معاني السماع وإسماع الحق من يختصهم ممن علم فيهم الخير

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ، ضمن سلسلة إرشادات السلوك، بدار المصطفى، ليلة الجمعة 3 جمادى الآخرة 1440هـ بعنوان: معاني السماع وإسماع الحق من يختصهم ممن علم فيهم الخير

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ للهِ الإلهِ الحقِّ الملكِ العظيمِ، الذي بيدِه الأمرُ كلُّه، وإليه يرجعُ الأمرُ كلُّه، نشهد أنه الله الذي لا إلهَ إلا هو وحدَه لا شريك له،  {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ } الملك1-2، ونشهدُ أنَّ سيِّدنا ونبيَّنا وقُرَّةَ أعيننا ونورَ قلوبِنا محمداً عبدُه ورسوله، اختيرَ وانتُخِبَ مِن قِبَل هذا الإلهِ أنْ يُنبِّه فأحسَن النَّبأ، وأن يدُلَّ فأحسَن الدلالة، وأنْ يُعلِّمَ فأحسَن التعليم، فالعالمُ إلى أنْ تقومَ الساعةُ في هدْيِ محمدٍ وآثارِه، وسِرايَة آثارهِ في الوجودِ ما يكفيهم وما يشفيهم، وما يدفعُ البلاءَ عنهم، وما يوقِفُهم على الحقيقة، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } النور63، {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } النور54.

ونشهد أنه بلَّغَ الرسالة، وأدَّى الأمانة، وأنه بكَى كثيراً مِن أجلِ الأمة، ودعا كثيراً للأمة، ونصح الأمة، وكشفَ الغُمَّة، وجلى الظُّلْمة، وجاهدَ في الله حقَّ جهادِه، وهو القائلُ وهو الصادق فيما يقول: ((ولقد أوذيتُ في الله ما لم يؤذَ أحد، ولقد أخِفتُ في الله ما لم يُخف أحد، ولقد مَرَّ عليَّ ثلاثون ما بين يومٍ وليلة ما لي ولبلال ما يأكله ذو كبد إلا كَفَّاً مِن شعيرٍ يُوارِيه إبط بلال))، قوتُه في الشهر، ما يوجد في الشهر كلُّه غير هذا الطعام، ما مرَّت علينا مثل هذا!، الشهر كامل هو وبلال له حبَّات مِن شعير شَطر يُوارِيه إبطُ بلال، وهذا قوتُهم طولَ ذلك الشهر، ((ثلاثين ما بين يومٍ وليلة، ما لي ولبلال ما يأكلُه ذو كبدٍ إلا كفَّاً من شعيرٍ يواريهِ إبطُ بلال)) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

وانظر إلى آثارِه، وانظر إلى أنوارِه، تَعلَم أنه محمد، تَعلَم أنه حبيبُ الواحدِ الأحدِ، تعلَم أنه الصفوةُ للإلَه، تعلم أنه الخاتمُ لأنبياءِ الله، والسيدِ لرسلِ الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وهدانا بِهُداه، وعلى مَن اتبعَه واقتفاه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين أئمةِ الهداة، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلى الملائكة المقربين، وعلى جميعِ عباد الله الصالحين، وعلينا وعلى أهل مجمعِنا، وعلى مَن يسمعُنا معهم وفيهم، برحمتك يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا الله.

يا مَن يُسمِع مَن عَلِم فيه الخير، ولا يَعلَمُ الخيرَ إلا فيمَن أرادَ له الخير، يا مُعطي كلَّ خير، يا مُتفضِّل بكلِّ خير، يا مَن بيدِه كلُّ الخير، يا دافعاً كلَّ شرٍّ وضيْر، مَن عَلِمتَ فيه خيراً أسمعتَه، وإنما تَعلَمُ الخيرَ في من أردتَ له الخير، وفي من وفَّقتَه للخير، وفي من وهبتَ له الخير، فيا ربَّ الخير، ويا مُعطيَ الخير، ويا مُتفضِّلاً بكلِّ خيرٍ اجعلنا جميعاً عندك مِن أهلِ الخير، وعامِلنا مُعاملتَك لأهلِ الخير، اللهم يا مَن وفَّق أهلَ الخير للخيرِ وأعانَهم عليه وفِّقنا للخير وأعِنَّا عليه، آمين يا الله، وأسْمِع الحاضرين والسَّامعين ذلك السَّماع الذي بيده تُحَازُ السعادةُ، وتُنَال الحُسنى وزيادة، ويَصلُحُ الغيبُ والشهادة، سماعٌ مَن سَمِعه منكَ عنكَ بكَ امتلأ لك حُبَّاً ومِنك، وامتلأ عنك رِضاً ومنك، فكان عبداً مُنْعَماً عليه، ليس له في العُقبى إلا رفقةُ النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحَسُن أولئك رفيقاً، ذلك الفضل مِن الله، وكفى بالله عليماًَ.

