حقيقة عظمة الدين وزَيف مظاهر الفانيات

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة الحبيب عمر بن حفيظ في دار المصطفى ليلة الجمعة 15 صفر 1437هـ ضمن دروس إرشادات السلوك بعنوان: حقيقة عظمة الدين وزيف مظاهر الفانيات.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، مشرِّفنا بوحيِه وتنزيلِه، وخاتمِ رسلِه الذي قضى بتقديمِه وتفضيله، أدِم الصلاةَ على حبيبِك خاتم النبيين، وسيد المرسلين، وعلى آله الطاهرين وأصحابه الغرِّ الميامين، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين، وجودك يا أجود الأجودين.

الحمد لله الذي جعلنا وإياكم في أمةِ هذا النبي المصطفى، وعرفنا به سبحانه وتعالى سرَّ الخلق والوجود، في ما أوجد وأبدع وفطر لنحوزَ السعادة مع كلِّ مسعود، بحقائق الركوع والسجود والوفاء بالعهود، لنحوزَ سعادةَ الأبد في جنات الخلود، وننجو من النيران الموقدَة التي تطَّلع على الأفئدة، وتلكم هي الغايات التي لا يمكن أن تستكشف باستكشاف شيء مما أودع اللهُ من حكمةٍ وأسرار، في حيوانات أو نباتات أو جمادات أو فضاء أو كواكب وما إلى ذلك، فهي مائدة بسطها ربُّكم جل جلاله للبرِّ والفاجر، وكل مَن أقبل على شيء من شؤونها، اهتدى إلى شيء مِن دقائقها في حِرفة، في مهنة، في زراعة، في صناعة، في بناية وعمارات، ظاهرة، إلى غير ذلك من شؤون التجارات والحياة الدنيا، التي تتحول غاية عند من لم يعرف نفسَه ولم يعرف ربَّه؛ وبلسانِ أنها غاية ينادي أربابُ الكفر وإبليس وجندُه، ليخدعوا عقولَ الكثير من عباد الله سبحانه وتعالى، وإنما يخدعونهم لانقطاعهم عن سرِّ التلقي، وعن صدقِ الإقبال على الحق جل جلاله والترقِّي في ذلك بالتطهير والتنقِّي للقلوب والأفئدة، اللهم طهِّر قلوبنا وأفئدتنا، يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.

