد الأفق ما بين المشرق والمغرب ، فقال هذه أمتك وفيهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب فقال : ثم يُشفِّع كل واحد منا لسبعين ألف في السبعين ألف ويعطيني ثلاثة حثيات ، بحوض نبينا ، وكذلك كل نبي له حوض، وبعض الأنبياء ما يرِد على حوضه إلا عشرة ، إلا خمسة ، إلا اثنان ، وبعض الأنبياء يرِد واحد ! ما تبعه من أمته إلا هذا الواحد ! فيرد على الحوض الذي جعله الله تعالى لأنبيائه في القيامة.

قال: ((وأن يؤمن بشفاعة الأنبياء ثم الصديقين والشهداء والعلماء والصالحين والمؤمنين ))، فلكل مؤمن شفاعة ، فمنهم من يُشفع في نفسه، ومنهم من يُشفع في الرجل، ومنهم من يشفع في الرجلين، ومنهم من يُشفع في الرهط ، ومنهم من يُشفع في الجماعة ، ومنهم من يشفع في القرية ، ومنهم من يشفع في البلدة ، ومنهم من يشفع في الطوائف على حسب جاههم عند الله، وفي الحديث أن أويس القرني يقال له في القيامة : اشفع، فيُشفع في عدد كربيعة ومضر هؤلاء الملايين، أكبر قبائل العرب ربيعة ومضر، وكم تناسلوا، كم كانوا بعهده وكم تناسلوا إلى الآن؟؟ ربيعة ومضر، هذا العدد كله يشفع فيهم واحد أويس القرني وهكذا ، يُشفَّعون على قدر مراتبهم عند الله تعالى : ( مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) [البقرة:255]، ( وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) [الأنبياء:28]،  وفي الحديث الحسن : يَشفع يوم القيامة ثلاثة :  الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء، وفي الحديث أن الشهيد يُشفّع في سبعين من أهل بيته، كلهم قد استوجب دخول النار، هو استحق النار فلا يدخلها بشفاعة هذا الشهيد .

قال: (( وأن الشفاعة العظمى مخصوصة بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم  ))، قال له ربهُ : ( عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ) [الإسراء:79]، يحمده فيه الأولون والآخرون وكل الأنبياء وكل الشهداء وكل العلماء وكلّ الشافعين يوم القيامة، وكل الشافعين يوم القيامة من الصديقين والأولياء والصالحين ، لا يشفع منهم أحدُ حتى يفتح باب الشفاعة محمد، وهو الذي قال كما جاء في صحيح مسلم: «وأنا أولُ شافعٍ وأولُ مشفَّعٍ»، قال تعالى : ( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا ۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَقَالَ صَوَابًا ) [النبأ:38]،  فأول من يتكلم هو، وأول من يشفع هو، بل يُخاطَب من قِبَل الحق: « ارْفَعْ رَأْسَكَ، وقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وسَلْ تُعْطَ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ»، فما أعظم جاهه عند مولاه، شفَّعه الله فينا في صلاح أحوالنا ودفع الأسواء عنا ، ونظر به إلينا في الدنيا والبرزخ والآخرة .

((وأن يؤمن بشفاعة الأنبياء ثم الصديقين والشهداء؛ والعلماء والصالحين والمؤمنين، وأن الشفاعة العظمى مخصوصة مخصوصة بمحمد ﷺ)) ، وكل من له شفاعة فيكون الأولى بها من المؤمنين من أحسن إليه، أو صنع إليه معروفًا،أو قام له بخدمة، أو كان له بها جوار أو كان بينه وبينه قرابة ، كما سمعت في حديث الشهداء، يُشفع في سبعين من أهل بيته ومن قبيلته، وهكذا ( هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّهِ ) [آل عمران:163]، وقال  في رواية في الحديث: « ما بال قوم يزعمون أن الله لا يشفعني بلى، إني لأُشفَّع فأشفع، وأشفع في أقوام حتى أن من شفعتُ له ليشفع فيشفع ، قال: حتى يتطاول لها إبليس» ، ولكنه اليائس بل البعيد .