يا إلهنا مَن لم يسبِق له منك سابقةُ السعادة والخير ضَلَّ، فلا يسمعُ ذلك السماع، وانحصرَ في سماعِ وساوِسَ، وانحصرَ في سماع تلبيساتٍ وتدليساتٍ، وانحصرَ في سماعِ ما يدورُ بين الغافلين والغافلات، والجاهلين والجاهلات، وعاشَ طولَ حياتِه لا يَسمَع إلا قِبَل مَن عَلِمَ ظاهراً مِن الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلُون، لا يَسمَع مِن أهلِ العلمِ بك، لا يَسمَع مِن أهلِ المعرفةِ بك، لا يَسمَع مِن أنبيائك، لا يَسمَع سِرَّ وَحْيِك، لا يَسمَعُ إلا ما يدورُ بين الغافلين والمحجوبِين والمحرومين، ومَن أردتَ أنْ لا يشاهدوا في الآخرةِ وجْهَ نبي، ولا وجْهَ مُقَرَّبٍ ووليٍّ، مِنَ الذين حُجِبُوا عنك فهم المحجوبون، وقلتَ عنهم في كتابك: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} المطففين 7-15، لا يكلِّمُهم يومَ القيامة، ولا ينظرُ إليهم، ولا يزكِّيهم، ولهم عذابٌ أليم، وهم الذين لم يسمعوا في أيامِ هذه الحياة.

وما عُقِدَت هذه الاجتماعات إلا لِيفتَح مِن سِرِّ جُودِه أسماع كثيرٍ مِن عباده الإنس والجنِّ في الشرق والغرب ما به يَسْعَدون سعادةَ الأبد، ويرتبطون بالنبيِّ محمد، ويَصْدُقُ الواحد منهم في قولِه: {رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ ..} آل عمران193 ، والسامعون لهذا المنادي الهادي المعلم الحادي لا يجدون مجالاً في وِجهتهم ولا نِيَّتِهم ولا قُدرةً في توجُّهِهم لأن يخالفُوه ويطيعوا غيرَه قط قط قط، ويقول قائلُهم في ذلك كما قال ابنُ رواحة رضي الله تبارك وتعالى عنه:

وفينا رسولُ الله يتلو كتابَه ** إذا انْشَقَّ معروفٌ مِن الفجرِ ساطعُ

يَبِيتُ يُجافي جَنْبَه عن فِراشه ** إذا استثقلَت بالمشركين المضاجعُ

أرانا الهدى بعد العمى ** ............

فعبد الله بن رواحة رأى وسمع

أرانا الهدى بعد العمى ** ............

فما نتيجة الرؤيا والسماع هذا؟

............... فقلوبنا ** به موقناتٌ أنَّ ما قال واقعُ

مُسْتَقْبِل جميع مَن على ظَهْر الأرض في برازخِهم ويومَ القيامة ما قال هذا النبي، رؤساؤهم ومرؤوسوهم، صِغارهم وكبارهم، أمراؤهم ومأموروهم، ومُسْلِمُهم وكافرُهم، مُسْتَقْبلْهُم مُسْتَقْبِل لهم في البرازخ والقيامة ما قال هذا النبي، ووالله لن يستقبلَهم ما خالفَ قولَه مما تقول مُفَكِّروهم ولا عبقريوهم، ولا مؤسساتهم، ولا دُولهم، ولا حكوماتُهم، ولا مجالسهُم، ولا هيئاتُهم، لن يستقبلَهم مِن قولِ هؤلاء شيءٌ، وسيستقبِلُهم قولُ محمد، وسيَقْدَمون على حقيقةِ قولِ النبيِّ محمد، وعلى نتائجِ بلاغِ النبيِّ محمد، مِن حين أنْ يصلَ الروحُ في حلقومِ أيٍّ منهم، إلى ما بعد ذلك إلى الأبد.