فيغدون بعد ذلك يفتخرون باكتشافِ كوكب، أو باكتشاف بعض خصائص حيوان، أو باكتشاف شيء في البحر، أو شيء في البر، أو في جسم الإنسان، وصحته، وأمعائه، وأعصابه، وما يتعلق بجسدِه، وكأنه غاية، إلى أين وصلتم؟ ما لهذا خُلِقنا، ولا إلى هذا ننتهي، ولو أخذنا كلَّ هذا ثم لم ندرِ مَن خلقنا، ثم لم ندرِ إلى أين المصير، ثم لم ندرِ لم خُلِقنا.. لكنا جهَّالا، لكنا بعيدين عن العقل والإدراك، فحقائق هذا العقل والإدراك بعث الله به الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم، ورزقنا اللهُ حسن إتباعهم، وحشرنا في زمرتهم، وكلُّ مَن انقطع عنهم فنداؤهم في المستقبل الكبير (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ * إنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)، هؤلاء الذين أدركوا الحقيقة، هؤلاء خيار الخليقة، وهكذا يجد الناس في حياتهم الحسيّة، أنَّ الذي لا يتوفر له ضرورة الطعام والشراب والمسكن والملبس ما يفيده أنه اتسع عنده فهم في ما يسمونه حقيقة علمية مثلاً، أو نظرية علمية، كما يسمونها، أو أي شيء آخر واحد وإذا كان عنده النقص في الطعام والشراب، الذي به حياته ثم كُدست له بعد ذلك الأثواب مثلاً بأنواعها وأصنافها ما أفادته شيء، وإذا لم يجد نصيبَه من الطعام تعرض لخراب الجسد، هذا أمر، معلوم واضح! لكن كل هذه المعارف والعلوم والأكل والشرب ومحتاجات الجسد، كلها أدواتٌ للمقصد الأكبر، لأن ينجو الإنسان من الكفر ومن النار، ومن الغضب ومن العذاب ومن العقاب، فإذا لم ينجُ من ذلك ما أغنى عنه شيء، كل ما في الدنيا، وكل ما فهم هذه الحقائق التي يجب أن ندركها فنحمد الله على نعمة الإسلام، اللهم كما أنعمت علينا بالإسلام فزدنا منه، وكما أنعمت علينا بالإيمان فزدنا منه، وكما أنعمت علينا بالعافية فزدنا منها، وكما أنعمت علينا بالعمر فبارك لنا فيه، يا الله، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 وهكذا الضرورة للإنسان، التي يترتب عليها النجاة من شقاوة الأبد، في الدين، في منهج الحق، في وحي الله، في ما حمله الأنبياء، في ما حمله الأصفياء على ظهر الأرض، هذه الضرورة، لا يغني عنها شيء آخر، وكانوا يذكرون على سبيل النكتة ويقولون: " واحد يتحدث مع الثاني وبعدين ما يعرف شيء، قال أنت ما عرفت النحو؟ قال لا، قال: فاتك نصفُ عمرك، فدخل وإياه في ماء وفاجأهم السيل وذا يسبح وذا ما يسبح، قال أنت ما تعرف تسبح؟ قال لا، قال فاتك عمرك كله"، خل النحو حقك يجي في مثل ذا الحال.

 الناس محتاجين لإنقاذ من غضب الله، لإنقاذ من نار الله الموقدة، ولذا حمل الرسالة صلى الله عليه وسلم ونادى طوائف قريش، (إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، وإنها الجنة أبدا أو النار أبدا)، هذه القضية الكبيرة: الجنة أبدا أو النار أبدا، هذه القضية، هذه المشكلة، هذا الأمر العظيم الخَطِرْ الذي يحتاجه الإنسان! أما ما عدا ذلك، فأمامك فرعون وهامان وقارون، وهل استفادوا شيء.. مِن مُلكِهم، مِن مالِهم، مِن ترَّهاتِهم، مِن بطالاتهم، مما عندهم، هل استفادوا شيء؟ في هلاك! في دمار، في ضياع، في شر، في شقاوة، في هلاك، في سوء، (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَاب)، والعياذ بالله تبارك وتعالى.

عشرات، مئات، ألوف من عقليات المسلمين ضحكوا عليهم، قالوا ما عندكم في هذا الدين، ما معكم فيه، عندنا الحقائق، ماذا عندكم؟ وعندنا اقتصاد وعندنا نظريات وعندنا مصانع.. يا غفلة! يا جهلة! يا فسقة! يا سقطة! ألهذا خُلقتم؟ جهلتم أنفسَكم وجهلتم ربَّكم ماذا عندكم؟ وهذه مائدة للبر والفاجر، فطرها الفاطر سبحانه وتعالى لا فخرَ فيها! ولا عزةَ ولا شرفَ فيها، (وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً)، قال كل الزخارف هذه الدنيوية ربي سأجعلها للكفار وحدهم، أحبابي المؤمنين لن أعطيهم شيئا، لولا أن تكون فتنة كبيرة على الناس، لكن جعلتُها للبر والفاجر والمؤمن والكافر حتى لا يذهب الناسُ كلُّهم وراء البطالة، (وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً)، يعني يكفرون كلهم (لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * لِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُون * وَزُخْرُفًا) قال هذه المظاهر كلها سأجعلها لمن كفر بي، فقط! لولا أن يكون الناس أمة واحدة (وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) وما هو متاع الحياة الدنيا؟ اقرؤوا في الآية الثانية، (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ)، تعرف القليل هذا هو القليل، هم وزخارفهم وطائراتهم وسياراتهم، وقصورهم قليل قليل قليل قليل قليل، قليل من الحقيقة الكبيرة، (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً)، (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ) وهذا مثاله كله (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَراًّ ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً) والحياة مقبلة علينا كلنا من صدق ومن لم يصدق لكن معنا مهمة في الحياة ما دمنا على ظهر الأرض معطون من الله تعالى هذه الأسماع وهذه الأبصار وهذه العقول وهذه الصحة وهذه القوة وهذه القدرة وهذه الاستطاعة للحركة والقيام، ما دمنا في هذا عندنا أمانة أخذ منهاجه سبحانه، أخذ دينه، العمل به، تبليغه لعباده سبحانه وتعالى تعرضاً للخير وأداءً للمهمة الكبرى ونفعاً للعباد استعداداً للقاء رب العباد جل جلاله، فنريد نؤدي المهمة كما أحب منا جل جلاله وتعالى في علاه حتى نلقاه على حال جميل وهو راض عنا.

وما أعرف غايةً فوق هذه الغايات، لا يغركم أحد، لا يغشكم أحد، لا يكذب عليكم أحد، خَدعوا كثيراً من رجالِنا ومن نسائنا وغرُّوهم فصدُّوهم عن سبيل الله، فأعرضوا بوجوهِهم عن إلههم فمَن يُغنيهم ومن يعوِّضهم عن هذا الإله؟ فهم رثوة، الله ينقذهم وينقذ قلوبَهم. يا رب انحدروا مِن سلالاتٍ مسلمةٍ، وبعضهم له في الإسلام من قرون قد دخلوا أجداده وآباءه، واليوم يُغرُّ، واليوم يُخدَع بما يَعرض هؤلاء الكفرة والفجرة ويضيّع الفرائض ويرتكب المحارم ويحتقر منهجَ الله ويحتقر عظمةَ دين الله ومنزلة محمد بن عبد الله، يا رب انظر إلى هذه القلوب وردَّهم إلى حقائق الإسلام والإيمان، لا تُفرِّح بهم عدوَّك الشيطان ولا حزبَه ولا جندَه وانشر الهدايةَ في البرية.

ولكن يا أحباب هذا مظهر استغناء الحقِّ عن الخلق، غني عن العالم، فما ينال الهدايةَ إلا مَن سبقت له منه العناية، اللهم اهدِنا فيمن هديت، وانشر بنا أنوارَ الهدى فيمن برأت وذريت يا أرحم الراحمين يا الله.

 وقد مضى أئمتُنا في مثل هذا الوادي يدركون حقيقةَ المهمة والقيام، وكان يقول في نفع الخلق وحَدوِهم إلى الرب وإدراك مهمتهم التي خُلقوا من أجلها الحبيب علوي بن شهاب عليه رحمة الله: شحَّبت بحلقي فيكم وما أنا منتظر المعاونة ولا المساهمة ولا الأجرة ولا الجعالة مِن أحد منكم، منتظر أن أرافقَ أهلَ الرفيق الأعلى، أريد مرافقتَهم ورضاهم هناك.

ثم سمعنا ولده الحبيب محمد بن علوي عليه رحمة الله قبل وفاته بأسبوع يقول في مسجد سرور: سبق أن الوالد شحّب بحلقه فيكم وأراد ما أراد، قال ونحن نشحِّب بحلقنا.. لنؤدي مهمتنا في الحياة حتى نلحق بالبرزخ الزين وأهل الدرجات هذه.. وفي الأسبوع الثاني لحق بربه.. عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.

هذه مهمة الحياة، هذه واجبات الحياة، هذه حقيقة الحياة، واسألوا أصحابَ الرعيل الأول أتباع محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تدركون حقائقَ فوزهم وإدراكهم للحقيقة الكبرى عليهم رضوان ربنا جل جلاله. فخذوا نصيبَكم مِن صدقِ الوجهة إلى رب الأرباب ومسبِّب الأسباب الذي بيده ملكوتُ كل شيء، لا إله إلا هو عليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير. اللهم اكشف الضر عنا وعن المؤمنين.

وبذا سُخِّر كثيرٌ من المؤمنين ومن أجل أغراضه الحقيرة الفانية صار عبداً وصار هواه وشهوته معبوداً له.. ما هذا!؟ هذا واقع في صفوفنا معشر الأمة.. أي انقطاع عن النور.. ضَعف في الصلة بالحق وهدي الحق وكلام الحق وبلاغ رسول الحق.. وما خلف فينا ربَّى فينا نفوس بهذه الصورة من أجل يسير من الدنيا مستعد يكذب ويسب ويشتم وحتى يقتل.. لا لله ولا لدين الله ولا لشريعة الله.. لهواه.. لشهوته.. لعرض من الدنيا يسير.. ويصير الحال في الكثير منهم يمسي مؤمنا ويصبح كافرا ويصبح مؤمنا ويمسي كافرا والعياذ بالله تبارك وتعالى، يبيع دينه بعرض من الدنيا يسير، لأنه فقد معرفةَ الدين.. فقد معرفةَ قيمة الدين.. فقد معرفةَ عظمة الدين.. فعظِّموا الرحمن يَعْظُم عندكم دينُه ويَعْظُم رسوله ويَعْظُم وحيُه ويَعْظُم قرآنه.

وفي مثل هذه المنازل والمحافل تُقبس أنوارُ هذا التعظيم في القلوب والأفئدة فيكون من أغلى الرزق الذي يرزقه الله العباد، إلا.. تسابقوا وفي مثل ذلك (فَليَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ) ربما سبق من سبق ما هو من عموم أهل البلد، من الجالس في المجلس في انفتاح القلب وقبس هذا النور، في واحد بعيد يتابع عبر شاشة أو عبر شيء من الأجهزة وانقدح فيه نوره أكثر من واحد حاضر لصدق الوجهة، لصدق الإقبال على الكبير المتعال جل جلاله، الذي منه المبتدأ واليه المآل وهو مفيض النوال (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) (أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ۚ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) (أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَٰنِ ۚ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ).

 فلا تكن أيها المؤمن مغرورا، اترك الغرورَ للكافرين فليفتخروا بأسلحتهم وما عندهم، إلى أين يمضون وإلى أين يمشون إن لم يستجيبوا لداعي الله فويل لهم.. ثم ويل لهم.. ثم ويل لهم.. وماذا يساوون ومن هم.. بشر مثلنا في أصل التكوين والبشرية أعرضوا عن الحق بعدما بلغهم دعوة الحق وبعدما وصل إليهم وعندهم القدرة على ذلك فمن هم؟ فالمعظم لهم مستصغر للحق.. مستصغر للوحي.. مستصغر للدين والعياذ بالله تعالى، كذب في قوله الله أكبر.

الله يرزقنا الصدق حتى نجتمع في يوم في زمرة سيد القوم (يَومَ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدقُهُمُ) والصادقين كلهم يجتمعون تحت مظلتِه ورايته، وهو سيدهم وهو إمامهم، أصدق من خلق ربُّكم ظاهراً وباطناً، حساً ومعنىً، في كل مقامٍ كريم وفي كل حال شريف هو الأصدق وهو الأسبق حبيب الحق محمد.. عبد خالص. تعرف ما معنى عبد خالص؟ خلّصه الله تخليصاً لم يشركه في سمو ذلك التخليص غيره من الخلائق، جعل له سلامة وخلوصا كاملا تاما بكل معنى ما وقع لغيره من الخلائق لا إنس ولا جن ولا ملائكة، سبحان الذي خلًّصه، سبحان الذي استخلصه، سبحانه وتعالى.

وعبَّر عن معنى يقول فيه الحق: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) تعرف واحد قال له رب العرش فإنك بأعيننا؟ هذا حبيبه محمد.. كيف ما تفرح به؟ كيف ما تفتخر به؟ كيف ما تحبه؟ كيف ما تنتهض لمتابعته؟ وين هذا الحبيب؟ هذا يقول له رب العرش: (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) ماذا قال له ربك؟ (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) وعندك أعظم من هذا الإله؟ فمن في كون ربي أعظم من حبيبه محمد؟ اللهم املأ قلوبنا بمحبته وارزقنا حسن متابعته، واحشرنا جميعاً في زمرته يا الله..

الرعيل الأول خصصتَهم بمزايا وخصائص ولكن فاضت خزائن رحمتك بمعاني من سرِّ تلك الخصائص في الأزمنة والعصور المتعاقبة إلى عصرنا هذا، فنسألك بما بينك وبينه وبمحبَّتك له ومحبته لك أن تخصَّنا بنصيب وافرٍ وافٍ من هذه الخصائص والمزايا في صدقِ الإقبال، والمعرفة بأسرار الإنزال، والوجهة إليك في جميع الأحوال، والتحلِّي بشريف الخلال، واغتنام الأيام والليال، حتى نلقاك على أحسن الأحول يا كريم يا وال، يا حي يا قيوم، يا مولى الموال، يا جزيل الإفضال، يا سامع الدعاء والمقال، يا من يفيض الفضل من حضرته من غير حدٍّ ولا حصرٍ ولا مقدار، بل بما يليق بالجود والمنح والعطايا من حضرته العظيمة بالمزايا الكبار.

فنسألك يا قهّار يا غفّار يا جزيلَ العطايا أن تُكفِّر عنا الذنوب والخطايا، وأن تصفِّي لنا السرائر والطوايا والقلوب والمرايا، حتى ننظر الحقَّ صريحاً جلياً ونمشي في طريق الهدى سبيلاً سوياً.

 اقبلنا يا حي يا قيوم يا الله، بارِك لنا في الاستظلال بلواء هذا النبي، حتى نجتمع تحت ظلِّ لوائه في غد، وتحت ذاك اللواء آدم وشيث بن آدم وإدريس ونوح وهود وصالح ومَن شئتَ من المقربين والصديقين والنبيين كلهم تحت هذا اللواء، صلى الله على حامل اللواء، والله يجعلنا تحته، ويجعلنا معهم هناك يا حي يا قيوم، نثبت في أيامنا وليالينا على طاعة الله والرسول فنحوز ذلك (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا * ذَٰلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ عَلِيمًا) صدقت يا ربنا منك الفضل فتفضل علينا فإنا بفضلك سألناك ذلك الفضل، فيا من ابتدأتنا بهذا الفضل أتمم علينا النعمة وحققنا بنيل هذا المنال يا الله.

ولِعِظَم هذا المطلب يحق أن ترغب فيه إلى الرب وتقول يا الله بكليتك كلها تتوجه بها إليه وحده وتناديه ليتحفك بهذه العطية والمزية وتقول لرب العرش السامع لكل شيء، المحيط بكل شيء، القادر على كل شيء، المطلع عليك، الناظر إليك، تقول له: يا الله.. ما أعظم مَن ناديتم وَمن إليه توجهتم ومن له دعوتم وسألتم.. إنه الله رب كل شيء، مليك كل شيء، بيده ملكوت كل شيء، القادر على كل شيء، اللهم يا رب كل شيء بقدرتك على كل شيء اغفر لنا كلَّ شيء، وأصلح لنا كل شيء، ولا تسألنا عن شيء، ولا تعذبنا على شيء، ولا تحرمنا من الخيرات شيئا.. يا الله يا الله يا الله.

إن وقف الواقفون على أبواب غيرك فالجمعُ تحت راية محمد يقف على بابك، يستكشفك الكروب والخطوب والنوائب والبلايا والآفات الواقعة بالأمة في قلوبهم وقوالبهم، فيا كاشف الكرب نسألك وحدك فاقبلنا وارزقنا صدقَ الجمعية وصدق الوجهة وصدق الإقبال وصدق النداء وصدق الدعاء وصدق التضرع وصدق الابتهال، سائلينك راجينك مُلحِّين عليك، نهتف كلُّنا باسمك الأعلى الأعز الأجل الأكرم يا الله يا الله.. أنت لحَضرَموتِنا.. أنت ليَمنِنا.. أنت لشامِنا.. أنت لشرقنا.. أنت لغربنا.. أنت للقلوب التي خُدعت والتي أظلمت والتي تَولَّت، يا الله.. أنت كافي شرور عدوك إبليس وجنده في المشارق والمغارب، يا الله أنت محيي هذا الدين وناصر الحبيب الأمين، والذي وعدته بظهور رايته في جميع العالمين، فصلِّ عليه وأرنا رايته منشورة، ومعالم دينه وسنته معمورة، في جميع أراضي ومدن وقرى المعمورة يا الله، واجعل القلوبَ الحاضرة بنور الصدق معك مغمورة، وبعين العناية منك منظورة، يا الله يا الله.

بالصدق قل يا الله، فإننا نُعدُّ وجهتَك هذه لساعة لقائك له يوم تلقاه، فبالصدق والخضوع والخشوع قل يا الله، يرحمك عند الموافاة ولحظة الوفاة.. يثبتك الله.. لا يتزلزل قلبُك ولا يزيغ ولا تخرج عن الهدى ولا تطرقك ظلمة ولا يُنزع منك نورُ الإيمان.. وتُلهم الرشد وتُثبّت وتُلهم النطق بلا إله إلا الله.. اجعل آخرَ كلام كل فردٍ من الحاضرين ومن يسمعنا من حياته الدنيا: لا إله إلا الله، وهو في تلك الساعة حاضر القلب معك، مشغوف بمحبتك وقربك، صادق معك مقبل عليك يحب لقاءك وتحب لقاءه، مختوماً له بحقائق لا إله إلا الله.

اقبلنا يا رب وأجِب سؤالنا يا ربنا يا مولانا يا حي يا قيوم يا إلهنا يا الله حسنَ الخاتمة لجميعنا، ومَن في بيوتنا، ومَن في أصلابنا وأصحابنا وطلابنا وأقاربنا وذوي الحقوق علينا وجيراننا ومن والاهم فيك يا الله، ارزقنا كمالَ حسن الخاتمة عند الوفاة.. يا الله يا الله يا الله.. بين يديك والحال لا يخفى عليك، والأمر كله منك وإليك، أنت الذي وهبت، أنت الذي وفقت، أنت الذي أعطيت وبعد هذا العطاء أيُظن بك أن تُوصد الباب دون وجوهنا أو تردنا حسرى مِن فناء الوجهة إليك؟ لا بالذي أرسلته.. لا بالذي اصطفيته.. لا بالكتاب الذي أنزلته.. لا بعزتك وعظمتك وكبريائك وعفوك ومغفرتك وصفحك وأُلوهيتك وربوبيتك.. لا خيبتَ لنا رجاء، ولا رددتَ لنا دعاء، ووهبتنا فوق الرجاء.. يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله.. استشعر أنه يسمعك.. استشعر أنه بذاته العلية التي تعالَت عن أن يشابهَها شيء الذي ليس كمثله شيء يسمعك.. استشعر أنه يسمعك وخذ كأساً من النعيم المعجَّل وقل يا الله..

هو بذاته تعالى في علوِّه يسمعنا.. هو بذاته تعالى في علوِّه يسمعنا.. هو بذاته.. هو بذاته تعالى في علوه يسمعنا وينظرنا يا الله يا الله.. اقبلنا على ما فينا وأقبِل بوجهِك الكريمِ علينا..

للاستماع إلى المحاضرة

http://www.alhabibomar.com/Lecture.aspx?SectionID=8&RefID=6771

 

 

 

العربية