وفي بعض الأخبار أنه عندما يتشفع المؤمنون بالأنبياء، ويذهبون من سيدنا آدم إلى نوح إلى إبراهيم إلى موسى إلى عيسى، ثم يأتونه عليه الصلاة والسلام وينتقلون إلى أرض الحساب بشفاعته ثم يقول الكافرون : هؤلاء المؤمنون وجدوا من يشفع لهم فمن يشفع لنا ؟؟ فيقولون : هذا الذي أغواكم الخبيث إبليس اذهبوا إليه ، فيذهبون إلى إبليس ويقولون له : إن المؤمنين وجدوا من يشفع لهم ، وأنت الذي أظللتنا، فاشفع لنا اليوم، يقوم  ، قال : أنْتَن ما تكون رائحته، ويُنْصب له كرسي من نار بين الجنة والنار، يضحك عليهم فيقول: ( إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ) [ابراهيم:22]، الحِيَل كلها والخداع والكذب تلاشت جميعها !  ما عاد في شي !! لن تنفعنا ولن تنفعكم ، نار نار، حريق حريق، عذاب عذاب، وهنا نهلك جميعًا أنا وإياكم ولماذا تتبعونا ؟! يقول إذا قرأ الآية ابن عباس قال : ضحك عليهم في الدنيا وضحك عليهم في الآخرة ( مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ) [ابراهيم:22]، لا إله إلا الله ، فهكذا أكثر أهل الأرض أتْباعه!!

لكن محمد يقول : « أَنَا لَهَا أَنَا لَهَا»، فرزقنا الله حسن اتباعه ، وجاء في زوائد المسند، عن عبد الله بن أحمد وفي رواية السبكي والطبراني والحاكم وقال صحيح الإسناد على شرط مسلم ورواه أبو يعلى وغيرهم يقول : «إن من أمتي لمن يشفع لأكثر من ربيعة ومضر، وإن من أمتي لمن يعْظُمُ للنار حتى يكون زاوية من زواياها، وما من مسلمين -يعني أب وأم- يموت لهما أربعة من الولد إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته إياهما ، قالوا : يا رسول الله أو ثلاثة ؟ قال: أو ثلاثة ، قالوا : أو اثنان ؟ قال : أو اثنان»، هكذا جاء هذا الخبر وتعددت الأخبار عن النبي المختار. وجاء في رواية البزار عن أبي موسى الأشعري عن النبي : «الحاجّ يُشفّع في أربعمائة من أهل بيته، ويخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه»، الحاج من كان حجه مبروراً ، وهو من يشفع . 

وهكذا أرباب الشفاعات على درجات يوم القيامة «يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته» يوم القيامة، في رواية أبي داوود والطبراني والبيهقي عن أبي الدرداء «يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء» رواه ابن ماجه والبيهقي في شُعب الإيمان. قال الغزالي : أعظم برتبة تلي النبوة وفوق الشهادة، الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء، فيشفع العلماء قبل الشهداء، قال يُوزنُ مداد العلماء ودم الشهداء فيرجح مداد العلماء على دم الشهداء، وهذا المقام المحمود للشفاعة العظمى «وأنا أولُ شافعٍ وأول مشفَّعٍ» وبعده تقوم الشفاعات على حسب الدرجات .

(( وأن يؤمن بإخراج من دخل النار من أهل التوحيد حتى لا يخلد فيها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ))، فكل من مات وفي قلبه أدنى مثقال ذرة من إيمان فإنه سيؤول إلى الجنة ، ولكن قد يُعذَّب على فترات مختلفة، بحسب ما لم يعفُ الله عنه من سيئاته وأعماله فيُعذب سنة ، سنتين ، ثلاث ، أربع ، خمس ، ستّ ، سبع ، ثمان ،  عشر ، عشرين ، مئة سنة ، مئتين سنة ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، ونحن نار الدنيا اليسيرة ما تُصبر عليها دقيقة ولا دقيقتين ، كيف يوم ويومين ؟؟ لو أحد قال لك : تحمل الجمرة من جمرات الدنيا مدة ساعة ويعطيك ألف أو خمسة آلاف ، قال له : ولو عشرة آلاف ولو مئة ألف، تأتينا تحرق يدي من أجل ماذا ؟؟ ولا يقوى عليها ، قال : بس نصف دقيقة ؟ ولا نصف دقيقة ما تقدر عليها، وهذه النار الموقدة مضاعفة في حرارتها على نار الدنيا بسبعين ضعفاً، اللهم أجرنا من النار . وحتى يخرج آخرهم بعد سبعة آلاف سنة ، عمر كبير طويل؛ بسبب الذنوب والمعاصي، ونحن ما ندري وعمره كم  في الدنيا ؟؟ مسكين وقد كسب ذنوب تعذّب بسببها سبعة آلاف سنة ! فيكون آخر من يخرج من النار. 