وهنالك يقولون: {يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا }الأحزاب66، وهنالك يقولون لزعمائهم، وعن كبرائهم، وعن من اغترُّوا بهم أيام كانوا في الدنيا: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا } الأحزاب67، حجزُونا عن نورِك، وعن وَحْيِك، وعن حبيبِك، لعبُوا على عقولِنا، ضحكوا على عقولِنا، غرُّونا بالشهوات، غرُّونا بالماديات، غرُّونا بالمظاهر فنسيناكَ ونسينا الرجوعَ إليك، ونسينا أنك خلقتَها لنا لنستعملَها لا لتستعملَنا، فردُّونا لها مُستَعْبدَين مُستَعمَلِين،  {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً }الأحزاب68، هذه نهاياتهم، مع كبرائهم وزعمائهم، الـمُرَوِّجُون لهم مَسالك الضَّلال بأصنافها يقولون: { إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً}، {يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا الله وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا }، محمد صلى الله وسلم عليه وعلى آله.

{يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ }النساء42، لم يقل وعصوا جماعاتهم وهيئاتهم وأحزابهم، بل قال  {وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ}، المصيبة عند مَن يعصِي الرسول، {وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ}، يودُّون أن يُمسَخوا!، هذا الذي كان يصفقون له يَوَد أن يَمْتَسِخ، يَوَد أنه مُسَوَّى بالأرض تماماً {لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً }، فيا ويلَ مَن خالفَ الرسول، ويا ويلَ مَن خرج عن دَرْبِ الرسول.

وإذا أصابهم الغَشُّ بالنفخةِ الأولى في الصور، فنُفِخَت النفخة الأولى فصعقُوا فكانوا في مَرقد الصعقة، وإذا بالله يحيِي إسرافيلَ، قُم يا إسرافيل، يَقُوم إسرافيل، انفخ، فينفخ في الصور، وتطير كلُّ روحٍ لإنسان وجنِّي وحيوانٍ إلى الجسدِ الذي كانت فيه في الدنيا مباشرة، {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ } الزمر68، فإذا نفخَ في الصورِ يقول هؤلاء: {يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ..}يس52، لماذا ما بقينا في الصَّعقة وما قمنا؟!، { يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا}، فتناديهم الملائكة: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْـمُرْسَلُونَ} يس52.

 يا أحبابنا المرسَلُون هم الصادقون، يا أحبابَنا إلى كم يضحك علينا الضاحكون، المرسلون هم الصادقون، وكلُّ مَن خالفهم بأي اسمِ حضارة، بأي اسمِ اكتشاف وتقدُّمٍ فهو الكذاب، فهو الكذاب، فهو الكذاب، والله إنهم الكاذبون في كلِّ ما خالفُوا فيه المرسلين، وإذا جاؤوا قيل لهم: {هذا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ * إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً} يس52-53، قال الله لما نحشرهم صَعْبين علينا؟!؛ وقد خلقناهم من لا شيء ومِن نطفِهم، حَفْنَة تُراب كما ذه – يشير إلى قلَّتها-  كوَّن منها جسدَ آدم فنشرنا منهم ملايين الملايين مِن الأجساد، عبر نُطفٍ صغيرة ٍكما هذه، نُحوِّلها إلى علق، نُحوِّلها إلى مُضَغ، هل فينا عجز؟!، هل يُعجزنا شيءٌ عن التكوينِ والتقدير؟، {إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ}، والأول والآخر، {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً }الكهف47، لا طريق لواحد يَتْغَيَّب ولا يروح ولا يتعذَّر، أين سيذهب؟!، كلهم حضروا، الله أكبر، لا إله إلا الله،

{فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ * فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} يس53-54، انظروا إلى الآن ميزاننا، بَطَلت موازينكم؟!، عدَّى كذبُكم وتَحيُّلكم وتظاهرُكم بما لا تُبْطِنون, ولعبكم على بعضِكم البعض، وضَرْبِ بعضِكم ببعض، وإغراء بعضِكم ببعض.. كمَّل؟! شوفوا الميزان عندنا اليوم،  {وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ *  إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } يس54-55، يا رب اجعلنا منهم وفيهم ومعهم، ما هو شغلُهم؟!؛ الملائكة تناديهم وتُسلِّم عليهم، الأشجار يأكلون، الأنهار يشربون منها، الأرائك يتَّكئون عليها، هذا شغلُهم، والحق يناديهم ويُسلِّم عليهم: {سَلَامٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ }يس58، {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} يا خير شغل مشغولين به، {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ *  لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ } يس56-57، وفوق هذا كله وفاكهة وما يدَّعون قال الحق أنا ما أنساهم، وأنا أتَجَلَّى عليهم، أنا أخاطبُهم: {سَلَامٌ قَوْلاً} من أين؟! {سَلَامٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ}.

وهؤلاء اللي ما أطاعوا رسولَك وينهم؟!، كانوا يعدُّون أنفسهم قادةَ العالم، أين هم يا رب؟؛  {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ }يس59،  ابعدوا عن هذا الفريق، اخرجوا، لا ورود على الحوض، لا استظلال بظل لواء الحمد، ولا مرور على الصراط {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ}.

يقول الحقُّ يُخاطبنا أجمعين: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ *  وَأَنْ اعْبُدُونِي}يس60-61، يا رب حَقِّقْنا بِحقائقِ العِبادة، كلُّ حاضِر وكلُّ سامِع أكرِمه بحقيقةِ العبادة، اللهم أعِنَّا على ذكرِك وشكرِك وحُسنِ عبادتِك، حقيقةُ العبادة ليست صورَ الصلاة، ولا صورَ القراءة، ولا صورَ الصوم، ولا صورةَ العُمرة، ولا صورَ الحج، ولا صورةَ الصدقات، ولا صورَ مختلفِ الأعمال، حقائق العبادة: قلبٌ يخضع.. يخشع، يعلم أنَّ العَظمَة للرب وحدَه، يعلم أن مُكوِّنَ الكونِ واحِد، والأمر إليه والحقُّ ما قال هذا الواحد، {قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ }الأنعام73.

هذا حقائق العبادة وأُسُسْها، حقائق العبادة ما هو مُجرَّد كَثرة صلاة ولا صوم، حقائق العبادة: قلوب تخضع .. تخشع، تقوم على أساس ذِكر وشُكر، اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك، وهؤلاء إن صلوا فصلاتُهم صلاة، وإن صاموا فصومُهم صوم، وإنْ قرأوا فقراءتُهم قراءة، عليهم رضوان الله، وإنْ زكَّوا كذلك، وإن حجُّوا كذلك، وإن اعتمروا كذلك؛ لأنهم على بصيرةٍ وعلى عبادةٍ وعلى بَيِّنة، يؤدونها على وجهِها ويَقبلَها منهم الله، فتَعْظُم لا بمجردِ اجتهادِهم وإخلاصِهم وإنْ كان عظيماً، لكن حقيقة عظمتِها بقبولِ العظيم لها، لما يقبلها العظيم منهم، هذا العظيم الذي وفَّقهم وأكرمَهم يقبلُها منهم، فإذا قَبِلها منهم عَظُمَت بعظمةِ الله، عَظُمَت بقبولِ الله؛ فيُرَبِّي لأحدِهم صدقتَه كما يُرَبِّي أحدُكم فَلُوَّة، حتى تكونَ التَّمرة مثل جبل أحُد في وزنها، تَعْظُم بقبولِ الله لها، قال سيدنا علي: (لا يقلُّ عملٌ مع قبول) إذا قَبِلك في جلسة واحدة مِن ذا المجالس ما هي قليلة، وخيراتها جليلة، قَبُول في مجلس واحِد حُسن خاتمة، الظَّفَر بالفوز والسعادة عند مُلاقاة الحقِّ والوقوفِ بين يديه فيه، الثبات على المرورِ على الصِّراط فيه، في السَّاعة اللي قَبِلَك فيها هذه.

يا ربنا اقبلنا، اقبلِ الحاضرين، واقبل السَّامعين، وأسمِعنا.. وأسمِعنا.. وأسمِعنا ما أسمعتَ الصدِّيقين والشهداء والصالحين، ما أسمعتَ عبادَك المقرَّبين مِن أسرار ندائك وخطابِك وتعليماتِك يا حيُّ يا قيوم، وما أوصلتَ إلى تلك القلوب على أيدي النبيِّين والمرسلين، اللهم بهم أجمعين، وبخاتمِهم إمامهم عبدِك محمد أسْمِعنا، لا تَحْصُر سماعَنا فيما ابتليتَ به أكثرَ الخلق، واجعل لنا سماعاً لأسرارِ وحْيِك، وحقائق خِطابِك، وتعليماتِك وتوجيهاتِك وما أوحيتَ إلى أنبيائك وخاتمِ أنبيائك، هيِّء قلوبنا لهذا السماع، يا ذا الجودِ والكرَم والفضلِ العظيم المنتَشِر الـمُذاع، يا حيُّ يا قيومُ يا أرحمَ الراحمين، يا أولَ الأولين، يا آخرَ الآخِرين، يا ذا القوةِ المتين، يا راحِمَ المساكين، يا أرحمَ الراحمين أكرِمْنا في ليلتِنا بِسِرِّ السَّماعِ الذي خصَّصتَ به المقرَّبين، يا الله.

وبِمُجرَّد السَّماعِ تَعشَق، وبُمجردِ السماع للعِطر تَنْشَق، عِطر تنشقُه الرُّوح، إذا نَشِقَته الرُّوح تَعلَّقت بالإله، وهل شيءٌ أعظمُ مِن التَّعلُّقِ بالإله! عبدٌ ضعيفٌ حقيرٌ يتعلقُ بالإله، فينظر إليه الإله، ويرحمه الإله، ويتولاه الإله، ويُكرمُه الإله، ويجودُ عليه الإله، ويرضى عنه الإله، ولا يزال يُرَقِّيه حتى تأتي ساعةً يقول له: ((أُحِلُّ عليكم رضواني لا أسخطُ عليكم بعدها أبداً))، ولا يزال يُرَقِّيه حتى يكشف له عن الحِجاب فينظر إلى وجهِه الكريم، ما أسعدَ هذا العبد، ما أشرفَ وما أكرمَ هذا العبد، لكن مَن أعرض اللهُ عنه مَن له يا أحباب؟!، مَن له يا إخوان؟!، مَن أعرضَ الله عنه مَن له؟!، مَن له؟!، ويا رب لا تجعل في بيوتِنا مَن تُعرِض عنه، ولا تجعل في أولادِنا ولا أصحابِنا ولا طلابِنا ولا أهل بيوتِنا ولا جيرانِنا مَن تُعرضُ عنه يا الله، ويلٌ لمن أعرضَ الله عنه، فمَن له بعد الله؟، فمَن يهديه مِن بعدِ الله، ومَن يرحمهُ مِن دون الله، يا الله أقبِل بوجهِك الكريم علينا، هيِّء هذه القلوبَ والأرواحَ لشريفِ السَّماع، أنت القائل: {وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَّأسْمَعَهُمْ} الأنفال23، وقالوا فيمن حكيتَ عنهم: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }البقرة285، سمِعنا وأطَعنا،  {رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ}آل عمران193، اللهم إنَّ قلوبَنا وقلوبَ أهل مجمعِنا ومَن يسمعُنا آمنا بكَ وبمحمد، وما جاء به عنك، فاجعل فيها الخير، وأسمِعها سماعَك لأهلِ الخير، ومَن رضيتَ عنهم يا وليَّ الخير، يا مُعطي الخير، يا مُتفضِّلاً بالخير، يا الله، يا الله.

أيها الحاضر محضرَ القُرْبَة: إنْ أُكْرِمتَ بالسَّماع فقد انتفَت عنك الكُربة، أيها الحاضر محضر القربة: إن أُكْرِمت بالسَّماع نِلْتُ قُرْبَه، أيها الحاضر مَحْضَر القُرْبة: إن مُنح قلبُك وروحُك وسِرُّكَ سِرَّ السَّماع مِن نِداء الحق إياك على لسانِ عبدِه الذي علَّمكَ وهداك، فقد حُزتَ السَّعادة، والحُسنى وزيادَة، وأنتَ في مَجْمَعٍ عنه أخبرَ حبيبُ الرحمن عن ربِّ السموات والأرض أنه يقولُ للملأ الأعلى عن أهلِ تلك المجامِع: ((هم القومُ لا يشقى بهم جليسُهم))، فاسْتَسْعِدهُ يُسْعِدك، واسْتَزِدْهُ يَزِدك، إنه الله.

هل تخرج مِن صورةِ سماعِك لكلامي هذا حتى يعلمَ قلبُك وروحُك أنَّ اللهَ أسمعَك، وأنَّ اللهَ أوصلَ إليك خبرَ النَّبأ الذي حملَه محمدٌ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، حتى وصل إليك في هذا القالَب، فهل لك أنْ تخرجَ عن القالَب إلى القلْب، وهل لك أنْ تخرجَ عن الظاهرِ إلى الباطن؟ وهل لك أن تتهيَّأ للسماعِ وحُسنِ الاستماع،  {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ الله وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ } الزمر17-18، العُقَّال هم هؤلاء وحدَهم، والذي انحصر في سِعر الصَّرف وطلوعِه ونزولِه، والعِمارات وبناءها، والتِّجارات وما فيها، ولا سمِع هذا الكلام، ما هو ذو لُب، لا والله ما هو ذو لُب، ما عنده عقل، وإنْ ما أدرك هذا سيُدرِك.

والعقول هنا تَتشوَّف إلى هذا السَّماع، تجلس وتسمع بالأُذْن بالقلب، بالروح بالسِّر، وإذا به نداء مِن فوق، وإذا به نداء مِن فوق، إنما أوصَلَه إلينا  {إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } الزمر41، نرحم مَن شئنا فنوصلُه بِك إلينا، ونَدلُّه بك علينا، وندخلُهم في حضائرِ قُدسِنا، ونُعرِضُ عمن نُعرِض عنه، وأنت أعرِض عنهم، {فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ}النجم29-30، فوَّتُوا .. ضيَّعوا، سيَّبُوا الأشياءَ الكبيرةَ العظيمة.

أنتم في المجامع هذه تغبطكُم الملائكة، والملأ الأعلى، ما تعرفون قيمتَها وقدرها، ومَن عرف منكم عاده ما عرف، ومَن عرف منكم با يشوف بعد ذلك ما فيها ومعانيها أكثر وأكبر، مِن الغَرْغَرة وما بعدها، لكن مجامِع في الدنيا أصحابها يندمون، ومِن حين الغَرغَرة يبكون، وفي القبورِ يصيحُون، ولا يُغاثُون!، ممَّن أعرضُوا، ممَّن تولَّوا، ممن أدبروا، الحمد لله على سماعِ خطابِ الله، وخطابِ رسولِه ومُصطفاه.

وإذا أُكْرِمتَ بِبَرْقَة مِن بَوَارِق السَّماع تجد لذَّة كل ما مَرِّيت بآية يقول فيها الرحمن: يا أيها الذين آمنوا، وكان يذكرُ شئونَ هذا السماع سيدُنا ابنُ عباس، يقول: إذا وقفتَ عند آية يقول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ}، فأحضِر قلبَك وسمعَك؛ فإنه بعدها أمرٌ أو نهيٌ، قال بينك وبين الحقِّ سبحانه وتعالى خطابٌ ومُعاملةٌ يدلُّك على الطريق، يقولُ لك افعل كذا واترك كذا، إذا تسمع: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} اعرف مِن أين جاء ذا النداء، اسمع مع السامعين، وهكذا هكذا، يُخاطِبك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ}، وبعدين يُخاطِب: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}، الله أكبر، ثم تَسْتَحلي الخِطابات لما يُخاطب إمامَك: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ}،  {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} ،  {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ }،  {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ }،  {يس }، {طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى }، فتسمع حبيبَك يُخاطِب حبيبَه، وتسمع سِرَّ خطابَين لحبيبَين كيف ما يطيبُ لك؟! كيف لا يحلو لك؟!

يا ربِّ أكرِمنا بالسماع.. ، لما أشرقَت أنوارُ السماعِ على قلبِ سيدِنا عثمانَ كان يقولُ: لو طَهُرَت قلوبُنا ما شَبِعَت مِن كلام الله، كان يُحْرِم بالركعةِ ويقرأ الفاتحةَ والبقرةَ وآلَ عمران، والنساء، المائدة، والأنعام، والأعراف، ويكملها سورة بعد سورة، آخر ركعة: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ..}، يُكْمِل الخَتمة عثمان في ركعة واحدة!، يكمل {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}يركع بعد ذلك، يمُرُّ على هذه كلِّها مُسْتَحْلِياً للقرآن، الله يكرمنا وإياكم بنورِ هذا السماع، فهي عطايا.

الحمد لله يوم ما تَقَفَّلَت خزائنُها، يتحدثُ عنها مَن مضى مِن خيارِ الأمة والسابقون، ولكن الحمدُ لله يوم خزائنها ما تقَفَّلَت، يوم وهَّابَها ومالِكها يُعطيها مَن يشاء، وسَيُعطيها كثيراً مِن الجنِّ والإنس في زمنِنا وفي وقتِنا، وسيسمعون، وسيُراعون، وسيرتقُون في مراقِي هذا السماع، والذي قال:

مقامُ السماع مقامٌ شريف ** بصحب وزمن وموضع نظيف

لنا فيه يا صاح معنى لطيف ** يقيم اللطيفَ ويُفنِي الكثيف

سماعُ الرجال شهودٌ وحال ** بحقِّ اليقين ونفيِ المحال

يا سلام، يا رب أسمِعنا.. يا رب أسمِعنا، أنت تُسمِع مَن تشاء يا ذا الجود والعطاء، يا ذا الفضل والإسداء، إياك أمَّلنا، ولك طلَبنا، وفيما عندك رَغِبنا، وبفضلِك أوقفتَنا وعلَّمتنا الطَّلب والرَّغَب والسُّؤال، وأكرمتَنا بكلِّ ذلك، وأعطيتَنا إياه، ولا يُظَنُّ بعد ذلك أنْ تُحرمنا ما سألنا؛ بل ظنُّنا بك يا سميعُ يا قريبُ أنْ تهبَنا فوقَ ما طمِعنا، وأعلى ممَّا أمَّلنا يا مَن هو أملُنا، يا مَن هو ذُخرنا، يا مَن هو مَلْجأُنا، يا مَن هو مَلاذُنا، يا مَن هو إلهنا ولا إله لنا سِوَاه، يا مَن هو ربُّنا ولا ربَّ لنا غيرُه، يا الله، إنه يَسمَعُك وإذا شاء أسْمَعَك، فنادِه وقل له: يا الله، أنت تعلَمْ تُنادي مَن؟!، تسأل مَن؟!، تدعو مَن؟!، تطلُب مَن؟!، في محاضرِ الجُود، في محاضرِ الكرَم، في محاضرِ الإرثِ النبوي، في محاضرِ سلاسلِ النور، مرَّ بها الأكابرُ مِن الصحابة وآل البيت الطاهر، وطبَقة بعد طبقة، يشرُق فيها سناءُ المهاجر، وسناءُ المقدَّم، وسناء مَن قبل ومَن بعد، وتقول له: يا الله، في محاضرِ سناء مَن قد قبِلَهم قبلَك، وأسمَعَهم قبلَك، وقرَّبَهم قبلَك، وإذا شاءَ أسمعَك، وإذا شاءَ قَبِلَك، وإذا شاء قرَّبَك، وما لَك غيره، نادِ الله، قل: يا الله.. يا الله، يا مَن وفَّقتنا أنْ نقولَ: يا الله، لك الحمدُ يا الله، لك الشكرُ يا الله، يا رب أسْمِع قلوبَنا، وأذِقْها حلاوةَ المناجاة، ولذَّة الدعاء والمناجاة، وشريفَ المصافاةِ يا الله.

ندعوك تَسْتَحْلِيها هنا لِتذوقَ حلاوتَها هناك، يا الله ينطق بها مؤمنٌ في الدنيا فيستحليها تعظيماً لربِّه، فينزل منازِلَ قال الله عن أهلها: {.. وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً }الإنسان21، خَلِّ الشراب وما فيه، شوف الساقي مَن؟!؛ {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ}، هو يقول لك هذا، وأنت ترغيب أكثر مِن كذا مِن أين نجيب لك؟!، هذا أعظم ما يُرغِّبك الحق سبحانه، {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً *  عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ}، هذا الرب الذي جابك إلى هنا، اسمع: لو عاملَني بذنوبي وسيئاتِ أعمالي أنا ما أقدر أقوم هنا، ولا أقدر أدخل ذا المكان، اسمع: هو جابك لهنا، وإذا شاء يُسقيك إن شاء الله، {.. وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً }، مشكور مِن قِبَل مَن؟!، إذا شكرك الملائكة والملأ الأعلى والنبيُّون، لكن السبب هذا، هو الذي يشكرك جل جلاله، {وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً }.

يقول اللهُ لحبيبه محمد: اذكر لهم ذا الحقيقة لا يغيبون ولا يُختطفون ويبعدُون: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلاً * فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ}، فَهُنا الفوز والنجاح، دَعهُم يتعلَّمون مِن بعدك، أمتك في أي زمان كان، وقت أي تطبيل وأي إعلام وأي إظلام، وأي بلبلة، وأي قلقلة في العالم، دعهم يعرفون الحقيقة ومن أين النجاة، وكيف الفوز {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً }، كما قال الله: {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ }.

 يقول: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً }، وكيف المسْلَك؟، علِّم أمتَك مِن بعدك ماذا يغنمون في حياتهم: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ .. }، لا يأخذون لهم مسلسلات ويجيبون لهم جوالات يضيعون بها الليل، قال: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً }، هذا الشُّغل الذي به الفوز والسعادة، {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً }، الذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرِنا سأُرِيك حقيقتَهم: {إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ}، سَلَّط على قلوبِهم محبةَ العاجلة، وما يؤمنون إلا بالعاجلة، ولا يُحرِّضون إلا للعجالة،  {إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً }، كان بعض شيوخِنا ما يَمُر على ذي الآية إلا دَمَعت عينه!، وهو يذكر اليوم الثقيل ليلُه ونهارُه، وهو يخاف حال هؤلاء القوم.

{إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً }، والحقيقة: {نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ}، في حَد يخرُج مِن تحت سَمانا؟، في حَد يخرُج مِن فوق أرضنا؟، يقول دعهُم يتنازعون، وتقول الأرض كروية وإلا مُسطَّحة؟.. قال العلم كذا، يترامحون بينهم البين ما هم دارين بنفسهم عايشين فوق أي مكان، {وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ }، هم قال تحت القَبضة، ما أحد منهم يخرج عن الهيْمَنَة والسلطة، الله أكبر،  {نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً } في لحظة يروحون هؤلاء ونجيب غيرهم،  {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً }، لكن: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ }، اجعلنا ممن شئت أن يتَّخِذوا بكَ إليك سبيلاً، ويتخذوا حبيبك دليلاً، اللهم آمين.

يا رب.. يا رب .. يا رب، لا حَرَمْت قلباً مِن قلوب الحاضرين والسامعين إلا أسْمَعْتَه، يا الله، في ليلتنا هذه أو ما بعدها، قَبل أنْ يَخرُج من الدنيا، قبل أنْ ينقضي عمرُه، وقبل أن تنتهي أنفاسُه، أسمِعهُم يا رب، ما دام السماع ينفع ويرفع، أسمِعهم يا رب حتى كل قلب منهم يخشع ويخضع، أسمِعهم يا رب سماعاً به كل منهم إلى مراتبِ القُرب منك يُرْفَع، يا خير مَن يَسمَع، يا سَميع يا عليم يا الله، وكرِّرها راجياً وخاضعاً وخائفاً، مُتوجِّهاً إليه: يا الله.. يا الله.. يا الله.. يا الله.. يا الله.. يا الله، بقلوبِكم كلها، وبأرواحِكم كلها، وبأسرارِكم كلها، وكُلِّياتِكم قولوا لربِّكم: يا الله، ثُم أمِّلوا ما شِئتُم فيه، وارجو ما شئتم؛ فهو أكبر، وهو أعظم، وهو أرحم، وهو أسْخى، وهو أجْوَد.

الله، يا أحبابنا، الله، إنه الله، يا أصحابَنا، يا طُلابنا، يا سامعينا، ويا أرواح طاهرة: إنه الله.. إنه الله، فيا الله جُد، ويا الله أسْعِد، ويا الله قرِّب، ويا الله أسمِع، ويا الله انفع، ويا الله ارفع، ويا الله شفِّع المشفَّع.. يا الله شَفِّعِ المشفَّع.. يا الله شفِّع المشفَّع، صاحبَ الجاهِ الأوسَع، في مطالبِنا ومطالبِ جمعِنا، نتشَفَّع إليك بحبيبك محمدٍ صاحبِ الوسيلةِ والمقامِ المحمود، اللهم فشفِّعْه فينا، في الحاضرين والسَّامعين، وفي أهاليهم، وفي أولادِهم، وفي حياتِهم، وفي شئونِ وفاتِهم، وفي برازخِهم، وفي آخرتِهم.

يا الله.. الله كلُّهم يرَون وجْهَه، يا الله كلُّهم يصافحون كفَّهُ، يا الله كلهم يرِدُون حَوْضَه، يا الله كلهم يرافقونَه ، كلنا يا رب، آمين يا رب، هذا الدعاء ومنك الإجابة، هذا الدعاء ومنك الإجابة، هذا الدعاء ومنك الإجابة، يا ربنا منك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التُّكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 اللهم يا ذا الحبلِ الشديد، والأمرِ الرشيد، نسألكَ الأمنَ يومَ الوعيد، والجنةَ يوم الخلود، مع المقرَّبين الشهود، والركعِ السجود، الموفينَ لك بالعهود، إنك رحيمٌ ودود، وأنت تفعلُ ما تريد، يا الله، أصلِح لنا ديننَا الذي هو عِصْمَةُ أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، أصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، اجعل الحياةَ زيادةً لنا في كلِّ خير، واجعل الموتَ راحةً لنا مِن كلِّ شَر، بوجاهةِ حبيبِك وأهلِ قُرْبِك أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

للاستماع إلى المحاضرة

لمشاهدة المحاضرة

 

 

 

 

تاريخ النشر الهجري

03 جمادى الآخر 1440

تاريخ النشر الميلادي

08 فبراير 2019

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية