عُمر المؤمن ومهمة قيامه بمنهاج الله استعداداً للقائه

عُمر المؤمن ومهمة قيامه بمنهاج الله استعداداً للقائه
للاستماع إلى الخطبة

خطبة جمعة للعلامة الحبيب عمر بن حفيظ في جامع منطقة القوز، شرقي مدينة تريم، وادي حضرموت، 13 رجب الأصب 1439هـ بعنوان: عُمر المؤمن ومهمة قيامه بمنهاج الله استعداداً للقائه

الخطبة الأولى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

           الحمدُ لله ربنا وربِّ كل شيءٍ ربِّ العالمين، منه المبتدأ وإليه يرجعُ الخلائق أجمعين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له (جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا)، بيدهِ ملكوتُ كلِّ شيءٍ وإليه يرجعُ الأمر كلُّه، يحكمُ بين عبادهِ فيما كانوا فيه يختلفونَ، وكفى به سميعاً بصيراً، وأشهد أن سيدنا ونبينا وقُرَّة أعيننا ونورَ قلوبنا محمداً عبدُه ورسولُه، أرسله بشيراً ونذيراً، وداعياً إليه بإذنهِ وسِراجاً منيراً.

          اللهم صلِّ وسلم وبارك وكرِّم على عبدك المصطفى سيدِنا محمدٍ أفضلِ الخلائقِ لدَيك، وأعظمَهِم منزلةً عندك، وصلِّ معه على آلهِ المطهَّرين وأصحابِه الغُرِّ الـمَيَامِين، وعلى مَن سار على مِنهاجهِم واقتفَى أثرَهم إلى يومِ الدين، وعلى آبائه وإخوانه مِن الأنبياء والمرسلين، وآلهم وصحبِهم أجمعين، وعلى ملائكتِك المقرَّبين وجميعِ عبادِك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.

       أما بعد عبادَ الله .. فإني أوصيكم ونفسيَ بتقوى الله.. فاتقوا اللهَ وأحسِنُوا يرحمكُم الله (نَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).

     أيها المؤمنون: إنما المؤمنُ مَن راقبَ ربَّه فحاسبَ نفسَه، إنما المؤمن مَن عَلِمَ أن مرور الأيام عليهِ في الحياةِ الدنيا مُدنياتٌ ومُقرِّباتٌ إلى الأجلِ ووصولِ العقبى فأخذَ يستعدُّ للقاء مَن يعلم السرَّ وأخفى؛ مَن يحيطُ بضميره وقلبِه وما يخطر فيه، ويطّلع على كل ما يظهره ويُخفيه؛ إله العرش رب السماوات والأرض جل جلاله وتعالى في علاه.

تمرُّ عليك الليالي والأيام لتَتزوَّدَ، ولتستعدَّ للقاءِ الواحدِ الأحد، ولتقتديَ بالنبيِّ محمد. فما في الوجود أحقُّ مِن أن تقتديَ به وتهتديَ بهديِه مِن رسولِ اللهِ المصطفى محمدِ بن عبدِ الله، الذي قال ربُّك عنه آمراً له أن يُخاطبنا (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)، وعَدَ الغفرانَ والمحبة على اتباعِ سيدِ الأحبَّة عبدِه المصطفى محمد (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)، محبةُ الله في متابعةِ النبيِّ المصطفى صلى الله عليه وسلم،  فويلٌ لمسلمٍ يرضى لابنِه أو بنتِه أو لنفسِه أو لأهلِه أن يتَّبِعوا في زيٍّ أو منطقٍ أو لباسٍ كافراً أو كافرة، أو شريراً أو فاسقاً أو بعيداً عن الله تعالى، ويتخلَّفوا عن اتباع النبي محمد، ذاكم قلَّةُ  الإيمان، وذاكم ضعفُ الصلةِ بالرحمنِ والعياذ بالله تعالى، ألا إنَّ مَن تشبَّه بقومٍ فهو منهم .

كم مِن بناتِ المسلمين كأنها كافرةٌ من الكافرات في زيِّها ولباسِها !، كم مِن ابنٍ مِن أبناء المسلمين لا يعرفُ المسارعةَ لأداءِ الفرائضِ ولا الجماعةَ في المسجدِ ، ويعرفُ المسارعةَ للتفرُّجِ على الصورِ الخبيثةِ في جوالٍ أو شيءٍ مِن الأجهزةِ التي يحملُها ! ما هذا المسلك ؟! ما عرفُوا قدرَ العُمر! ما أدركُوا سرَّ الصلةِ باللهِ عالمِ السرِّ والجهر، ورسولِه محمدٍ المصطفى البَدر!

        أيها المؤمنون: إنَّ الإيمانَ في القلبِ يستبعثُ مراقبةً في السرِّ والجهرِ للربِّ سبحانه وتعالى، الذي قال لنا في كتابه : (وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)، أين يظهرُ خوفُ الله؟ في تركِكَ ما حرَّم؟ في ترككَ ما تشتهيه النفس وهو ممنوعٌ في شريعة ربِّك، وفي فعلِك ما يحبُّ جل جلاله وتعالى في علاه، في تركِك الغيبة والكلام على الناس، لا تتكلَّمْ على كبيرٍ ولا على صغيرٍ ولا على حيٍّ ولا ميِّت؛  واعلم أنك إن تساهلتَ وتكلَّمتَ اليومَ فستُؤخَذ بهذا الكلامِ أمامَ الحيَّ القيومِ.. فمَن لك؟ ومَن يُخلَّصُك؟ ومَن يُخارِحُك؟ ومن يُنجيك بين يديِ الله الذي قال: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ).

        أيها المؤمن: وقد أخبرَ نبيُّك صلى الله عليه وسلم أنه إذا تكلَّم المسلمُ على أخيهِ بكلمةِ سوءٍ ليست فيه، يريد أن يَشِينَهُ بها حَبَسَهُ الله يوم القيامة في رَدْغَةِ الْخَبَالِ في النار حتى يأتي بنفاذِ ما قال؛ ردغة الخبال: عُصارة أهل النار، أتدري ما عصارة أهل النار؟ القيحُ والصديد الذي يخرج مِن فروجِ الزُّناة والزَّانيات؛ فإنَّ فُروجَ أهلِ الزنا تسيلُ قيحاً وصديداً وتَعْظُم في الموطنِ يومَ القيامة. وهكذا أهلُ الفواحشِ مِن الزنا واللواط تَعْظُم فروجُهم بين يدَي الخلائقِ يومَ القيامة؛ يسحبونَها على الأرضِ، ثم يُعَلَّقُونَ في النار تسيلُ فروجُهم قُيحاً وصديداً والعياذ بالله تبارك وتعالى، نعوذ بالله مِن غضبِ الله، وردغةُ الخبالِ مجمَّع هذا العصار الذي هو حميمُ النار؛ الذي هو الشرابُ الشديد الذي يشربُه أهلُ النار والعياذ بالله تعالى، لا يكادون يُسيغونه ويُقطِّع أمعاءَهم (وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ).

يُحبَس في ردغةِ الخبال مَن تكلَّمَ على مسلمٍ بكلمةٍ سيئةٍ ليست فيه، يريد أن يشينَه بها يقول له الله: هاتِ بنفاذ ما قلت، قلتَ في فلان كذا ولم يكُن، هات نفاذ ما قُلتَ. مَن يُخَارِجُه؟ كيف يخرجُ من النار؟ والعياذ بالله، بكلمة!{وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخطِ الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعدَ مِن الثُّرَيَّا} { .. يهوِي بها في النارِ سبعين خريفاً }.

         أيها المسلم: احفظ لسانَك، صُن لسانَك؛ فإنَّ الجبارَ يرقبُ ما يخرجُ مِن بينِ شفتَيك قليلاً أو كثيراً صغيراً أو كبيراً ، واعمُر عمرَك بذكرِ الله، صلِّ على النبيِّ محمدِ بن عبد الله، أنت واحد مِن أمَّتِه وجبَت عليك محبتُه وطاعتُه، وسُنَّت لك كثرةُ الصلاةِ والسلامِ عليه في عُمرِك كلِّه وفي ليلةِ الجمعةِ ويومِ الجمعةِ خصوصاً .. فقل لي: حضرتَ الجمعة، كم صلَّيتَ على النبيِّ في هذا اليوم؟ وكم ستُصلي عليه؟ أتعرف الأمرَ الرباني والدعوةَ النبوية.. يقول الله : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، ثم يقول صلى الله عليه وسلم: { مَن صلى عليَّ مرةً واحدةً صلى اللهُ عليه بها عشراً }، ويقول: { إنَّ أولاكم بي يومَ القيامة أكثرُكُم عليَّ صلاة}، ويقول: { إنَّ مِن خيرِ أيامِكم الجمعة فأكثِرُوا فيهِ مِن الصلاةِ عليَّ؛ فإنَّ صلاتَكم عليَّ تبلُغُني حيثما كنتم، قالوا: يا رسول الله كيف تبلغُك صلاتُنا إذا أرِمْتَ – أي إذا بليت في القبر- ؟. قال : إنَّ اللهَ حرَّم على الأرضِ أن تأكلَ أجسادَنا معاشر الأنبياء} هكذا جاء في الحديث الصحيح، وصحَّ أيضاً في الحديث قول النبي محمد: {الأنبياءُ أحياءٌ في قبورِهم يصلُّون}.

 وشأنَ المقابر عندَ المؤمنين أنَّها إما رياضٌ مِن رياضِ الجنة، وإما حفرةٌ مِن حُفرِ النار،  ليست مجردَ حجَر ولا حصَى ولا تُراب، هذا مظهرُها الصُّوري الحسي؛ لكن حقيقة هذا الموطن الذي قُبر فيه الإنسان إما روضةٌ مِن رياض الجنة وإما حفرةٌ مِن حُفَرِ النار، فإن كان مِن الأنبياء أو مِن الشهداء فهو حيٌّ في قبرِه. ولا تأكلُ الأرضُ أجسادَ الأنبياءِ، ولا أجسادَ الشهداءِ، ولا أجسادَ العلماءِ العاملين بعلمِهم، ولا أجساد المؤذِّنين لمن أذَّن سبع سنوات محتسباً لله في مسجد يؤذن الصلوات الخمس لسبع سنين فإن الله يُكرِم جسدَه، فلا تأكله الأرضُ، هؤلاء الذين يشرِّفهمُ اللهُ.

 والخامس منهم: حافظُ القرآن إذا عملَ به؛ لم يكن غالياً فيه ولا جَافياً عنه، لم يكن حافظاً لله سابَّاً للعباد، لم يكن حافظاً للقرآن مقاطعاً للرَّحِم، حافظاً للقرآن عاقّاً لوالدين؛ فلا ينفعُه حفظُ القرآن، لكن مَن حفظَ القرآنَ فلم يغلُ فيه ولم يجافِ عنه لا تأكلُ الأرضُ جسدَه، وآية مِن آيات الله أرضٌ واحدة تأكل هذا الجسد ولا تأكل هذا الجسد ! كيف تُفرِّق ؟ وبأمرِ مَن ؟ جل جلاله وتعالى في علاه.

حتى أنه ليُقتَل الأشخاصُ في مكانٍ واحدٍ، في وقتٍ واحدٍ، ثم تأتي بعد مدة هؤلاء تورَّمت أبدانُهم وبطونُهم ورائحتُهم كريهة، وهؤلاء كأنما قُتلُوا في هذه الساعة، هؤلاء شهداء وهؤلاء مقاتلين مِن الكفار والفساق والعياذ بالله تبارك وتعالى، ما الذي يعمل في جسد هذا وجسدِ هذا؟ سبحانَ الله ربِّ الأجساد وربِّ الأرواح وربِّ كلِّ شيء، لا يكونُ شيءٌ إلا بقدرتِه وبإرادتِه جل جلاله وتعالى في علاه.

        أيها المؤمن: احفظْ لسانَك، وصُن عينَك عن نظرِ الحرام؛ فإنَّ ربَّك وصفَ نفسَه وقال لك: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ) نظرٌ بكبرٍ.. خيانة، نظرٌ بإرادةِ سوءٍ.. خيانة، نظرٌ بسوءِ ظنٍّ.. خيانة، نظرٌ إلى العورةِ.. خيانة، نظرٌ إلى الأجنبياتِ بالشهوةِ.. خيانة، (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)، (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ  إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ).

       أيها المؤمن: اغنَم عمرَك في استعدادِك للقاءِ ربِّك، ما جاءت الأيام لعباً ولا هزوءاً ، (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً) هذا يخلفُ هذا وهذا يخلفُ هذا .. ليل بعده نهار .. نهار بعدَه ليل (لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا)، لتتذكَّرَ وتُراجعَ نفسَك وتراجعَ حسابَك، راجِع حسابَك مع ربِّك، راجِع حسابَك في بيتِك وأسرتِك أقمتَ حقَّ الله فيهم أم لا؟ يصلون جماعة أم لا؟، { مُرُوا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبع، واضربوهم على تركِها وهم أبناءُ عشر، وفرِّقُوا بينهم في المضاجِع } إذا بلغُوا عشرَ سنين لا يبيتُون في فراشٍ واحد، تُفرِّق بينهم في المضاجع ليتربَّوا على الحياءِ والعِفَّة والْحِشْمَة التي أحبَّها اللهُ ورسولُه.. عكس ما تربِّيهم عليه المسلسلاتُ والمنظوراتُ السيئات، أقِم أمرَ الله واترك برامجَ الفجارِ والكفار، وخُذ إرشادَ الربِّ وبرامجَ النبيِّ المختار صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: { مُرُوا أولادَكم بالصلاةِ لِسَبع، واضربُوهم على تركِها  لِعَشر، وفَرِّقوا بينهم في المضاجِع}.

        أيها المؤمن بالله: ما تمرُّ عليك الأوقاتُ إلا لتستعدَّ ليومِ الميقات (لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) أن يشكرَ الإلهَ الذي خلقَه مِن العدَم، وأسبغَ عليه النعم، وهَبَهُ سمعاً وبصراً (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ  لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، تشكرونَ واهبَ النِّعَم، تسجدون له، تخضعون له، تُقِيمونَ الفرائض، تحرصُون على السُّنَن التي علَّمها إيَّاكم النبيُّ محمدٌ صلى الله عليه وسلم..

هل قرأتَ سورةَ الكهف في هذا اليوم؟

لم تُكْثرِ الصلاة على النبي..

 ولم تقرأ سورة الكهف..

 فبماذا تشكُر معطيك اللسان لتتكلَّمَ به؟ هل تشكرُه بأن تَسُبَّ؟ هل تشكرُه بأن تستعملَ اللسانَ في غِيبة الناس؟

 ربما مسلم جاء إلى الجامع، جاء إلى الجمعة، وقد اغتاب في هذا اليوم خمسَ أو عشرَ مرات ولا صلى على النبيِّ عشرَ مرات ولا خمس مرات ! لا إله إلا الله! أنت أُمرتَ في هذا اليوم بكَثرةِ الصلاةِ على النبيِّ أم أُمرتَ بالغيبة؟! . يا مؤمن ! احفظ لسانَك، صُن لسانَك، خَف عالمَ سِرِّك وإعلانِك، اُضبُط أقوالَك ، أكثرِ الصلاةَ على محمد، فإنه يقول صلى الله الله عليه وسلم: {مَن صلَّى عليَّ بعد عصرِ الجمعة ثمانين مرة غفرَ اللهُ له ذنوبَ ثمانين سنة}

         أكثِر صلاةً على المصطفى محمد، أكثِر استغفاراً خصوصاً في هذا الشهرِ الكريمِ مِن الأشهر الحُرُم؛ فردٌ مِن بينِ الأربعةِ الحرم، واحد فرد، وهو رجب؛ وثلاثةٌ سَرْد: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم؛ متوالية. ورجبٌ فردٌ، قال صلى الله عليه وسلم : { ورجب مُضَر الذي بين جمادى وشعبان}، هذا الشهر الحرام الذي جعله الله تعالى مُمَيَّزاً عن بقية الأشهر: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ).

         أيها المؤمن: اغنمِ الشهرَ، واغنَم تحقيقَ التوبةِ إلى ربِّك مِن الذنوبِ صغيرِها وكبيرِها، فإنه يُؤتَى الناسُ في  القيامة كُتُباً منشورة فيها جميعُ عملِه، فويلٌ لمَن لم يغفرِ له الله، وويلٌ لمن لم يَتُب إلى الله (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا  وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا  وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) .

ألا فاحمدِ اللهَ، إنَّ الحمدَ لله الذي وهبكَ السمعَ والبصرَ، ووهبك اللسانَ ووهبَكَ الأجهزةَ في باطنِك، ووهبكَ الأعصابَ، ووهبَكَ الخلايا، ووهبَكَ الأعضاءَ، وخلقكَ في أحسنِ تقويم، ووهبكَ الهواءَ تتنشَّقه وتتنَفَّسه مِن دونِ مُقابل، وأسْبَغ عليك نِعَمَه ظاهرةً وباطنةً، لله الحمدُ والـمِنَّة، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك الذي دعانا إلى الاستقامَة، وأمرنَا أن نغنمَ الليالي والأيامَ، فاتقِ اللهَ في كلَّ ما أعطاكَ مِن النِّعم، واشكُرِ العليَّ الأكرم، أخذَ اللهُ بأيدينا ورزقَنا شكرَه.

         ألا وإنَّ اللهَ تبارك وتعالى يقولُ في كتابِه العزيز: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، ويقول جل جلاله: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

( أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ  إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ  وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ  فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ * وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ  أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ* اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ  وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ * وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ  قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ  أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ * الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ).

       بارَكَ الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعَنا بما فيه من الآياتِ والذِّكرِ الحكيم، وثبَّتَنا على الصراطِ المستقيم، وأجارَنا مِن خزيِه وعذابِه الأليم.

      أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم، ولوالدِينا ولجميعِ المسلمين، فاستغفرُوه إنه هو الغَفورُ الرَّحيم.

الخطبة الثانية

         الحمدُ للهِ العالمِ بكلِّ شيء، القادِر على كلِّ شيء، الذي إليهِ مَرجعُ كلِّ شيء، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، الواحدُ الأحد الملكُ القيُّومُ الحي، وأشهدُ أن سيدَنا ونبيَّنا وقرةَ أعيننا ونورَ قلوبِنا محمداً عبدُه ورسولُه، أرسله بالهدى ودينِ الحقِّ ليُظْهِرَه على الدينِ كلَّه؛ فما تركَ باباً مِن أبوابِ الخيرِ إلا دلَّنا عليه، وأرشدَنا إليه، ولا باباً مِن أبوابِ الشرَّ إلا حذَّرنا منه ونهانا عنه، صلى الله عليه وسلم، اللهم صلَّ وسلِّم أفضل الصلوات والتسليمات على خيرِ البريَّات سيدِنا محمدٍ وعلى آلِه الأطهارِ وأصحابِه الأخيارِ، ومَن على طريقتِهم ومنهاجِهم سار، وعلى آبائه وإخوانِه مِن الأنبياءِ والمرسلِين وآلهم وصَحبِهم والملائكةِ المقرَّبين، وعلى جميعِ عبادِك الصالحين.

       أما بعد.. عبادَ الله .. فإني أوصيكم ونفسيَ بتقوى الله، فاتقُوا اللهَ، واخرجُوا مِن الجمعة بنُورِ تقواه..

 ما فرضَ عليكَ الجمعةَ لتأتيَ بلا حُضورٍ ولا تأمُّلٍ للمعنَى ولا تذكُّر ولا خًشوع، وتدخُل المسجدَ ثم لا تدري ما يُقال لكَ، وما أوامرُ الله ونواهيه، ثم تصلي بجسدٍ وقلبٍ غيرِ حاضرٍ ثم تخرج!!..  الله ما يَشْرَع عَبَثاً، والله ما يوجِبُ الأشياء لَعِباً؛ ما شَرَع الجمعةَ إلا لتتنوَّرَ وتتطهَّرَ وتستغفرَ وتتوبَ وتُنِيبَ وترجعَ وتخشعَ وتخضعَ، وتتذكَّر حسابَك بينَك وبينَه، تقوِّم نفسَك على السبيلِ الذي ارتضاه منك (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)، ترعى حقَّ الله في الوالدين فَتَبِرهما وتُحسن إليهما ، ترعى حقَّ الله في الزوجة فتأمرها بالمعروفِ وتنهاها عن المنكرِ وتحبَّب إليها الخير، تقومُ بحقَّ الله وأمانةِ الله في الأهل والولد، ترعى حقَّ الله في الخلوةِ وفي الجَلوة، وفي العملِ وفي الوظيفة، وفي مقابلةِ الصغيرِ والكبيرِ ، وفي مقابلةِ الرجلِ والمرأةِ، تَغُضُّ طَرْفَك عما أوجبَ اللهُ عليك الْغَضَّ فيه (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)، وقال عليه الصلاة والسلام: {مَن ملأ عينَه مِن الحرام ملأ الله عينَه مِن النار يومَ القيامة}.

ومقابلَ التَّتبُّع والنظر لعوراتِ المسلمين وللنساء الأجانب في الدنيا مكَاحِل مِن النار، ميل مِن النار يُكحَل بها عينُه التي عصتِ اللهَ، ولم تخَف؛، هذا جزاءُ الذي يُطلقُ بصرَه في النظرِ الحرامِ. يُكحَل بميلٍ مِن نار، أعاذنا اللهُ مِن النار مِن النارِ وشرِّها وحرِّها وضرِّها وعذابِها، إنه أكرمُ الأكرمين.

        أيها المؤمن: لا يمضي عليك رجب إلا وقد أحسنتَ الصِّلة بالرب، إنابةً وتوبةً وأدباً وخشوعاً وخضوعاً، حتى لا تغفلَ عن شهرِ شعبان الذي تُعرضُ فيه الأعمالُ على الله كما صحَّ عن نبيِّك محمد، يُكْثِر الصومَ في شعبان فسُئل؛ قال {إنه شهرٌ يغفل عنه الناسُ بين رجب ورمضان، تُعرض فيه الأعمالُ على اللهِ، فأحبُّ أن يُعرضَ عملِي وأنا صائم}.

         أيها المؤمن بالله: في الإسراءِ والمعراجِ الذي تذكرُه الأمةُ في شهرِ رجب، رأى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عواقبَ ونتائجَ أعمالِ أمَّتِه، وعمِلَ هو أعمالاً في تلك الليلة؛ فمنها أن قصدَ الأماكنَ الطيبةَ بأمرِ جبريل، بأمرِ الله ليصليَ فيها، ومنها المدينة المنورة، مرَّ به على البراق وقال: صلِّ هنا، ثم قاله له جبريل: أتدري أينَ صليت؟ بيثرب، طيبة حيث الـمُهَاجَر هجرتُك هنا، ومكانتك هنا، فهو مكانٌ معظَّمٌ، قصده جبريلُ والنبيُّ وصلى فيه، ثم مشى بالبراقِ، وقال: اِنزل فصلِّ هنا.. نزلَ فصلى، أتدري أينَ صليتَ؟ عند الشجرة حيث كلمَ اللهُ موسى، ثم مشَى بالبراق، اِنزِل فصلِّ هنا .. ونزلَ فصلى، النبي صلى الله عليه وسلم –هذا عمل النبي ومع جبريل- أتدري أين صليت؟ قال لا قال: ببيت لحم حيث وُلِد عيسى، وروى الإمام مسلم في صحيحه عن نبيِّنا صلى الله عليه وسلم قال: {مررتُ ليلة أسري بي على موسى وهو قائمٌ يصلي في قبرِه}، يزور قبر النبي موسى ويمر على موسى ويقصد قبر موسى وموسى قائم يصلي في قبره، يقول صلى الله عليه وسلم عند الكثيب الأحمر:{ .. لو كنت هناك لأريتكم قبره}.

فليست عقيدة المسلمين أن القبور تراب وحجرت وانتهت ؛ الكفار يئسوا من أصحاب القبور (كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ) أما عند المؤمن لا ؛ القبرُ إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار؛ القبرُ علامة لأمرٍ غيبيٍّ حدَّثنا عنه اللهُ ورسولُه، إما تنزِل عليه الرحمة، وإما ينزل عليه العذاب، جعلَ الله قبورَنا وقبور آبائنا وأمهاتنا رياضاً مِن رياضِ الجنة.

تذَّكر أيها المؤمن واغنمِ الشهرَ الكريم، وأحسِن إلى مولاك واتَّبع النبيَّ العظيمَ محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم،  وقالت السيدة عائشة : "ما بات عندي رسول الله ليلة إلا وهو يأتي فيها قبورَ المسلمين في بقيع الغرقد فيسلِّم عليهم"، كل ليلة يزور الأموات ويسلم عليهم، معك  أبوك وأمك ماتت لك منهم شهر شهرين ما تزورهم! لأنك مقصِّر، لأنك غافل، لأنك في العمر ذاهل عن مهماتك وأدبك وواجبك وبِرِّك، لأنك مشغولٌ بالصور وفي الفلوس والقروش لا تحسب حساباً للمصير ولا تزور القبور فتتذكر الآخرة!.

         أيها المؤمن: سُنَّة محمد غير هذا، طريقة محمد غير هذا؛ طريقة محمد أنه يعتني بالزيارة؛ طريقة محمد ليلة الإسراء والمعراج يمر إلى قبور الأنبياء، طريقة محمد كل ليلة يذهب إلى بقيع الغرقد ليزور المقابر؛ طريقة محمد يقول : {كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكِّرُكم الآخرة} ، طريقة محمد مضت عليها عائشة أم المؤمنين قالت: { كنت أزور قبر رسول الله غير مُنْتَقِبة، ودُفن أبي فكنتُ أزورُهم غير مُنْتقبة فلما قُبر عمر لم أدخل إلا وثيابي مشدودةٌ عليَّ، حياءً مِن عمر}، ليس في عقيدة عائشةِ أنها تراب وحصاة وانتهى! ، استحيَت مِن عمر وشدَّت ثيابَها وتحجَّبت حتى لا يراها عمرُ في قبرِه؛ هذه عقيدة عائشة أم المؤمنين، مِن أين جاءت بها، مَن شيخُها؟ درست عند محمد، أخذت علمَها مِن محمد صلى الله عليه وسلم؛ فهي تعتقد أنَّ أهلَ القبور يرونَها، وهي تعتقد أنه يجبُ أن تستحيَ منهم . هذا الذي علَّمه رسولُ الله أمتَه، هذا الذي تركه رسولُ الله لأتباعه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم،  وفي ذلك مشَت على سنتِه فاطمة الزهراء ابنته؛ وكانت في كل خميس تذهبُ إلى أُحدٍ فتزور عمَّ أبيها حمزة بن عبد المطلب سيِّد الشهداء في أُحُد وترجع عليها رضوان الله تبارك وتعالى.

         فليتذكر رجالُنا ونساؤُنا واجبَ الصِّلةِ بالله، والإقامة لأمر الله، وحضور القلوب في معنى الرجوع إلى الله تعالى والمصيرِ إليه.

        ألا ومِن خيرِ ما تشتغلون به كثرةُ الصلاة والسلام على النبي محمد، فإنَّ اللهَ أمرَنا بأمرٍ بدأ فيه بنفسِه، وثنَّى بملائكتِه، وأيَّهَ بالمؤمنين مِن عبادِه تعميماً؛ فقال مخبراً وآمراً لهم تكريماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)

      اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك المصطفى المختارِ سيدِنا محمدٍ نورِ الأنوارِ وسرِّ الأسرار، وعلى الخليفةِ مِن بعدِه المختار وصاحبِه وأنيسِه في الغار، مُؤازرِ رسولِ الله في حالَيِ السَّعةِ والضيق؛ خليفةِ رسولِ الله سيدِنا أبي بكرٍ الصديق.

        وعلى الناطقِ بالصواب، حليفِ المحراب، مَن شهدَت بفضله آياتُ الكتاب، ناشرِ العدلِ في الآفاقِ؛ أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب.

  وعلى الناصحِ لله في السرِّ والإعلان، مَن استحيَت منه ملائكةُ الرحمن، مُحيِي الليالي بتلاوةِ القرآن؛ أمير المؤمنين ذي النُّورين سيدنا عثمان بن عفَّان.

         وعلى أخِي النبيِّ المصطفى وابن عمِّه، ووليِّه وبابِ مدينةِ علمِه، إمامِ أهلِ المشارقِ والمغارب؛ أمير المؤمنين سيدِنا علي بن أبي طالب.

         وعلى الحسنِ والحسينِ سيِّدَي شبابِ أهلِ الجنة في الجنة، وريحانتي نبيِّك بنصِّ السُّنة، وعلى أمهما الحوراءِ فاطمةَ البتولِ الزهراء، وعلى خديجة الكبرى وعائشة الرضى وأمهات المؤمنين وبنات المصطفى الأمين، وعلى عَمَّيْهِ الحمزةِ والعباس، وعلى سائرِ أهل بيتِه الذين طهَّرتَهم مِن الدَّنسِ والأرجاس، وعلى أهل بيعةِ العقبة وأهلِ بدرٍ وأهلِ أحدٍ وأهلِ بيعةِ الرضوان، وعلى سائرِ الصحبِ الأكرمين، وتابعيهم  بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحمَ الراحمين.

        فإنا نتوجَّه إلى الرحمن أجمعينَ ونسألُ مولانا الغفارَ الكريم الستارَ المحيطَ بنا، اللهم أعزَّ الإسلامَ وانصُرِ المسلمين، اللهم أذلَّ الشركَ والمشركين، اللهم أعلِ كلمةَ الدين، اللهم دمِّر أعداءَ الدين، اللهم اجمع شملَ المسلمين، اللهم أيقِظ القلوبَ لِتَسْتَعِدَّ للقائك، وارزقنا اغتنامَ أيامِنا وليالينا لنمتثلَ أوامرَك ونجتنبَ عن نواهيك. اللهم ارزقنا الاتباعَ لنبيِّكَ محمد في الأقوال والأفعال والمقاصد والنيات، اللهم اعْمُر أعمارَنا بالطاعات والقُرُبات، وارزقنا إقامةَ الصلوات وإيتاءَ الزكوات، وارزُقنا اللهم الإنابةَ والإخبات، وارزقنا صومَ رمضان.

        اللهم بارِك لنا في رجب وشعبان، وبلَّغنا رمضان، وأعِنَّا على الصيام والقيام، واحفظنا مِن الآثام، ورَضِّنَا باليسيرِ مِن المنام.

      اللهم إنَّ نبيَّك بَلَغَنا أنك تغفر في ليالي المغفرة وأيام المغفرة وخصوصاً في أيام رمضان لمن لا يُشركُ بك شيئا إلا لأربعة: عاق لوالديه، وقاطع الرحم، والمشاحن الذي في قلبِه الشحناء لمسلم، ومتناول المسكرات، اللهم فلا تجعل في ديارِنا أحداً مِن هؤلاء، واعمُرنا واغمُرنا واشمُلنا بمغفرتِك يا خيرَ الغافرين، واعفُ عنا وارحمنا واجعلنا من التوابين واجعلنا من المتطهرين واجعلنا مِن عبادِك الصالحين، واغفر لآبائنا وأمهاتِنا وأجدادِنا وجدَّاتِنا وذوي الحقوقِ علينا، وللمؤمِنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، يا خيرَ غافر، يا حيُّ يا قادر، يا كريم يا فاطر، يا عالمَ الباطنِ والظاهر، يا أرحمَ الراحمين.. يا الله.

       نسألكَ لنا وللأمة مِن خيرِ ما سألكَ منه عبدُك ونبيُّك سيدُنا محمد، ونعوذُ بك مما استعاذكَ منه عبدُك ونبيُّك سيدُنا محمد، وأنت المستعانُ وعليك البلاغ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله العليَّ العظيم.

        (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)

       (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)

       (رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا)

       رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا  إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ

         عبادَ الله: إنَّ اللهَ أمرَ بثلاث، ونهى عن ثلاث: (إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)

 فاذكروا اللهَ العظيمَ يذكُرْكم، واشكرُوه على نعمهِ يزِدْكم.. ولذكرُ الله أكبر.

للاستماع إلى الخطبة

 

 

تاريخ النشر الهجري

15 رَجب 1439

تاريخ النشر الميلادي

31 مارس 2018

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

الأقسام