فـ(( لا يُخلد فيها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان )) وبذلك جاءت عقيدة أهل الإيمان من أهل السنة بعيدة عن عقيدة المرجئة الذين يدّعون التخليد في النار بسبب ارتكاب الكبيرة ، فقالوا : من ارتكب كبيرة من الكبائر يُخلَّد في النار ! نعوذ بالله ، فلا بد أن يخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان . فقال المرجئة : ماايدخل النار من مات في قلبه إيمان ، والنبي  يقول : «يخرج من النَّارِ مَن كان في قلْبِه مِثقالُ ذرَّةٍ مِن إيمانٍ» ، مثقال حبة خردل من إيمان ، يخرج، كيف يخرج إذا ما دخل ؟ لا بد أن يدخل ، أو يخرج من غير ما يدخل !! ما يتأتى أن يخرج من النار حتى يدخلها:

  • إذًا فالقول بأن من مات على الإيمان لا يدخل النار أصلاً باطل 
  • والقول بأن المصر على الكبيرة لا يخرج من النار ولو مات مؤمناَ باطل ، 

ولكن من مات على الإيمان لا بد  له من دخول الجنة ولو بعد العذاب ، فيعذب الله من يشاء . 

ويُروى أيضاَ أن الله خصص طبقة من طبقات جهنم وهي الأولى وتسمى جهنم ، خصصها لعصاة الموحدين ، يعذّب فيها من لم يعفُ الله عنه من أهل التوحيد ممن مات على الإيمان ، ثم يخرجون منها ، حتى تخرج آخرهم  فتوصد الست الأخريات على أهلها فلا يطمحون في الخروج ، من جاوز الأولى إلى ما بعدها ليس له خروج ( وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا )  [المائدة:37]، من كان عنده ولو مقدار عنده ذرة من إيمان يبقى في الأولى ، وإن أدناهم وأهونهم عذاباَ من يُنْعل بنعلين من نار فيفور لهما دماغه ، يظن نفسه أشد أهل النار عذاباَ وإنه لأهونهم عذاب ، اللهم أجرنا من النار ، يقول : (( يؤمن بإخراج من دخل النار من أهل التوحيد حتى لا يُخلد فيها من في قلبه مثقال ذرةٍ من إيمان))  كما صح في الأحاديث .

(( وأن أهل الكفر والشرك -كل من مات على الشرك والكفر - مُخلدون في النار أبد الآبدين ، لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ ، وأن المؤمنين مخلدون في الجنة أبداً سرمداً -اللهم اجعلنا من أهل الجنة-، لا يمسهم فيها نصبُ وما هم منها بمخرجين  ))، ((لا يمسهم فيه نصب)) تعب ، ((وما هم منها بمخرجين)) ، فهم ما بين روح وريحان ، ونعيم لا يكيف ولا يوصف ، لا صخب ولا نصب ولا تعب ولا شيء ، لا تكدير ولا هم ولا غم، ولا أوساخ ولا قاذورات ولا نوم، ولا أي شيء من البول و لا من الغائط ولا من جميع القاذورات ، ولا في الجنة مخاطٌ ولا شيء مما يستقذر، فإذا أكلوا صار انهضام  طعامهم في بطونهم  يترشح به مسكٌ ، عندهم رشح ـ عرق ـ لكن كريح المسك ، فهذا هو فضلات طعام أهل الجنة ، سبحان الله .

يمشي كل شيء على ما يريدون بأمر ربهم ، فبمجرد إرادة أحدهم الشيء ينفعل ذلك الشيء ، حتى أنهم أحدهم ليرى الطائر السمين في الهواء ، فيريده مشوياً ، فيسقط بين يديه مشويًا ، وأي لقمة في الجنة مد يده إليها ، مالت في يديه، فإذا وضعها في فمه ذابت، فلا يتعب في المضغ،  إلا ما كان من لذة، ثم بوسطها طعم و لأولها طعم ولآخرها طعم ، كل طعم يبقى مقدار ألف سنة ، لا يمسح الذي قبله ، يطعم في اللحظة الواحدة ، عشرة .. عشرين ..  مئة ..  مئتين ..  ثلاثمئة .. سبعمئة .. ألف طعم ! هذا مظهر من مظاهر طعام الجنة ، ( وَإذا رَأيْتَ ثَمَّ رَأيْتَ نَعِيمًا ومُلْكًا كَبِيرا ) [الإنسان:20]، فإذا أكل الطائر كما اشتهاه فر ثاني مرة كما كان ، بل أحسن مما كان ، فلا ينقص شيء ، ( قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ) [الحاقة:23] قريبة ، إذا خطر على بالي ثمرة قربت مني ، و إذا وضع يده عليها انحلت له، خرجت ، إذا قربها افتكت له ، فما نحتاج إلى سكاكين تقطع في الجنة ، فإذا تجزأتْ له أخذها ، فإذا وضعها في فمه ذابت بطعومها في أولها وفي أوسطها وفي آخرها ، طعم في كل لقمة ، سبحان الله مُنعِّمهم .

 وهكذا يأتي إلى الأنهار الأربعة : نهر من ماء ، نهر من لبن ، نهر من عسل ، نهر من خمر ، إذا شرب من نهر اللبن بمجرد يخطر على باله نهر العسل ، يتحول النهر عنده من نهر اللبن ويأتي الى عنده  نهر العسل ، الناس يعرفون في عالم الكمبيوتر الأزرار ، تطلع وتنزل  !! في القيامة دار الضيافة تنفعل ، الزر حقها الخاطر ! إيش يخطر على قلبك !! تنفعل له الأشياء ، سبحان المكون الخالق.

يخطر على بال أحدهم وهو على سريره  أن يلاقي أخاه في الله فلان ، فيتحرك سرير هذا ويتحرك سرير هذا ، في نفس الوقت الي يخطر على هذا خاطر يخطر  على ذاك ! فيلتقيان ، فيقول أردت أزورك  فيقول وأنا أردت أن أزورك  (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ) [الحجر:47]، ثم يتلاقون أيضاً في أسواق الجنة ( وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ) [الطور:25]، إلى غير ذلك ، وكان نبينا إذا وصف نعيم الجنة ، وقف وقال : وفيها «ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ» .

(( وأن المؤمنين يرون ربهم في الجنة بأبصارهم على ما يليق بجلاله وقدس كماله ))، أي كما نطق به النبي محمد صلى الله عليه وآله و صحبه و سلم ، و منهم ما في صحيح مسلم : «وما بَيْنَ القومِ وبَيْنَ أنْ ينظُروا إلى ربِّهم إلَّا رِداءُ الكِبْرِ على وجهِه في جنَّةِ عَدْنٍ» . ثم إن هذه الرؤية التي وردت بالحديث قيّدها بمعنى قوله على ما يليق بجلاله أي : ليست كرؤية أجسام و لا غيرها فلا تختص بجهة و لا شيء مما يتنزه الحق تبارك و تعالى عنه ، و لكنه قُربٌ معنوي و تجلي و انكشاف معنوي وأنوار ربانية ، ولا يكون أحلى ولا ألذّ من النظر إلى وجه الله الكريم ، قال تعالى : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) [القيامة:22-23]، ومن لم يعقل هذه الرؤيا بهذا المعنى الواسع اضطرّ واحتاج إلى أن يؤول كلام النبي   في الرؤيا ، و كلامه واضح في الصحيحين و غيرهما : « إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَومَ القِيَامَةِ كما تَرَوْنَ هذا -القمر-، لا تُضَامُونَ في رُؤْيَتِهِ» ؛ و ذلك أعلى ما يُعطَون من النعيم حتى أن كلا منهم بعد كل نظر إلى وجه الله يزداد حسنه و يشرق بهاءه و يعظم نوره ، فأعلى المؤمنين من يُكْرم و يُمتع بالنظر إلى وجه الله في مقدار كل يوم و ليلة مرتين غدوة و عشية ، وأقلهم من يُؤذن له بالنظر في مقدار كل أسبوع في كل جمعة ، ففي يوم الجمعة يسمى في الجنة يوم المزيد ، و فيه يُكرم المؤمنون بالنظر إلى وجه ربهم جلّ جلاله ، من غير كيف و لا انحصار و لا جهة و لا شيء من صفات الكائنات ونعوت الخلق ، تعالى الله ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) [الشورى:11] .

هكذا ونأتي في الغد إلى ختم هذه العقيدة بكلامه عن أصحاب نبينا محمد صلى الله عليه و سلم الذين خلّفهم فينا نجوما نهتدي بهم رضوان الله عليهم .

الأسـئلـة و الأجوبة: 

س1: ماهو أصغر شيء في العالم؟                                                                                                     

** الذرة أصغر شيء في العالم الحسي وهو الجزء الذي لا يتجزأ لا يمكن تجزئته، يضرب به المثل في الصغر.

س2: متى يخرج آخر من يخرج من النار؟                                                                                                     

** آخرهم خروجا من النار بعد سبعة آلاف سنة وهو بعد سبعة أيام من أيام الآخرة ، و اليوم كألف سنة فيصير سبعة آلاف سنة.

س3: هل يمر الكافر على الصراط؟     

**الكافر لا يمكن أن يمر على الصراط  وإنما يسقط في النار ، نعوذ بالله تعالى و كذلك العصاة ثم ينجون و يمرون بعد ذلك بعد أن يعذبوا ، 

اللهم أجرنا من النار وأدخلنا جنتك بغير حساب برحمتك يا أرحم الراحمين

بسر الفاتحة

إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى  آله والأصحاب 

الفاتحة 

تاريخ النشر الهجري

13 شوّال 1436

تاريخ النشر الميلادي

29 يوليو 2015

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام